جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-11@12:43:34 GMT

بعض المنطق

تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT

بعض المنطق

 

 

فاطمة الحارثية

 

بلغنا من بعض الروايات والأخبار، مثل قصة النمرود وفرعون  وغيرها من القصص التي نشأت عن نبوءة، مدى جهل الإنسان وجشعه، وكيف لهذا الجهل أن يصنع الكثير من الألم والصراعات، وقدرته الفائقة والغريبة في تغيير مجرى الأحداث، وصناعة التاريخ؛ من يوم أن تنبأ إبليس لآدام بالخلود إلى أن تقوم الساعة، ونحن في غياهب النبوءات والافتراضات، يأتي أحدهم ليوسوس في أذنيك، أو يوعز لك بباطل لا خير فيه "ماذا لو.

.. أو سوف يحدث..."، لتسقط صريعا للخيالات والتهيؤات، وبدون دليل أو برهان تؤذي نفسك قبل غيرك، إنه ذاك الغيب الذي صنع الشر على الأرض، إنها الغيبيات والتكهنات التي تقاعسنا عن التعامل معها كما أمرنا الله، فوقعنا في هاوية لا قعر لها.

غزت منصات التواصل الاجتماعي عقول الناس بترهات التنبؤات، وكفر من صدقها وآمن بها، وهي في زمننا ليست إلا تشتيتا واضحا، وتخديرا منكرا لحقائق مهمة يجب أن نُدركها، فعندما يأتي أو تأتي متنبئة تؤكد تحرير فلسطين، ليهلل الناس ويبدؤون بمتابعة وانتظار النصر وكأن النصر يصنع نفسه، ولا دور لهم في ذلك، إنه الجهل والخزي بعينه، ومتنبئ/ ه آخر يقول "فايروس جديد" فيتصارع الناس بشراء الكمامات وتخزين الطعام، وكأنه رب يُمرض ويُشفي ويُطعم، أي زمن نحن فيه اليوم! وأي منطق نعيش عليه، وأين قيمة التعليم والجهد الذي بُذل في المؤسسات التعليمة والأكاديمية، لنعود إلى الجاهلية الأولى، ما هو العذر في هذا الزمن فالأمية تكاد تكون معدومة.

والغريب أن المنصات تغرد بما تهوى وعن غاية في نفس شياطين الإنس، فنحن نكاد لا نسمع شيئا عن مذابح وجرائم السودان، أم بما أن المنصات من صنع الإنسان فهي أيضا عنصرية، ونقل صانعها إليها عقدة الخواجة، فلا نسمع إلا عن مآسي البيض دونا عن خلق الله، إن السودان تأن وتتألم، انتُهك الدين والعرض والإنسانية والبشرية على أرضها، لم ترحم حربها طفلًا ولا نساءَ ولا كهلًا ولا شبابًا، ولا نجد خبرًا إعلاميًا ولا حتى متنبئي إبليس الحقير يذكرونها، وهذا عمدا واضحا، يا لسخرية الإنسان، ما قوله أمام الله وما حجته، تذكر لم يُجبرك إبليس بل دعاك واستجبت له، وربما أنت من قدمت له الخطة وهو اعتمدها لك.

أصبح رهان اليوم الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي السلبي، الذي يؤثر على الرأي العام بما يخدم مصالح سياسية، بعيده كل البعد عن الغرض الذي قبلنا به في حياتنا، وهو الإعمار والتطوير ورفاهية الإنسان، على الابتكار أن يخدم الإنسان ويُمكن له الحياة الطيبة، مثل ذلك مثل الاختراعات والدراسات والبحوث.

نتائج فعل الجهل لا تختلف، فعواقبها مؤذية مهما كانت نية وقصد الفعل، مثل الطفل الذي يعاند أباه فينتهي سلوكه بتدمير أسرة، أو الصاحب الذي يُقدم على مزحة حمقاء تقود لإصابة أو فاجعة، بمجرد أن نقرر أمرا دون تصور احتمالات النتائج والتعمق في ذلك، فالقرار يكون عن جهل، أو تعمد سواء كان من امرأة أو رجل أو مسؤول أو ولي. القدرة على فهم مشاعرنا الحقيقية والرؤية الشاملة، ومُراعاة الجوانب المختلفة قد يقينا من براثن تباعات أفعالنا، الكون لا يدور حولنا وحدنا، بل ثمة آخرين قد نسبب لهم الألم ونحن في وهم تبريرات بلوغ الغاية أو الفوز، وقد يمتد الألم إلى سنوات وعقود وأجيال، بل وقد يكون هو السبب الأساسي في شرور الأرض وجراح الانتقام والكثير من الجرائم.

عندما نتمالك أنفسنا عند أي فكرة، ونعطي للمنطق مساحة، فنحن بذلك ننأى بأنفسنا فعل الجهل، فبمجرد الاعتراف بأن الجهل لا يرتبط بالأمية، ولا بأي من صنوف الاعتقاد من حولنا، فإننا نفتح لعقولنا مجالات واسعة، ونسيطر على ما يتبادر أو يصلنا من نبوءات أو هواجس أو خيالات أو غيرها، فيقل الضرر ونفرق بين الوهم والحقيقة، ونأتي الأمور بروية وحكمة.

سمو...

لسنا على الأرض بالخطأ، ولا صدفة، ولا تعتقد أنك في سلام، ولم تؤثر على أحد أو أمر، لأن إدراكك محدود وعلمك قاصر، فلتأثيرك ما هو بيّن وغيبي، حتى كلماتك تلمس أبعد مما تُدرك أو تعلم، سواء كان من قريب أو بعيد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الغياب.. لحظات إنسانية قابلة للتأمل !

مرّ ذلك العيد بجانبنا مختلفًا عن أعيادنا الماضية؛ دفاتر الحضور والغياب أثبتت بأن الأحياء هم وحدهم من يتألمون ويتجرعون مرارة الفقد والفراق، ففي لحظة التذكّر بمن كان جانبنا في المرة الماضية، تتعمق في نفوسنا معاناة جديدة لا يشعر بها جميع من حولنا، إلا من لامسهم ذلك الغياب قبلنا.

في هذا العيد، كم بلغ شعور الألم بنا وبغيرنا ممن فقدوا عزيزًا عليهم، بقيت أماكن جلوسهم خالية لا يعوّضها أحد من الحضور، بينما النسيان، حتى هذه اللحظة، لم يبدأ مفعوله السحري في تطييب جراح الفقد.

في كل عيد، كنا نخرج من المصلى لنتجه مباشرة نحو منازل متقاربة في البنيان، تمامًا مثلما تتقارب أرواحنا مع أرحامنا وأقاربنا. نستمتع كثيرًا عندما نترجّل سيرًا على الأقدام بين بيوت الحارة وشوارعها وسواقيها وبساتينها التي لا تحدها سوى أسوار المحبة. أحيانًا، عندما كان الصيف حاضرًا في أعيادنا الماضية، كان لا بد لنا من ركوب السيارة التي تنطلق بنا إلى أماكن أبعد مما نصلها ونحن نسير على أقدامنا. نتنقّل في العيد رغبةً منّا، وتقليدًا تراثيًا قديمًا، نقدّم فيه أجلّ عبارات السلام والاطمئنان على الأهل والأحبة والأصحاب، وخاصةً ممن بلغ الكبر بهم مبلغه.

في هذا العيد، كان الوضع مختلفًا تمامًا عن ماضٍ قديم؛ هذه المرة كانت الوجهة الأولى منذ خروجنا من مصلى العيد نحو «المقابر»، حيث أصبح لدينا شخص عزيز يتوسد الثرى. وكان لا بد لنا من زيارته من جهة، وتذكير لنا بالآخرة والمآل الذي ينتظرنا، وأيضًا هذه الزيارة ترقيق للقلوب القاسية التي غرتها مباهج الحياة وزخرفها. وربما مشهد القبور المتراصة مع بعضها البعض يكون رادعًا لنا ولغيرنا عن المعاصي، وطريقًا نحو الزهد في الدنيا الفانية، وتهوينًا لما قد يلقاه المرء منا من مصائب الحياة وفواجعها التي لا تنتهي.

جمعٌ من الناس أتى إلى ساحة المقبرة، كلٌ يقف بجانب قبر عزيز عليه. فالساحة الممتدة تظهر أسماء كثيرة وتواريخ قديمة وحديثة على شواهد القبور، هدفها تذكير الناس بمن رحلوا واحدًا بعد آخر. في القرب من قبر ميّتنا، هناك قبر جديد لا تزال معالمه واضحة، يذكّر بأن القدر لم يُمهل صاحبه فرصة العيش معنا في هذا العيد. في مثل هذه المواقف، يستحضر في ذهني أن كل هؤلاء الموتى الذين تتحلل أجسادهم في قبورهم ينتظرون الدعاء لهم بالعفو والمغفرة.

رغم أن الكم كبير من الناس في المكان، إلا أن الصمت كان يتسيّد الموقف. أشخاص جالسون بصمت، وآخرون يقفون يتأملون ويستذكرون كيف أصبح حال من كان بالأمس يذكّرهم بأن الموت حق وقدر محتوم، ويأمل أن يكون معهم في فرحة هذا العيد.

أمام ذلك القبر الذي يأوي من نحب، لا شيء يُجدي غير الدعاء والتضرع إلى الله بالرحمة لميّتنا وأموات المسلمين. كم هو مؤلم أن ينتزع القدر منك شيئًا غاليًا، رغم أنك مؤمن تمامًا بأنه واقع لا محالة على كل إنسان، لكن لم تتخيله يأتي بهذه السرعة. تحاول أن تكفكف الدمع خوفًا من أن يعلو صوتك فتقع في المحظور، لذا عليك أن تلتزم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم» - وأشار إلى لسانه -، ولما مات ابنه إبراهيم قال عليه الصلاة والسلام: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

رغم أن البكاء لا يُجدي ولا يُرجِع من رحل، لكن الله تعالى يسمع أعمق صرخات قلوبنا التي يعتصرها الألم، ويجزي كل صابر على قدر صبره، ولذا يبشّر الله تعالى كل صابر محتسب الأجر والثواب بقوله تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ».

انقضى الوقت وعدنا إلى منازلنا التي كانت عامرة بالناس في العيد، عندما كان ذلك العزيز يتجلى في وسط مجلسها. انفضّ الناس من حولنا، ولم يأتِ أحد كعادة كل عيد قد مضى، عندما كنا نحاول أن نتهرب من المجلس الذي يعج بالناس، ونتذمر كثيرًا عندما كان أحد المهنئين يمكث طويلًا في حديث ممتد يشعرنا بالملل. في هذا العيد، بقيت الأبواب مفتوحة، لكن عتباتها عانت فقدان خُطى المهنئين أو القادمين للتهنئة، كما كانت في الأعياد الماضية.

ويبقى الدعاء هو ما يوصلنا بمن نحب من الآباء والأمهات والإخوان وعامة الناس، فاللهم اغفر لتلك الأرواح التي لا تُعوّض، وأنفسنا النقية التي فارقتنا، وتركت لنا في القلب حنينًا لا يفارقنا أبدًا.

اللهم ارحم تلك الوجوه الطيبة التي فارقت الدنيا وانتقلت إلى جوارك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وتجاوز عنهم، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.

اللهم واجمعنا وإياهم برفقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في علّيّين.

مقالات مشابهة

  • دعاء يوم الجمعة الذي يغير الأقدار للأفضل
  • الغياب.. لحظات إنسانية قابلة للتأمل !
  • كيف يبدأ الإنسان بالتغيير من نفسه؟.. علي جمعة يوضح
  • الخثلان يوضح الأعمال التي تُدخل الإنسان الجنة بلا عذاب.. فيديو
  • الحكيم يحذر من التدافع الذي يخلف نتائج صفرية تهدر الجهد والوقت
  • أذكار الصباح اليوم الخميس 10 أبريل 2025.. «بِسـمِ اللهِ الذي لا يَضُـرُّ مَعَ اسمِـهِ شَيءٌ»
  • “إن الإنسان خلق هلوعا”
  • الجيش الإسرائيلي يتهم حزب الله بترميم موقع عسكري تحت الأرض
  • الوطن وعي
  • صانع الفخار رواية جديدة للكاتبة فوزية الفهدية