فاطمة الحارثية
بلغنا من بعض الروايات والأخبار، مثل قصة النمرود وفرعون وغيرها من القصص التي نشأت عن نبوءة، مدى جهل الإنسان وجشعه، وكيف لهذا الجهل أن يصنع الكثير من الألم والصراعات، وقدرته الفائقة والغريبة في تغيير مجرى الأحداث، وصناعة التاريخ؛ من يوم أن تنبأ إبليس لآدام بالخلود إلى أن تقوم الساعة، ونحن في غياهب النبوءات والافتراضات، يأتي أحدهم ليوسوس في أذنيك، أو يوعز لك بباطل لا خير فيه "ماذا لو.
غزت منصات التواصل الاجتماعي عقول الناس بترهات التنبؤات، وكفر من صدقها وآمن بها، وهي في زمننا ليست إلا تشتيتا واضحا، وتخديرا منكرا لحقائق مهمة يجب أن نُدركها، فعندما يأتي أو تأتي متنبئة تؤكد تحرير فلسطين، ليهلل الناس ويبدؤون بمتابعة وانتظار النصر وكأن النصر يصنع نفسه، ولا دور لهم في ذلك، إنه الجهل والخزي بعينه، ومتنبئ/ ه آخر يقول "فايروس جديد" فيتصارع الناس بشراء الكمامات وتخزين الطعام، وكأنه رب يُمرض ويُشفي ويُطعم، أي زمن نحن فيه اليوم! وأي منطق نعيش عليه، وأين قيمة التعليم والجهد الذي بُذل في المؤسسات التعليمة والأكاديمية، لنعود إلى الجاهلية الأولى، ما هو العذر في هذا الزمن فالأمية تكاد تكون معدومة.
والغريب أن المنصات تغرد بما تهوى وعن غاية في نفس شياطين الإنس، فنحن نكاد لا نسمع شيئا عن مذابح وجرائم السودان، أم بما أن المنصات من صنع الإنسان فهي أيضا عنصرية، ونقل صانعها إليها عقدة الخواجة، فلا نسمع إلا عن مآسي البيض دونا عن خلق الله، إن السودان تأن وتتألم، انتُهك الدين والعرض والإنسانية والبشرية على أرضها، لم ترحم حربها طفلًا ولا نساءَ ولا كهلًا ولا شبابًا، ولا نجد خبرًا إعلاميًا ولا حتى متنبئي إبليس الحقير يذكرونها، وهذا عمدا واضحا، يا لسخرية الإنسان، ما قوله أمام الله وما حجته، تذكر لم يُجبرك إبليس بل دعاك واستجبت له، وربما أنت من قدمت له الخطة وهو اعتمدها لك.
أصبح رهان اليوم الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي السلبي، الذي يؤثر على الرأي العام بما يخدم مصالح سياسية، بعيده كل البعد عن الغرض الذي قبلنا به في حياتنا، وهو الإعمار والتطوير ورفاهية الإنسان، على الابتكار أن يخدم الإنسان ويُمكن له الحياة الطيبة، مثل ذلك مثل الاختراعات والدراسات والبحوث.
نتائج فعل الجهل لا تختلف، فعواقبها مؤذية مهما كانت نية وقصد الفعل، مثل الطفل الذي يعاند أباه فينتهي سلوكه بتدمير أسرة، أو الصاحب الذي يُقدم على مزحة حمقاء تقود لإصابة أو فاجعة، بمجرد أن نقرر أمرا دون تصور احتمالات النتائج والتعمق في ذلك، فالقرار يكون عن جهل، أو تعمد سواء كان من امرأة أو رجل أو مسؤول أو ولي. القدرة على فهم مشاعرنا الحقيقية والرؤية الشاملة، ومُراعاة الجوانب المختلفة قد يقينا من براثن تباعات أفعالنا، الكون لا يدور حولنا وحدنا، بل ثمة آخرين قد نسبب لهم الألم ونحن في وهم تبريرات بلوغ الغاية أو الفوز، وقد يمتد الألم إلى سنوات وعقود وأجيال، بل وقد يكون هو السبب الأساسي في شرور الأرض وجراح الانتقام والكثير من الجرائم.
عندما نتمالك أنفسنا عند أي فكرة، ونعطي للمنطق مساحة، فنحن بذلك ننأى بأنفسنا فعل الجهل، فبمجرد الاعتراف بأن الجهل لا يرتبط بالأمية، ولا بأي من صنوف الاعتقاد من حولنا، فإننا نفتح لعقولنا مجالات واسعة، ونسيطر على ما يتبادر أو يصلنا من نبوءات أو هواجس أو خيالات أو غيرها، فيقل الضرر ونفرق بين الوهم والحقيقة، ونأتي الأمور بروية وحكمة.
سمو...
لسنا على الأرض بالخطأ، ولا صدفة، ولا تعتقد أنك في سلام، ولم تؤثر على أحد أو أمر، لأن إدراكك محدود وعلمك قاصر، فلتأثيرك ما هو بيّن وغيبي، حتى كلماتك تلمس أبعد مما تُدرك أو تعلم، سواء كان من قريب أو بعيد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
القضية الفلسطينية بين يد الله وخلفائه في الأرض
ظلّت القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية في قلب الصراعات الإقليمية والدولية، متأرجحة بين محاولات التسوية السياسية والانتهاكات المستمرة للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن المشهد تغيّر بشكل جذري منذ السابع من أكتوبر 2023، مع اندلاع عملية "طوفان الأقصى"، التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة ولكن تحت ظروف شديدة الخطورة، حيث باتت تواجه محاولات لتصفيتها بشكل كامل على حساب دول الجوار، وعلى رأسها مصر والأردن.
مخططات التصفية وموقف مصر الحاسمبرزت مخططات صهيونية مدعومة من بعض القوى الدولية، تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الفلسطيني من خلال الضغط على دول الجوار، وخاصة مصر، لدفعها إلى تحمل أعباء تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية؛ غير أن الموقف المصري، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، جاء حاسمًا ورافضًا لأي محاولات لتغيير الخريطة الديموغرافية أو فرض حلول على حساب السيادة المصرية.
و أظهرت مصر، منذ بداية الحرب الأخيرة، موقفًا واضحًا لا لبس فيه، إذ أكدت مرارًا وتكرارًا رفضها لأي تهجير قسري للفلسطينيين، بل وأعلنت استعدادها للتضحية في سبيل الحفاظ على ثوابتها الوطنية والقومية، حتى لو كان الثمن حربًا جديدة، هذا الرفض القاطع جعل القاهرة في مواجهة مباشرة مع الضغوط الصهيونية والدول الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
شهدت الساعات القليلة الماضية اجتماعًا لافتًا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث ناقش الطرفان سبل دعم إسرائيل في تنفيذ مخططاتها الجديدة.
وأحد أبرز هذه المخططات يتمثل في البدء بتنفيذ مشاريع الاستيطان والتوسع في الضفة الغربية، بدلًا من غزة، في محاولة لتغيير المعادلة على الأرض وإحكام السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يأتي هذا التطور في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية، خصوصًا بعد أن أبدت مصر موقفًا أكثر صرامة في رفضها للتهجير القسري، وهو ما دفع القوى الداعمة لإسرائيل إلى البحث عن طرق بديلة لتنفيذ مخططاتها، في محاولة للالتفاف على الموقف المصري الراسخ.
المرحلة القادمةمن الواضح أن مصر ستتعرض خلال الفترة المقبلة لمزيد من الضغوط من قبل القوى الصهيونية وأتباعها، في محاولة لفرض حلول تتنافى مع الثوابت الوطنية المصرية والعربية، وهذا يتطلب وقوفًا شعبيًا ودوليًا خلف القيادة السياسية المصرية في معركتها للحفاظ على الأمن القومي المصري وحقوق الشعب الفلسطيني.
الكاتب الصحفي علي فوزيإن ما يجري اليوم ليس مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل هو معركة وجودية تستهدف ليس فقط فلسطين، بل أيضًا استقرار المنطقة العربية برمتها، ولذلك، لا بد أن يكون الموقف العربي موحدًا في مواجهة هذه المخططات، من خلال دعم القضية الفلسطينية ورفض أي محاولات لطمس الهوية الفلسطينية أو إجبار دول الجوار على تحمل تبعات الاحتلال.
ختامًا: مصر في قلب المواجهة ولكنها لن تنكسرالتاريخ يشهد أن مصر كانت دائمًا في طليعة الدول المدافعة عن القضية الفلسطينية، ولن تتخلى عن هذا الدور مهما كانت التحديات، وفي ظل الضغوط المتزايدة، فإن المسؤولية تقع على عاتق الجميع لدعم الموقف المصري، شعبيًا ورسميًا، والعمل على إفشال المخططات التي تستهدف فلسطين والمنطقة العربية بأكملها.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها العظيم، ونسأل الله أن يُثبّت أهل فلسطين في أرضهم، وأن يكتب لهذه الأمة النصر والكرامة.