البوابة نيوز:
2025-01-24@05:08:36 GMT

فضائل في حياة العذراء: عدم محبة المديح

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

يولد الإنسان محبًا لذاته، فنرى الطفل أنانيًا يحب ذاته فقط، يحب ألا ينحسر الضوء عنه، فإذا اهتموا بآخر بكى واستنكر، ويحاولون من ثم تعليمه حب الآخرين والمشاركة، ويبدو أن الإنسان بطبيعته يحب المديح والإطراء، ويطرب له كثيرًا، بينما لا يقبل الانتقاد حتى ولو كان في محله، الأمر إذا يحتاج إلى تدريب.
عندما بدأت القديسة أَلِيصَابَاتُ في مدح مريم العذراء قاطعتها بأدب قائلة: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ.

.. لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي..." (لو 1: 46-48) وقد سلمتنا القديسة مريم رفض المديح من خلال تفكرها بالكلام في قلبها فقط، وثانيًا من خلال عدم ترك أَلِيصَابَاتُ تسترسل في مدحها فطالبت بأن نعظم الرب فهو المستحق كل مجد وكرامة، ثم الاعتراف بأنها أمة ضعيفة بلا كرامة ومع ذلك نظر الرب إليها، وأن الأجيال جيلًا بعد جيل سيرددون أنها محظوظة لأنها نالت هذه الكرامة. ومن ثم:
1- علينا ألا نترك أحدًا يمتدحنا ونحن صامتين، بل نوقف ذلك أو نحول مساره أو نلفت الانتباه إلى مجد الله، فإذا سمعت مديحًا لك فاهتف على الفور في داخلك "المجد لك يا رب" وكما قال السمائيون لله "أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ" (رؤ 4: 11) وإن كان الآباء يحذرون من أن بعض الردود من شأنها أن تجعل الآخر يتمادى في المدح ومن ثم يوصون بمقابلة المديح بالصمت في بعض الحالات.
وقل لنفسك أنهم يحكمون حسب الظاهر وهم لا يعرفون خطاياي وضعفاتي، وأن الله إنما يستر عليّ حتى لا أفتضح، أشكر الله ولا تقبل المدح. بل تجاوز الأمر حده عند البعض فاتوا أعمالًا تجلب لهم التحقير والإهانة، كمن تظاهر بالجنون، وإن كان الآباء لا ينصحون بمثل هذه.
2- ليس من يمدح نفسه ولا من يمدحه الناس بل الْمُزَكَّى من الله، هذا لاحظناه في وصف الكتاب للقديسين زكريا وأَلِيصَابَاتُ إذ قال عنهما القديس لوقا: "وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ" (لوقا 1: 6) إذًا ليس من يمتدحه الناس ولا من يمتدح نفسه بل الْمُزَكَّى من الله: "لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ" (2كو 10: 18) كما يقول يشوع بن سيراخ: "لِيَمْدَحْكَ الْغَرِيبُ لاَ فَمُكَ، الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ" (أم 27: 2).
3- محبة المديح كبرياء: من يحب المديح تتضخم ذاته، ويعمل أعمالًا الغرض منها جلب المديح وهذا يسبب له الكبرياء وإحساسه بالتميز على الآخرين، ويحرم نفسه من تعاطف الله معه، فقد كتب: "يقاوم الله المستكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين" أي أن هذه المحبة تمنع عنا نعمة الله، ناهيك عن أن الناس يحيون المتضعين فالاتضاع من الصور التي تقدم المسيح، كما قال القديس باخوميوس إن أفضل المناظر هي: "منظر الإنسان الوديع والمتواضع القلب" كما قال إن الاتضاع هو الحُلة التي لبسها كلمة الله عندما تجسد.
4- قبول المديح يسحب من رصيدنا: لقد رفض الملاك السجود له، ورفض القديسان بولس وبرنابا أن يسجد الشعب لهما أو يقدموا ذبائح لهما: "فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْكَلاَمِ" (أع 14: 12) وذلك ببساطة لأننا سنكون قد استوفينا أجرنا: "فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!"(مت  6: 2).
أما احتمال الإهانة والصبر عليها بفرح فإنه يضيف إلى رصيدنا، قال السيد المسيح: "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ" (مت 5: 11) بينما قال ويل لكم إن قال كل الناس فيكم حسنًا. بل قال الآباء إن اليوم الذي يمر دون محقِّرة لا تحسبه ضمن أيام حياتك، وقالوا أيضًا ليكن شاتمك مثل طبيبك. وقال أنبا بيمن: "كن صديقًا لمنْ يحكي عنك بالشر لتجوز أيامك بنياح".
5- التشجيع والمديح والنفاق: الكل يحتاج إلى التشجيع، مهما كانت قامته أو سنه، والتشجيع له تأثير إيجابي كبير، أقصد بالطبع التشجيع على الأعمال الحسنة، أما المديح فقد يتجاوز التشجيع بقليل إلى الاستطراد أو المبالغة الخفيفة، وقد يكون مقبولًا في حدود ما، أما النفاق فقد يكون بدافع غير شريف وفيه شيء من الكذب، وقد يكون بسبب الخوف، وقد يتحول إلى عادة عند البعض. والرياء والنفاق هما وجهان لعملة واحدة فالنفاق لكسب ود الآخرين بينما الرياء هو ظهور الشخص بمظهر غير حقيقي، فيبطن خلاف ما يظهر. أما أنت فكن مشجعًا ولا تكنْ مرائيًا، بل أخفي فضائلك لأن الفضيلة إذا اشتهرت نهبت وفسدت كما قال الآباء.
6- والناس تجاه المديح أنواع: نوع يرفض المديح، وآخر يسمعه على مضض، ونوع يحقّر نفسه، ونوع يقبله بفرح، ونوع يسعى إليه بالإيحاء، ونوع يدفع الآخرين لمدحه، ونوع يتسول المديح، ونوع يدفع المال لمدحه، ونوع إن لم يمدحه أحد مدح نفسه.. وفي المقابل هناك نوع يفرح بالمذمة، ونوع أرقى هو الذي لا يختلف عنده المدح عن الذم، كما حدث مع الأنبا بيمن واخوته، وآخرين، بل قيل أن احتمال الهوان أسهل من احتمال الكرامة!. وجاء في الأدب الرهباني: "مدح الآباء شخصًا بين يدي الأنبا أنطونيوس فأراد أن يختبره إن كان يحتمل الإهانة فلم يحتمل فقال هذا الشخص يشبه مدينة مزينة من الخارج ومن داخلها عظام أموات"..
أخيرا... يقول الرب إن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون، انما فعلنا ما قد اُمرنا به، ويعلق المتنيح البابا شنودة على ذلك قائلا: إننا لم نصل بعد إلى رتبة "العبد البطال" لأننا لم نفعل كل البر...
مكاريوس – أسقف المنيا
صوم السيدة العذراء 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مريم العذراء سجود زكريا کما قال

إقرأ أيضاً:

أمين الفتوى: نشر أسرار البيوت على مواقع التواصل حرام شرعا

أجاب الشيخ أحمد العوضي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، عن سؤال حول نشر الأسرار الشخصية وأمور الحياة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حوار مع الإعلامية زينب سعد الدين في برنامج "البيت" على قناة "الناس"، أن الشرع الشريف يفرق بين نشر الأمور التي تدعو للتواصل الاجتماعي والتقارب مثل تهنئة العيد أو العزاء، وهو أمر جائز ومحمود ويقرب المسافات بين الناس.

وأشار إلى أنه إذا كان الشخص ينشر تفاصيل حياتية مثل نجاح ابنه في الامتحان أو مناسبة سعيدة تخصه، فهذا جائز أيضًا، لكن في حال نشر الخصوصيات أو الأمور التي تخص أسرار البيت أو العمل أو الحياة الشخصية بشكل غير لائق، فهذا مرفوض شرعًا، ويعد محرمًا، مشددا على أن الشرع نهى عن التطفل على خصوصيات الناس أو نشر ما قد يسبب لهم ضررًا أو يعرضهم للانتقاد.

وأضاف أن مبدأ الستر هو الأصل في الإسلام، حتى في العبادة، حيث يُفضل أن يظل الإنسان مستترًا في النعم التي ينعم الله بها عليه، باستثناء الحالات التي يدعو فيها الإنسان لذكر نعم الله عليه، مثلما ذكر الله في القرآن: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، وفي هذه الحالة، إذا كان الأمر لا يجرح أو يفضح خصوصيات، يمكن للإنسان أن يذكر نعمة الله عليه.

وأشار إلى أن الفقهاء قد ألفوا كتبًا حول هذا الموضوع، مثل الإمام السيوطي في كتاب «التحدث بنعمة الله»، حيث ذكر كيفية شكر الله على النعم دون التفاخر أو التباهي بما يعرض الإنسان للوم أو العيب.

وأكد على أن ما يقال ويُنشر يجب أن يكون فيما لا يعرض الإنسان لانتقاد أو كشف لعيوبه أو خصوصياته، وأن الأمور التي لا يعاب الإنسان فيها مثل "اشتريت سيارة جديدة" أو "حصلت على وظيفة" هي أمور جائزة، أما ما يفضح الإنسان أو يسبب له حرجًا فهو مذموم وغير جائز شرعًا.

مقالات مشابهة

  • مسؤول أممي لمجلس الأمن الدولي: التزام الأمم المتحدة بشراكتها مع جامعة الدول العربية لتعزيز الجهود المشتركة لتحسين حياة الناس
  • رجل يعيش حياة مرعبة وسط 1000 عنكبوت.. لماذا يحتفظ بها؟
  • جد يُراد به هزل!!
  • أمين الفتوى: نشر أسرار البيوت على مواقع التواصل حرام شرعا
  • الدرديري: فضائل الإنقاذ وطريق العودة للسلطة..!
  • أمين الفتوى بدار الإفتاء: نشر الشائعات فعل شيطاني.. ويعد من الكبائر (فيديو)
  • هل يجوز الذهاب لأحد الشيوخ لعلاجي بالقرآن.. أمين الفتوى يجيب
  • نجل سالم الدوسري: فضل من الله محبة الجماهير لوالدي .. فيديو
  • بيان مدى مشروعية المديح والابتهالات النبوية
  • لماذا اختار الله شهر رجب الذي تصب فيه الرحمات لفرض الصلاة؟ علي جمعة يوضح