تشهد الأسواق العالمية اضطرابات متزايدة مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين، وسط توقعات بتأثيرات واسعة على سلاسل التوريد وأسعار الغذاء.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، فإن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة وكل من المكسيك وكندا والصين قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية، وتعطيل تدفق المنتجات الزراعية عبر الحدود.

ولوح ترامب بإمكانية فرض رسوم جمركية على شركاء آخرين مثل اليابان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.

تداعيات خطيرة على الإمدادات الغذائية

تعد المكسيك وكندا الشريكين التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة في القطاع الزراعي، حيث تستحوذان على ما يقارب نصف صادرات المنتجات الزراعية الأميركية، ومع إعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب خططا لفرض تعريفات جمركية على الواردات من هذه الدول، حذر محللون من أن ذلك سيؤدي إلى اضطراب الأسواق الغذائية وزيادة التضخم.

المكسيك وكندا الموردان الرئيسيان للخضراوات الطازجة إلى الولايات المتحدة (غيتي)

وذكرت إلينا بينغ وكيم تشيبمان ومايكل هيرتزر، في تقرير بلومبيرغ، أن هذه الخطوات قد تؤثر على أسعار الخضراوات والفواكه والذرة وفول الصويا ولحوم الخنزير، مما سيخلق أزمة في الإمدادات، ويثقل كاهل المستهلكين بأسعار أعلى.

إعلان الخضراوات والفواكه.. ارتفاع حاد في الأسعار

وتُعَد المكسيك وكندا الموردين الرئيسيين للخضراوات الطازجة للولايات المتحدة، حيث شكّلتا 90% من إجمالي الواردات الأميركية من الخضراوات الطازجة، بالإضافة إلى أكثر من نصف شحنات الفواكه الطازجة في عام 2023.

وإذا استمر التصعيد التجاري، فمن المتوقع أن ترتفع أسعار الأفوكادو والطماطم والتوت، إذ تعتمد السوق الأميركية بشكل شبه كامل على المكسيك في استيراد هذه المنتجات، حيث تزود الأخيرة أكثر من 90% من إجمالي استهلاك الأميركيين من الأفوكادو.

وفي حال فرض تعريفات جمركية على كندا، فقد يشكّل ذلك ضربة قاتلة لصناعة عصير البرتقال في فلوريدا، التي تواجه بالفعل تراجعا حادا في الطلب منذ التسعينيات، بسبب التغيرات في العادات الغذائية وزيادة وعي المستهلكين بمحتوى السكر في العصائر.

الذرة واللحوم.. تهديد للمنتجين الأميركيين

وتُعد المكسيك أكبر مستورد للذرة الأميركية، وهي المنتج الزراعي الأكثر انتشارا في الولايات المتحدة، وبحسب التقرير فإن فرض المكسيك لتعريفات انتقامية قد يضر بشركات تايسون فودز وسميثفيلد فودز، والتي تعتمد على صادرات اللحوم إلى الأسواق المكسيكية.

وصرّح خبراء أن المكسيك قد تجد صعوبة في إيجاد بديل للذرة الأميركية، لكن التعريفات قد تدفعها إلى البحث عن موردين جدد في دول أميركا الجنوبية، مما يزيد عزلة المزارعين الأميركيين ويضر بمبيعاتهم.

فول الصويا كان في قلب الحرب التجارية السابقة بين الولايات المتحدة والصين (شترستوك) فول الصويا.. حرب تجارية مع الصين

وكان فول الصويا في قلب الحرب التجارية السابقة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تراجعت مشتريات بكين من فول الصويا الأميركي بنسبة 79% خلال أول عامين من ولاية ترامب الأولى.

وإذا تكررت هذه الأزمة، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض حاد في دخل المزارعين الأميركيين، الذين يعانون بالفعل من ضغوط اقتصادية ناجمة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج.

زيادة حادة في أسعار الأسمدة والطاقة

ومن بين المخاوف التي أثارتها الحروب التجارية زيادة تكاليف الأسمدة والطاقة، مما سيؤثر سلبا على الإنتاج الزراعي.

إعلان

ويضيف النزاع التجاري مزيدا من عدم اليقين إلى أسواق الحبوب، حيث توقعت شركة بونغيه، إحدى أكبر الشركات التجارية الزراعية في العالم، انخفاض أرباحها هذا العام إلى أدنى مستوى منذ ما قبل جائحة "كوفيد-19″، مما يعكس تأثيرات الحرب التجارية على قطاع الزراعة العالمي.

عواقب سياسية واقتصادية

وتشير تقارير من بلومبيرغ إلى أن تأثير هذه الحروب التجارية لن يكون اقتصاديا فقط، بل سيؤثر على المشهد السياسي في الولايات المتحدة، حيث تواجه إدارة ترامب ضغوطا متزايدة من المزارعين والمشرعين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في تعليق على الإجراءات الأميركية، "نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات مضادة لحماية مصالحنا، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي تهديد اقتصادي".

هل تقود الحروب التجارية إلى أزمة غذاء عالمية؟

ومع استمرار الحروب التجارية، تزداد المخاوف من حدوث أزمة غذاء عالمية نتيجة اضطراب الإمدادات وارتفاع الأسعار.

وتُظهر البيانات أن التجارة الزراعية العالمية أصبحت أكثر تكاملا وتشابكا من أي وقت مضى، مما يعني أن أي تعطيل في التدفقات التجارية يمكن أن يكون له تأثيرات بعيدة المدى على الأمن الغذائي العالمي.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من إيجاد حلول لتخفيف التوترات التجارية، أم إن الأسواق العالمية ستواجه صدمة جديدة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم أزمة الغذاء؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بین الولایات المتحدة الحروب التجاریة المکسیک وکندا فول الصویا

إقرأ أيضاً:

من سايغون إلى بغداد.. تاريخ من الحروب والتدخلات الخارجية الفاشلة لأمريكا (شاهد)

تسلط تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن ما وصفه بـ"الاستيلاء" على قطاع غزة، وتهجير سكانه إلى مكان آخر، ضمن مشروعه لما يصفه بـ"السلام" في المنطقة، الضوء على مشاريع الولايات المتحدة الخارجية، والتي أرفقت بتدخل عسكرية، وفشلت بصورة ذريعة.

وخلافها للحرب العالمية الثانية، التي دخلت فيها الولايات المتحدة عسكريا، لم يحالف واشنطن النجاح في الساحات التي زجت نفسها بها، ابتداء من فيتنام وحتى وسوريا، والتي أعلن ترامب نفسه نيته سحب قواته من هناك، بعد خلق مليشيات عرقية تستعد سوريا الجديدة للتخلص منها.

ونستعرض في التقرير التالي، أبرز الساحات الخارجية التي تدخلت فيها الولايات المتحدة، وأسباب فشلها فيها، وكيف انتهت تلك التدخلات بنهايات مأساوية لها:

التدخل في فيتنام:

على وقع خسائر الاستعمار الفرنسي في فيتنام، دخلت الولايات المتحدة، في خمسينيات القرن الماضي، لدعم حكومة جنوب فيتنام، ضد القوات الشيوعية في الشمال المدعومة من الاتحاد السوفيتي والصين.



وبحلول عام 1956، بدأت الولايات المتحدة بنشر مئات الآلاف من جنودها في فيتنام، في تدخل مباشر، شمل ارتكاب مجازر بحق المدنيين والقرويين بعمليات قصف مكثف استخدمت فيه أسلحة محرمة دوليا.

ورغم القوة العسكرية الهائلة التي تدخلت فيها الولايات المتحدة في فيتنام، إلا أن الفيتناميين في الشمال، وبدعم شعبي واجهوا القوات الأمريكية عبر مقاتلي "الفيتكونغ" بحرب عصابات مرهقة، استخدمت فيها كمائن الغابات وشبكات الأنفاق، الأمر الذي كبدهم خسائر كبيرة، فضلا عن إشعال الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، عبر تظاهرات وحراكات رافضة لاستمرار الحرب هناك.

وعلى وقع الضربات المتلاحقة من الفيتكونغ للقوات الأمريكية، ولحكومة الجنوب، وسقوط أكثر من 60 ألف جندي أمريكي قتلى، فضلا عن إصابة مئات الآلاف من الجنود، بجروح مختلفة وأمراض نفسية نتيجة الحرب، اضطرت إلى خوض مفاوضات مع الشماليين، والتي توجت باتفاقية للسلام عام 1937، تنسحب بموجبها أمريكا من فيتنام.

وفي عام 1975، تمكن الشماليون السيطرة على العاصمة سايغون، على وقع انسحاب عاجل وفوضوي للدبلوماسيين الأمريكيين، من سطح السفارة، في مشهد تاريخي، تركوا خلفهم عملاءهم الجنوبيين دون حماية أو توفير وسائل إجلاء لهم.



التدخل العسكري في الصومال:

عقب اندلاع صراعات داخلية في الصومال بين فصائل مسلحة، عام 1991 بدأت الولايات المتحدة، التدخل، بذرائع حماية المدنيين والإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية.

وفي كانون أول/ديسمبر 1992، أعلنت الولايات المتحدة، عن عملية حملت اسم "إعادة الأمل"، من أجل ما وصفته بمساعدة ضحايا المجاعة وإعادة السلام للصومال التي تشهد صراعا مزقها بين أمراء الحرب.

ودخلت واشنطن إلى الصومال، بنحو 28 ألف جندي، من ضمن عشرات آلاف الجنود، من عدة دول، وهو ما أثار غضب الصوماليين الذين اعتبروه احتلالا لأرضهم بحجج أممية، لتبدأ المواجهة مع القوات الأمريكية وغيرها، ومنيت العملية بالفشل الذريع وقتل 151 جنديا يتبقون قوات حفظ السلام.

ووجهت اتهامات للقوات الأمريكية بارتكاب انتهاكات وأعمال قتل واغتصاب بحق الصوماليين، ونفذت قوات الجنرال محمد فرح عيديد، هجوما على القوات الأمريكية جنوب مقديشو، تكبدت فيها خسائر كبيرة، لكن الفشل الأكثر، كان بإسقاط مروحيتين، من طراز بلاك هوك، وسجل مقتل 18 جنديا أمريكيا، سحلت جثث بعضهم في شوارع مقديشو.

وعلى وقع الضربة الكبيرة للولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، سحب قواته من الصومال، والنأي بنفسها عن الملف الصومالي.



الحرب على أفغانستان:

على وقع هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، واتهام الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة، بالمسؤولية عنها، طلبت واشنطن من حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان، تسليم الزعيم الراحل للتنظيم أسامة بن لادن، ومع رفض طالبان، شنت أمريكا حربا وحشية على أفغانستان للإطاحة بطالبان.

وأرادت الولايات المتحدة بالقوة النارية، السيطرة السريعة على أفغانستان، فقامت بقصف المدن، بالقاذفات، وخلال أسابيع، تمكنت غزو البلاد، على وقع انسحابات سريعة من حركة طالبان من المدن الرئيسية باتجاه الجبال الوعرة والقرى.

وأقامت الولايات المتحدة، التي تعاونت معها ما تعرف بفصائل الشمال وهي مليشيات من عرقيات أفغانية معادية لطالبان، حكومة برئاسة حامد كرزاي، وقامت بإنشاء جيش محلي لمحاربة طالبان.

لكن الولايات المتحدة، دخلت في مستنقع مشابه لما جرى في فيتنام، والانسحابات التي نفذتها طالبان صاحبة الأرض، كانت بهدف خوض حرب استنزاف وعصابات انطلاقا من الجبال التي تعرفها بشكل جيد.

كما أن فساد الحكومة التي جلبتها الولايات المتحدة لأفغانستان، والتي أضاعت مقدرات البلاد، مقابل البقاء في مواقعها، أدى إلى انهيارها، فضلا عن الضربات التي تلقتها من قبل حركة طالبان وخسارتها المدن بشكل متتالي على مدى السنوات المتلاحقة.

وخاضت حركة طالبان، مفاوضات مع الولايات المتحدة، في نهاية ولاية ترامب الأولى، ووقعت اتفاقية سلام، للانسحاب الأمريكي، وفي عام 2021 بدأ الانسحاب الأمريكي بصورة فوضوية من أفغانستان، رافقه هجوم سريع سقطت فيها مدن كبيرة، وفرت القوات الأفغانية المتعاونة مع الولايات المتحدة من مواقعها والقواعد العسكرية الكبيرة.

وفي 15 آب/أغسطس، سقطت كابول بيد طالبان، وبدأت مروحيات أمريكية، عمليات إجلاء في وضع فوضوي، لكافة الدبلوماسيين الأمريكيين والأجانب من كابول، وفر الرئيس الأفغاني أشرف غني بصورة منفردة على متن مروحية تاركا نظامه في حالة انهيار.



غزو العراق:

في عام 2003، بدأت الولايات المتحدة بالترويج أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ورغم فتح بغداد الباب للمراقبين الدوليين لتفتيش مواقعها العسكرية، لتأكيد عدم امتلاكها هذه الأسلحة، إلا أن الولايات المتحدة، كانت تحاول إقناع العالم، من أجل شرعنة غزوها للعراق.

وقدمت الولايات المتحدة، على يد وزير دفاعها في ذلك الوقت كولن باول، أدلة كاذبة على امتلاك بغداد أسلحة بيولوجية، للحصول على قرار من مجلس الأمن بالغزو، لكن العالم رفض تلك المزاعم، ورغم ذلك، غزت أمريكا العراق وأطاحت بنظام الرئيس الراحل صدام حسين.

وعقب الإطاحة بالنظام والسيطرة على البلاد، أقدم الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، على حل الجيش العراقي، في واحد من أسوأ القرارات التي اتخذها، والتي أدت إلى فوضى عارمة، وقام بتشكيل جيش جديد على أسس طائفية، وعمقت الولايات المتحدة الخلافات الطائفية في البلاد، والتي أدت لاحقا، لتقسيم سياسي على أسس طائفية.

ونشأت خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، العديد من الجماعات العراقية المقاومة، ودخول تنظيمات مثل القاعدة، ولاحقا تنظيم الدولة، إلى المشهد، ونفذت حرب عصابات ضد القوات الأمريكية، تكبدت فيها خسائر كبيرة.



 وفي عام 2008، وبعد تشكيل حكومة برئاسة نوري المالكي، وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، اتفاقية مع العراق لسحب القوات الأمريكية بحلول عام 2011.

وأكمل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، سحب أغلب القوات، وأبقى على قوة لحراسة السفارة الأمريكية، إضافة إلى تواجد أمريكي في قاعدة عين الأسد.


مقالات مشابهة

  • “غرف دبي” و”غرفة تجارة الولايات المتحدة” تبرمان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات التجارية
  • المكسيك ترسل عشرات الطائرات لنقل 11 ألف مهاجر مكسيكي من الولايات المتحدة طردهم ترامب
  • إطفاء الحروب لإشعالها
  • «فاو»: انخفاض مؤشر أسعار الغذاء خلال يناير
  • نواب: الحروب التجارية تفتح الباب أمام الاستثمارات في مصر
  • أحمد موسى يتساءل: هل سيكون الاحتلال الأمريكي في غزة بدلاً من الإسرائيلي؟
  • برلماني: الحروب التجارية العالمية فرصة لجذب الاستثمارات إلى مصر
  • من سايغون إلى بغداد.. تاريخ من الحروب والتدخلات الخارجية الفاشلة لأمريكا (شاهد)
  • التوترات التجارية الأميركية الصينية ترفع أسعار الذهب إلى رقم قياسي