العثور على حطام الطائرة المفقودة في ولاية ألاسكا الأمريكية
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
أعلن خفر السواحل الأمريكي، العثور على حطام الطائرة المفقودة التابعة لشركة بيرينج إير للطيران، والتي كان على متنها 10 أشخاص، على بحر متجمد يبعد نحو 34 ميلا جنوب شرقي مدينة نومي في ولاية ألاسكا.
وأضاف خفر السواحل، حسبما ذكرت قناة «إيه بي سي» الأمريكية، اليوم السبت، أنه تم العثور على جثث ثلاثة أشخاص داخل الطائرة، ويعتقد أن السبعة الآخرين موجودون في الداخل، لكن لا يمكن الوصول إليهم في الوقت الحالي.
ومن جانبه، قال المجلس الوطني لسلامة النقل في الولايات المتحدة، إنه سيقوم بالتحقيق من أجل الوقوف على أسباب وملابسات الحادث.
يشار إلى أن بيرينج إير هي شركة طيران محلية مقرها ألاسكا، وتشغل نحو 39 طائرة ومروحية.
اقرأ أيضاًوكالة الإطفاء الكورية الجنوبية تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا حادث الطائرة إلى 151 قتيلا
العثور على حطام طائرة نائب رئيس ملاوي المفقودة
الطائرة سقطت في الوادي.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الرئيس الإيراني
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الطائرة المفقودة العثور على حطام الطائرة المفقودة حطام حطام الطائرة حطام الطائرة المفقودة خفر السواحل الأمريكي العثور على
إقرأ أيضاً:
الراء المفقودة في الحرب
منذ مدة طويلة لما أغرق في رواية حد القشعريرة، رواية بها كل الأجواء التي تأخذ القارئ إلى البعيد، لكن الأقدار جمعتني مع الصفحات الأخيرة من رواية «الحرب» وأنا في سماء السفر، أغادر من مسقط ليلا على متن رحلة متجهة إلى الرواية، هنالك في السماء حيث تكون القوانين مختلفة، والمشاعر متدفقة بشكل مختلف، هنالك حيث يجد المرء الصور الكبرى للأشياء، ويبصر في المرايا الممتدة بين السماء والأرض كل الكلمات ومعانيها.
قبل الحديث عن الرواية لابد من الإشارة إلى المستويات الثلاثة التي أجد التاريخ يقرأ من خلالها، المستوى الأول هو الزاوية الأفقية العلوية الواسعة على شريط الزمان، حيث القرون تمتد منذ أقدم ما عرفته البشرية بشكل أفقي، وبشكل عمودي تتوزع الدول والأمم، الملوك والقادة، الشخصيات الخالدة والأحداث المفصيلة، وما يفعله كتبة التاريخ أنهم يوثقون كل التفاصيل عبر كتابة التاريخ، مع الإشارة هنا إلى أن هكذا تاريخ يكتبه المنتصر غالبا، وفي ذلك قصور كبير، وفقد كثير، ونظرة جافة جامدة.
المستوى الثاني الذي يكتب به التاريخ هو الفن والأدب، فالفنون والآداب تحكي عن الإنسان عبر تاريخه الممتد، وتعكس كيف عاش حياته، يومياته وتفاصيله الدقيقة والمهملة، الشخصيات المحورية والهامشية أيضا، الأدب تحديدا بشعره ونثره ينظر إلى التاريخ من داخله وليس من نظرة أفقية، فالشعر يتلمس قلب الإنسان ويحمل شعوره وأحاسيسه عبر القرون، فمن يقرأ قصيدة جاهلية سيشعر بما تحمله من إحساس ومشاعر، ومن يقرأ رواية متقنة سينتقل إلى زمن الرواية ومكانها، سيسكنها ثم ستسكنه هي.
المستوى الثالث لدراسة التاريخ يكون عبر التأريخ الشفهي، ذلك الذي يحمل بالصوت تفاصيل كثيرة تصل سريعا إلى المتلقي، ولكن لطول المدى وصعوبة تناقل التاريخ الشفهي لا يبقى منه كثيرا إلا ذاك الذي يصلنا عبر الأدب، ومؤخرا صار يوثق بطرق تقنية مختلفة، ومرة أخرى يحضر الأدب ودوره الصادق في توثيق التاريخ من وجهة نظر المنتصر والخاسر، المتمكن والمهمش، القوي والضعيف، ليقدم زوايا مختلفة تطل على التاريخ.
تتناول رواية الحرب للكاتب محمد اليحيائي أحداثا من التاريخ المتأخر، والتاريخ المتأخر هنا أقصد به المائة عام الأخيرة، أجد أن سرد التاريخ وأحداثه يكون دائما بحذر كلما كان الحدث قريبا، ولأسباب كثيرة، منها قدسية الشخصيات التاريخية، بل وحتى حضورها وسطوتها، والهالة التي تبقى من بعدها، وأحيانا الأنصار الذين ربما لن يرضيهم أن يذكر أبطالهم وقادتهم بكل حيادية تناسب ما بعد رحيلهم، لذا لا يخلو الأمر من ميل لجهة دون أخرى، أحيانا يكون الميل أكبر نحو التمجيد، وأحيانا يكون بشكل انتقامي يهدم كل الجوانب المشرقة في الشخصية.
أما على مستوى القضايا نفسها فإن الصراعات ذات البعد الطائفي والقبلي والجغرافي ستكون أيضا محاطة بالكثير من الحذر، لذا لن تُطرح بشكل واسع، بل ستؤطر وتحد، وستخرج للملأ بشكل مقنن.
لهذه الأسباب وأكثر ستجذبنا رواية تتحدث عن التاريخ المتأخر، لهذه الأسباب وأكثر نحب الروايات دون باقي الكتب التاريخية الأكاديمية؛ لأن الرواية ستحكي الموضوع بشكله الفني ومن الداخل، من رؤية الإنسان ومن زوايا شخصيات الرواية، ومن خلالها سيمرر الكاتب الكثير من الأفكار الصادمة وهو يرفع يديه ببراءة مدعيا أنها أفكار الشخصيات وزواياها التي تبصر منها الأحداث. في اللحظة التي أنهي فيها رواية الحرب أحرك رأسي ذات اليمين وذات الشمال لمرات عديدة وأنا أردد: يا ساتر يا ساتر، ذلك أن الروايات المصنوعة بإتقان تأخذ القارئ إلى عوالمها، فيعيش في زمانها ومكانها، وربما في أزمنتها وأمكنتها، وتحديد المكان أسهل، إذ مسميات الأماكن شبه واضحة، لكنها ليست تماما إذ الحدود بين المكان والآخر ليست خطا صغيرا، أما عن الزمان الذي هو أشد دقة ووضوح في ثوانيه والأجزاء من الثانية، فالزمان وإن كانت تفاصيل تاريخه واضحة إلا أن الأحداث المرتبطة به ليست بذات الوضوح والسطوع، الأحداث تتداخل أزمنتها بشكل مدهش، فليس يوم ميلادك إلا امتداد لتاريخ أبويك وأجدادك من قبلهم، وكذلك هي الأحداث رقم واحد في مصفوفة كبيرة، أما عن زمن الرواية فهذا هو المدهش، فالرواية القوية المتقنة الصنع لا تنتهي عند آخر صفحة، بل تمتد في مخيلة القارئ، وهي لا تبدأ عند أول صفحة، بل تمتد قبل ذلك في قراءاته السابقة. في رواية الحرب مثلا لابد للقارئ أن يحيل أحداث الحرب التي تسردها الرواية على لسان الشخصيات وبطرق سينمائية استرجاعية؛ لابد للقارئ أن يكون ملما بتلك الحقبة التاريخية ولو بشكل مبسط، وأن يسقط مجريات الرواية على كل معارفه السابقة المتعلقة بحرب الجبل الأخضر وثورة ظفار، بل والأمر أوسع من ذلك حين تترك الرواية للقارئ أن يرسم مساره الخاص معها، وهذا ما يحدث مع كل رواية، أو حتى مع كل كتاب ومعرفة، كل ما نطالعه يسقط في دائرة معارفنا السابقة وما يقع في مناطق الجذب فيها، والقراءات ليس إلا التقاطات لجمل وأفكار وأحاسيس نضعها في غرفها التي تناسبها في معرفتنا وعلمنا، لذا يقرأ كل واحد الكتاب بطريقة مختلفة، ويستنتج أفكارًا مختلفةً عن التي يستنتجها الآخر، وليست كل رواية تفعل ذلك، هنالك روايات أوسع من القارئ وروايات أخرى يأكلها القارئ لقمة واحدة فيكون هو أوسع منها.
كنت في بداية الرواية أبحث عن الحرب الذي هو عنوان الرواية، لكنني لم أجد الحرب ولا حتى الحب، حتى وإن قال محمد اليحيائي إن بينهما حرف راء يسقط فتصبح الحرب حبا، وإن بدا هذا التقارب بسيطا في شكله الكلمي فإنه ليس بهذا القرب أبدا، الحرب في الجانب الأبعد من الحب؛ إلا في رواية محمد اليحيائي، فهذا الكاتب يسحبك إلى أحداث ضبابية، وشخصيات كل منها يأتي من ناحية تختلف تماما عن الآخر، ليجمعهم في النهاية الحب أو الحرب، أو ربما كليهما، فيسرد هو من خلال تلك الأحداث تاريخ الحرب، ولكن ما هي الحرب؟ هذا السؤال الذي يجعلك محمد اليحيائي تجيب عنه بسهولة ولكنه في ذات اللحظة يجعلك تتوه بين الحروب كلها، لتقرأ واقع العالم وتحركاته ككل، فالحرب التي تدور في الجنوب ليست بمنأى عن حرب الشمال، وثورة الجنوب ليست بمعزل عن حركة الإمامة ومفاوضاتها، والحرب التي تبدأ لا تنتهي أبدا، تبقى موجاتها الارتدادية تعود، أما الشخصيات التي تأتي من جانب بعيد يجمعها اليحيائي في رواية الحرب ليس على مستوى شخصيات الرواية وارتباطاتها بحرب ما، بل حتى أنه يخبرك في قالب روائي على لسان الشخصيات عن علاقة الحروب ببعضها، وعن علاقتها بالثورات والحروب التي حدثت في ذات الحقبة الزمنية، هو ينظر للشأن الداخلي بنظرة سياسية شاملة لكل الموجات والأفكار المحيطة في المنطقة العربية والعالم، ومن جهة أخرى، يصور لك الحرب بنظرة مختلفة، فلا تملك إلا أن تتخذ المواقف كلها، وتنظر لما حدث من زاوية الحاضر؛ تلك التي تختزل كل ما حدث فيما نحن فيه اليوم.
إن التاريخ المتأخر لعمان وما حدث فيها خصوصا في الفترة ما بين حرب الجبل الأخضر وثورة ظفار، وما قبل ذلك وما بعده بسنوات لهو تاريخ مفصلي، والأحداث التي صاحبت ذلك عالميا، بالإضافة إلى النقلة النوعية السياسية لعمان عند عام ١٩٧٠، كل هذا مع قلة ما يكتب وما يطرح عن تلك الحقبة جعلها محاطة بالكثير من الضبابية إن لم يكن العتمة، لكن رواية الحرب تضع القارئ في صورة شاملة لفهم كل التغيرات التي حدثت، وليستمع لأصوات كثيرة عاشت تلك السنوات بتقلباتها، خصوصا أنه يتحدث عن الثورة التي نبتت في الداخل لكنها كانت مدعومة من الخارج، عن رغبة في بناء وطن ورغبة أخرى في تغيير نظام، وبين هذا كله تنجح رواية «الحرب» في أن تضعك في المشهد الواسع فتبصر كل التحولات، والأهم هو أن السرد الأدبي للتاريخ لا يكتفي برصد الأحداث بشكلها العام، بل يبحر في الجوانب النفسية لشخصيات الرواية التي بدورها تقرب القارئ من تلك الحياة، والقارئ المتمكن يستطيع أن يعيش في أزمنة وأماكن الرواية، وبالتالي يجرب حياة مختلفة.
الحرب رواية مدهشة، تتحدث عن الوطن بشخصيات تلتقي خارج الوطن، وتتحدث عن الحرب في تفاصيل من الحب، ترحل بالقارئ إلى أزمنة بعيدة بسيطة ومعقدة، تخلق جوا روائيا معقدا، وأصواتا كثيرة تنتقل بين ضمير المتكلم والراوي العليم، وبينهما رواة متعددون، يحكي أحدهم عن الآخر للآخر سردا عن أحداث هي في تركيبتها جزء من الرواية لكنها في واقعها سرد لتاريخ، هذا؛ دون أن يشعرك الكاتب أنه يخبرك عن التاريخ، بل يأخذك إلى تفاصيله في مشاهد ستظل عالقة في ذاكرتك.
رواية مدهشة، ذات قيمة أدبية وعلمية وتاريخية، رواية للكاتب يأخذ منها تقنيات السرد وترتيب الأحداث وأفق الانتظار، يتعلم منها تسلسل المشاهد وعناصر المفاجأة، لغة السرد الشاعرية وتقسيم الفصول بحسب الدهشة، المحتوى التاريخي وتوزيعه على النص بشكل هلامي، رواية مدهشة حقا.