الإفتاء: قدوم شهر رمضان من نعم الله على الأمة
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
شهر رمضان.. قالت دار الإفتاء المصرية إن من الله سبحانه وتعالى أنعم على الأمة بشهر رمضان الكريم، فما مِن عبدٍ مسلم يتقرب إليه سبحانه في هذا الشهر بالصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن وغير ذلك من أنواع الطاعات إلَّا نال الثواب الجزيل والأجر العظيم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
يقول القاضي ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (4/ 249، ط. دَار الغَرب الإسلامي): [«وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ»" اعلموا -وفَّقكم الله ووفَّق لكم المعلِّم- أن لله سبحانه عتقاء من النار في كلِّ ليلةٍ ويومٍ، وفي كلِّ ساعةٍ من كلِّ شهرٍ، ولعتقه أسباب من الطاعات، فلله عتقاء من النار بالتوحيد، وبالصلاة، وبالزكاة، وبالصيام، فعتقاء رمضان بثواب الصيام وبركته، وفي الحديث الصحيح: «والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرهَانٌ، والصَّبْرُ ضِيَاءٌ والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعتِقُها أَوْ مُوبِقُها» فهذا الحديث يفسر لك معنى قوله: «عتقاء» والحمد لله] اهـ.
وقال الإمام الكَرْمَاني في "شرح المصابيح لابن الملك" (2/ 507، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [«وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ»؛ أي: يعتق الله عبادًا كثيرًا من النار بحرمة هذا الشهر] اهـ.
حكم من أكل في نهار رمضان
وأوضحت دار الإفتاء أن مَن أكل أو شرب في نهار رمضان عامدًا عالمًا بوجوب الصوم عليه من غير عذرٍ ولا ضرورةٍ من سفرٍ أو مرضٍ أو نحوهما، فقد ظلم نفسَهَ باقترافِ كبيرة من كبائر الذنوب، والواجب عليه في هذه الحالة أن يتوب إلى اللهِ تعالى منها، مع وجوب قضاء الصوم فقط من غير كفارة لذلك.
مفهوم الطاعة وعلاقته بالصيام
امتدح الله تعالى المسلمين بأنهم أمة الطاعة الذين استجابوا لله تعالى ورسوله؛ فأتمروا بما أُمِروا به، وانتهوا عما نُهُوا عنه؛ فقال تعالى في سياق المدح لهم المقتضي لدوام الامتثال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285].
قال الإمام ابن عطية في "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (1/ 392، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا﴾ مدحٌ يقتضي الحضَّ على هذه المقالة، وأن يكون المؤمن يمتثلها غابر الدهر، والطاعة: قبول الأوامر] اهـ.
وطاعة الله تعالى هي فعل ما افترضه من الفروض، والكف عما نهى عنه من النواهي، فيحرم على المسلم ترك ما افترضه الله تعالى عليه دون عذرٍ أو ضرورةٍ؛ لما في ذلك من معصية الله تعالى الموجبة لغضبة وعقابه.
ومن أعظم الفروض والطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه: صوم رمضان، وذلك بما فضله الله تعالى به؛ حيث خصه من بين سائر العبادات بأنه له سبحانه، وذلك فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «قالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، فلم ينص على عظيم ثوابه وجعله مقدرًا عند الله تعالى لعظمه، إلا أنه مع ذلك بَيَّن أنَّ من ذلك الثواب والجزاء العظيم مغفرة جميع ما مضى من الذنوب والآثام؛ فقال تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 184].
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ افْتَرَضَ اللهُ صِيَامَهُ، وَإِنِّي سَنَنْتُ لِلْمُسْلِمِينَ قِيَامَهُ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ خَرَجَ مِنَ الذَّنْبِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه أحمد وأبو يعلى الموصلي في "المسند"، وابن خزيمة في "الصحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ» أخرجه الترمذي -واللفظ له-، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي في "السنن"، وابن خزيمة في "الصحيح".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رمضان شهر رمضان رمضان المبارك فضل رمضان رمضان الكريم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه الله تعالى شهر رمضان ر م ض ان
إقرأ أيضاً:
هل يجوز لـ مرضى الزهايمر والنفسيين الصيام؟
أكد محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر ، أن التيسير والتخفيف عن الأمة الإسلامية من أهم مظاهر سماحة الإسلام، لاسيما في شهر رمضان المبارك.
وأوضح الأستاذ بكلية الطب ونائب رئيس جامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية اليوم، الأحد، أن الله سبحانه وتعالى أوصى المرضى في آيتين متتاليتين من القرآن الكريم بتجنب الصيام إذا كان يسبب لهم مشقة أو ضررًا.
وأشار إلى أن بعض الحالات المرضية، مثل الأمراض النفسية ومرض الزهايمر، تحتاج إلى عناية خاصة من الأسرة، حيث قد يقع ذوو المريض في حيرة حول وجوب الصيام عليه.
وأوضح أن المرضى النفسيين الذين يعتمدون على أدوية تُؤخذ في أوقات محددة يجب عليهم الالتزام بمواعيد علاجهم، مما قد يجعل الصيام غير ممكن لهم.
وأضاف الدكتور محمود صديق أن مريض الزهايمر، إذا وصل إلى مرحلة لم يعد فيها قادرًا على تذكر تفاصيل حياته أو أداء الشعائر الدينية، فإنه لا يقع عليه إثم إن لم يصم أو يصلِّ، ولا قضاء عليه، مطالبا أسر هؤلاء المرضى بعدم التشديد عليهم، لأن الدين قائم على التيسير وعدم تحميل الإنسان ما لا يطيق.
نوعية الأمراض التي يجوز عدم الصيام في حالة الإصابةوكانت دار الإفتاء، أجابت عن سؤال ورد إليها عن نوعية الأمراض التي يجوز عدم الصيام في حالة الإصابة بها، حيث يقول السائل: "ما هو حدُّ المرض المبيح للإفطار؟.. حيث شعر أحد أصدقائي بصداع في نهار رمضان فأفطر بدعوى أنَّ الفطر مباحٌ له لأنه مريض".
وبيّنت دار الإفتاء أن المرض المبيح للفطر هو الذي يؤدي إلى ضررٍ في النفس، أو زيادة في المرض، أو تأخير في الشفاء، وذلك بإخبار أصحاب التخصص من الأطباء.
وأكدت دار الإفتاء، أن الصوم فريضة من فرائض الإسلام أناطها الله تعالى بالاستطاعة؛ فقد اقتضت رحمة الله بخلقه عدم تكليف النفس ما لا تطيق، ومن أجل ذلك شرع الله تعالى رخصة الفطر لمَن يشُقُّ عليه أداء فريضة الصوم في رمضان لعذر، ثم يقضي بعد زوال العذر.
وتابعت "بيَّن سبحانه الأعذار التي تبيح الفطر؛ فقال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]".
وأوضحت أن المرض المبيح للفطر هو ما كان مؤدّيًا إلى ضرر في النفس، أو زيادة في العلة، أو تأخير في الشفاء، وذلك بإخبار أولي التخصص من الأطباء، بل إذا كان الصوم يضُرُّ بصحته فيجب عليه أن يفطر حفاظًا على نفسه من الهلاك، وإنما أُبِيح الفطر للمريض دفعًا للحرج والمشقة عنه؛ مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]. وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رواه أحمد في "مسنده" من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وقول الله تعالى في خصوص الصوم: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].