مختصون: اهتمام سام بتعزيز الانتماء والهوية والحفاظ على الإرث التاريخي للبلاد
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
العُمانية: تعكس تسمية عدد من المنجزات في سلطنة عُمان بأسماء قادة وأعلام عُمان الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في الحفاظ على الإرث الحضاري والتاريخي العماني العريق وتعزيز القيم والهوية والانتماء الوطني.
وتمتلك عمان إرثًا عريقًا يمتد إلى آلاف السنين، ساهم في تشكيله العُمانيون في ميادين مختلفة، وأصبح البعد الإنساني والفكري جزءًا أساسيًّا من الهوية الوطنية، عزّز موقعها الجغرافي الاستراتيجي وتفاعلها مع الحضارات الإنسانية الأخرى.
ويتحدث عدد من المختصين في الشأن التاريخي والتربوي عن الأبعاد الحضارية والتاريخية لتسمية عدد من المنجزات في سلطنة عُمان بأسماء سلاطين عُمان وأعلامها وأهمية نقل ذلك للأجيال في التعريف بالعمق التاريخي العُماني.
في هذا السياق، يشير الدكتور محمود بن عبد الله العبري، أمين اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم إلى أن التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بتسمية بعض الطرق الرئيسية في سلطنة عُمان بأسماء وطنية تاريخية تعدُّ خطوة رائدة تُجسد الاهتمام العُماني العميق بالإرث الحضاري والثقافي. فهذه الأسماء ليست مجرد إشارات مرورية، بل هي جسور تربط الأجيال الحالية والمقبلة بتاريخ وطنها العريق، وتعزز من الهوية الوطنية والانتماء.
وأضاف: إن إطلاق أسماء لسلاطين عُمان على الطرق الاستراتيجية يبعث رسالة واضحة تجسد الدور المحوري الذي قدمه هؤلاء القادة في صياغة التاريخ العُماني. فقد كانت عُمان عبر العصور مركزًا للتواصل الحضاري والتجاري، وبرزت قوةً بحريةً وثقافيةً أثرت في محيطها الإقليمي والدولي. وعليه، فإن أسماء هؤلاء السلاطين يذكّر المواطنين والمقيمين والزوار بإسهاماتهم البارزة في بناء الدولة وترسيخ مكانتها من الناحية الفكرية والإنسانية، وتُسهم هذه الخطوة في تعزيز الوعي المجتمعي بتاريخ البلاد، وتُحفّز الشباب على البحث والتعمق في الشخصيات التي حملت لواء النهضة في فترات مختلفة وهذه المبادرة توظف البُعد الرمزي للتاريخ في المشهد المعماري والحضاري، مما يعزز من قيمة المعرفة التاريخية الذي يمثّل جزءًا متكاملًا من التنمية المستدامة.
وأكد على أن هذه الخطوة تحمل بُعدًا ثقافيًا عميقًا، فهي ليست مجرد تخليد لرموز تاريخية، بل هي دعوة مفتوحة لاستلهام الدروس من الماضي، وتعزيز روح الفخر والاعتزاز بالهوية العُمانية، مما يسهم في صون الذاكرة الوطنية ونقلها للأجيال القادمة، وتأمل اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم تسميةَ بعض المنجزات العمانية بشخصيات عمانية تاريخية تم تسجيلها في منظمة اليونسكو، من خلال اللجنة الوطنية، بالتعاون والتنسيق مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب.
وتشير الباحثة في التاريخ الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية إلى أن سلطنة عُمان دولة ذات بُعدٍ تاريخي وإنساني وفكري متجذر في تاريخ البشرية، وأن اسم عُمان يعكس إرثًا غنيًّا يمتد لآلاف السنين، والاهتمام بهذا التاريخ هو ركيزة مهمة لما لعُمان من دور حضاري في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وانطلاقًا من حرص القيادة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على نقل هذا التراث للأجيال الحالية والمقبلة، اقتضت أوامره السامية في الذكرى الخامسة لتوليه مقاليد الحكم في سلطنة عُمان بإطلاق أسماء بعض سلاطين الدولة البوسعيدية على عدد من الطرق الرئيسية، ذاك لأن مثل هذا التوجه يساعد الأجيال الناشئة على فهم هويتهم الثقافية والتاريخية. كما يمكننا اعتبار الحديث عن ماضي عُمان فرصة لتعزيز قيم الوحدة والانتماء، عبر دراسة إنجازات السلاطين والشخصيات البارزة التي ساهمت في تشكيل تاريخ البلاد.
وأضافت: "يمكننا تلخيص هذه الأهمية في نقاط متعددة، تتمثل في تعزيز الهوية الوطنية، حيث تساهم تسمية الطرق بأسماء السلاطين في تعزيز الشعور بالانتماء والهوية الوطنية، حيث تذكّر هذه الأسماء المواطنين بقادتهم التاريخيين وإنجازاتهم، مما يجعل هذه الأسماء تعكس الاحترام والتقدير لعطاءات السلاطين في بناء الدولة العمانية وتطويرها عبر العصور، تعزيزًا من قيمة التاريخ في المجتمع، بالإضافة إلى التعليم والذاكرة الجماعية، وعادة ما تسهم الأسماء في التوعية والتذكير بالقصص التاريخية والدروس المستفادة من قيادة هؤلاء السلاطين، مما يساعد الأجيال الجديدة على التعلم من الماضي.
ووضحت أن هذه الأسماء تدفع الأفراد، وخاصة الشباب، للبحث عن تاريخ السلاطين وأثرهم في تشكيل هوية عُمان، مما يعزز من الوعي الثقافي والمعرفي. مع العمل على الترويج للسياحة الثقافية، ويمكن لتسمية الطرق بأسماء السلاطين أن تلعب دورًا في جذب السياح الذين يبحثون عن التجارب الثقافية والتاريخية، بما يُساهم في التنمية الاقتصادية.
ويشير رئيس قسم المناهج والتدريس بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس، الأستاذ الدكتور سيف بن ناصر المعمري إلى أن التوجهات السامية إلى إعادة تسمية الطرق الرئيسية بأسماء سلاطين عظماء يجسد مسار النهضة المتجددة في تكريس الهوية الوطنية العمانية في مختلف النواحي، ومن ضمنها تسمية الطرق التي تعد فضاءً مكانيًّا مهمًّا لجميع السكان والزائرين، ويبعث الاسم الذي يحمله الطريق إنجازات حضارية وتاريخية للأمة، ويمكن النظر لهذه التسمية على أنها أداة لبناء الأمة وتشكيل الانتماء وتعزيز المواطنة، وهذه السمات أكد عليها مجموعة من الباحثين الذين درسوا العلاقة بين تسمية الأماكن وتعزيز مفاهيم وتصورات معينة تتعلق بتاريخ الدولة وهويتها السياسية، وتحولات السلطة بها. وأشار إلى أن هذه الخطوة تحمل رسالة مضمونها التأثير الكبير الذي أوجدته الأسرة البوسعيدية في تاريخ عُمان، وأن هذا النهج ذو جذور تاريخية طويلة.
ويوضح في سياق قوله: إن هناك تفاعلا بين التاريخ والجغرافيا في هذه التسميات، حيث تتحول التسمية لاحقًا من سمتها التاريخية التذكارية التي يراد بها ربط الأجيال بعمقهم التاريخي، إلى سمتها الجغرافية بحيث تصبح جزءًا أساسيًّا من جغرافية المكان، وأداة لربطه بعصور طويلة ممتدة من خلال الأسماء التي يحملها. إن أهم ما يُفهم من هذه التسميات أننا بصدد مراجعة تاريخ هذا البلد وربطه بأبرز السلاطين والأبطال من أجل تعزيز اللحمة الوطنية للدولة، وإضفاء قيمة تاريخية حضارية للبنية الأساسية، وهو نهج له قيمته الكبيرة في ظل مسار النهضة المتجددة وكذلك تنفيذ «رؤية عُمان 2040» التي جعلت من الهوية والمواطنة أولوية استراتيجية رئيسية للمستقبل.
وترى الباحثة في التاريخ العُماني الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية أن التاريخ العماني زاخرٌ بشخصيات بارزة قدمت أدوارًا محورية في بناء الدولة وصياغة ملامحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فتسمية الطرق الرئيسية في سلطنة عُمان ليست مجرد اختيار رمزي، بل هي وسيلة فاعلة لتوثيق تاريخ السلاطين العُمانيين وإبراز إنجازاتهم، كما أنها تحمل بُعدًا تاريخيًّا عميقًا يعكس ارتباط الحاضر بالماضي، فالدولة البوسعيدية التي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد في القرن الثامن عشر الميلادي، وساهمت في تشكيل هُوية عُمان السياسية والاقتصادية، وترسيخ مكانتها كونها قوة إقليمية ذات تأثير واسع.
وأضافت: تُجسد تسمية الطرق بأسماء سلاطين البوسعيد تكريمًا لجهودهم في بناء الدولة وتعزيز وحدتها، كما أن كل طريق يُصبح بمثابة شاهد على مرحلة تاريخية مهمة وشخصية قيادية تركت أثرًا واضحًا في مسيرة عُمان، وهذه التسميات هي جزء من عملية إحياء الذاكرة الوطنية، فعندما يمر المواطن أو الزائر على طرق تحمل أسماء هؤلاء السلاطين، يُثار لديه الفضول للتعرف على أدوارهم وإنجازاتهم، فهي طريقة لترسيخ التاريخ في الوعي الجمعي، وتُحقق ربطًا فريدًا بين الجغرافيا والتاريخ، حيث تتحول الطرق من مجرد ممرات عابرة إلى مسارات تاريخية حية.
ووضحت أن اختيار أسماء السلاطين وإطلاقها على بعض الطرق تحمل دلالات ومعاني تاريخية تتمثل في توحيد صفوف القبائل العُمانية والحفاظ على تماسك الدولة والتعامل بحنكة سياسية مع النزاعات الداخلية وترسيخ أسس الدولة الحديثة وتوطيد الأمن وتعزيز السيادة الوطنية، وسلطة الدولة. ولفتت إلى أن استحضار هذه الشخصيات في الحياة اليومية من خلال تسمية هذه الطرق من شأنه أن يرسّخ قيم الشجاعة، والحكمة، والإصرار، ويحفز الأجيال الجديدة على استلهام الدروس والعبر من الماضي لتشكيل مستقبل أكثر إشراقًا، وعليه، فإنه من المهم أن يتم تعزيز هذه الخطوة من خلال برامج تعليمية وثقافية تواكب هذا التوجه، وهنا يأتي دور المؤسسات الرسمية ذات الصلة، لدمج تاريخ هذه الشخصيات في المناهج الدراسية لتعريف الطلبة بهذا الإرث الوطني، وتشجيع البحث العلمي حول تاريخ عُمان لتوثيق تفاصيل أكثر دقة عن هذه الشخصيات التاريخية، كما يمكن إدراج لوحات تعريفية ذكية على الطرق تتيح للمارّين التعرف على سيرة القادة المرتبطين بهذه المواقع، الأمر الذي يعزز الهوية التاريخية الوطنية.
ويقول الدكتور محمد بن سعيد المقدم الباحث في الشأن التاريخي العُماني أن التوجيهات السامية الخاصة بتسمية الطرق لهو امتداد لتسمية بعض المعالم في سلطنة عُمان بأسماء سلاطين عُمان، وهذا نابع من الدور الحضاري الذي خلدته تلك الأعلام عبر العصور التاريخية، وهذا لا يقتصر على الطرق الرئيسية، بل يشمل الجوامع والمدارس والقاعات العلمية، بالإضافة إلى المعسكرات والقواعد العسكرية. ووضح أن هذا التوجه الذي أُسس له منذ فترة طويلة يأتي في سياق حضاري من أجل التعريف بالتاريخ العُماني، ونستطيع أن نذكر بعض المدارس في محافظات سلطنة عُمان التي تحمل أسماء سلاطين وأئمة من أعلام عُمان، مثل: مدرسة تركي بن سعيد ومدرسة ناصر بن مرشد ومدرسة أحمد بن سعيد ومدرسة سعيد بن تيمور ومدرسة فيصل بن تركي، ومدرسة تيمور بن فيصل، ومدرسة السيدة ميزون بنت أحمد، ومدرسة أحمد بن ماجد، إضافة إلى الجوامع والمساجد، من مثل: جامع المهلب بن أبي صفرة ومسجد المضمار في سمائل الذي ارتبط بأول من أسلم من أهل عُمان وهو الصحابي الجليل مازن بن غضوبة، وجامع السلطان سعيد بن تيمور، وجامع السيدة فاطمة بنت سالم، وجامع السيد طارق بن تيمور، وجامع عزان بن قيس، ومسجد عبد الله بن إباض. تأتي هذه لتكون في سياق تاريخي ينقل واقع عُمان الحضاري للأجيال لما له من أثر في التعريف بالحضارة العُمانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الهویة الوطنیة الطرق الرئیسیة فی بناء الدولة التاریخ الع تسمیة الطرق هذه الأسماء هذه الخطوة الع مانیة بن تیمور على طریق سلاطین ع الع مانی تعزیز ا من خلال بن سعید إلى أن عدد من
إقرأ أيضاً:
الانتماء .. وفراغ الملاعب
فـي الوقت الذي نطالب فـيه بزيادة السعة الاستيعابية للاستادات الرياضية المنتشرة فـي جميع أرجاء محافظات سلطنة عمان وتطويرها، تعيش هذه الملاعب حالة من الفراغ فـي مدرجاتها بعد أن هجرتها الجماهير، ولم نعُد نجد إلا عددا قليلا جدا يتابع منافسات الدوري العام.
ومع إقامة مباراتي المربع الذهبي لمسابقة «الكأس» اليوم، فإننا نتطلع إلى أن نشاهد حضورا جماهيريا يمنح هذه المباريات الزخم المطلوب، وألّا تكتفـي الجماهير فقط بالمتابعة عبر شاشات التلفزيون.
ما يحدث من عزوف من قبل الجماهير ليس له ما يبرره، وكما يقول الكاتب الفرنسي سيمون كوبر: «إن مفهوم التشجيع بالنسبة لمعظم المشجعين لا يدور أساسًا حول الفوز، إنما حول المجتمع أو حول الانتماء إلى الجماعة».
ولو رجعنا قليلًا إلى واقع رياضتنا والانتماء للأندية، فإن الذاكرة تعود بنا إلى انقسام أبناء ولاية صور في تشجيع أندية (صور، والعروبة، والطليعة)، وأبناء صلالة في تشجيع (ظفار، والنصر)، وأبناء مسقط بتشجيع (نادي عمان، والسيب، وأهلي سداب). ولو وسّعنا الدائرة بعيدًا عن الانتماء الجغرافـي، تعود بنا الذاكرة إلى (فنجاء، وروي).
إن مفهوم الانتماء، كمسألة ملحّة فـي الاحتياج الإنساني، يتطلب منا التفكير فـي إعادة الأمور إلى نصابها. الفوز ليس وحده الذي يرتبط بالانتماء، إنما هناك جوانب كثيرة يمكن ربطها به، ومنها على سبيل المثال التفاعل بين إدارات الأندية والمجتمع المحيط بها كما كان عليه الحال فـي السابق؛ حيث لم يعُد النادي ذلك المكان الذي يحتضن الشباب لممارسة هواياتهم المفضلة من أنشطة رياضية وثقافـية واجتماعية وعلمية، بل بقي مرتبطًا بتدريبات الفرق الرياضية فقط.
إن ابتعاد أبناء النادي ناتج عن مزاجية بعض مجالس إدارات الأندية التي تتصدر المشهد قبل أي انتخابات، من خلال منح «عضويات» لمن يخدمها فـي الانتخابات، ووضع شروط تعجيزية لمن أراد الحصول على عضوية جديدة، أو من خلال رفع رسوم الاشتراكات السنوية أو فرض قوانين جديدة لإبعاد كل من لا يتوافق مع أهواء مجلس الإدارة.
وقد أسهمت هذه الممارسات فـي وصول كثير من الأندية إلى أروقة المحاكم، فضلًا عن ابتعاد أبناء النادي بشكل تدريجي، وأصبحت الفرق الأهلية هي الملاذ الوحيد لمن لهم اهتمام بالرياضة.
من المهم جدًا دراسة الواقع المحيط بالأندية، وتحديث القوانين والتشريعات التي تسهم فـي الارتقاء بها من خلال تعزيز انتماء أبناء المجتمع المحيط بها.
الانتماء مسألة ملحّة فـي الاحتياج الإنساني، ويمكننا قياس ذلك من خلال ما نشاهده فـي بطولات الفرق الأهلية من حضور جماهيري، ومتابعة، وشغف نفتقده فـي ملاعبنا الرسمية. وتؤكد كل الأبحاث والدراسات التي تناولت كرة القدم على أن الانتماء هو الأهم بالنسبة للمشجعين وليس الفوز وحده.