نهج الإصلاح الاقتصادي
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
حاتم الطائي
◄ ضرورة وضع أهداف تنموية مُلزِمة يُحاسَب عليها الوزير والمسؤول
◄ أنجزنا الكثير في مسيرة الإصلاح المالي.. وآن الأوان للإصلاح الاقتصادي الشامل
◄ نحتاج إلى مبادرات نوعية لتحفيز نمو القطاع الخاص وتقديم الدعم له
خطوة وراء خطوة، واقتصادنا الوطني يواصل تحقيق النجاحات؛ سواءً فيما يتعلق بالأداء العام من حيث الإحصائيات وما تكشف عنه من ارتفاع في كثير من المؤشرات، أو من حيث انعكاسات هذا الأداء على النمو الاقتصادي بشكل عامٍ، وجهود جذب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية القطاعات الأخرى، لا سيما تلك المُرتبطة بمُستهدفات رؤية "عُمان 2040".
ولقد برهنت التطورات المالية والاقتصادية الأخيرة، أهمية الإجراءات الناجعة والجهود التنظيمية في تحقيق الأهداف المنشودة، وتجاوز التحديات بمختلف صورها؛ الأمر الذي يفرض علينا الآن التفكير في مواصلة سلسلة الإصلاحات الهيكلية في منظومة اقتصادنا الوطني؛ إذ إنَّ مثل هذه الإصلاحات القائمة على التخطيط السليم والرؤية السديدة، نجحت في تجاوز ما يُمكن تسميتها مرحلة "عُنق الزجاجة"، واستطاعت عُمان أن تُحوِّل عجزها المالي إلى فوائض، وأن تُعزِّز من احتياطاتها النقدية، وأن تَزيد من استثماراتها النوعية. ولعل من أبرز المؤشرات التي عكست هذا النجاح، تراجع الديون السيادية من 20.8 مليار ريال عماني إلى 15.4 مليار ريال عماني؛ الأمر الذي ساعد على رفع التصنيف الائتماني لعُمان أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة، حتى استعدنا درجة الجدارة الاستثمارية.
لذلك نقول بكل ثقة إننا أنجزنا الكثير في مسيرة الإصلاح المالي، بفضل تخفيف أعباء الديون وشطب العجوزات المالية وتحقيق فوائض، وهو ما يستدعي بصورة مُلحّة أن تتكثف الجهود الآن نحو الإصلاح الاقتصادي، ونقصد بذلك اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتعزيز نمو القطاع الخاص وتفعيل أدواره، وتشجيعه على القيام بها، وفي مقدمتها توفير فرص العمل للشباب، وهو الملف الأكثر أهمية، والذي يحظى باهتمام الجميع؛ إذ لم تعد تصلح حالة الإنكار التي يعيشها بعض المسؤولين، ولم يعد مقبولًا الحديث عن صغر حجم السوق وعدم التزام الشركات بالتعمين، وغيرها من الحُجج والمُبرِّرات؛ لأن المعضلة الأكبر تتمثل في التحديات الهائلة التي يُلاقيها القطاع الخاص لكي يتوسع ويستطيع أن يوفِّر المزيد من فرص العمل.
ولقد استبشرنا خيرًا بما كشف عنه البنك المركزي العُماني قبل أيام قليلة، عن مجموعة من المبادرات الرقابية والتنظيمية المُبتكرة، والتي تتضمن عدة إجراءات مُهمة ذات صلة بالقروض والتمويلات الموجهة لقطاعات اقتصادية مُحدَّدة. وما لفت نظري في هذه المبادرات أنها أعلنت عن حجم القروض المُستهدف تقديمها بتسهيلات مصرفية للقطاع الخاص، والذي يصل إلى نحو 10 مليارات ريال عُماني، وهذا مؤشر جيد، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن هذه الحزم ستُعزِّز تنافسية البنوك في تقديم المزيد من القروض المُيسّرة للقطاع الخاص. ومن شأن هذه المبادرات أن تدعم نمو القطاعات غير النفطية، وهو ما أكد عليه البنك المركزي؛ حيث ستساعد المصارف على تقديم التمويل اللازم لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي المنشودة.
إذن نحن أمام خطوات جريئة وجديدة من المؤسسات المعنية بالتنمية الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بالتمويل الذي يمثل حجر الزاوية لأي نمو أو توسُّع في أي قطاع؛ إذ لن يتمكن القطاع الخاص من تنمية مشروعاته دون تمويل مصرفي بأسعار فائدة منخفضة، لا تتسبب في زيادة التكلفة النهائية. كما أن أي توسُّع في أنشطة القطاع الخاص، يعني بالضرورة مزيدًا من فرص العمل للمواطنين، ونُعيد ونؤكد أن ملف التوظيف يجب أن يكون الأولوية الأولى للجميع، حكومةً وقطاعًا خاصًا.
ولذلك جاء الدور لأن تؤدي البنوك الدور المأمول منها، في تمويل القطاعات الإنتاجية؛ بما يضمن زيادة الناتج المحلي وخلق فرص عمل، والتأسيس للكثير من المُمارسات المُحفِّزة للاقتصاد، علاوة على تحسين بيئة الأعمال التي عانى أصحاب الأعمال فيها كثيرًا، مما دفع البعض إلى إغلاق نشاطه التجاري أو إعلان الإفلاس أو التخارج من السوق بشكل عام والذهاب لأسواق أخرى تقدم كل ما يحتاجه المستثمر من تسهيلات، بما في ذلك التمويل الرخيص.
وبما أننا نحتفل اليوم، بيوم الصناعة العُمانية، فإن الحديث عن تنمية القطاع الصناعي يحمل أهمية خاصة، لا سيما في ظل ما تأسس من بُنى أساسية صناعية مثل المدن الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة والحرة، والتي تحتضن اليوم آلاف المشروعات، منها استثمارات بقيمة تتجاوز 20 مليار ريال عماني في المناطق الاقتصادية والحرة والصناعية، التي تشرف عليها الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، إلى جانب استثمارات بنحو 7.6 مليار ريال عماني في المدن الصناعية التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، أي أننا نتحدث عن استثمارات صناعية بحوالي 27.6 مليار ريال عماني، والتي تسهم بحوالي 6.09 مليار ريال عماني في الناتج المحلي الإجمالي. وهذه الأرقام المُبشِّرة تُنبئ بقُدرة القطاع الصناعي على الإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والأهم من ذلك توفير فرص العمل للمواطنين. ولذلك نؤكد أن القطاع الصناعي يمثل القاطرة التي ستقود اقتصادنا الوطني لمزيد من الازدهار، خاصة وأنه يعتمد على الإنتاج وزيادة الصادرات وجلب العملة الصعبة وغيرها من العوائد الاقتصادية النوعية.
وهُنا يجب أن تضع الجهات المعنية مُستهدفات للتوظيف، وقبل الموافقة على أي مشروع استثماري نطرح على أنفسنا وعلى المستثمر السؤال الأهم: كم فرصة عمل سيوفرها المشروع؟ وما آفاق التوسع المستقبلي لزيادة أعداد العاملين من المواطنين؟ ويكفي القول إن استثمارات بمليارات الريالات في مناطق بعينها لم تحقق المأمول في توظيف الباحثين عن عمل.
والتحديات التي تعيق قطاع الصناعة، تنطبق على جميع القطاعات الأخرى، لا سيما الواعدة منها: السياحة والتعدين واللوجستيات والزراعة والثروة السمكية، الأمر الذي يفرض ضرورة وضع أهداف قصيرة ومتوسطة الأجل ينبغي أن يلتزم بتحقيقها كل وزير ومسؤول على أن يُحاسب في حالة عدم الالتزام بها، وليس فقط آمال طويلة الأجل قد تتحقق وقد لا تتحقق بعد عقد أو عقدين من الزمن.
ورغم ما تحقق من تقدم في الملف الاقتصادي، لكننا ما زلنا في أمسِّ الحاجة لتجاوز حالة الركود الاقتصادي الذي نمر به منذ جائحة "كوفيد-19"، من حيث تراجع الطلب على السلع والخدمات، وموجات متتالية من تسريح القوى العاملة الوطنية، وزيادة أعداد الباحثين عن عمل. والأمل يحدونا لأن تطلق الحكومة حزما تحفيزية للقطاع الخاص لتعود إليه حيويته وديناميكيته ويتجاوز الحالة التي يمر بها، ويحقق الانتعاش المأمول.
ويبقى القول.. إنَّ نهج الإصلاح الاقتصادي يجب أن يتواصل بلا توقف، وأن تنمية القطاع الخاص وزيادة الحوافز التمويلية والدعم الحكومي له، من شأنه أن يعزز من أدواره المأمولة وعلى رأسها توفير الوظائف، وهُنا لا بُد من تكاتف الجهود والعمل في تناغم تام بين الحكومة والقطاع الخاص، فعُمان تستحق أن نبذل من أجلها الغالي والنفيس لكي تظل مُزدهرة ووطنًا للاستقرار والرخاء.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عبد الإله مول الحوت.. الشجرة التي تخفي غابة لوبيات البحار
زنقة 20 | علي التومي
في مشهد شغل الرأي العام المغربي، ظهر عبد الإله مول الحوت كمنقذ للمستهلكين، مقدماً السردين بثمن منخفض خلال الأيام الأولى من رمضان، وهو ما استقبله المواطنون بالتصفيق والترحيب، لكن سرعان ما انكشفت معطيات أخرى تشير إلى أن ما حدث لم يكن سوى مسرحية محبوكة، يقف وراءها وحوش الصيد البحري المهيمنة على القطاع، والتي استخدمت عبد الإله كواجهة لخدمة مصالحها.
السردين.. طُعم في لعبة المصالح:
تفيد مصادر مطلعة بأن عبد الإله لم يكن سوى جزء من خطة مدبرة بعناية، حيث تم إمداده بشاحنة مليئة بالسردين مملوكة لأحد كبار أباطرة القطاع، في خطوة مدروسة لإستقطاب الأضواء نحو “البطل الجديد”، بينما تُطبخ في الكواليس خطط ومكائد حفاظا على المصالح.
وبينما احتفى المواطنون بمشهد السردين الرخيص، كان اللوبي الحقيقي يراقب ردود الفعل، ممهدًا الطريق لإتمام صفقة أكبر إما التراجع عن تفتيش مخازن السردين، ورفع اليد عن مراقبة سفن الصيد في أعالي البحار، وإما مواجهة سيناريوهات مماثلة قد تكشف المزيد من الفضائح حول القطاع.
السكان بلا سردين.. واللوبي يوزع الأدوار:
الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي كانت فيه شاحنة عبد الإله تبيع السردين بثمن بخس، كانت مدن مثل العيون وبوجدور تعاني من غياب شبه تام لهذا السمك، وفي المقابل، كان “وحوش القطاع” يرسلون أطنانًا من سردين اقاليم الجنوب إلى عبد الإله، متحكمين في خيوط اللعبة وموجهين السوق وفق مصالحهم.
قطاع يُستنزف.. ومواطنون محرومون من تذوق السمك :
ما جرى في الأيام الأخيرة ليس سوى فصل آخر من فصول هيمنة لوبيات الصيد البحري على ثروة تستخرج من أقاليم تعاني ساكنتها من الفقر والتهميش، رغم كونها تزود البلاد بكنوز بحرية هائلة، فبينما يحقق كبار الفاعلين أرباحًا ضخمة، يعيش سكان الداخلة وبوجدور وآسفي أوضاعًا بائسة، محرومين حتى من الحصول على سمك بسعر معقول.
نهاية المسرحية.. وبداية تساؤلات جديدة:
انتهى مشهد “البطل المزيف”، لكن المعركة حول القطاع لم تنتهِ، فالتصالح الذي تم بين كبار الفاعلين بعد هذه المسرحية يعكس طبيعة الصفقات التي تدور في الخفاء، حيث تُفرض شروط وتُلغى أخرى، في ظل غياب الرقابة الحقيقية والمحاسبة.
وفي الأخير يبقى التساؤل هل كانت قضية عبد الإله مول الحوت مجرد حلقة في سلسلة أكبر من التلاعب بقطاع الصيد البحري وهل سيستمر الرأي العام في التصفيق لعروض جديدة، أم أنه سيبدأ في التساؤل حول من يملك الحقيقة في هذا القطاع الحيوي.