فورين بوليسي: هكذا حطمت غزة أساطير الغرب
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
سرايا - إبادة إسرائيل لغزة، بتمويل من الديمقراطيات الغربية، فرضت محنة نفسية لعدة أشهر على ملايين البشر، ليصبحوا شهودا مكرهين على عمل من أعمال الشر السياسي، ويدركوا بصدمة، وهم يسمعون صراخ أم تشاهد ابنتها تحترق حتى الموت في مدرسة قصفتها إسرائيل، أن كل شيء ممكن، وأن تذكر الفظائع الماضية لا يضمن عدم تكرارها في الحاضر، وأن أسس القانون الدولي والأخلاق ليست آمنة على الإطلاق.
في هذه الجمل يتلخص المقال الذي اقتبسته مجلة فورين بوليسي -كما تقول- من كاتب "العالم بعد غزة" للروائي والكاتب الهندي بانكاج ميشرا، الذي انطلق فيه من ذكرى محرقة وارسو عام 1943، عندما حمل بضع مئات من الشباب اليهود في حي وارسو كل الأسلحة التي تمكنوا من العثور عليها وردوا على مضطهديهم النازيين، وهذا لم يكن سوى سعي لإنقاذ بعض الكرامة واختيار طريقة الموت، كما يقول قائدهم.
وأشار الكاتب، بعد التذكير بندوب المحرقة وولادة دولة إسرائيل وحروبها مع العرب، إلى أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان سببا جديدا في إحياء الخوف من محرقة أخرى، لن تتردد القيادة الإسرائيلية الأكثر تعصبا في التاريخ في استغلاله.
وبالفعل ادعى زعماء إسرائيل الحق في الدفاع عن النفس ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكن كما اعترف عمير بارتوف، المؤرخ الرئيسي للمحرقة، فإنهم سعوا منذ البداية إلى "جعل قطاع غزة بأكمله غير صالح للسكن، وإضعاف سكانه إلى الحد الذي يجعلهم إما ينقرضون أو يبحثون عن كل الخيارات الممكنة للفرار من المنطقة".
الغرب لم يفعل شيئا وهكذا شهد المليارات من البشر هجوما غير عادي على غزة، كان ضحاياه -كما قالت بلين ني غرالاي، المحامية الأيرلندية التي رافعت نيابة عن جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي- "يبثون تدميرهم في الوقت الحقيقي على أمل يائس وعبثي في أن يفعل العالم شيئا"، ولكن العالم، أو الغرب على وجه التحديد، لم يفعل شيئا.
ورغم أن الضحايا في غزة يتنبؤون بموتهم على وسائل الإعلام الرقمية قبل ساعات من إعدامهم، وأن قتلتهم بثوا أفعالهم على تيك توك، فقد عتمت أدوات الهيمنة العسكرية والثقافية الغربية على تصفية غزة، من زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا الذين هاجموا المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، إلى محرري صحيفة نيويورك تايمز الذين أصدروا تعليمات لموظفيهم بتجنب مصطلحات "مخيمات اللاجئين" و"الأراضي المحتلة" و"التطهير العرقي".
كان الوعي بأن مئات من الناس يُقتلون أو يجبرون على مشاهدة قتل أطفالهم -ونحن نواصل حياتنا- يسمم حياة الملايين، وكانت مناشدات أهل غزة، وتحذيراتهم من أنهم وأحبائهم يوشكون أن يقتلوا، تليها أنباء عن قتلهم، تزيد من الإذلال والشعور بالعجز الجسدي والسياسي.
ستتراجع الحرب في النهاية إلى الماضي -كما يذكر المقال- وقد يسوي الزمن كومة الرعب الشاهقة، لكن علامات الكارثة ستبقى في غزة لعقود، في الأجساد المصابة والأطفال الأيتام وأنقاض المدن والمشردين والوعي بالحزن الجماعي، وحتى الذين شاهدوا عن بعد قتل وتشويه عشرات الآلاف على شريط ساحلي ضيق، ورأوا تصفيق أو عدم اكتراث الأقوياء، سوف يعيشون بجرح داخلي وصدمة لن تزول لسنوات.
أما النزاع في كيفية وصف عنف إسرائيل بأنه الدفاع المشروع عن النفس أو الحرب العادلة في ظروف حضرية صعبة أو التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، فلن يُحَل أبدا، ولكن ليس من الصعب أن نرى علامات الفظاعة النهائية والمخالفات الأخلاقية والقانونية الإسرائيلية، في القرارات الصريحة والروتينية من جانب القادة الإسرائيليين بالقضاء على غزة.
كما لن يكون من الصعب أن نراها في موافقة الجمهور الضمنية، وفي نعت الضحايا بأنهم شر مع أن معظمهم كانوا أبرياء تماما، وفي حجم الدمار الذي كان أكبر مما أحدثه الحلفاء بألمانيا، وفي كون وتيرة عمليات القتل وملء المقابر الجماعية في جميع أنحاء غزة وأساليبها التي تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وفي حرمان الناس من الوصول إلى الغذاء والدواء، وفي تعذيب السجناء العراة، وفي تدمير المدارس والجامعات والمتاحف والكنائس والمساجد وحتى المقابر، وفي صبيانية الشر المتمثلة في رقص الجنود الإسرائيليين في ملابس الفلسطينيات القتلى أو الهاربات، وفي شعبية مثل هذا النوع من الترفيه على تيك توك في إسرائيل، وفي الإعدام الدقيق للصحفيين الذين يوثقون إبادة شعبهم في غزة.
لا توجد كارثة تقارن بغزة حدث الكثير في السنوات الأخيرة من الكوارث الطبيعية والمالية والسياسية، ولكن لا توجد كارثة تقارن بغزة، وما تركته من الحزن الهائل والحيرة والضمير الميت، ولم يسفر أي شيء عن مثل هذا القدر من الأدلة المخزية على افتقارنا إلى الحماس والسخط وضيق الأفق وضعف الفكر، مما دفع جيلا كاملا من الشباب في الغرب إلى مرحلة الرشد الأخلاقي بسبب أقوال وأفعال وتقاعس شيوخهم في السياسة والصحافة.
وكان الحقد العنيد والقسوة التي أبداها الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه الفلسطينيين -حسب الكاتب- من بين الألغاز المروعة التي طرحها الساسة والصحفيون الغربيون، إذ كان من السهل عليهم حجب الدعم غير المشروط للنظام المتطرف في إسرائيل مع الاعتراف بضرورة ملاحقة وتقديم المذنبين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، للعدالة.
وتساءل الكاتب لماذا ادعى بايدن أنه شاهد مقاطع فيديو فظائع لا وجود لها، ولماذا زعم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن إسرائيل "لها الحق" في حجب الطاقة والمياه عن الفلسطينيين، ولماذا قفز يورجين هابرماس للدفاع عن مرتكبي التطهير العرقي المعلنين؟ وما الذي دفع مجلة أتلانتيك إلى نشر مقال يزعم أن "قتل الأطفال أمر ممكن قانونيا"؟
وتساءل الكاتب عن تفسير بناء وسائل الإعلام الغربية كل أفعال إسرائيل للمجهول، ولماذا ساعد مليارديرات الولايات المتحدة في حملات القمع القاسية ضد المتظاهرين في الحرم الجامعي؟ ولماذا فصل الأكاديميون والصحافيون، وحظر الفنانون والمفكرون من العمل، ومنع الشباب من العمل لمجرد أنهم يتحدون الإجماع المؤيد لإسرائيل؟ ولماذا استبعد الغرب الفلسطينيين من مجتمع الالتزام والمسؤولية الإنسانية، في حين دافع عن الأوكرانيين وحماهم؟
وخلص الكاتب إلى أنه بغض النظر عن كيفية تعاملنا مع هذه الأسئلة، فإنها تجبرنا على النظر بشكل مباشر إلى الظاهرة التي نواجهها، الكارثة التي تسببت فيها الديمقراطيات الغربية بشكل مشترك، والتي دمرت الوهم الضروري الذي نشأ بعد هزيمة الفاشية في عام 1945 حول إنسانية مشتركة يدعمها احترام حقوق الإنسان والحد الأدنى من المعايير القانونية والسياسية.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 1585
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 08-02-2025 07:23 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: تیک توک
إقرأ أيضاً:
مركز أوروبي: الغرب يضع العراقيل للاستفادة من الأموال الليبية المجمدة
سلط المركز الأوروبي للدراسات السياسية والإستراتيجية، الضوء على تعامل الدول الغربية مع الأموال الليبية المجمدة مقارنة مع نظيرتها الروسية.
وقال المركز، في تقرير له:” في خطوة تُعد سابقة في التعامل مع الأموال المجمدة لدول من قبل دول اخرى دون وجه حق، أعلن رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، يوم الجمعة عن استلام بلاده أول دفعة من عائدات الأصول الروسية المجمدة” .
جاء ذلك في إطار مبادرة مجموعة السبع التي تهدف إلى دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا مستخدمين عائدات الأصول الروسية المجمدة لدى الغرب.
وأوضح شميهال، عبر منشور على منصة “تليجرام”، أن بلاده تلقت مبلغ 752 مليون جنيه إسترليني من بريطانيا، على أن يتم توجيه هذه الأموال لتعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا.
وأشار التقرير، إلى أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول إمكانية استخدام الأموال المجمدة من قبل بعض الدول لتحقيق اهدافهم وأجنداتهم دون موافقة ملاك هذه الأصول، ويُعيد للواجهة السؤال حول مصير أموال دول القارة السمراء المجمدة في البنوك الغربية وعلى رأسهم ليبيا التي يصل حجم أصولها أموالها المجمدة إلى 200 مليار دولار على أقل تقدير.
الغرب الذي يمول أوكرانيا من عائدات الأموال الروسية المجمدة، يرفض إعادة الاموال المجمدة الليبية الى الشعب الليبي، والقول أن ليبيا تُعاني من انقسام سياسي وغياب رئيس موحد للبلاد مما يمنعهم من إعادة الاموال إلى ليبيا، مع أنه وعلى الرغم من الخلافات إلا أن الجميع متفق على ضرورة استعادة الأموال المجمدة للدفع بعجلة الاقتصاد الليبي الذي سيساهم في تحريك العملية السياسية في البلاد، وفقا للتقرير الصادر.
في يناير العام الجاري، أقر مجلس الأمن الدولي، السماح للمؤسسة الليبية للاستثمار بإعادة استثمار أصولها المالية في الخارج مع بقائها مجمدة، استجابة لطلب المؤسسة لاستثمار الأرصدة النقدية غير المستثمرة، للمحافظة على قيمتها وتجنب الخسائر. قرار وصفه البعض بالمحاولة الدولية لخلق بلبلة بين مؤسسات الدولة الليبية، حيث أن رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار المكلف من مجلس النواب، أشرف بدر، تحدث عن غموض توقيت وآلية تنفيذ القرار، بل وحذر من كارثة لا يمكن تحمل عواقبها نتيجة القرارات التعسفية، وعدم إدارة الاستثمارات الليبية بالخارج فيما يخدم مصالح الدولة الليبية، والمحافظة على استثماراتها.
أما القائم بأعمال وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية، طاهر الباعور، قال في سبتمبر العام الماضي إن وزارته تعمل على الوصول إلى اتفاق مع المجتمع الدولي لإنشاء رقابة مشتركة لإدارة الأموال المجمّدة باعتباره حقاً للدولة الليبية.
وعلى مدار 14 عاماً تسعى الحكومة الليبية للتعاون مع المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لإعادة هذه الأموال إلى ليبيا.
ومع ذلك، فإن العملية تواجه تحديات كبيرة بسبب الانقسامات السياسية الداخلية في ليبيا، والتي بحسب الخبراء والمراقبين للشأن الليبي هي عراقيل تفتعلها دول الغرب بهدف الاستفادة من الأموال الليبية المجمدة، على حسب ما ورد بالتقرير.
ونوه التقرير بأن هذه الأموال والتي تعتبر مورداً مهماً لإعادة إعمار ليبيا ودعم الاقتصاد الليبي، تتطلب استعادتها تحرك ليبي قوي يضع الغرب أمام خيار واحد لا ثاني له وهو إعادة الأموال إلى أصحابها.