جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-08@17:51:41 GMT

هل يكون ترامب نيكسون القرن؟

تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT

هل يكون ترامب نيكسون القرن؟

 

 

د. عماد أبشيناس **

 

وصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى السلطة، عبر رفع شعار المفاوضات وحل الخلافات الإيرانية مع الغرب، وكان لحضور محمد جواد ظريف -صانع الاتفاق النووي والمشهور في إيران بأنه المنادي للمفاوضات مع الولايات المتحدة- الفضلُ الأكبر لوصول بزشكيان إلى السُلطة ومعظم الذين صوتوا لبزشكيان في الواقع صوتوا للذي يقف إلى جانب ظريف.

وبالفعل فإن بزشكيان وضع كل برامجه وأهدافه في سلة ظريف وكان متوقعا أن يتم تعيين ظريف في منصب نائب رئيس الجمهورية وبسبب معارضة الأصوليين المتطرفين لظريف اضطر أن يعينه مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وهو منصب تم استحداثه خصيصا لظريف في حكومة بزشكيان.

وبسبب أن عبارة نائب رئيس الجمهورية ومساعد رئيس الجمهورية يتم ترجمتها في اللغة الإنجليزية بعبارة Vice President يخلط العديد من الأجانب في موضع نائب رئيس الجمهورية ومساعد الرئيس ولا يستطيعون التمييز فيما بين هذه المناصب، ولكن عموما في إيران نائب رئيس الجمهورية هو عمليًا يرأس الحكومة عندما لا يكون الرئيس موجودا ولديه سلطات تنفيذية على كل الحكومة ويمكن اعتبار قراراته هي قرارات الرئيس، في حين أن مساعد رئيس الجمهورية يكون مسؤولًا عن قسم من أعمال الرئيس فقط ويستطيع اتخاذ القرارات في ذلك الموضوع الخاص فقط.

وتسمح القوانين الإيرانية لمساعدي الرئيس ومستشاريه الحضور في اجتماعات الحكومة وإبداء رأيهم، لكن دون حق التصويت على القرارات الحكومية، التي هي محصورة بيد وزراء الحكومة؛ لأن الوزراء فقط يحصلون على ثقة المجلس، ويمكن للمجلس استجواب الوزراء فقط بشكل انفرادي أو جماعي وإعادة منحهم الثقة أو سحبها منهم.

وبسبب أن الأصوليين المتطرفين يسيطرون على مجلس الشورى الإسلامي الإيراني وهم يعارضون وجود ظريف في الحكومة، حتى إن ظريف اضطر أن يقدم استقالته من منصبه كي تستطيع الحكومة نيل ثقة المجلس، وثم يعود إلى الحكومة برفض الرئيس للاستقالة. وحاليًا يواجه بزشكيان ضغوطًا كبيرة جدًا لإقالة ظريف بسبب قانون يمنع إعطاء المناصب الإدارية العليا لأشخاص من مزدوجي الجنسية هم أو أولادهم، وابن محمد جواد ظريف كان قد حصل على الهوية الأمريكية مُستفيدًا من قانون ولادته على الأراضي الأمريكية.

ويعرف الجميع في إيران أن المقصود من هذه الهجمة الشرسة على ظريف، هو أنه موكل من الرئيس لكي يكون عرَّاب الاتفاق الجديد بين إيران والولايات المتحدة.

ولربما شرح هذا الموضوع يكفي لكي يستطيع المخاطب فهم مدى مستوى الخلافات الموجودة حاليا في ايران والذي يصل إلى أعلى المستويات في البلاد على موضوع المفاوضات مع الولايات المتحدة.

وعموما معارضو المفاوضات مع الولايات المتحدة يعتبرون أنه ما من فائدة من تضييع الوقت والدخول في هذه المفاوضات؛ لأن الولايات المتحدة لا تلتزم بأي من تعهداتها وهي تتنصل من تنفيذ كل الاتفاقيات التي تقوم بالتوقيع عليها.

ويتهم المعارضون الولايات المتحدة بأنها تسعى كي تحصل على ما لا تستطيع الحصول عليه عبر الضغط الاقتصادي والسياسي والتهديد العسكري وأن الذين يقومون بمفاوضة الأمريكيين بأنهم سذج أو حتى خونة يحرقون كل الإنجازات التي تحصل عليها إيران بمشقة في هكذا مفاوضات.

ويتخوف هؤلاء من أن الولايات المتحدة تسعى كي تسلب إيران قدراتها الدفاعية وتطبق السياسة التي قامت بتطبيقها على ليبيا إبان حكم الرئيس الراحل معمّر القذافي وتقوم بمهاجمة إيران بعد أن تسلبها كل قدراتها الدفاعية.

ويعتبر هؤلاء أن إيران يجب أن تستمر بسياسة التوجه شرقًا الذي بدأه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، وعدم التعويل على المفاوضات مع الغرب، وبعد أن تصل إيران إلى مرتبة من القدرة الاقتصادية والعسكرية والسياسية لا يمكن تجاهلها، فإن الغرب حينها سوف يسعى إلى التعامل مع إيران وليس التقابل معها.

وفي المقابل، فإن أنصار المفاوضات يعتبرون أن الخلافات مع الولايات المتحدة -التي يعتبرونها عرّاب العالم- من الضرورات اللازمة لإيران، ولا يمكن أن تستمر إيران بسياسة العداء للولايات المتحدة، وهي تخسر مكانتها الدولية وأموالًا طائلة بسبب هذا العداء.

ولربما من الطريف أن نذكر أن الذين هاجموا السفارة الأمريكية في بدايات الثورة الإسلامية وتسببوا بقطع العلاقات حينها، كانوا معظمهم من الشباب اليساري الذين تحولوا فيما بعد إلى الإصلاحيين، والعديد منهم هم الذين ينادون حاليًا بضرورة حل الخلافات وعودة العلاقات مع أمريكا.

على أي حال، فإن نتيجة الانتخابات الإيرانية كانت واضحة وعكست رؤية الشارع الإيراني الذي قام بالتصويت لبزشكيان الرافع لشعار المفاوضات والعمل على رفع العقوبات وبعكس ما كان عليه الوضع مع بدايات الثورة؛ حيث إن العداء للولايات المتحدة كان على أشده، لكن الشارع الإيراني حاليا لا يكن العداء للولايات المتحدة؛ وهو جاهز لقبول أي صفقة تؤدي إلى عودة العلاقات مع الولايات المتحدة وترفع العقوبات عن إيران؛ وذلك يعني قبول صفقة تؤدي إلى عودة العلاقات ورفع العقوبات، يمكن اعتبارها مفتاح اللغز؛ حيث إن الرئيس الإيراني حصل على موافقة المرشد الأعلى على المفاوضات، بشرط الوصول إلى هذين الهدفين.

فأي اتفاق لا يتضمن أو يؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران لا معنى له بالنسبة للناس، وفي المقابل فإن العديد من الأصوليين يعتبرون أن الرئيس الأمريكي ليس لديه سلطة كي يستطيع أن يرفع عقوبات وضعها الكونجرس الأمريكي على إيران بسبب أن الكونجرس حاليا هو تحت سلطة اللوبي الصهيوني.

وفي المقابل يعتبر مناصرو المفاوضات بأن ترامب في ولايته الثانية مختلف عن ترامب في ولايته الأولى وهو غير محتاج للوبي الصهيوني كي يناصره؛ لأنه لا يمكنه الترشح لدورة جديدة، وترامب حاليًا يسعى كي يُسجّل اسمه في التاريخ الأمريكي بصفته الرئيس الأمريكي الذي قام بحل أزمة الخلافات مع إيران، بما يشبه ما قام به ريتشارد نيكسون في السبعينيات مع الصين، ولذا يجب على إيران الاستفادة من هذه الفرصة.

ويعتبر هؤلاء أن ما يهم ترامب حاليًا هي الكعكة الاقتصادية الإيرانية، والتي بسببها يُمكن لترامب أن يُعلِّق أو يلغي العقوبات على إيران كي يحصل على حصة الأسد من هذه الكعكة للشركات الأمريكية، وتقدر هذه الكعكة بأكثر من 20 تريليون دولار أمريكي من الاستثمارات؛ حيث إن ايران لم تستثمر في العديد من المجالات الاقتصادية منذ أكثر من 40 عامًا، وحاليًا فقط قطاع النفط والغاز الإيراني يحتاج إلى ما يصل لحوالي 5 تريليونات دولار من الاستثمارات أو مثلا قطاع الطيران المدني الإيراني يحتاج إلى أكثر من 1000 طائرة مدنية، وهذه العقود يُمكن أن تنقذ العديد من الشركات الأمريكية التي تواجه حاليا مشاكل اقتصادية كبيرة.

وعلى الرغم من هذه الخلافات داخل الساحة الايرانية، فإن حكومة بزشكيان عملت بشكل جدي على عدة جبهات لكسر عقدة العقوبات على إيران؛ إذ طلبوا من أصدقائهم في سلطنة عُمان وقطر والعراق وحتى لبنان، العمل على فتح قنوات الاتصال مع فريق ترامب من جهة وبدأوا مفاوضات مع "الترويكا الأوروبية" من جهة أخرى.

واستنادًا لتصريحات محمد جواد ظريف في منتدى دافوس الأخير، فإن إيران والولايات المتحدة، في عهد الرئيس السابق جو بايدن، كانتا قد توصلتا لاتفاق غير مكتوب بينهما، لكن عملية السابع من أكتوبر في فلسطين، نسفت هذا الاتفاق، وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة من قبل الجانبين، فإن التصعيد الحاصل في المنطقة، أفشل كل محاولات التوصل إلى اتفاق جديد بينهما.

من جهة أخرى، فإنه وفي حين أن الأوروبيين مُصرِّون على ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي وإحيائه قبل الخامس والعشرين من أكتوبر 2025، وهو موعد انتهاء فترة بند الزناد SnapBack في الاتفاق النووي، والذي بموجبه يمكنهم إعادة العقوبات الدولية على إيران، فإن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس ترامب، لا تُصر على إعادة إحياء الاتفاق النووي، لكنها تُصر على ضرورة توقيع اتفاقية شاملة بينها وبين إيران، تضمن لها حصة الأسد في الاقتصاد الإيراني.

ولربما يمكن القول إن السبب الأساسي لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي كان أن ذلك الاتفاق لم يضمن حصة الولايات المتحدة من الاتفاق وحصل الأوروبيون على حصة الأسد من العقود التي قاموا بتوقيعها مع إيران بعد التوقيع على الاتفاق النووي.

وعلى الرغم من أن شعار الجميع هو منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وإيران مستعدة لتقديم كل الضمانات من أنها لا تسعى للحصول على هذا السلاح، لكن في الواقع عمليًا الجانب المقابل لإيران يسعى لاستغلال الموضوع النووي للحصول على حصة أكبر في الاقتصاد الإيراني فقط، وهم جميعهم مطمئنون من أن إيران لا تسعى كي تصنع السلاح النووي.

إنهم جميعًا يعلمون أن ايران عَبَرَتْ عما يتم تسميته "العتبة النووية"؛ حيث إنه باستطاعتها تصنيع السلاح النووي في أي لحظة تريد، لكنها لم تقم بفعل ذلك لأن استراتيجيتها الردعية كانت أصلا مبنية على أساس العبور من هذه العتبة، وتهديد الاعداء بأنهم إذا ما قاموا بمهاجمة إيران وكان الوجود الإيراني في خطر فإنها يُمكن أن تلجأ إلى خيار تصنيع السلاح، وطالما أن إيران لا تواجه خطرًا وجوديًا فإنها لن تقوم بتصنيع السلاح النووي.

** باحث وأكاديمي إيراني

** يُنشر بالاشتراك مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إيران تهدد إسرائيل بـرد قاس على أي هجوم يستهدف النووي

إيران تهدد إسرائيل بـرد قاس على أي هجوم يستهدف النووي

مقالات مشابهة

  • خامنئي: لا تفاوض مع ترامب الذي مزق الاتفاق النووي
  • علي خامنئي: ترامب مزّق الاتفاق النووي والتفاوض مع أمريكا لن يحل مشاكل إيران
  • خامنئي يتوعد بالردّ بالمثل إذا ما هدّدت الولايات المتحدة إيران
  • خامنئي: سنردّ على أمريكا بالمثل إذا ما هدّدت إيران.. لا جدوى من المفاوضات
  • المرشد الإيراني يهدد الولايات المتحدة حال تهديدها أمن طهران
  • إيران تهدد إسرائيل بـرد قاس على أي هجوم يستهدف النووي
  • إيران ترد على تصريحات ترامب حول "السلام النووي"
  • بزشكيان: إيران لا تسعى للسلاح النووي وترفض سياسة القتل والدمار
  • الرئيس الإيراني: لدينا وسائل لإفشال أهداف الضغوط الأمريكية