فضائل في حياة العذراء: عدم محبة المديح
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
يولد الإنسان محبًا لذاته، فنرى الطفل أنانيًا يحب ذاته فقط، يحب ألا ينحسر الضوء عنه، فإذا اهتموا بآخر بكى واستنكر، ويحاولون من ثم تعليمه حب الآخرين والمشاركة، ويبدو أن الإنسان بطبيعته يحب المديح والإطراء، ويطرب له كثيرًا، بينما لا يقبل الانتقاد حتى ولو كان في محله، الأمر إذا يحتاج إلى تدريب.
عندما بدأت القديسة أَلِيصَابَاتُ في مدح مريم العذراء قاطعتها بأدب قائلة: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ.
1- علينا ألا نترك أحدًا يمتدحنا ونحن صامتين، بل نوقف ذلك أو نحول مساره أو نلفت الانتباه إلى مجد الله، فإذا سمعت مديحًا لك فاهتف على الفور في داخلك "المجد لك يا رب" وكما قال السمائيون لله "أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ" (رؤ 4: 11) وإن كان الآباء يحذرون من أن بعض الردود من شأنها أن تجعل الآخر يتمادى في المدح ومن ثم يوصون بمقابلة المديح بالصمت في بعض الحالات.
وقل لنفسك أنهم يحكمون حسب الظاهر وهم لا يعرفون خطاياي وضعفاتي، وأن الله إنما يستر عليّ حتى لا أفتضح، أشكر الله ولا تقبل المدح. بل تجاوز الأمر حده عند البعض فاتوا أعمالًا تجلب لهم التحقير والإهانة، كمن تظاهر بالجنون، وإن كان الآباء لا ينصحون بمثل هذه.
2- ليس من يمدح نفسه ولا من يمدحه الناس بل الْمُزَكَّى من الله، هذا لاحظناه في وصف الكتاب للقديسين زكريا وأَلِيصَابَاتُ إذ قال عنهما القديس لوقا: "وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ" (لوقا 1: 6) إذًا ليس من يمتدحه الناس ولا من يمتدح نفسه بل الْمُزَكَّى من الله: "لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ" (2كو 10: 18) كما يقول يشوع بن سيراخ: "لِيَمْدَحْكَ الْغَرِيبُ لاَ فَمُكَ، الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ" (أم 27: 2).
3- محبة المديح كبرياء: من يحب المديح تتضخم ذاته، ويعمل أعمالًا الغرض منها جلب المديح وهذا يسبب له الكبرياء وإحساسه بالتميز على الآخرين، ويحرم نفسه من تعاطف الله معه، فقد كتب: "يقاوم الله المستكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين" أي أن هذه المحبة تمنع عنا نعمة الله، ناهيك عن أن الناس يحيون المتضعين فالاتضاع من الصور التي تقدم المسيح، كما قال القديس باخوميوس إن أفضل المناظر هي: "منظر الإنسان الوديع والمتواضع القلب" كما قال إن الاتضاع هو الحُلة التي لبسها كلمة الله عندما تجسد.
4- قبول المديح يسحب من رصيدنا: لقد رفض الملاك السجود له، ورفض القديسان بولس وبرنابا أن يسجد الشعب لهما أو يقدموا ذبائح لهما: "فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْكَلاَمِ" (أع 14: 12) وذلك ببساطة لأننا سنكون قد استوفينا أجرنا: "فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!"(مت 6: 2).
أما احتمال الإهانة والصبر عليها بفرح فإنه يضيف إلى رصيدنا، قال السيد المسيح: "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ" (مت 5: 11) بينما قال ويل لكم إن قال كل الناس فيكم حسنًا. بل قال الآباء إن اليوم الذي يمر دون محقِّرة لا تحسبه ضمن أيام حياتك، وقالوا أيضًا ليكن شاتمك مثل طبيبك. وقال أنبا بيمن: "كن صديقًا لمنْ يحكي عنك بالشر لتجوز أيامك بنياح".
5- التشجيع والمديح والنفاق: الكل يحتاج إلى التشجيع، مهما كانت قامته أو سنه، والتشجيع له تأثير إيجابي كبير، أقصد بالطبع التشجيع على الأعمال الحسنة، أما المديح فقد يتجاوز التشجيع بقليل إلى الاستطراد أو المبالغة الخفيفة، وقد يكون مقبولًا في حدود ما، أما النفاق فقد يكون بدافع غير شريف وفيه شيء من الكذب، وقد يكون بسبب الخوف، وقد يتحول إلى عادة عند البعض. والرياء والنفاق هما وجهان لعملة واحدة فالنفاق لكسب ود الآخرين بينما الرياء هو ظهور الشخص بمظهر غير حقيقي، فيبطن خلاف ما يظهر. أما أنت فكن مشجعًا ولا تكنْ مرائيًا، بل أخفي فضائلك لأن الفضيلة إذا اشتهرت نهبت وفسدت كما قال الآباء.
6- والناس تجاه المديح أنواع: نوع يرفض المديح، وآخر يسمعه على مضض، ونوع يحقّر نفسه، ونوع يقبله بفرح، ونوع يسعى إليه بالإيحاء، ونوع يدفع الآخرين لمدحه، ونوع يتسول المديح، ونوع يدفع المال لمدحه، ونوع إن لم يمدحه أحد مدح نفسه.. وفي المقابل هناك نوع يفرح بالمذمة، ونوع أرقى هو الذي لا يختلف عنده المدح عن الذم، كما حدث مع الأنبا بيمن واخوته، وآخرين، بل قيل أن احتمال الهوان أسهل من احتمال الكرامة!. وجاء في الأدب الرهباني: "مدح الآباء شخصًا بين يدي الأنبا أنطونيوس فأراد أن يختبره إن كان يحتمل الإهانة فلم يحتمل فقال هذا الشخص يشبه مدينة مزينة من الخارج ومن داخلها عظام أموات"..
أخيرا... يقول الرب إن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون، انما فعلنا ما قد اُمرنا به، ويعلق المتنيح البابا شنودة على ذلك قائلا: إننا لم نصل بعد إلى رتبة "العبد البطال" لأننا لم نفعل كل البر...
مكاريوس – أسقف المنيا
صوم السيدة العذراء
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مريم العذراء سجود زكريا کما قال
إقرأ أيضاً:
خروج الدابة التي تكلم الناس.. تعرف على هيئة إحدى علامات الساعة الكبرى
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء الأزهر الشريف، إن خروج الدابة التي تكلم الناس هي إحدى علامات الساعة الكبرى وأمارة من أمارات يوم القيامة منوها أن الدابة في اللغة كل ما يدب على الأرض، ولقد اقتصر استعمالها على الحيوانات.
وقد ذكر ربنا سبحانه وتعالى خروج الدابة في كتابه فقال: (وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ) [النمل :82].
وذكر علي جمعة، أن خروجها علامة خطيرة، وذلك لانغلاق باب قبول التوبة والإيمان بظهورها، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ﷺ حيث قال : (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا، طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) [رواه مسلم].
هيئة الدابةوأوضح علي جمعة، انه رغم أن الحديث عن هيئة ليس من أساس الاعتقاد في باب الإيمان بالغيب أو علامات الساعة، إلا أننا نذكره لتميم الفائدة، فقد اختلف العلماء في هيئة الدابة، وذهبوا إلى عدة أقوال:
القول الأول : أنها فصيل ناقة صالح، قال القرطبي : (أولى الأقوال أنها فصيل ناقة صالح وهو أصحها، والله أعلم) ، واستدل بحديث أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال : ذكر رسول الله ﷺ الدابة فقال : «لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية، يعني مكة، قال رسول الله ﷺ : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض رأسها عن التراب فتركض الناس منها شتى ومعا، وتثبت عصابة من المؤمنين عرفوا أنهم لم يعجزوا الله فبدأت بهم، فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري، وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه، فتقول : يا فلان : الآن تصلي !؟ فتقبل عليه فتسمه في وجهه، ثم ينطلق ويشترك الناس في الأموال، ويصطحبون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر، حتى إن المؤمن يقول يا كافر أقضني حقي وحتى إن الكافر يقول يا مؤمن أقضني حقي» [رواه الطيالسي في مسنده]
وفي الحديث أنها ترغو، والرغاء للإبل. قال القرطبي: «وقد قيل إن الدابة التي تخرج هي الفصيل الذي كان لناقة صالح عليه السلام، فلما قتلت الناقة هرب الفصيل بنفسه فانفتح له الحجر فدخل فيه ثم انطبق عليه، فهو فيه إلى وقت خروجه، حتى يخرج بإذن الله تعالى» [التذكرة].
القول الثاني : أنها دابة جمعت من خلق كل حيوان.
القول الثالث : أنها إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم حتى يتبين الصادق من الكاذب فيحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، وهو قول بعيد ليس عليه دليل، بل جاءت الأدلة بخلافه.
القول الرابع : أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة.
القول الخامس : أنها دابة مزغبة شعراء ذات قوائم، طولها ستون ذراعا، ويقال : إنها الجساسة المذكورة في حديث تميم الداري رضي الله عنه والذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وسميت بالجساسة ؛ لأنها تجس الأخبار للدجال.