د. ابراهيم بن سالم السيابي
في عالمنا اليوم، الذي تملؤه التحديات والمشاعر المتناقضة، تبقى هناك قيمة إنسانية غائبة أحيانًا عن الكثيرين، لكنها تبقى حية في قلوب من يدركون عمقها، "جَبر الخواطر" هي تلك اللمسة التي قد تغير مسار حياة الأشخاص، وتفتح لهم أبواب الأمل بعد أن كانوا يعتقدون ربما بأن كل الطرق كانت مسدودة أمامهم، هذه القيمة ليست مجرد كلمات، بل هي فعل يحمل في طياته الرحمة والمغفرة، وقد تصنع المعجزات، وقد تبدو كلمة جَبر الخواطر في ظاهرها بسيطة، لكنها في بعض المرات قد تحمل قوة خارقة قادرة على تغيير مصائر حياة البشر.
يُحكى في قديم الزمان أنه كان هناك شاب يعيش حياة في قمة الضياع، قبل أن يحكم عليه بالإعدام بسبب تخلفه عن الخدمة العسكرية، كان يعيش حياة مليئة بالصخب والتشتت، يعاني من قسوة والده الذي طرده بسبب تصرفاته الطائشة، وحمل في قلبه جرحًا عميقًا من فقدان والدته في سن مبكرة، كانت حياته مليئة بالمرارة، وكان يعتقد بأن سبيله الوحيد الهروب إلى الحانات والشراب، يغمر نفسه في سكر ليهرب من واقع لا يستطيع تحمله، كان يظن أن لا أحد يهتم به، وأنه لن يجد من يلتفت إلى حاله البائس، حتى جاء اليوم الذي تغير فيه كل شيء، في تلك اللحظة الحرجة وفي ساحة عامة وأمام الجماهير المحتشدة وبحضور ملك البلدة، عندما أصبح تنفيذ حكم الإعدام مصيره المحتوم، جاءت امرأة عجوز تتكئ على عصاها تخترق تلك الحشود، هذه المرأة العجوز التي شاخت ملامحها بمرور الزمن، لكن عينيها كانت مليئتين بالحكمة والحب، نظرت إلى الملك وقالت بصوت أقرب للتوسل و مفعم بالرجاء: "يا مولاي، أرجوك أن تعفو عن هذا الشاب"، وأخبرته بأنها تعرفه جيدًا، وأنه رغم ما قد يظنه الآخرون عنه، كان يقوم بخدمتها بإخلاص طواعية وبلا مقابل، كان يشتري لها حاجاتها، ويحضر لها الدواء حين تمرض، بل كان يطبطب على قلبها في ساعات وحدتها، هذه الأفعال البسيطة، التي لم يلتفت إليها أحد، كانت تخبر الملك بما لم يدركه الجميع: إن هذا الشاب سعى إلى الخير، وكان في قلبه جانب من الرحمة لم يره أحد.
تأثر الملك بكلمات المرأة العجوز، وفي تلك اللحظة، قرر العفو عنه، تقديرًا لما فعله مع تلك العجوز التي كانت في حاجة إلى من يخفف عنها آلامها، كان العفو بمثابة فرصة جديدة لهذا الشاب، فرصة ليعيد بناء حياته، ليعرف أنه رغم كل ما كان يظنه عن نفسه، لا يزال هناك من يراه طيبًا، وأن الرحمة لم تفارق قلبه بعد.
هذه القصة تحمل بين طياتها درسًا عميقًا عن جَبر الخواطر، وكيف أن أحيانًا يمكن لكلمة أو فعل بسيط أن يغير كل شيء، فجَبر الخاطر ليس مجرد محاولة لتخفيف آلام الآخرين فحسب، بل هو نوع من التفهم العميق لما يعانيه الآخرون، في تلك اللحظة التي وقف فيها الملك، أمام امرأة عجوز، اتخذ قرارًا عفويًا، كانت قد ظهرت أعظم قوة في حياة الإنسان وهي الرحمة، وتأتي أهمية جَبر الخواطر لما له من تأثير عميق على النفس البشرية، عندما نلتمس المعاملة الحسنة أو نلقي كلمات طيبة، ينعكس ذلك بشكل إيجابي على معنوياتنا، ويشجعنا على تحسين سلوكنا حتى في أسوأ الظروف، ويمكن أن يكون جَبر الخاطر بمثابة الدافع للإنسان ليبدأ صفحة جديدة، فبعض الأفعال التصرفات البسيطة تجعل العالم مكانًا أكثر إشراقا وجمالا، وتساعد الأفراد على إيجاد طريقتهم نحو النجاح والتغيير للأفضل.
جَبر الخواطر يمكن أن يكون أساسًا لتغيير المجتمع فعندما يظهر شخص ما اللطف والرحمة تجاه الآخرين، فإنه لا يغير حياة الفرد فحسب؛ بل يمكن أن يؤثر على مجتمع كامل ويمكن لتصرف صغير أن يكون له تأثير كبير في تعزيز التسامح والتعاون بين الناس، فجَبر الخواطر يمكن أن يكون الطريق لتغيير العلاقات الاجتماعية إلى الأفضل، مما يعزز الاندماج والمشاركة الفعّالة بين أفراد المجتمع.
وإذا كان جَبر الخواطر له تأثير عميق على المجتمع بأسره، فإنه في العلاقات الانسانية يصبح أساسًا لحياة مليئة بالحب والثقة، فالحب والمودة ليسا مجرد مشاعر عابرة، بل هما علاقة تبنى على الدعم المتبادل، وتقديم العون للآخرين في لحظات ضعفهم، جَبر الخاطر بين الناس يعمق العلاقة، ويجعلها أكثر استمرارية وقوة، فاللحظات الصعبة التي يمر بها الإنسان تصبح أسهل عندما يجد بجانبه من يخفف عنه ويشعره بالاطمئنان.
والمغفرة كذلك قد تكون جزءا لا يتجزأ من عملية جَبر الخواطر، حيث إن المغفرة هي وسيلة لتعافي النفس من الآلام، عندما نغفر للآخرين، ونمنحهم فرصة جديدة للشفاء من أخطاء وكدمات الماضي، وفي العلاقات الانسانية، يكون العفو والمغفرة حجر الزاوية لاستمرار الحب والأشخاص الذين يغفرون لبعضهم البعض يبنون روابط أكثر عمقًا وأصالة ويأتي هنا جَبر الخواطر ليكون أشبه بالشمعة التي تضيء الطريق إلى السلام الداخلي والانسجام بين الناس.
في الختام، جَبر الخواطر تحث عليه قيمنا المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، ولنجعل جَبر الخواطر سمة نعيش بها في كل لحظة، فكل منا في أمسِّ الحاجة إلى لمسة من جَبر الخواطر، سواء في علاقاتنا أو في حياتنا اليومية، فيمكننا أن نغير مجرى حياتنا وحياة الآخرين عندما ننتبه إلى مشاعرهم ونعمل على جَبر خواطرهم بالكلمة، أو المعاملة أو بقضاء حوائجهم، أو عندما نحاول أن نمنحهم الأمل والرحمة التي قد يحتاجونها في كل وقت وفي كل حين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ميار الببلاوي تكشف سر خلافها مع حنان ترك: كانت تحاربني واستولت على شغلي
تحدثت الفنانة ميار الببلاوي عن سبب الخلاف مع حنان ترك، قالت ميار: "أنا أحبها كثيرًا، ولكن في ذلك الوقت، كان هناك شيء شخصي بيننا سأكشف لاحقًا لماذا كانت تحاربني".
وكشفت خلال مشاركتها في برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، تفاصيل مشاجرة شهيرة وقعت على مسرح الريحاني، مؤكدة أنها كانت من الأحداث التي أثرت سلبًا على مسيرتها الفنية.
تابعت: "تلك المشاجرة قديمة جدًا، لكنها أثرت عليّ بشدة لم أكن أنا من بدأ العداء، ولم أكن حتى من قام بالاعتداء، بل كانت شقيقتي هي من اشتبكت مع غادة إبراهيم القصة بدأت عندما شعرت أن هناك تآمرًا ضدي داخل المسرح، وخصوصًا من الفنانة حنان ترك، التي لم تكن ترغب في وجودي في العرض."
وأضافت: "كنت وقتها في قمة تألقي، وقد استثمرت كثيرًا في المسرحية، وظهرت بإطلالة مميزة لدرجة أن الصف الأول في المسرح كان ممتلئًا بالكامل المشكلة بدأت خلال أحد العروض، حيث كان هناك مشهد يجمعني بالفنان محمود القلعاوي، وكنت أؤدي دور زوجة غاضبة من خيانة زوجها لها مع فتاة ليل، التي كانت تؤدي دورها غادة إبراهيم، في المشهد، كان من المفترض أن أكون أكثر من يعتدي عليها، نظرًا لأن زوجي خذلني كنا نمثل المشهد بحرفية، لكن في أحد الأيام، وأثناء أدائي لدوري، فوجئت بأن غادة إبراهيم تضربني على المسرح بالفعل، وليس ضمن التمثيل.
وأوضحت: تحكمت في نفسي ولم أردّ عليها على المسرح، لكن بمجرد دخولنا إلى الكواليس، لم تستطع شقيقتي الصمت، وحدث الاشتباك. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد استدعت غادة بعض البودي جاردات وانتقلت المشاجرة إلى الشارع أمام المسرح، في منطقة عماد الدين، حيث كان الراحل محمود القلعاوي يحاول تهدئة الموقف، ومعه الفنان ممدوح عبد العليم. كانت أختي في حالة انهيار لأن غادة صفعتني أمام الجميع، وكان من الممكن أن أبيت في قسم الشرطة لولا أن الأمور انتهت بالتصالح."
وعن تأثير تلك الواقعة على مسيرتها الفنية، قالت ميار: "تلك المشاجرة كانت سببًا في تعطيل مشواري الفني، فقد كنت البطلة الأصلية لمسلسل نصف ربيع الآخر مع الفنان يحيى الفخراني، وكنت قد وقّعت العقد وبدأت البروفات، لكن بعد المشكلة، تدخل بعض الأشخاص الذين أرادوا استبعادي، وتم إبلاغ النقابة، فأوقفوني عن العمل لمدة عام كامل. هذا الأمر أضاع عليّ فرصة العمر، فقد تم منح الدور للفنانة حنان ترك، التي لم يكن الدور مناسبًا لها، لكنها نجحت بعد ذلك، بينما تعثرت أنا."