لجريدة عمان:
2025-02-08@20:10:07 GMT

العمانيون في القاهرة

تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT

احتفى المصريون والعمانيون معا بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، وهو أول معرض يقام في العالم العربي (١٩٦٩)، حينما أقيم على أرض المعارض بالجزيرة على نيل القاهرة لأول مرة، وكان الدكتور ثروت عكاشة وزيرًا للثقافة والدكتورة سهير القلماوي رئيسة للهيئة المصرية للكتاب، وقد اقترح الوزير على الرئيس جمال عبد الناصر إقامة معرض للكتاب لأول مرة يشارك فيه الناشرون المصريون والعرب والأجانب من مختلف دول العالم، وأعتقد أن المعرض في هذه الدورة كان يحمل رسائل سياسية، فقد كانت مصر تمر بأزمة كبيرة جراء حرب ٥ يونيو ١٩٦٧، ولعل وجهة نظر وزير الثقافة وقتئذ أن مصر كانت في حاجة إلى الانفتاح الثقافي على محيطها العربي والأجنبي، وكان يستهدف من وراء ذلك تقديم رسالة إلى العالم بأن مصر لم تنكسر، وأنها قادرة على تجاوز محنتها وأنها ماضية نحو القيام بدورها واستعادة مكانتها رغم ما ألم بها من هزيمة ساحقة، لكنها قادرة دوما على أن تعيد الحياة إلى طبيعتها، وفي ذات السياق راح الإعلام المصري في التلفزيون والإذاعة والصحافة جميعهم يمارسون دورهم من خلال إتاحة مختلف البرامج الدرامية والفنية والثقافية كوسيلة لإخراج المصريين من أزمتهم النفسية، لذا جاء قرار إقامة المعرض.

استمر معرض الكتاب منذ دورته الأولى وحتى عامه هذا على الرغم من أن مصر شهدت ظروفا صعبة خلال حرب الاستنزاف مرورا بحرب ١٩٧٣، وما أعقبها من اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، التي قاطع بموجبها العرب مصر باستثناء عُمان ومعها دولتان هما السودان والصومال، ورغم ذلك لم يتوقف المعرض، إلى أن جاءت أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، حينما خرجت جموع المصريين مطالبين بالتغيير، في نفس توقيت إقامة المعرض الذي كان مقررا افتتاح رئيس الجمهورية له ٢٨ يناير ٢٠١١، وكانت الصين ضيف شرف هذه الدورة، وكنت وقتها رئيسا للهيئة المصرية العامة للكتاب والمسؤول عن المعرض، ونظرًا لما كانت تمر به القاهرة من أوضاع سياسية مضطربة، فقد تقرر إلغاء المعرض في نفس يوم افتتاحه، وقد شعر الناشرون الذين قدموا من مختلف دول العالم بقدر من الألم، وخصوصًا ضيف الشرف (الصين) التي كانت قد استقدمت أكثر من خمسمائة ما بين كُتاب وفنانين ومثقفين، لذا شعر رئيس الوفد الصيني بقدر من الضيق وقد أصر على أن يفتتح الجناح الصيني حتى بدون حضور جمهور، والغريب أنه أصر أيضا على أن يلقي كلمة الافتتاح بحجة أنه إجراء توثيقي، كما طلب مني أن ألقي كلمة بهذه المناسبة، ولا أدري ماذا قلت في هذه الكلمة القصيرة جدا فلقد كان الحزن والألم يخيم على الجميع.

في تلك الدورة (٢٠١١) ، كان من المقرر الإعلان عن نشر كتاب مهم (مذكرات سوزان مبارك) حرم رئيس الجمهورية الأسبق، وقد تولت إحدى دور النشر الأشهر في مصر طبع الكتاب في مطابع الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكان من المقرر إقامة حفل توقيع لهذا الكتاب، إلا أن أحداث الثورة حالت دون ذلك، واختفى الكتاب الذي عرفت أنه كُتب باللغتين العربية والإنجليزية، وعندما سألت عن مصير هذا الكتاب لم أجد ردًا لا من الناشر ولا من الجامعة الأمريكية، وأعتقد أنه آن الأوان لإتاحة هذا الكتاب لجمهور القراء، فقد انتهت الأزمة وتبين للناس أن الرئيس الأسبق مبارك وحرمه قد قدما خدمات جليلة للدولة المصرية، وكان للسيدة سوزان مبارك الفضل الكبير على الثقافة المصرية حينما كانت تتبنى المشروع الأهم في الثقافة المصرية (مكتبة الأسرة) منذ عام ١٩٩٤ وحتى عام ٢٠١١ ، والذي كان يتيح ما بين ٢٠٠إلى ٣٠٠ عنوان كل عام في مختلف صنوف الثقافة الاجتماعية والثقافية والفكرية والتراثية.

في دورة المعرض لهذا العام ٢٠٢٥ ، وبعد مرور خمس عشرة سنة تحل عُمان ضيف شرف على المعرض، وهو ما يستحق الشكر والتقدير لسلطنة عمان وكل مؤسساتها المعنية بالمعرض خاصة (وزارة الثقافة والرياضة والشباب) وعلى رأسها الوزير الشاب صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق الذي بذل جهدًا فائقًا لكي تتبوأ عُمان وثقافتها مكانا بارزًا في عوالم الثقافة الجديدة، ولمعالي وزير الإعلام د. عبدالله الحراصي الذي كان لمشاركته في افتتاح المعرض أكبر الأثر، وخالص التقدير للجهد الكبير الذي بذله سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة، ولسفير عُمان في القاهرة سعادة عبدالله الرحبي للصورة المضيئة التي قدمها الوفد العماني لكي تكون عُمان ضيف شرف حقيقي في معرض القاهرة، وإذا كان المعرض هذا العام يتميز بإضافات جديدة ومبتكرة، فإن من بين ما يتميز به وصول عدد الناشرين المشاركين في المعرض إلى ١٣٤٢ ناشرًا من ٨٠ دولة من مختلف دول العالم، إلا أن الحضور العماني كان متميزًا من خلال عدد الناشرين، سواء من مؤسسات حكومية ممثلة في وزارة الثقافة والرياضة والشباب أو وزارات الإعلام والأوقاف والشؤون الدينية والتراث والسياحة وجامعة السلطان قابوس، فضلاً عن الجمعيات الأهلية إضافة إلى دور النشر الخاصة، وكان أهم ما عرضه الجناح العُماني في هذه الدورة نماذج أصلية مختارة من المخطوطات النادرة، كما شاركت عُمان بعدد كبير من المحاضرات والندوات والجلسات الحوارية التي قدمت تاريخ عُمان وعرَّفت بثقافتها وإسهاماتها في صناعة الحضارة الإنسانية.

لعل من المهم في تلك الندوات المشتركة التي تناولت العلاقات المصرية العمانية، بعضها في التاريخ والكثير منها في الثقافة العامة، لم تغفل الندوات العمانية الحديث عن الخطاب الثقافي وفق متغيرات العصر، وندوات أخرى تناولت عباقرة عُمان من الفراهيدي إلى أحمد بن ماجد وغيرهما، كان من أهم الندوات التي شهدت مشاركة واسعة تجربة المصريين الأُول الذين عملوا في جامعة السلطان قابوس منذ تجربتها الأولى، وقد أفرد المعرض جلسة خاصة عن التراث العماني المخطوط، سواء في عمان أو في غيرها من مختلف مكتبات العالم، وجلسة خاصة عن مشروع وزارة الثقافة والرياضة والشباب عن إدارة التراث القديم الجديد، وشملت الندوات برامج متنوعة عن البحرية العمانية وبعضها عن عُمان ومصر.

الملاحظ أيضا على مشاركة عُمان كضيف شرف أن جمهور المعرض قد استقبل مشاركة عُمان بإصداراتها وأنشطتها الثقافية والفنية بقدر كبير من الاهتمام، تجاوزت المعرض إلى الشارع المصري، وقد لفت نظر الحضور أن مشاركة عُمان هذا العام قد تميزت عن كل مشاركة الدول السابقة، حينما كانت مهمة ضيف الشرف في الدورات السابقة أقرب إلى المشاركة البروتوكولية، بينما جاءت مشاركة عُمان هذا العام بمثابة حضور شعبي تلقاه جمهور المثقفين بقدر كبير من البهجة والسعادة، وهي قضية لافتة للنظر، وكلما تحدثت مع أحد يقول : إنه بلد له تاريخ ونحن نحب العمانيين لأنهم يشتركون معنا في صناعة التاريخ، الذي لم تبدأ علاقاتنا معهم في سبعينيات القرن الماضي بل تمتد امتدادًا سحيقا من العصور القديمة عندما كانت السفن المصرية والعمانية تمخر عباب البحار والمحيطات، ليس لنقل التجارة فقط وإنما لتبادل كل أنماط الحضارة بكل مفرداتها. لذا كان السلطان قابوس - طيب الله ثراه - يخص المصريين بمحبة وعناية كبيرتين، ومن بعده جلالة السلطان هيثم بن طارق الذي كانت أول زيارة له خارج دول مجلس التعاون الخليجي هي مصر، ولهذا دامت المحبة المتبادلة.

لهذا يشترك المصريون والعمانيون معا بوشائج عميقة تستند إلى تاريخ يمتد عبر آلاف السنين وعصور سحيقة. تحية تقدير وامتنان لعُمان وقيادتها وشعبها الطيب الكريم.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وزارة الثقافة والریاضة والشباب هذا العام من مختلف الذی کان ضیف شرف

إقرأ أيضاً:

في آخر أمسيات المعرض: شعر البادية يصدح بين جنبات القاهرة


قال الدكتور أحمد السلمي، إن أدب البادية والإبداع في مجتمع البادية يشكل أهمية كبيرة، ملقيا الضوء على أهمية دراسة الشعر النبطي اجتماعيا وأدبيا، فاللغة أهم ما يميزه، حيث صياغتة بشكل يتماس مع الفصحى كثيرا.

وأضاف د.أحمد، في حديثه في ندوة أدب البادية، والتي استضافها معرض القاهرة الدولي للكتاب في يومه الأخير، وأدارها الشاعر والأديب أبوالفتوح البرعسي، رئيس لجنة أدب البادية باتحاد كتاب مصر.
وشارك بها العديد من شعراء البادية.

وأضاف د.أحمد السلمي خلال كلمته، متحدثا عن أهم ما يميز أدب البادية وشعره خاصة، أن أدب البادية يتميز بجودة الأسلوب وإحكامه وجودة البلاغة؛ لانه يستمد ألفاظه من اللغة الفصحى أو طبيعة البادية.
أما خلفية ذلك الشعر البدوي المعاصر الثقافية فهو امتداد للشعر الجاهلي حتى وصولنا لعصرنا الحالي، فنجد أنساقا عربية حاضرة بقوة في هذا الشعر مثل الشجاعة والفخر وغيرهما.

ثم تحدث عن السلبيات الموروثة من العادات والتقاليد مثل التعصب للأصل بشكل يرفضه الدين، وتهميش المرأة وحرمانها من إتمام التعليم، وهي عادات سائدة في جزء بسيط من مجتمع البادية.
بينما تحدث عن مواكبة الشعر البدوي للتطورات من حولنا مصريا وعالميا، من ذلك حينما رفض المصريون تهجير الفلسطينيين هبّ الشعراء يعبرون عن ذلك بقوة مثل أبوعدنان رياشي.

فيما تحدث الشاعر أبوالفتوح البرعصي، عن أهمية استضافة معرض الكتاب في دورته الحالية لتلك الندوة، إيمانا من القائمين عليه بما يمثله شعر البادية من أهمية، مثنيا على قرار القيادة السياسية وموقفها من عملية تهجير الإخوة الفلسطينيين.

فيما انتقلت الندوة ليلقي كل شاعر بعض قصائده، فألقى الشاعر عطية أبومرزوقة قصيدتيه ( يوم العبور، العلم)، بينما ألقى الشاعر عطالله الجداوي من شمال سيناء، قصيدتيه (مصري أنا، المشاركة)، وألقى الشاعر

حماد الحفيشي، قصيدتين هما (مصر الأصالة، صديق العمر).

ثم تحدث الشاعر والباحث د.الطحاوي سعود، عن المحاكاة للتراث المغاربي، منتقلا لمبحث تاريخي، مفاده أن الشرقية وشبه جزيرة سيناء كانا اقليما واحدا تسكنه القبائل المغاربية، فقبيلة الهنادي التي نزحت للشرقية منذ ما يزيد على القرنين أثرت ثقافيا كثيرا على المنطقة، فكانوا يحملون العديد من الثقافات وأولها ثقافة الزي وتربية الخيول والصيد بالصقور، وكان الحكام يستعينون بهم في الاحتفالات.
مضيفا أن من الفنون البدوية ما يسمى صوب فريد، أو كف العرب، وهو قائم على القصيدة وتسمى الأجرودة، وقد احتفظ أرشيف قبيلة الطحاوي بهذه النصوص التي كتبت بمفردات تلك القبائل المغربية في ذلك الوقت، فهي مكتملة الأركان ومنضبطة القافية ومن أغراضها الفخر والشجاعة والخيل والغزل..
مؤكدا أن تلك القصائد تعد كشفا يعبر عن لغة القبائل في ذلك الوقت، ومن القصائد ما قيل عن الحكام والعملات المستخدمة مثل البارة أو القواص، وكان للمرأة النصيب الأكبر من القصائد التي تحاكي الثقافة المغاربية، فكانت هي المعشوقة واللوحة التي يتغزل فيها الفنان، كما لم يترك الشعراء شيئا في المرأة إلا وتغزلوا فيها من ملامحها وملابسها وغيره.
فاستلهموا من العيون خواطرهم وأفكارهم.
وتلاحظ من تلك الأشعار أن العرب كانوا يميلون للمرأة المكتنزة الجسم.


وانتقلت دفة الندوة حيث مجرى الشعر ثانية، فألقى الشاعر إبراهيم بوفايد السواركة قصائد: (الليل، قبلة الحلم، في شرفة الهادي، قصيدة غزلية).

كما ألقى الشاعر سيد بودهيم الرمحي قصيدة (يا وطني)، والشاعر عماد البلوي ألقى قصيدة (احنا بدو)، وألقى الشاعر بوعدنان الرياشي قصيدتيه (التهجير، لا تحزني)، أما الشاعر سليم الحويطي فقد ألقى قصيدة بعنوان(نصيحة)، وانتقل الشاعر محمود مسلم العمراني لقصيدته (لولا أكتوبر)، بينما ألقت الشاعرة التونسية سيدة نصري قصتها ( لحن الخلود)، والشاعر الغنائي أيمن أمين ألقى قصيدة (فلسطين)، واختتمت الندوة بقصيدة للشاعرة الشابة منة علي، بعنوان (يا أبي).

مقالات مشابهة

  • في ختام مشاركتها كضيف شرف.. لفتات إشادة وتكريم تزين المشهد الأخير لجناح سلطنة عمان بمعرض الكتاب
  • حصاد «معرض الكتاب».. صورة مُشرفة للثقافة المصرية
  • 5.5 مليون زائر لمعرض القاهرة الدولي للكتاب
  • معرض فروت لوجستيكا وأهميته للزراعة المصرية.. بوابة للفرص والتوسع في الأسواق العالمية
  • في آخر أمسيات المعرض: شعر البادية يصدح بين جنبات القاهرة
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يتخطي حاجز 5 ملايين زائر مع ختام فعالياته.. صور
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يتخطى حاجز 5 ملايين ونصف المليون زائر مع ختام فعالياته
  • معرض القاهرة للكتاب يتخطى حاجز 5 ملايين ونصف المليون زائر مع ختام فعالياته
  • الفنون الشعبية لبني سويف والعريش تختتم البرنامج الفني لقصور الثقافة بمعرض الكتاب