كييف – بأسلوب مباشر معهود، وبعبارة "أريد" الحازمة البعيدة عن طرق وأعراف الدبلوماسية، بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكأنه يساوم أوكرانيا ليستأنف دعمها ومساعداتها مقابل ما لديها من معادن نادرة وثمينة.

من وجهة نظره، هذه "تسوية" ترضاها كييف مقابل 300 مليار دولار من دعم واشنطن، الذي يشكل نحو 40% من حاجة أوكرانيا في خضم الحرب مع روسيا، وفق الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

ثروات هائلة باهظة الثمن

هذه "المساومة" -إن صح التعبير- تطرح تساؤلات حول ثروات أوكرانيا والتي لا يعرفها الكثيرون، حتى داخل البلاد، وحول أهميتها وحجمها الذي يفتح شهية ترامب -على ما يبدو- ويدفعه للتحول من الإحجام نحو الكرم في دعم كييف.

بحسب مواقع حكومية وأخرى تابعة لجامعات أو شركات أو مراكز دراسات، تضم أراضي أوكرانيا 117 من أصل 120 نوعا من المعادن التي تستخدمها البشرية.

أراضي أوكرانيا تحتوي على 111 مليار طن من الموارد المعدنية بما تبلغ قيمته نحو 15 تريليون دولار (رويترز)

ورغم أن أوكرانيا لم تحدث البيانات الرسمية المتعلقة بثرواتها الطبيعية منذ بداية العام 2005، فإنها كانت تشير آنذاك إلى أن قيمتها تبلغ ما بين 7 و10 تريليونات دولار، أي أن حصة الفرد منها بلغت 150-200 ألف دولار، بحسب خبراء محليين وغربيين.

إعلان

لكن مجلة "فوربس أوكرانيا" قالت في تقرير نشرته العام الماضي إن أراضي أوكرانيا تحتوي على 111 مليار طن من الموارد المعدنية، بما تبلغ قيمته نحو 15 تريليون دولار.

معادن تغني عن الصين

عين ترامب قد لا تنصب على كل ما تملكه أوكرانيا من ثروات معدنية، بل على المعادن النادرة والثمين منها قبل أي شيء آخر كالذهب والفضة والزئبق والبريليوم وخامات الليثيوم واليورانيوم، إضافة إلى التيتانيوم والزركونيوم والهافنيوم والتنتالوم والنيوبيوم والكوبالت والتنجستن والموليبدينوم والفاناديوم والإتريوم والجرمانيوم والسكانديوم.

يقول ياروسلاف جاليلو نائب مدير المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية في كييف "تحتوي أوكرانيا على رواسب 22 من المعادن الخمسين التي تصنفها الولايات المتحدة ذات أهمية بالغة. وتمتلك أوكرانيا أكبر احتياطات من الليثيوم والتيتانيوم في أوروبا، والتي تعد من المكونات الرئيسية في إنتاج الهواتف الذكية والطائرات المقاتلة".

ويضيف للجزيرة نت "اهتمام أميركا بهذه المعادن وغيرها ينبع من ثمنها الباهظ، وكذلك من أنها تعتمد بنسبة 80% على وارداتها من الصين، لذلك فإن الصفقة مربحة دون شك لترامب لأن فيها بديلا عن العدو الاقتصادي الأكبر، أو تنويعا للمصادر على الأقل يحد من حاجة الصناعة الأميركية للخامات الصينية".

بحسب مواقع حكومية وأخرى تابعة لجامعات أو شركات أو مراكز دراسات، تضم أراضي أوكرانيا 117 من أصل 120 نوعا من المعادن التي تستخدمها البشرية.

ترحيب أوكراني

ومهما كانت الدوافع الأميركية، فالواضح أن أوكرانيا ترحب بالفكرة وتربطها بخطة "النصر" التي تروج لها عالميا منذ شهور.

وقال وزير الخارجية أندري سيبيها إن "الخطة التي قدمتها أوكرانيا تتضمن بندا خاصا بالموارد الطبيعية، يفتح أمام الشركاء فرصا للاستثمار والتطوير؛ وهذا يشكل مصلحة إستراتيجية مشتركة".

وأضاف سيبيها من عروض بلاده لأميركا -على سبيل المثال- أننا "نستطيع شراء الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، وتخزينه في مرافق التخزين الضخمة لدينا تحت الأرض. هذا سيكون كافيا لضمان أمن الطاقة في أوروبا"، على حد قوله.

إعلان

بحسب الخبير ياروسلاف جاليلو "هذه صفقات مهمة لكييف، تضمن الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة والدول الغربية، ثم النهوض باقتصاد البلاد بعد سنوات الحرب".

الصفقة الأميركية الأوكرانية "إشارة إيجابية" لأن ترامب بدأ يفهم أن هناك خطرا من انتقال موارد أوكرانيا الإستراتيجية لروسيا وفق خبراء (الفرنسية) حرب السيطرة على الموارد

لكن نفاذ الصفقة "المربحة" لن يكون سهلا على الجانبين، ففيها تدخل روسيا بصفتها طرفا ثالثا خفيا يسيطر عمليا، وبحكم الأمر الواقع حاليا، على نحو 60% من مقدرات أوكرانيا.

ويقول الكاتب في مجلة "فوربس أوكرانيا" فولوديمير لاندا للجزيرة نت "قلت دائما إن هدف روسيا من حربها هو الموارد قبل الأراضي. يجب أن نعترف بأن نسبة 70% من ثروات أوكرانيا، وخاصة المعدنية منها التي تشمل الحديد والفحم وصولا إلى المعادن الثمينة، يقع في مقاطعات دونيتسك ولوهانسك ودنيبروبيتروفسك، وهي مقاطعات تحتل روسيا نحو 60% من مجموع مساحاتها".

ويضيف "مؤخرا، وصلت قوات روسيا إلى أكبر مناجم خامات الليثيوم، وهي قريبة كذلك من مناجم ضخمة ووحيدة لفحم الكوك النادر في مقاطعة دونيتسك، الذي يحمل العلامة كيه (K)".

ويتابع لاندا: صدرت أوكرانيا في عام 2021 حوالي 20 مليون طن من خامات المعادن والمنتجات المعدنية، وفي النصف الأول من عام 2023 صدرت 2.5 مليون طن فقط. خسرنا نحو 80% من الصادرات، لذا فإن وقف الحرب واستعادة الثروات والصادرات  يكتسي أهمية إستراتيجية.

لاندا: 70% من ثروات أوكرانيا تقع في مقاطعات دونيتسك ولوهانسك ودنيبروبيتروفسك، وهي مقاطعات تحتل روسيا نحو 60% من مساحاتها

صفقة مع وقف التنفيذ

ومع ذلك، يرى الكاتب لاندا في الصفقة الأميركية الأوكرانية "إشارة إيجابية" لأن ترامب، الذي كان يركز دائما على موضوع الحوار مع موسكو ونفقات الناتو وأموال المساعدات، بدأ يفهم أن هناك خطرا من انتقال موارد أوكرانيا الإستراتيجية لتصبح عامل قوة في متناول أنظمة استبدادية. هذا لا يخص روسيا فقط، بل شريكتها الإستراتيجية الصين أيضا".

إعلان

ويقول "إستراتيجيا واقتصاديا، هذه صفقة مربحة فعلا للأميركيين إذا دخلت حيز النفاذ، وأعتقد أن في ذلك دافعا قويا ليغير ترامب نبرته تجاه موسكو ويضغط عليها بقوة لوقف الحرب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أراضی أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: مفاوضات «جدة» تركز على إقناع أوكرانيا بقبول الخطة التي يطرحها ترامب

أكدت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية، أن اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي لم يكن موفقًا، حيث كانت التوقعات مختلفة تمامًا بين الطرفين، موضحةً أن ترامب كان يتصور أن زيلينسكي سيتماشى مع رؤيته لإنهاء الحرب بسرعة، لكنه فوجئ برفض أوكراني لأي تنازلات دون ضمانات قوية.

وأشارت الشيخ، خلال استضافتها مع الإعلامية آية لطفي، ببرنامج «ملف اليوم»، المذاع على قناة «القاهرة الإخبارية»، إلى أن هناك أزمة متفاقمة بين أوكرانيا والولايات المتحدة، خاصة بعد تلميحات البيت الأبيض بأن صفقة المعادن النادرة لم تعد بنفس الأهمية، نظرًا لصعوبة سداد كييف للدعم الأمريكي السابق.

وأوضحت أن هذه المفاوضات ستركز بشكل أساسي على محاولة إقناع أوكرانيا بقبول خطة السلام التي يطرحها ترامب، والتي تعتمد على تسوية سياسية للصراع مع روسيا، مرجحةً أن يمتد النقاش ليشمل ملف الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، حيث تضغط الولايات المتحدة لإجرائها، وهو ما يرفضه زيلينسكي خوفًا من فقدان منصبه.

وأضافت أن زيارة زيلينسكي الأخيرة إلى السعودية قد تكون محاولة للبحث عن وساطة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لضمان خروج مرضٍ من المفاوضات، لكن من غير المرجح أن يتراجع ترامب عن رؤيته الأساسية لإنهاء الصراع.

اقرأ أيضاًترامب: غير قلق بشأن المناورات العسكرية بين روسيا والصين وإيران

ترامب ينفي تقريرا لـ"نيويورك تايمز" حول اشتباك بين ماسك وروبيو

ترامب يعلن عن تعيينات لسفراء أمريكا إلى لبنان والكويت والمغرب

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: مفاوضات «جدة» تركز على إقناع أوكرانيا بقبول الخطة التي يطرحها ترامب
  • ترامب بعد وقف المساعدات لكييف: أوكرانيا قد لا تنجو من الحرب مع روسيا
  • اجتماعات مرتقبة في السعودية بين روسيا وأوكرانيا
  • ترامب: أوكرانيا "قد لا تنجو" من الحرب مع روسيا
  • إعلام أمريكي عن ترامب: اتفاقية المعادن مع أوكرانيا لن تكون كافية
  • ترامب: توقيع أوكرانيا على صفقة المعادن لا يكفي لاستئناف المساعدات الأمريكية
  • زيلينسكي: وفد أوكراني سيجتمع مع الفريق الأمريكي في السعودية الثلاثاء المقبل
  • صفقة أوكرانيا.. إدارة ترامب تسعى لإبرام صفقة معادن مع دولة أفريقية
  • فايننشال تايمز: أمريكا تجري محادثات استكشافية مع الكونغو الديمقراطية بشأن صفقة معادن
  • الولايات المتحدة تجري محادثات بشأن "صفقة معادن" مع الكونغو