بين "ستارغيت" و"ديب سيك"..ترامب يعيد تشكيل سباق الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
يشهد سباق الذكاء الاصطناعي تحولات غير مسبوقة مع دخول قوى جديدة على الساحة، فبينما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشروع "ستارغيت" باستثمارات ضخمة لتعزيز الهيمنة الأمريكية، فاجأت الصين الأسواق بنموذج الذكاء الاصطناعي "ديب سيك" المتطور ومنخفض الكلفة، ما أثار تساؤلات حول مستقبل المنافسة التكنولوجية.
وتقول الباحثة إيزابيلا ويلكنسون، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني تشاتام هاوس، إن 2025 تثبت بالفعل أنها سنة التقلبات في القفزات والاستثمارات في الذكاء الاصطناعي.وفي 19 يناير (كانون الثاني)، أعلنت الصين صندوقاً استثمارياً للذكاء الاصطناعي، ينظر إليه على أنه رد على تشديد الولايات المتحدة للرقابة على تصدير الرقائق.
وفي 21 يناير (كانون الثاني)، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشروع "ستارغيت"، وهي شركة قال إنها ستستثمر مبلغاً غير مسبوق يبلغ 500 مليار دولار في تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، بدعم من شركات التكنولوجيا "أوبن إيه آي"، و"أوراكل"، والبنك الياباني "سوفت بنك"، وشركة الاستثمار الإماراتية"إم جي إكس".
وفي الأسبوع التالي، تسبب نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني منخفض الكلفة وقليل الاعتماد على الرقائق "ديب سيك" بقدرات استدلالية، في فوضى في الأسواق، بعدما اتضح أنه يمثل تحدياً للمنافس الأمريكي "أو 3" لـ"أوبن إيه آي". وتكبدت شركة تصنيع الرقائق العملاقة إنفيديا خسائر بـ 600 مليار دولار من قيمتها السوقية عند افتتاح الأسواق في 27 يناير (كانون الثاني). قنبلة "ديب سيك" ترسل "ميتا" إلى "غرفة الحرب" - موقع 24تعيش شركة ميتا حالة من الأزمة بعد أن أطلقت شركة ديب سيك، الصينية، نموذجاً جديداً للذكاء الاصطناعي بتكلفة ضئيلة مقارنة مع منافسيه. اضطراب
وأحدث "ديب سيك" اضطراباً في الافتراضات حول من يملك القدرة على تطوير الذكاء الاصطناعي القوي، وأعاد إشعال الشكوك في فعالية القيود الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة على تصدير الرقائق.
لكن، إلى جانب تصعيد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، تشير هذه التطورات إلى تحول جذري في حوكمة التكنولوجيا داخل الولايات المتحدة، يتمثل في تركز السلطة في القطاع الخاص لتطوير التكنولوجيا وصياغة جدول أعمالها، وهو اتجاه يتسم بالانقسام وصعوبة التنبؤ.
وحسب الباحثة ويلكنسون، تمثل هذه الحقبة الجديدة تحدياً كبيراً لصناع القرار في أوروبا، لكنها قد توفر أيضاً فرصاً محدودة لإظهار القيادة.
وألغى الرئيس دونالد ترامب مع توليه منصبه نهج إدارة سلفه جو بايدن في تنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث ألغى أمراً تنفيذياً حول الذكاء الاصطناعي الآمن والموثوق، والذي كان ينظر إليه على أنه حجر الأساس لنهج الولايات المتحدة في حوكمة الذكاء الاصطناعي محلياً وعالمياً على أساس إدارة المخاطر. كما استخدم سلطته التنفيذية لتعليق ما يعرف بـ"حظر تيك توك"، وأصدر مجموعة من الأوامر التنفيذية الأخرى، التي سيطعن في العديد منها أمام المحاكم. وفجأة، أصبحت القدرة على التنبؤ بسياسة التكنولوجيا الأمريكية في أدنى مستوياتها على الإطلاق.
وستشعر الشركات الأمريكية بمزيد من الجرأة بفضل مكانتها المتميزة، وبدعم من هجمات إدارة ترامب على ما تعتبره تنظيماً مفرطاً من بروكسل.
وفي الوقت نفسه، يكشف الحجم الهائل لمشروع "ستارغيت" التداخل المتزايد بين الأمن القومي والبنية التحتية ومصالح وادي السيليكون. ويبدو أن المخطط الاقتصادي لـ"أوبن إيه آي" لإعادة التصنيع الأمريكي، والذي يعتقد أنه عنصر أساسي في تشكيل "ستارغيت"، يتمتع بنفوذ استثنائي. فهو يدعو إلى إنشاء منشآت سرية لتقييم أمان النماذج، إضافة إلى تطوير موارد طاقة جديدة لتبريد مراكز البيانات.
ويتجاوز إعلان ترامب عن شركة خاصة أيضاً العقبات التشريعية المرتبطة بتطوير مشروع ممول من القطاع العام بهذا الحجم، خاصة في ظل الحاجة الملحة إلى توسيع قدرة مراكز البيانات لمواكبة الطلب المتزايد.
وعلى الصعيد الدولي، أحدث هذا النظام الناشئ صدى واسعاً. فبينما تعمل بروكسل على توضيح القواعد الجديدة في الذكاء الاصطناعي، وتطبيق حزمة الخدمات الرقمية، ستزيد جرأة الشركات الأمريكية بفعل مكانتها الاستثنائية، وبدعم من هجمات إدارة ترامب على اللوائح الأوروبية المشددة، مثل تهديدات نائب الرئيس جيه دي فانس عن مشاركة ناتو، إذا لم تحترم أوروبا "حرية التعبير".
وتقول ويلكنسون إنه على مدى العقد الماضي، تزايدت المطالبات بمساءلة عمالقة التكنولوجيا، مع موجة من الإجراءات التنظيمية والعديد من الشركات التي أعادت تفسير أدوارها في الحوكمة بما يتجاوز حدود التكنولوجيا.
ومنذ عام، تعهدت أكثر من 20 شركة تكنولوجية بالتصدي لمحتوى الذكاء الاصطناعي المضلل في الانتخابات، مثل تقنية "التزييف العميق". ووعدت تلك الشركات معاً بالحفاظ على نزاهة انتخابات 2024، والعمل على تعزيز ثقة الجمهور. وكان هذا الإعلان ضعيفاً عن الإجراءات التعاونية القابلة للقياس علنا، لكنه رسم صورة متفائلة عن منافسين يتحدون لحماية الديمقراطية من تهديدات المعلومات التي يولدها الذكاء الاصطناعي.
لكن هذا التفاؤل أصبح الآن مجرد ذكرى بعيدة، حيث يتنافس عمالقة التكنولوجيا على النفوذ في نظام سياسي يتعهد بإزالة الضوابط على المحتوى المضلل وغير الآمن، وهو المحتوى نفسه الذي التزموا سابقاً بمكافحته.
وتقول ويلكنسون إن البعض قد في يرى هذا التحول لحظة "سقوط القناع"، بينما يراه آخرون مجرد تجل طبيعي لانتهازية مدفوعة بالربح، وخوف الولايات المتحدة من فقدان تفوقها أمام الصين. وفي الحالتين، يضيف هذا السياق بعداً جديداً للصورة اللافتة التي جمعت بين عمالقة التكنولوجيا، بعضهم من المتبرعين السابقين للحزب الديمقراطي، وهم يجلسون في حفل تنصيب ترامب.
في زمن إدارة الرئيس السابق جو بايدن، كانت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عموماً حليفين في حوكمة الذكاء الاصطناعي. ورغم التوترات، خاصة مع الجدل المستمر حول عرقلة بروكسل للشركات الأمريكية، فقد تبنيا نهجاً قائماً على إدارة المخاطر وتشاركا بنشاط في الهيكل الناشئ لحوكمة الذكاء الاصطناعي عالمياً.
والآن، على الحكومات الأوروبية التعامل مع نهج الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تفضل تحرير تطوير الذكاء الاصطناعي من القيود التنظيمية، وتعطي الأولوية لمبدأ "أمريكا أولاً"، مع تجاهل التعاون الدولي. كما عليها مواجهة ائتلاف متزايد الجرأة من عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين الرافضين للتنظيم، والذين يعملون في أسواقها، في الوقت الذي تسعى فيه إلى جذب استثماراتهم.
ومع ذلك، يكشف "ديب سيك" حقيقة مهمة تتعرض للتغاضي عنها في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، إذ يُمكن تحقيق المزيد بموارد أقل. فاستثمار "ستارغيت" الهائل، نصف تريليون دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، قد يبدو بالفعل منفصلاً عن الواقع.
علاوة على ذلك، ومع تراجع الولايات المتحدة عن إعطاء الأولوية للتعاون التكنولوجي العالمي واحتمال تقليص دور "معهد أمان الذكاء الاصطناعي" الأمريكي، ستنشأ فجوة في قيادة السلامة العالمية للذكاء الاصطناعي.
وترى ويلكنسون أنه يمكن للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي اغتنام الفرصة. فالمملكة المتحدة تتمتع بميزة نادرة في مجال أمان الذكاء الاصطناعي، بعد أن نسقت "إعلان بليتشلي" في 2023، الذي ضم الصين والولايات المتحدة، وأطلقت أول معهد في العالم لأمان الذكاء الاصطناعي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصين دونالد ترامب الولايات المتحدة ترامب الصين الولايات المتحدة عمالقة التکنولوجیا الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة دونالد ترامب دیب سیک
إقرأ أيضاً:
تراجع أسهم معظم شركات الذكاء الاصطناعي بالربع الأول 2025
الولايات المتحدة – انخفضت قيمة أسهم 8 من بين 10 شركات للذكاء الاصطناعي ذات القيمة السوقية الأعلى في الربع الأول من العام الجاري، عقب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول التعريفات الجمركية والتطورات الاقتصادية.
وبحسب معلومات جمعتها الأناضول، حافظت شركة أبل على مكانتها كأعلى الشركات قيمة في العالم بـ3.27 تريليون دولار، متقدمة على شركة صناعة الرقائق العالمية إنفيديا ومايكروسوفت.
وجاءت مايكروسوفت في المركز الثاني بـ2.8 تريليون دولار، ثم إنفيديا في المركز الثالث بـ2.68 تريليون دولار.
– شركات الذكاء الاصطناعي
شهدت شركات الذكاء الاصطناعي العملاقة اتجاها إيجابيا في سوق الأسهم في عام 2024، إذ ارتفع مؤشر ناسداك 100 مدفوعا بالاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والميزانيات القوية لشركات التكنولوجيا والتوقعات بتباطؤ التضخم.
وعلى مدار العام، برزت الابتكارات في قطاع التكنولوجيا كعامل مهم آخر في دفع أداء ناسداك.
وارتفعت قيمة شركات الذكاء الاصطناعي العملاقة خلال العام الماضي باستثناء شركة أدوبي.
وصعدت أسهم شركة بالانتير للتكنولوجيا بنسبة 340 بالمئة، وإنفيديا 171 بالمئة، وميتا بلاتفورمز 65 بالمئة.
كما ارتفعت أسهم تسلا 63 بالمئة، وأوراكل 58 بالمئة، وألفابت 35 بالمئة، وآي بي إم 34 بالمئة، وآبل 30 بالمئة، ومايكروسوفت 12 بالمئة، بينما انخفضت أسهم أدوبي 25.5 بالمئة.
– تراجع قيمة الأسهم
خلال الربع الأول من العام الجاري، اتبع مؤشر ناسداك 100 وشركات الذكاء الاصطناعي مسارا متقلبا، بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، ومخاوف المنافسة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وعدم اليقين بشأن السياسات التجارية.
وتسببت البيانات الاقتصادية الكلية التي صدرت خلال هذه الفترة في زيادة التوقعات بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتأجيل خفض أسعار الفائدة، ما تسببت في ضغوط بيع على أسهم شركات التكنولوجيا.
وفي 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، سجل مؤشر ناسداك 100 أكبر تراجع يومي خلال الربع الأول من العام الجاري، بسبب المخاوف من خسارة الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي حصتها في السوق، بعد طرح نموذج الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة التابع لشركة DeepSeek الصينية.
خلال الفترة نفسها، أثارت الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضتها إدارة ترامب المخاوف بشأن النمو العالمي.
وفي 2 أبريل/ نيسان الحالي، أعلن ترامب، فرض رسوم جمركية قال إنها “متبادلة” على جميع دول العالم بحد أدنى يبلغ 10 بالمئة.
وقرر ترامب تطبيق رسوم بنسبة 34 في المئة على الصين، و20 في المئة على الاتحاد الأوروبي، و46 في المئة على فيتنام، و24 في المئة على اليابان، و26 في المئة على الهند، و30 في المئة على جنوب إفريقيا و37 في المئة على بنغلاديش، و17 في المئة على إسرائيل و10 في المئة على تركيا، وبالنسبة نفسها على المملكة المتحدة.
كما فرض رسوما بنسبة 10 في المئة على كل من قطر والإمارات والسعودية ومصر والكويت والسودان واليمن ولبنان وجيبوتي وعُمان والبحرين والمغرب، فيما كانت سوريا الأعلى نسبة عربيا بـ41 في المئة، والعراق 39 في المئة، والجزائر 30 في المئة.
وأدت كل هذه التطورات إلى الحد من الزخم الصعودي في مؤشر ناسداك 100، ولم ترتفع سوى أسهم شركتي بالانتير وآي بي إم خلال الربع الأول من العام الجاري.
وتراجعت أسهم تسلا بنسبة 35 بالمئة، وألفابت وإنفيديا بنسبة 18 بالمئة، وأوراكل بنسبة 15 بالمئة، وأدوبي بنسبة 13.3 بالمئة، وآبل بنسبة 13 بالمئة، ومايكروسوفت بنسبة 10 بالمئة، وميتا بلاتفورمز بنسبة 1.5 بالمئة، فيما ارتفعت أسهم شركة بالانتير بنسبة 14 بالمئة، وآي بي إم بنسبة 11 بالمئة.
– الذكاء الاصطناعي ثورة دائمة
وفي حديث للأناضول، قال كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرغ الألماني، فيليكس شميت إن الذكاء الاصطناعي لعب دورا مهما في الارتفاع الذي شهده مؤشر ناسداك 100 في عام 2024، ولكن لا يمكن اختزال هذا الارتفاع في عامل واحد فقط.
وأوضح أن انخفاض التضخم، وخفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وقوة الاقتصاد الأمريكي، وإعادة انتخاب دونالد ترامب، كانت عوامل أخرى دعمت هذا الارتفاع.
وأضاف أن الأسواق كانت تتوقع تخفيضات ضريبية وتخفيف القيود التنظيمية عقب فوز ترامب في الانتخابات، “لكن هذا التفاؤل كان قصير الأمد، فقد طغت الفوضى التي أحدثتها رسوم ترامب الجمركية على حماس الأسواق”.
وفيما يتعلق بتأثيرات الذكاء الاصطناعي على البنية الاقتصادية المستقبلية، قال شميت، إن الذكاء الاصطناعي تقنية متعددة الأغراض، وسيُحدث تحولاً في الاقتصادات والمجتمعات خلال السنوات القادمة”.
وأضاف أن “الذكاء الاصطناعي ليست ظاهرة مؤقتة، بل ثورة دائمة، وقد استفاد منها في البداية مصنعو الرقائق ومطورو البرمجيات. ولكن في المستقبل، ستستخدم المزيد من الصناعات الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءتها والاستفادة من هذا التحول”.
الأناضول