المخدرات الرقمية ودور الذكاء الاصطناعي في محاربتها
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
جمعني لقاءٌ بالباحث العُماني الدكتور محمد الحسيني قبل أسبوعين في ملتقى مسقط لحوار المعرفة العالمي الذي استضافته سلطنة عُمان، وتطرقنا إلى حديث عن المخدرات الرقمية ومخاطرها المجهولة، وفي هذا الشأن، نشر الحسيني مع مجموعة من الباحثين ورقة علمية نُشرت مع «IEEE» في نهاية العام المنصرم، ويمكن تلخيص الورقة كالآتي: جاء عنوان الورقة العلمية بـ«الكشف عن المخدرات الرقمية باستعمال «الذكاء الاصطناعي» التعلم العميق»، وتناقش الدراسة سبل استعمال النماذج المتقدمة للتعلم العميق التابعة للذكاء الاصطناعي للكشف عن ما يُطلق عليه بـ«المخدرات الرقمية»، وهي تأثيرات سمعية تتولد عن طريق تشغيل ترددات مختلفة قليلاً في كل أذن؛ فيؤدي إلى تغييرات في الحالة العقلية، واستعمل الباحثون نموذج «Inception MV4» لتحليل البيانات السمعية وتوصيفها.
في ضوء قدرات الذكاء الاصطناعي على التعامل مع مثل هذه المخاطر الرقمية، أكدت الدراسة كفاءة نموذج «Inception MV4» في الكشف عن المخدرات الرقمية، مع توصيات بتوسيع قاعدة البيانات وتجربة أساليب تحسين إضافية لتحسين الأداء وزيادة التطبيق العملي في المستقبل، وأكدت الدراسة إمكانية استعمال هذا النظام في مراقبة المحتوى الصوتي وتنظيمه على الإنترنت للكشف عن التأثيرات السمعية الضارة.
يكشف ما سقناه في السطور السابقة عن ظاهرة إدمان رقمية خطيرة تهدد السلوك العقلي والدماغي للإنسان، ويبرز -في المقابل- دور الذكاء الاصطناعي في مواجهة هذه التحديات عبر الكشف عن مثل هذه المواد الرقمية المخفيّة، وسنكتفي بما استعرضناه من تلخيص للبحث يُظهر أهمية الذكاء الاصطناعي باعتماده أداة لمواجهة هذه الظاهرة المتصاعدة، وسنركّز الحديث عن المخدرات الرقمية بأطر نفسية ومجتمعية وعلمية، ويستحضر الحديث عن هذه الظاهرة مقالا نشرته في الملحق العلمي لجريدة عُمان في عدده السابق؛ فتناولت فيه نقاشا علميا عن الترددات وتأثيراتها في تشكيل ما يُعرف بـ«الطاقة الكونية»، ولكن في غالبه بتأثير إيجابي -وهنا نحتاج إلى التمحيص بين هذه الترددات الصوتية من حيث تأثيرها الإيجابي والسلبي-؛ إذ أوضحتُ في المقال العلمي السابق تأكيدات الدراسات العلمية على التأثير بأنواعه (النفسي، الروحي «الوعي»، والجسدي) بفعل الترددات الصوتية خصوصا بترددات معيّنة مثل «432 Hz»، وهذا ما يجعلنا نؤكد في مقالنا الحالي على وجودنا في عالم الطاقة وتردداتها المتباينة في تأثيراتها، والتي يمكن تحويل مثل هذه الترددات إلى ما نطلق عليه بـ«المخدرات الرقمية» سواء بعملية تعديل الترددات المسموعة لتكون مختلفة في كل أذن أو حتى تلك الأنواع من الترددات الصوتية ذات التأثير السلبي، ولكن من الزاوية العلمية لمصطلح «المخدرات الرقمية» فإنها تُعرَف أيضا باسم «النغمات ثنائية التردد «Binaural Beats»، وظهرت بعض الادعاءات أنها قادرةٌ على تحفيز الدماغ لإحداث تأثيراتٍ تشبه ما تفعله بعض العقاقير المخدرة، ويعتمد أصحاب هذه الفرضية على أن الاستماع لترددين صوتيين مختلفين في كل أذنٍ يمكن أن يؤدي إلى حدوث «تزامنٍ موجي» «Brainwave Entrainment» في الدماغ؛ فينتج عنه شعورٌ بالاسترخاء أو النشوة أو تغيّرات في الحالة النفسيّة، ولكن ما تؤكده الدراسات أن هذا النوع من الأصوات الرقمية يقود من يستمع إليه إلى الإدمان حاله حال متعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية الكيميائية، وتمتد مخاطرها إلى الإضرار بالصحة الجسدية والنفسية عبر تشكيل سلوكيات بشرية ضارة بالفرد والمجتمع عبر زرع الإيحاءات العقلية في العقل الباطن بطريقة لا يدركها المستمع ولا يكتشفها؛ فيجد نفسه مقودا إلى سلوك مخالف لنمطه المعتاد ولأعرافه المجتمعية. لا تعتبر المخدرات الرقمية ظاهرة جديدة؛ ولكنها ظاهرة تفاعل معها الباحثون منذ عدة عقود، وامتد -مؤخرا- تمازجها الخفي إلى بعض صوتيات القرآن الكريم، وباتت ناقوس خطر في عدد من الدول التي تبذل جهودا في محاربة هذه المواد الصوتية المؤثرة التي تكلفها مبالغ طائلة لأجل محاربتها وعلاج مدمنيها.
بجانب التوعية المجتمعية بشأن تصاعد مخاطر هذه المواد الرقمية خصوصا مع وجود سماعات أذن مساعدة لتعديل مستويات الترددات في كل أذن أو حتى بوجود الترددات الصوتية السلبية التي لا تتطلب ضرورة استعمال السماعات؛ فكذلك نحن بحاجة إلى أدوات رقمية متقدمة تستطيع أن تتبع هذه المواد الرقمية واكتشافها، وعبر ما تتسابق الدراسات العلمية التي تقترح نماذج للذكاء الاصطناعي -بما فيها الدراسة التي نشرها الباحث الحسيني-؛ فالحلول في مواجهة تحديات انتشار «المخدرات الرقمية» وإضعاف انتشارها يصدق فيها القول «وداوها بالتي كانت هي الداء»، وذلك عبر أنظمة رقمية مضادة تتمثل في نماذج الذكاء الاصطناعي التي أثبتت نتائج الأبحاث المنشورة كفاءتها في كشف مثل هذه الترددات الصوتية الضارة وتصنيفها من الأصوات والترددات غير الضارة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی هذه المواد مثل هذه
إقرأ أيضاً:
«سدايا» تعزز مشاركة السعوديات في مستقبل الذكاء الاصطناعي
البلاد ــ الرياض
تبنّت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” إستراتيجية شاملة؛ تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة السعودية في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، من خلال توفير بيئة عمل ناجحة تدعم تمكينها في قطاعات هذه التقنيات المتقدمة بمختلف تخصصاتها؛ لتسهم في تعزيز الاستدامة والابتكار، ودعم المشاريع والمبادرات الريادية، التي تنفذها “سدايا”؛ بوصفها المرجع الوطني لكل مايتعلق بالبيانات والذكاء الاصطناعي من تنظيم وتطوير وتعامل.
وأتاحت “سدايا” فرصة إشراك المرأة في اتخاذ القرار، وتمكينها بدايةً من المناصب القيادية وصولًا إلى الوظائف التقنية وسط منظومة عمل متكاملة؛ تسعى لتحقيق إستراتيجية “سدايا” الطموحة، ما مكن المرأة من إثبات كفاءتها في قطاعات عمل عدة، تتعلق بإدارة البيانات وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعيين عالمات بيانات، ومهندسات ذكاء اصطناعي في مناصب إستراتيجية بالهيئة لدعم تحقيق الأهداف الوطنية لسدايا.
وفي الجانب التطويري، قدمت “سدايا” عددًا من البرامج التدريبية وورش العمل المتخصصة، التي تهدف إلى رفع كفاءة المرأة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، من خلال دورات متقدمة في هذا المجال؛ بهدف إكسابهن المهارات المتطورة وفق أحدث التقنيات والأدوات في المجال، فضلًا عن تعزيز قدراتهن الابتكارية التي كان لها الأثر الفعّال في تحقيق مستهدفات الهيئة في العديد من المجالات؛ مثل : حوكمة البيانات وإدارتها، وقيادة إستراتيجية الهيئة، وتحقيق أهدافها المتمثلة في تعزيز التحول الرقمي، وتمكين استخدامات الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال ومسؤول. وتركز “سدايا” على دعم المرأة الباحثة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، من خلال إتاحة الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة تُستخدم لتطوير حلول مبتكرة في قطاعات حيوية؛ كالصحة والطاقة والتعليم، ودعمهن في المشاركة بالمبادرات الوطنية والعالمية التي تهدف إلى تعزيز دورها في المجال التقني والابتكاري القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي، ما يجعلها شريكًا فاعلًا في بناء مستقبل يعتمد على الابتكار.
وهيأت “سدايا” كل سبل النجاح للمرأة من خلال تحقيق التوازن بين مسؤولياتها المهنية وواجباتها الأسرية، ووفرت بنية تحتية رقمية متطورة تدعم إمكانية العمل عن بُعد، وهو ما يعزز من قدرتها على الإسهام الفعّال دون التخلي عن واجباتها الأسرية، إضافة إلى وضع سياسات تضمن بيئة عمل محفزة، تراعي احتياجات المرأة مهنيًا واجتماعيًا وصحيًا، مما يخلق مناخًا يساعد على الإبداع والإنتاجية والابتكار.
ويعكس تمكين المرأة في “سدايا” التزام المملكة بتعزيز دورها في بناء اقتصاد معرفي مستدام قائم على البيانات والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، من خلال إشراك المرأة في عملية التنمية بما يسهم “سدايا” في تحقيق رؤية شاملة تسعى إلى تمكين المرأة- ليس فقط كموظفة- بل كقائدة ومبتكرة.