البوابة نيوز:
2025-04-26@10:58:07 GMT

فضائل في حياة العذراء: عدم محبة المديح

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

يولد الإنسان محبًا لذاته، فنرى الطفل أنانيًا يحب ذاته فقط، يحب ألا ينحسر الضوء عنه، فإذا اهتموا بآخر بكى واستنكر، ويحاولون من ثم تعليمه حب الآخرين والمشاركة، ويبدو أن الإنسان بطبيعته يحب المديح والإطراء، ويطرب له كثيرًا، بينما لا يقبل الانتقاد حتى ولو كان في محله، الأمر إذا يحتاج إلى تدريب.
عندما بدأت القديسة أَلِيصَابَاتُ في مدح مريم العذراء قاطعتها بأدب قائلة: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ.

.. لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي..." (لو 1: 46-48) وقد سلمتنا القديسة مريم رفض المديح من خلال تفكرها بالكلام في قلبها فقط، وثانيًا من خلال عدم ترك أَلِيصَابَاتُ تسترسل في مدحها فطالبت بأن نعظم الرب فهو المستحق كل مجد وكرامة، ثم الاعتراف بأنها أمة ضعيفة بلا كرامة ومع ذلك نظر الرب إليها، وأن الأجيال جيلًا بعد جيل سيرددون أنها محظوظة لأنها نالت هذه الكرامة. ومن ثم:
1- علينا ألا نترك أحدًا يمتدحنا ونحن صامتين، بل نوقف ذلك أو نحول مساره أو نلفت الانتباه إلى مجد الله، فإذا سمعت مديحًا لك فاهتف على الفور في داخلك "المجد لك يا رب" وكما قال السمائيون لله "أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ" (رؤ 4: 11) وإن كان الآباء يحذرون من أن بعض الردود من شأنها أن تجعل الآخر يتمادى في المدح ومن ثم يوصون بمقابلة المديح بالصمت في بعض الحالات.
وقل لنفسك أنهم يحكمون حسب الظاهر وهم لا يعرفون خطاياي وضعفاتي، وأن الله إنما يستر عليّ حتى لا أفتضح، أشكر الله ولا تقبل المدح. بل تجاوز الأمر حده عند البعض فاتوا أعمالًا تجلب لهم التحقير والإهانة، كمن تظاهر بالجنون، وإن كان الآباء لا ينصحون بمثل هذه.
2- ليس من يمدح نفسه ولا من يمدحه الناس بل الْمُزَكَّى من الله، هذا لاحظناه في وصف الكتاب للقديسين زكريا وأَلِيصَابَاتُ إذ قال عنهما القديس لوقا: "وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ" (لوقا 1: 6) إذًا ليس من يمتدحه الناس ولا من يمتدح نفسه بل الْمُزَكَّى من الله: "لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ الرَّبُّ" (2كو 10: 18) كما يقول يشوع بن سيراخ: "لِيَمْدَحْكَ الْغَرِيبُ لاَ فَمُكَ، الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ" (أم 27: 2).
3- محبة المديح كبرياء: من يحب المديح تتضخم ذاته، ويعمل أعمالًا الغرض منها جلب المديح وهذا يسبب له الكبرياء وإحساسه بالتميز على الآخرين، ويحرم نفسه من تعاطف الله معه، فقد كتب: "يقاوم الله المستكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين" أي أن هذه المحبة تمنع عنا نعمة الله، ناهيك عن أن الناس يحيون المتضعين فالاتضاع من الصور التي تقدم المسيح، كما قال القديس باخوميوس إن أفضل المناظر هي: "منظر الإنسان الوديع والمتواضع القلب" كما قال إن الاتضاع هو الحُلة التي لبسها كلمة الله عندما تجسد.
4- قبول المديح يسحب من رصيدنا: لقد رفض الملاك السجود له، ورفض القديسان بولس وبرنابا أن يسجد الشعب لهما أو يقدموا ذبائح لهما: "فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْكَلاَمِ" (أع 14: 12) وذلك ببساطة لأننا سنكون قد استوفينا أجرنا: "فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!"(مت  6: 2).
أما احتمال الإهانة والصبر عليها بفرح فإنه يضيف إلى رصيدنا، قال السيد المسيح: "طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ" (مت 5: 11) بينما قال ويل لكم إن قال كل الناس فيكم حسنًا. بل قال الآباء إن اليوم الذي يمر دون محقِّرة لا تحسبه ضمن أيام حياتك، وقالوا أيضًا ليكن شاتمك مثل طبيبك. وقال أنبا بيمن: "كن صديقًا لمنْ يحكي عنك بالشر لتجوز أيامك بنياح".
5- التشجيع والمديح والنفاق: الكل يحتاج إلى التشجيع، مهما كانت قامته أو سنه، والتشجيع له تأثير إيجابي كبير، أقصد بالطبع التشجيع على الأعمال الحسنة، أما المديح فقد يتجاوز التشجيع بقليل إلى الاستطراد أو المبالغة الخفيفة، وقد يكون مقبولًا في حدود ما، أما النفاق فقد يكون بدافع غير شريف وفيه شيء من الكذب، وقد يكون بسبب الخوف، وقد يتحول إلى عادة عند البعض. والرياء والنفاق هما وجهان لعملة واحدة فالنفاق لكسب ود الآخرين بينما الرياء هو ظهور الشخص بمظهر غير حقيقي، فيبطن خلاف ما يظهر. أما أنت فكن مشجعًا ولا تكنْ مرائيًا، بل أخفي فضائلك لأن الفضيلة إذا اشتهرت نهبت وفسدت كما قال الآباء.
6- والناس تجاه المديح أنواع: نوع يرفض المديح، وآخر يسمعه على مضض، ونوع يحقّر نفسه، ونوع يقبله بفرح، ونوع يسعى إليه بالإيحاء، ونوع يدفع الآخرين لمدحه، ونوع يتسول المديح، ونوع يدفع المال لمدحه، ونوع إن لم يمدحه أحد مدح نفسه.. وفي المقابل هناك نوع يفرح بالمذمة، ونوع أرقى هو الذي لا يختلف عنده المدح عن الذم، كما حدث مع الأنبا بيمن واخوته، وآخرين، بل قيل أن احتمال الهوان أسهل من احتمال الكرامة!. وجاء في الأدب الرهباني: "مدح الآباء شخصًا بين يدي الأنبا أنطونيوس فأراد أن يختبره إن كان يحتمل الإهانة فلم يحتمل فقال هذا الشخص يشبه مدينة مزينة من الخارج ومن داخلها عظام أموات"..
أخيرا... يقول الرب إن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون، انما فعلنا ما قد اُمرنا به، ويعلق المتنيح البابا شنودة على ذلك قائلا: إننا لم نصل بعد إلى رتبة "العبد البطال" لأننا لم نفعل كل البر...
مكاريوس – أسقف المنيا
صوم السيدة العذراء 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مريم العذراء سجود زكريا کما قال

إقرأ أيضاً:

خطيب الجامع الأزهر: الأمانة قيمة عظيمة يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها

ألقى خطبة الجمعة اليوم في الجامع الأزهر فضيلة الدكتور حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالجامع الأزهر، والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية للشئون العلمية والبحوث، والتى دار موضوعها حول حفظ الأمانة.

وقال د. حسن الصغير: إن للأمانة قيمة عظيمة في الإسلام، وفي كتاب الله عزّ وجلَّ وسنة النبي محمد ﷺ وسلم ما يدل على أن الأمانة هى حجر الزاوية في صلاح الدين والدنيا يقول تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾، وقال ﷺ: (أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنَك، ولا تَخُنْ من خانَك).

وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن الشرع الحكيم جعل الأمانة حجر الزاوية في كل ما كلفنا به الشرع من تكاليف وتعاليم وأخلاق، فهى كلها أمانة، والحفاظ عليها أمانة، وتضييعها خيانة وحسرة وندامة وخسران، فعبادة الفرد أمانة، وإذا ما ضُيعت العقيدة وتم الإخلال بها، أو أُنكر ثابت من ثوابتها فَثمَّة الخيانة، وثم الضياع، فصلاة المرء وزكاته وصومه وحجه أمانة، حتى نفسه التي بين جنبيه أمانة يقول تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

غدا.. انطلاق مؤتمر كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر حول "بناء الإنسان"شيخ الأزهر يعزي المستشار ناصر معلا نائب رئيس مجلس الدولة في وفاة والدهمرصد الأزهر يشارك في جولة المشاورات المصرية الصينية لمكافحة الإرهاب ببكينخالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع

وتابع فضيلته بقوله: ما يعول الإنسان من زوجة وأولاد، هو أمانة، يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها، لأن في عدم الاهتمام بهم، وعدم القيام على شؤونهم وتربيتهم خيانة يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، فالله جل وعلا سوف يسأل كل راعٍ عما استرعاه، وكما يُسأل الرجل عن أهل بيته، فسوف يُسأل أيضاً عن عمره وشبابه وماله وعلمه، فهذا من الأمانات، يقول ﷺ: لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، فالتكليف برمته مجالٌ واسعٌ، والشريعة والدين أمانة في عنق كل مؤمن ومؤمنة، ولذا فليس بمستغرب أن يصور الحق سبحانه وتعالى كل ذلك في صورة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ﴾.

وخلال كلمته نَّوَه خطيب الجامع الأزهر، إلى أن عيد تحرير سيناء يذكرنا بنصر الله عزّ وجلَّ، ومن الأمانة أن نواكب هذا العيد، بأن ننصر الله عزّ وجلَّ، وأن ننصر دينه وشريعته، لكن نرى بين الحين والآخر من يخوضون في شريعة الله ويشككون في الثوابت ويوَلون وجوه الناس عن المهمات الحياتية التي تعيش فيها الأمة إلى وجهات أخرى مكررة منذ سنوات بنصها وتفصيلها، فكان من الواجب على من أثار الثائرة، أن يتقِي الله عزّ وجلَّ في إثارة الناس، فلا يعكر عليهم دينهم، ولا يعكر على الوطن، استقراره وأمنه والفكر والاجتماعي، ويخوض في ثوابت الدين ليشتت أفكار الناس وأذهانهم واهتماماتهم، ويجرهم إلى هذا الكلام الذي تستغربه عقولهم ولا تعيه أفئدتهم، وهذا ما نبه عليه النبي ﷺ بأن كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ليست مضماراً لأغراض دنيوية، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك، فعلينا الاستيقاظ حتى لا نؤخذ بجرتهم.

وختم د. الصغير حديثه بقوله: عند الاحتفال بعيد تحرير سيناء لابد أن نذكر بأسباب النصر، ولابد أن يندحر وينزوي أولئك المغدورون الذين يلحدون في آيات الله ويحرفون الكلم عن مواضعه، فكلامهم مردود عليه بنص الكتاب والسنة، وهذا الكلام يفتح بابا ومجالا كبيرا لتحكيم الناس بشرع الله، فالإدعاء بالمساواة بين البنين والبنات، والأخوات والأخوة، والأب والأم، والزوج والزوجة، ادعاء باطل، والزعم بأن الآيات تقرر حقاً وليس واجباً أمر مرفوض ولا يعقل، فهذه أنصبة مفروضة، وهي حدود الله عزّ وجلَّ، لا ينبغي علينا أن نتجاوزها أو نعتدي عليها، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. ففكرة وضع قانون يخالف شريعة القرآن المحكمة وطرحه للاستفتاء أكبر كذبة، ويرد عليها بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾.

ودعى خطيب الجامع الأزهر، الذين أسرفوا على أنفسهم بوجوب الرجوع ووجوب الاعتذار لجموع الناس وللوطن، فنحن في وقت أحوج ما نكون فيه بأن نذكر بأن نكون على قلب رجل واحد، وأن نثبت الناس على الحق، وأن ننبذ الفرقة بدل أن ننشرها يقول تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، مذكراً إياهم بالتوبة والاستغفار، وتقدير الأمر بقدره، وبالعلم الذي سوف يسألون عنه يوم القيامة ماذا عملوا فيه؟

طباعة شارك الجامع الأزهر الأزهر خطبة الجمعة خطيب الجامع الأزهر

مقالات مشابهة

  • جنازة البابا فرنسيس.. دعوات للصلاة من أجل راحة نفسه
  • ما تم نهبه فقط من بنك السوداني ٨٢٠ مليون دولار نقدا، و٥ طن ذهب
  • الدكتور أيمن أبو عمر: الوطن نعمة تستوجب الشكر.. وحبه نابع من الإيمان
  • خطيب الجامع الأزهر: الأمانة قيمة عظيمة يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها
  • خطيب المسجد الحرام: عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون واتقوا شر ظنون أنفسكم
  • محمد مهنا: الزهد الحقيقي لا يعني ترك العمل أو الانعزال أو الفقر
  • الخداع تحت غطاء الصداقة وخيمة الثقة !
  • كيف أتعلم القناعة والرضا بقضاء الله؟ أمين الفتوي يوضح
  • أمين الإفتاء يوضح معنى مدد وحكم طلبه من الناس
  • ما المقصود بقول الله تعالى كتب على نفسه الرحمة ؟.. علي جمعة بوضح