فاعلية السياسات والعمل الاجتماعي
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
في مواجهة مشكلاتها وظواهرها المتجددة؛ يستلزم على المجتمعات وضع سياسات وبرامج محددة لمعالجة تلك المشكلات، والحد من تلك الظواهر؛ غير أن تلك السياسات لا بد أن تكون مرتكنة إلى معايير محددة تحدد مدى فاعليتها، وقدرتها على معالجة مصادر تلك المشكلات والظواهر، وتوجيه المجتمع إلى الممارسات والأفعال والسلوكيات والأفكار المرغوبة بما يتسق مع ديمومة النسيج الاجتماعي، ويحافظ على استقرار تركيبة المجتمع، ويضمن عدم الوصول إلى حالة (الأنوميا الاجتماعية anomie) أو ما يُعرف بحالة فقدان المعايير.
وفيما يتعلق بمعايير فاعلية ونجاح السياسات الاجتماعية فإن أحد أهم تلك المعايير هو التوافق على الأهداف السياسية لتلك السياسة؛ بحيث تتناغم المؤسسات في وضع أجندة السياسة، وتنطلق من ذات القناعات والأدلة والأرضية المشتركة في تحديد تدخلاتها ووضع البرامج التنفيذية لها؛ ففي الوقت الذي ترى فيه المؤسسات المعنية بالشؤون الاجتماعية أنه لا بد من تعزيز الإنفاق والبرامج التي تستهدف الاستقرار السكني للأسر في المجتمع؛ باعتبار أن غياب ذلك الاستقرار في السكنى مولّد للعديد من الظواهر والمشكلات المباشرة وغير المباشرة، فلا بد في الآن ذاته من تحقيق القناعة ذاتها لدى المؤسسات المعنية بشؤون تمويل التنمية، والقناعة ذاتها للمؤسسات المعنية بتنظيم المبادرات الأهلية والمجتمعية، والقناعة ذاتها لدى المؤسسات المعنية بتدبير الاقتصاد. وفي ظل غياب التوافق على الأهداف تظل السياسة الاجتماعية مجرد أطر نظرية بعيدة عن التحقق، أو في أفضل الأحوال تظل مجموعة مبادرات وقتية وجزئية غير ذات شمول أو ديمومة لتحقيق المقاصد المرجوة منها. ومن المعايير المهمة التناغم في التنفيذ؛ حيث لا يمكن أن تستهدف السياسة الاجتماعية على سبيل المثال (التمحور حول مقصد تحقيق النمو الاجتماعي الأمثل لمرحلة الطفولة) ولا تزال هناك فجوات في الجهود المؤسسية التي تحقق هذا المقصد، سواء كانت جهودا صحية أو تعليمية، أو تربوية أو سواها. من هنا تنشأ جدلية (ما الذي من الممكن أن يحقق هذا التناغم؟) هل يمكن تحقيقه من خلال سياسات تستخدم أعلى درجات الإلزام (التشريع)، أو من خلال هياكل مؤسسية (مجالس/ هيئات متخصصة..)، أو من خلال المراهنة على دور التنسيق المؤسسي عبر الآليات القائمة.
ومن المعايير المهمة لفاعلية السياسات الاجتماعية هو قدرات الرصد والتنبؤ وبناء الأدلة الاجتماعية، وهناك مؤشرات حول الحالة الاجتماعية تعَد أساسية في دوريتها وتوليدها، كما أن انتهاج آليات فاعلة للرصد الاجتماعي، والاستفادة من معطيات البيانات الضخمة، وتوظيف الاستدلال من خلال التنقيب في متغيرات البيانات الحكومية، وبناء دراسات ممثلة وموضوعية ومحكمة يمكن الاستناد إليها كل ذلك ينعكس لاحقًا على فعالية تنفيذ السياسة الاجتماعية وبرامجها. ونكاد نجزم أن فشل بعض السياسات إنما يرجع لعدم جدارة ونوعية الأدلة التي تقوم عليها تلك السياسة، والتي وجهت مساراتها والقرارات المتصلة بها إلى اتجاهات غير موضوعية أو غير دقيقة. تستند عملية صنع السياسات الاجتماعية أيضًا إلى ضرورة صنع هدف عام (ما هو المجتمع المراد الوصول إليه؟)، وهذا مهم جدًا كعامل رئيسي تتمحور حوله برامج السياسات الاجتماعية، في سياق مجتمعاتنا الخليجية على سبيل المثال فإن تحقيق الرفاه الاجتماعي يمكن أن يكون موجهًا لهذه السياسات، ولكن لا بد أن يعالج كل مجتمع هذه الثيمة بناء على طبيعة التركيب الاجتماعي والاقتصادي والمقاصد السياسية العامة، والأهم من ذلك المحافظة على السمة الثقافية للمجتمع. يقول جوزيف ستيجليتز «إن دولة الرفاهة ليست مجرد مسألة عدالة اجتماعية. ومع ذلك، أعتقد أن الحجة الأكثر إقناعًا لصالح دولة الرفاهة تتجاوز هذه الحجج الاقتصادية الضيقة. بل إنها تتجاوز حتى الحجج التقليدية لصالح العدالة الاجتماعية. والسؤال المطروح هو: أي نوع من المجتمع نرغب في العيش فيه، وأي نوع من الأفراد نرغب في أن نكون؟».
إن حشد جهود المؤسسات الرسمية والأهلية، ووضع مؤشرات واقعية مقرونة بالتقييم المستمر، ووجود إطار جاد لقدرات تصميم وتنفيذ السياسات الاجتماعية، ووجود مقاربات وبرامج تنفيذية لا تركز على مجرد الأطر الظاهرة للمشكلات الاجتماعية بل تذهب إلى معالجة جذرياتها القيمية والثقافية، وتنويع موارد الوصول إلى المجتمع، والاستثمار في الفرص التي تتيحها أبحاث وتجارب العلوم السلوكية لتغيير السلوك الاجتماعي، والاستفادة من فرص تطور علم البيانات لبناء قواعد ونظم تتبع للمؤشرات والحيثيات الاجتماعية لتوفير أدلة اجتماعية قوية، كل هذه العناصر تكمل المعايير الأساسية لنجاح وفاعلية السياسات الاجتماعية والبرامج المنبثقة عنها. وكل ذلك يبقى مرهونًا بوجود الإرادة السياسية الداعمة لصنع سياسات اجتماعية محكمة والرقابة على تنفيذها، ومدى أولوية وموقع السياسة الاجتماعية وسط منظومة السياسات العامة الأخرى.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسات الاجتماعیة السیاسة الاجتماعیة من خلال
إقرأ أيضاً:
مصر تشارك في فاعلية دولية لتبادل الأفكار لجذب الاستثمارات بمجال السياحة
شاركت، يمنى البحار نائب وزير السياحة نيابة عن الوزير، في جلسة المائدة الوزارية المستديرة التي نظمتها منظمة الأمم المتحدة للسياحة (UN Tourism) بأبو ظبي بدولة الامارات العربية المتحدة تحت عنوان "تشكيل فرص الاستثمار السياحي من خلال ابتكار السياسات"، وذلك ضمن فعاليات الدورة الـ14 لقمة الاستثمار السنوي (AIM) المُقامة بمركز أبو ظبى الوطني للمعارض خلال الفترة من 7 إلى 9 أبريل الجاري.
وقد شارك في حضور هذه الجلسة ريهام سمير معاون الوزير للشئون الخارجية.
وتأتي مشاركة الوزارة هذا العام في هذه القمة كونها فرصة ومنصة دولية هامة لتبادل الافكار والرؤى والتعرف على قصص نجاح الدول لجذب الاستثمارات المختلفة، حيث تم استعراض الفرص الاستثمارية الموجودة في قطاع السياحة المصري، وعرض الحوافز والمبادرات التمويلية التي طرحتها الحكومة المصرية مؤخراً لتحفيز الاستثمار السياحي في مصر وبالأخص الاستثمار الفندقي.
وخلال الجلسة، تحدثت الأستاذة يمنى البحار عن الجهود التي بذلتها مصر على مدار العقود الماضية لتشجيع الاستثمار السياحي وكافة التسهيلات التي تم تقديمها للمستثمرين والتي ساهمت في خلق مقاصد سياحية لم تكن قائمة قبل إطلاق تلك التسهيلات. كما استعرضت الخطوط العريضة لاستراتيجية الوزارة الحالية فيما يتعلق بتنمية الاستثمارات السياحية، لافتة إلى الحوافز والمبادرات التمويلية التي أقرتها الحكومة المصرية مؤخراً لتشجيع التوسع في بناء الغرف الفندقية لمواكبة أهداف النمو السياحي واستيعاب الزيادة المتوقعة في عدد السائحين خلال السنوات القادمة.
وأشارت إلى حرص الحكومة المصرية على تعزيز تنافسية المقصد المصري كمقصد جاذب للاستثمارات المحلية والدولية في كافة المجالات وهو ما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، مستعرضة عدداً من الجهود التي بذلتها الدولة في السنوات الأخيرة في هذا المجال مثل تقديم حوافز خاصة كالرخصة الذهبية، أو إجراءات إصلاحات تشريعية لتحسين مناخ الأعمال.
وأكدت على حرص الدولة والوزارة على تعزيز الشراكة مع القطاع السياحي الخاص سواء في تنفيذ المشروعات أو في صياغة السياسات، لافتة إلى أن هذا الملف يحظى بالاهتمام على أعلى مستوى.
وقد شهدت توصيات هذه الجلسة التأكيد على أهمية تقديم الحوافز المختلفة لتشجيع المستثمرين على إقامة المزيد من الاستثمارات في مختلف المجالات، وتم الإشادة بتجارب معظم الدول من خلال قصص النجاح التي تم عرضها خلال الجلسة لتعزيز حجم الاستثمارات في قطاع السياحة بها.
تم التأكيد أيضاً على أهمية عمل موائمة بين تطوير السياسات والعمليات التنظيمية والقوانين المنظمة لقطاع السياحة بما يساهم في تعزيز الاستثمارات ومن ثم تحقيق التنافسية بالقطاع، بالإضافة إلى ضرورة تحقيق ربط وشراكة وتكامل بين القطاع السياحي العام والخاص لصياغة السياسات والبيئة الحاكمة للنمو الاستثماري وتوفير البيئة الحاضنة للاستثمارات والبرامج والتشريعات ذات الصلة.
وقد شارك في الجلسة عدد من وزراء ومسئولي السياحة بعدد من الدول، بجانب ممثلين عن بعض المنظمات الدولية منها منظمة الأمم المتحدة للسياحة ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، حيث تم استعراض تجارب الدول وجهود المنظمات ذات الصلة بالملف، والسياسات المختلفة المقدمة لدفع وتحفيز الاستثمار السياحي والاستدامة.
وتمت الإشارة إلى النمو الذي يشهده قطاع السياحة عالمياً وخاصة في ظل كونه قطاع حيوي وواعد ومستدام قادر على استقطاب الاستثمارات وتقديم فرص استثمارية كبيرة وخلق فرص عمل جديدة مما ينعكس إيجابياً على المجتمع المحلي وتعزيز نمو الاقتصاد المحلي.
جدير بالذكر أنه يتم تنظيم قمة AIM للاستثمار بشكل سنوي، وبرعاية سمو الشيخ (خالد بن محمد بن زايد آل نهيان) ولي عهد أبو ظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وبدعم من كل من وزارة الاستثمار، وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وزارة الاقتصاد، وبالتعاون مع اتحاد الغرف العربية.
وتقام هذه القمة هذا العام تحت شعار "الاتجاه الجديدة للمشهد الاستثماري العالمي: نحو نظام عالمي جديد متوازن"، حيث تهدف الى تعزيز مستقبل الاستثمار العالمي من خلال تسليط الضوء على المشهد الاستثماري العالمي في ظل المتغيرات المتسارعة والتحديات الجيوسياسية والاقتصادية.