اتهامات وحرب كلامية.. هكذا احتد التوتر بين الخرطوم وجوبا
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
الخرطوم- دخلت علاقات السودان وجنوب السودان منعطفا حرجا مع تزايد التصعيد الدبلوماسي بين وزارتي خارجيتي البلدين، بعد مطالبة جوبا بتحقيق دولي حول ما قالت إنها "تصرفات إرهابية" طالت رعاياها في ولاية الجزيرة خلال عمليات سيطرة الجيش على البلدات التي كانت تحتلها قوات الدعم السريع منتصف الشهر الماضي.
بدأت ملامح التوتر باستدعاء خارجية جنوب السودان سفير السودان لدى جوبا عصام كرار، في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، ناقلة إليه احتجاجها على "تعرض رعاياها لانتهاكات في مدينة ود مدني" التي استردها الجيش.
ومع تنامي الحديث عن تعرض مواطنين لانتهاكات على يد الجيش والقوات التي تسانده بزعم تعاونهم وتأييدهم للدعم السريع، قرر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تشكيل لجنة للتقصي والتحقيق في هذه الأحداث.
تراشق دبلوماسيلكن بعد أيام من قرار البرهان، ظهر وزير الخارجية الجنوب سوداني رمضان عبد الله خلال اجتماع في نيويورك وهو يقول إن الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه "مارسوا الإرهاب ضد مواطني بلاده وقتلوهم"، داعيا الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للمساعدة في التحقيق.
وصفت وزارة الخارجية السودانية هذه التصريحات بغير المبررة، وقالت في بيان إن "الحكومة ظلت تمد حبال الصبر على تجاوزات جوبا رغم مشاركة مرتزقة جنوبيين في صفوف الدعم السريع، وإنها أبلغت سلطاتها بالأدلة والوثائق، إلا أنها لم تتخذ إجراءات لمنع تجنيد المرتزقة وإرسالهم، بل واصلت تقديم تسهيلات للدعم السريع، بما في ذلك نقل وعلاج عناصرها في مستشفيات جنوب السودان".
إعلانوفي تصعيد جديد هذا الأسبوع، قالت وزارة خارجية جنوب السودان إن بيانات نظيرتها السودانية "في أعقاب المجازر التي ارتكبت بحق مواطنيها في ولاية الجزيرة، بدت وكأنها محاولة لصرف الانتباه عن الجرائم المرتكبة".
ونددت بتصريحات مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، التي قال فيها إن "مواطني جنوب السودان يشكلون 65% من عناصر الدعم السريع"، وعدّته "زائفا وخطيرا". واتهمت -في بيان- السودان "بتجنيد عناصر من جنوب السودان وإلحاقهم بالجيش وإرسالهم للقتال في حروب بعيدة مثل اليمن"، ونفت تجهيز المشافي لعلاج عناصر الدعم السريع.
بدورها، ردت الخارجية السودانية، في بيان الأربعاء الماضي، قائلة إن جوبا "أقرت لأول مرة بمشاركة مرتزقة في الحرب بجانب الدعم السريع بعد أن نفت في وقت سابق علمها بذلك. وأضافت "بينما جادلت أن نسبتهم لا تصل إلى 65%، وأن الحكومة لا سيطرة لها عليهم، لم تدن جريمتهم أو تشر إلى أي جهد بذلته لمنع وصولهم للسودان".
وشددت على أنه "في ظل تقارير خبراء مجلس الأمن الدولي والمنظمات المختصة والإعلام الدولي الاستقصائي، التي وثقت تفاصيل الدعم الذي يصل للمليشيا عبر جنوب السودان، فلا جدوى لمحاولة جوبا التقليل من أثر مشاركة مرتزقتها مع مليشيا الجنجويد".
#جنوب_السودان يفرض حظر تجول شامل بعد أعمال شغب دامية في العاصمة #جوبا.. ماذا حدث؟ pic.twitter.com/nUeNAywSUE
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 18, 2025
صراعات وخلافاتتؤكد الصحفية المهتمة بشؤون جنوب السودان مها التلب للجزيرة نت أن العلاقة بين الخرطوم وجوبا متوترة منذ الأيام الأولى للحرب إثر اتهامات الجيش لجوبا بمساندة الدعم السريع، لكن تلك التحفظات كانت تناقش وديا عبر قنوات اتصال مفتوحة على مستوى رئيسي البلدين.
وتضيف "جوبا كانت تقول أيضا إن هناك جنوبيين في صف الجيش السوداني، لكنها لم تكن تتذمر على طريقة غضب السودان من مشاركة جنوبيين مع الدعم السريع".
إعلانوحسب التلب، يوجد تياران في جنوب السودان أحدهما مساند للدعم السريع يتزعمه مسؤول التعبئة في الحركة الشعبية- الحزب الحاكم والمبعوث الرئاسي بول ميل، والثاني داعم للجيش بقيادة الرئيس سلفاكير ميارديت ومستشاره الأمني السابق توت قلواك وقادة آخرين.
وترى أن التصعيد الحالي مرده صراعات وخلافات داخل حكومة جنوب السودان بعد رواج أنباء عن تخطيط قلواك وأكول كور مدير المخابرات للاستيلاء على السلطة، فعمل ميارديت على إبعادهما من المواقع النافذة لإنهاء طموحهما، "لكن إقصاءهما أثر على العلاقة بين الخرطوم وجوبا ومنح مساحة للتيار القريب من الدعم السريع بالتمدد".
وفي ظل التجاذب الداخلي، برزت حادثة مدني وحفزت نافذي جنوب السودان من مؤيدي الدعم السريع على التصعيد تجاه السودان والدعوات لتشكيل لجنة دولية، لكن التلب تتوقع تراجع جوبا عن موقفها المتشدد الحالي قريبا.
وتقول إن السودان كان يدير حوارا داخليا مع قادة جنوب السودان حول مشاركة عناصر في القتال مع الدعم السريع دون اللجوء للتصعيد. وتفسر ذلك بأن "حجم الأذى من داعمي قوات الدعم السريع كان كبيرا مقارنة بجوبا التي اجتهد رئيسها للحد من إرسال المرتزقة، والخرطوم لم تُرد خسارة جوبا بشكل مطلق".
ضغط سياسيمن جانبه، يرى الدبلوماسي والمتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السودانية الصادق المقلي أن تصعيد جوبا تجاه الخرطوم "طبيعي في سياق الاهتمام برعاياها، لذلك احتجت على ما حدث لمنسوبيها في ولاية الجزيرة".
وقال للجزيرة نت إن "الحكومة السودانية -فيما يبدو كما صرح ياسر العطا- تملك ما يثبت تورط عناصر من الجنوب في القتال بصفوف الدعم السريع، لكن العطا لم يوضح ما إذا كانت هذه العناصر تحارب بعلم من حكومة جوبا أم تعمل كمرتزقة، ولعل خلو تصريحه من هذا التوضيح هو ما أثار حفيظتها لحد مطالبتها بتحقيق دولي".
إعلانومن وجهة نظر أستاذ العلاقات الدولية راشد محمد الشيخ، فإن التصعيد الجنوب سوداني يبدو كشكل من أشكال الاستخدام السياسي للحرب وممارسة ضغوط على الحكومة السودانية حتى تجري تفاهمات مع جوبا.
من ناحيته، يعتقد الصحفي المختص في شؤون جنوب السودان مرتضى جلال الدين أن التوتر الأخير مرده أن حكومة الجنوب "المتورطة بطرق مختلفة في دعم الدعم السريع كانت تبحث عن سبب للتصعيد تجاوبا مع وعود داعميها بفك الأزمة الاقتصادية الجنوبية"، وقول إن جوبا استغلت أحداث ولاية الجزيرة لتحقيق مآربها.
ويوضح للجزيرة نت أن "جوبا اعترفت في بيان للخارجية -لأول مرة- بوجود تدفقات من المرتزقة الجنوبيين المشاركين في القتال بجانب الدعم السريع، وأن الحكومة لا تملك السيطرة عليهم دون أن تحدد الجهة التي تقف وراءهم".
وحسب جلال الدين، فإن "مستشار ميارديت السابق لشؤون الأمن القومي توت قلواك ومدير الأمن والمخابرات المقال أكول كور كانا يديران هذه الملفات، وساعدهما في ذلك ارتباط قلواك بهذه المليشيات من قبيلة النوير منذ القدم، إلى جانب علاقة الصداقة التي تجمعه بقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)".
وأكد أن ميارديت لم يبعد مستشاره قلواك وإنما تمت ترقيته ليكون مستشاره لشؤون الشرق الأوسط، ويردف "هذه التحولات بالتأكيد ستفرز واقعا جديدا في طبيعة العلاقة بين الحكومتين، وربما تضغط جوبا على الخرطوم بمسميات ومطالب مختلفة تحت ذريعة المطالبة بالقصاص أو تستمر في دعم التمرد في السودان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ولایة الجزیرة الدعم السریع جنوب السودان
إقرأ أيضاً:
كيف تفاعل النشطاء مع التراجع الكبير لقوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني؟
وأثار تقدم الجيش حالة من الفرح في صفوف السودانيين الذين ينتظرون استعادته السيطرة على العاصمة بشكل كامل.
وأمس الثلاثاء، أعلن الجيش السوداني تقدم قواته بشكل كبير في محور مدينة الكاملين بولاية الجزيرة وسط البلاد، وقال إنه "طهرها من قوات الدعم السريع".
وأكدت مصادر محلية للجزيرة أن الجيش السوداني بسط سيطرته على مدينة الكاملين، التي كانت آخر معاقل الدعم السريع، لتصبح ولاية الجزيرة وسط البلاد تحت السيطرة الكاملة للجيش باستثناء بعض الجيوب الصغيرة.
ومدينة الكاملين هي كبرى مدن شمال ولاية الجزيرة، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 65 كيلومترا. وقد تداول ناشطون مشاهد لاحتفالات مواطنين سودانين في مدينة الكاملين بعد سيطرة الجيش عليها.
ولم تعلق قوات الدعم السريع على ما أعلنه الجيش، لكن مستشار قائدها الباشا طبيق قال إن قواته في محور شرق النيل بولاية الخرطوم تمكنت من صد قوة من قوات "درع السودان" المساندة للجيش السوداني.
فرح على مواقع التواصل
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، علَّق نشطاء على هذه التطورات الميدانية التي اعتبرها البعض مفرحة، حيث كتب ناشط يدعى "كونت" أن "الأخبار اللي جاية من السودان تفرح القلب، الجيش السوداني سيطر خلاص على وسط وقلب ولاية الجزيرة ودخل مدينة الكاملين آخر معاقل الدعم السريع في الولاية".
إعلانكما كتب حلفاوي "فرحة الشعب السوداني بدخول القوات المسلحة إلى مدينة الكاملين.. هل هذا هو الشعب الذي تريدون أن تحكموه؟ هل يوجد إثبات أكثر من هذا أن هذه الحرب التي تخوضونها ضد شعبنا؟".
في المقابل، قال أبو علي "إعلان تحرير الخرطوم يبدأ الآن من مدينة الكاملين"، في حين قال أبو القاسم "ينتصرون في الإعلام والدعم السريع ينتصر في الميدان".
وزار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بلدة "ود أبو صالح" شرقي الخرطوم، والتي استعادها الجيش السوداني مؤخرا، وقد توعد بملاحقة قوات الدعم السريع.
وتحدث البرهان عن جسر سوبا شرقي العاصمة، وهو جسر حيوي يربط بين منطقة شرق النيل وجنوب الخرطوم، والتي تعد حاليا المعقل الرئيسي لقوات الدعم السريع.
وفي آخر التطورات الميدانية، قال الجيش السوداني اليوم الأربعاء إن قواته سيطرت على حي الرميلة ومقر الإمدادات الطبية ودار صك العملة في الخرطوم.
وقالت مصادر ميدانية للجزيرة إن الجيش أصبح على مقربة من شارع الغابة المؤدي إلى وسط الخرطوم، حيث تتمركز قوات الدعم السريع.
5/2/2025