قراءة متأنية بمرثية بن حبتور.. في صديقه الفقيد/ عبدالله الفضلي، يرحمه الله
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
تم ولوج الكاتب في توطئة تفيض بمشاعر الحزن والآسى على زميل عمره ودراسته، الذي ضمتهما ثانوية باجدار بمحافظة أبين، حيث التقى فيها بالفقيد الراحل أ.د. عبدالله علوي الفضلي… يرحمه الله.
ليس من صفات صديقي دولة رئيس حكومة الإنقاذ بصنعاء المبالغة، لكنها لربما هي رهبة الموت ومكانة الفقيد في نفسه والذي زامله قرابة نصف قرن من الزمان، حيث امتلأ السرد الوصفي لملامح المشهد الوداعي الحزين بهول ما صوره من عيون دامعة وقلوب باكية، على عزيز في قومه خدوم لأبناء وطنه محبا لهم، ولم يترك لنا حتى برهة من زمن، حيث ذهب مسترسلا في تأصيل نسب الفقيد أسرة وبيت السلطنة الباذخ الصيت بأريحية العارف بكريم فعالها، فلم يقتر بذكر حسبها الكريم أو نسبها الفاضل، وما حازته بجليل خصال وعظيم فعال أنجزتها باقتدار.
قبل المضي قدما في قرائتي هذه، لا بد لي من البوح، وهو بوح فيه شيء من (جلد المحب) لمن نعتقد انهم بحاجة اليه وهو مهم، ليعلموا سبب انتصار الجعاربة عليهم، منذ 13 يناير الى يومنا هذا وهو قول فصل لا يعرف الهزل نتاج لمعايشة وانخراط حقيقي بالمشهد السياسي، اسمح لي ان أبثك اياه عزيزي القارئ الكريم، فهو شيء يجيش به صدر ويتحرك به لسان عجبا وتعجبا، لجهة سلوك فيه شيء من جحود لا اجد له مبرراً سوى (ركة أصل وقلة وفاء)، من لدن طابور طويل من تربطهم بالفقيد يرحمه الله، صلة قربى أو زمالة وصداقة وهم كثر، كنا نعتقدها حميمية، لكنها طلعت فيشنك لا معنى أو ثقل يحسب لها، فلم نجد لهم مرثيات أو حتى منشوراً حزيناً يواسي أهله وبنيه في مصابهم هذا الجلل —- هذه الجفوة بين النخب اﻻبينية لا احسبها غير سلوك طارئ تساكن مع الكثير من نخب أبين بعد الاستقلال وتحديدا بعد الإطاحة بالرئيس سالمين، حيث تنافسوا في نكران الانتماء والولاء لمحافظتهم (مفضلين تقمص الولاء والانتماء للأممية الثالثة أو الرابعة) على محافظتهم، وذلك ليس سلوكاً (نيو ليبرالأ) لكنه للهروب من دفع كلفة غرامة انتماء مخسر من وجهة نظر قاصرة لتلك النخب (بحسب اعتقادي) —– هناك الكثير مما يجب قوله ولكن الحيز لا يسمح بذلك الحيز، فهو مخصص للقراءة في مقال اخينا دولة رئيس وزراء حكومة الإنقاذ بصنعاء، لربما تناولناه في مقال منفصل بذاته —— عموما نقول رحم الله فقيدنا الكبير واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة…
وبالعودة لمتن مرثية صديقي بن حبتور … حفظه الله، والذي أجده قد كتبه بمداد فؤاد يعتصره الحزن والأسى، لأسباب لا داع لذكرها، فقد تناولها في سياق ذلك المتن المرهف، وبصراحة أقول لك عزيزي القارئ الكريم، انها المرة الأولى التي اجد فيها صديقي الكاتب ينصب شلالا من السرد الوصفي لملامح المشهد الوداعي الحزين، لم يغفل فيه محاسن ومناقبية رجل من اشرف وانبل رجالات الوطن خلقا وأخلاقا وسيرة ومسيرة عاطرة، بل ولم يغفل ذكر محاسن وإيجابيات قوم الفقيد آل فضل كبيت سلطنة أو كقبائل يمانية تساكنوا مع جوار مدني (ولاية عدن) التي هذبت فيهم النعرات القبلية وجعلتهم اقرب للحضر منهم للبداوة الرعناء.
طبعا الكاتب لا منفعة ذاتية يرجوها من وراء كتابة مرثيته هذه، فهو لا يرجو زعامة أو تنقصه شهرة، بالرغم من كل انشغالاته اليومية ومهام عمله المضني بقيادة حكومة بزمن حرب عدوانية تتطلب منه جهود مضاعفة لمهام أي رئيس وزراء آخر، لكنه ضغط على نفسه يطالعنا بهذا المقال الإنساني المؤثر مبنى ومعنى، إنصافا لمن يستحق الإنصاف ووفاء لتاريخ علاقة صداقة نبيلة واخوة شرح تفاصيلها بإسهاب ممتع مضيئا على جوانب في سيرة الفقيد ومسيرته، لربما لم يكن في موسوعنا معرفتها لولا هذه المرثية التي تشبه صاحبيها الراثي والمرثي .
وفي الختام أقول، إنني لا اجد نفسي غير مجبر على رفع قبعتي توقيرا وتبجيلا لصديقي الكريم كاتب هذه المرثية، التي يحق لذوي الفقيد الكبير/عبدالله علي علوي الفضلي وكل آل فضل رفعها حيثما أمكن كونها تعلي شأن الفقيد وشأنهم كذلك.
ومسك الختام: –
حفظك الله ورعاك ايها الماجد الشهم والعدني النبيل، ورحم فقيدنا الكبير/عبدالله بن علي علوي الفضلي، واسكنه ربي بتوفيق رضوانه الفردوس الأعلى من الجنة.
جامعة عدن
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حادثة وفاة الرشيدي!
سالم بن محمد بن أحمد العبري
في مساء الإثنين؛ السادس من يناير الماضي أودى حادث سيارة أليم بالأخ الكريم والعامل الفاعل، والمصلح دون ضوضاء الشيخ عبدالله بن خلفان الرشيدي وهو يعبر بسيارته الصغيرة الدوار الدائري الواقع بين مدخل (العقير)غربا ومدخل (الحفري) شرقا، والذي حدد موقعه الشيخ الوالي السابق عبدالرحمن بن سيف بن حماد الخروصي حين عزم على وضع دوار على الشارع المتجه إلى صحار فأراد كل جماعة أن يكون على مدخل معقلهم فوقف في هذا المكان وقال: هنا يُقام.
وما كاد الشيخ عبدالله بن خلفان الرشيدي يخرج من شارع الخدمات شمال شارع الباطنة ليدخل الشارع العام ثم يأخذ، يمينا باتجاه الجسر ليأخذ، طريقه إلى منزله بـ(العقير) إلا وتصدمه سيارة قادمة فتضربه في الباب الأمامي ويُحمل للمجمع الصحي ببركاء؛ لكن جهاز الأشعة كان معطلا، ولم يتم استبداله بآخر منذ فترة ليست بالقليلة، فحملوه إلى مستشفى الجامعة ليجدوا في الطوارئ طبيبا مناوبا فيقرر إعطاءه أدوية لإيقاف النزيف الداخلي، لكن الأجل المحتوم سبق الطبيب، فأسلم الرشيدي روحه إلى بارئها.
ثم أجد اتصالا من الأخ محمد بن هاشم المالكي قُبيل الحادية عشرة ليلا وما كدت أفتح الرسائل صباحا عند الإفطار وأجد الأخ ابن هاشل يتابع الاتصال بغزارة، وأخي الشيخ هلال السيابي كذلك يلح بالهاتف وما كدت أنهي حديثي مع السيابي وهو يقول لي: أسرع إلينا سيزورنا الفريق على بن ماجد المعمري. لكن ابن هاشل عاجلني قائلا: توفي الشيخ عبدالله بن خلفان الرشيدي في حادث- وكانت زوجته المفجوعة بوفاته كانت لرؤيا منامية أو إحساس صادق داهمها كفلق الصبح؛ تصرخ فيه: عبدالله خذ سيارة الدفع الرباعي هذه السيارة أنوارها ضعيفة!!
ولكن القدر سبقها وعاجله ليلاقي مصيره المحتوم وعسى إنه كان خفيفا تحفه ملائكة الرحمة؛ كيف لا وهو ما نأمله من الله أن يطيل عنقه يوم القيامة فهو مؤذن وقائم للصلاة وعلى خدمات جامع العقير فكنَّا نراه هنا وهناك يتابع المصلين ويهتم بشؤون الجامع حتى قسم النساء العلوي لم يغب عن اهتمامه وعينه، بل خرج هذا الجامع إلى الوجود وبهذه الصورة المُرضية نتيجة اهتمامه ومتابعته وحرصٍ منه. وكما قال لي أخوه الشيخ سعيد بن خلفان الرشيدي، إن عبد الله كان يحمل عنا الكثير يصلح ويواسي ويرأب الصدع وهو كذلك.
وكان قد اتصل بي منذ سنتين بعض الإخوة من (وادي مستل) بعد أن دهمهم أمر إزالة وهم لديهم ما يعفيهم من ذلك أو يؤجل الأمر حتى يستكملوا الإجراءات. فقلت لهم أعيذكم بفلان فأنا مبدئي في قضاء حوائج الناس عبر الاتصال بمراجعهم حتى لا يدخل الشك في نفس أحد أنني أقحم نفسي في مسؤوليات الآخرين. فقالوا: لا. فقلت فلانا آخر. فقالوا: كلهم لا يهتمون. فقلت من الوالي أعرف أهله، لكنني لست متواصلا معه حتى بزيارة خاطفة، فكيف لي أن أذهب إليه لطلب لكم. فسألتهم: من بالبلدية مديرا؟ قالوا: من بركاء. فقلت باسمه أبلغوني وربما سكنه وعائلته. وقلت لهم: الآن ثقوا ستحل مشكلتكم.
واتصلت بالمرحوم الشيخ عبدالله بن خلقان فأبلغته المشكلة وأن حلها بيد مدير البلدية بولاية نخل. وهو من هنا من بركاء وأنا من خلال طوال تعرفي بالناس وانتمائتهم أعرف أن بعض الإخوة البلوش في المنطقة ومسقط هم من أخلص الناس ومن أكثرهم إخلاصا وقضاء لأمور مسؤولياتهم، ولم ينم الشيخ الشيدي إلا بعد أن تواصل مع مدير البلدية فقال له: ليأتوني غدا مبكرا؛ فذهبوا إليه. فقال لهم سأمدد لكم شهرا لاستكمال التصريح والإجراءات وإذا تعطلتم لسبب قاهر عودوا إلي وانتهى الأمر. اللهم أجزل للشيخ عبد الرشيدي وللأخ مدير البلدية الجزاء الأوفى.
فماذا أقول ولمن نعود بعد أخوتك واهتمامك وصدقك وإخلاصك، ألا يكفيني رؤيتك وأنت تنتظرني لتسلم عليَّ بعد صلاة الجمعة وتودّعني إلى الباب. ولكن لا نقول إلا ما وجب (إنا لله وإنا إليه راجعون).
وكم تمنيت لو أن خطبة الجمعة الأولى بعد وفاته خُصصت لمناقبه وتذكير الناس بقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) وأنه – رحمة الله عليه - كان بالجمعة السابقة بصحبتنا يؤذن للصلاة ويتابع ويراقب بنشاط ملأ الدنيا، واليوم يضمه التراب: فهل من واعظ أكبر من هذا.
وأذكر أنني كنت في مايو من العام الماضي في عزاء ببلدة (سني)، ولم نجد الشيخ سالم بن حمود الشكيلي. فسألنا عنه؟ فقالوا: إنه ذهب إلى بلدة (حيال) يواسي جماعة الخواطر. فقلنا نذهب أيضا للمواساة واللقاء به. فلما وصلنا قيل إن لديهم ميت آخر وذهبوا لصلاة الجمعة، ثم الصلاة عليه ودفنه، فلما وصلنا وجدنا الإمام قد شرع بالخطبة، وأي خطبة!! فقد كان حقا هذا هو الخطيب الذي يُحتذى به ويجب تقديمه للإمامة والخطابة. فقد أخذ من المناسبة موضوعًا لخطبته، وتحدث بما يلزم للميت بعد الوفاة، وأجاد ووعظ وأحسن، فقلت: أبلغوني إليه لأشد على يديه وأشكر هذا الرجل الذى يتقدم ويعلو المنبر الذى يماثله البعض بمنبر رسول الله (ص). نعم مثل هؤلاء الذين يحق لهم أن يرتقوا بالمنابر التي كثرت. وللأسف فإنّ أقل المؤهلين لها. لارتقاء ليسوا إلا قراء خطبة ورقية.
وأتذكر أنه جاء خطيب آخر لجامع العقير مع بدء العام الدراسي الحالي فخصص الخطبة لما يلزم على الأسرة وأولياء الأمور نحو أبنائهم؛ فكان موضوعا جديرا للخطبة والتوجيه، فقلت للمرحوم عبد الله الرشيدي: من هذا الخطيب؟ قال موجه بوزارة التربية والتعليم. فقلت: هو لها.
وفي الأخير أقول لكم: لقد كثرت حوادث السيارات وبعض الحوادث تحتاج ألا تُغلق ملفاتها، بل تبقى مفتوحة للتحقيق والتدقيق مثل الحادث على بلد (الحلحلي) بين قريتَي (العير) و(الهجير) حيث لم تصطدم السيارة، بل احترقت في مكان يدعو للبحث والتعجب، وكمثل حادث احتراق سيارة الأخ على بن جبر العبري قرب بيتهم في مزرعتهم. إن مثل هذه الحوادث نأمل أن تعطيها المؤسسات والمسؤولون اهتماما مكثفا حتى لا تتكرر ويفلت السبب والمسبب!
رحمك الله يا أخي الوفي عبدالله بن خلفان الرشيدي وألهم أهلك الصبر والسلوان وجعلك الله مع الصديقين والشهداء و الصالحين والشهداء وحَسُنَ أولئك رفيقا.