إمارات الساحل في رحلات المبشر الأمريكي صمويل زويمر
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
علي كانو اللوغاني*
شهد العالم العربي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين دفقاً من أنشطة الرحالة والمبشرين، واهتماماً متزايداً به من جانب الحكومات الغربية، وأسفر ذلك عن ترويج المعلومات والمفاهيم عن العرب وسط القراء الغربيين، وأثرت المفاهيم الرائجة لدى جمهور القراء عن العرب والعالم العربي في الرحالة والمبشرين، لهذا قدم العديد منهم حاملاً معه مزيجاً من الصور والأفكار المسبقة نتيجة تراكم معلومات مغلفة بطابع أسطوري وغرائبي في تباين صارخ مع الواقع المعيش ومع التطورات التاريخية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة.
وعليه، نسعى من خلال هذا المقال إلى رصد أهم الأفكار التي جادت بها رحلة المبشر الأمريكي زويمر ورؤيته للمنطقة ومميزاتها الحضارية والعمرانية، كما نسعى لإبراز النظرة الغرائبية التي ميزت مجمل هذه الكتابات.
في عام 1900 قام المنصر زويمر أحد مؤسسي الإرسالية العربية بأول زيارة رسمية لمنطقة الامارات، ففي فبراير/شباط قام يساعده إلياس بزيارة استطلاعية للإمارات من مقرهم في البحرين، واستغرقت رحلتهم فيها حوالي أربعة أيام زاروا خلالها جزيرة أبو موسى التي وصفها بأنها جزيرة جميلة يكثر بها الظباء والغزلان وبها النخيل والمياه العذبة.
استهل المسير براً على طول الساحل الشرقي لجزيرة العرب يرافقه بائع الكتب إلياس. وتم الاعتماد على الإبل رغم صعوبتها وطولها إلا أنها مهمة لرؤية القرى الممتدة من الشرق حتى مسقط، والتي لم تسجل على الخريطة.
في اتجاهه نحو أبوظبي ركب سفينة وصف مجريات الرحلة البحرية بدقة متناهية، وانطلاقا من وصف المبشر زويمر لمدينة أبوظبي التي تقع على جزيرة عند ارتفاع المد والجزر في المياه الخلفية لمينائها، حيث تنعطف على بعد أميال قليلة إلى الوراء وتشكل قناة بعرض 200 ياردة، وحتى عند انخفاض المياه، فإن هذا الحاجز الطبيعي ضد البدو الرحل من الصحراء.
ووصف ما كان يقدم لهم من أنواع راقية من الطعام، وكلها محاطة بخبز التمر وأرغفة على حصيرة كبيرة، ومغسولة بعطر، لدرجة أنه يصرح أنه لم يشعر بالجوع في هذه المنطقة، أما عن طريقة البناء فقد أورد أن أغلب منازلها بنيت من سعف النخل باستثناء عشرات المنازل والقلعة المهيبة.
أما مدينة دبي على بعد ثمانين ميلاً على الساحل بخط مستقيم توجه إليها على متن قارب صيد، ولكن الريح أرغمتهم على السير بشكل متعرج، وعلى طول الطريق بين أبوظبي ودبي يبدو الساحل مقفراً ولا أثر لأشجار النخيل والعمران. كانت المنطقة منبسطة بشكل كبير وتدعى جبل علي، (الجبل المرتفع). والذي يمكن رؤيته على بعد 17 ميلاً وحظي المبشر بعد حلوله بدبي باستقبال حاكم دبي وهو الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم.
وكانت الرحلة من دبي إلى الشارقة على ظهور البغال، وعلى مسافة عشرة أميال، وهناك التقى أصحابه القدامى، وأظهر له تاجر عربي حفاوة بالغة وعرض عليه فكرة استئجار دكان مع غرفة علوية، ومنذ هذه الزيارة أصبحت حملاتهم التبشيرية متكررة إلى هناك.
وتعتبر مزارع التمور الصغيرة علامة على تقدم الحضارة، وتُزاحم التجارة روح البدو، ويستمر الساحل من الشارقة منبسطاً ورملياً حتى تصل إلى رأس الخيمة، التي يقول عنها أنها أكبر المدن الشمالية وترجع قيمتها التاريخية إلى كونها تضم نقوشاً قديمة على الصخور الخلفية من المرفأ وفق ما كتبه الجغرافيون اليونانيون.
لن تستقيم مهمة التبشير دون ممارسة دور التطبيب والتعليم، وهو ما قام به زويمر خلال مقامه بالشارقة إذ يقول: ولمدة سبعة أيام أقمنا مستوصفاً وغرفة للاستقبال في الكوخ الذي خصص لنا، حيث أتى إلينا أكثر من مئتي عربي لأخذ الدواء وشراء الكتب.
إجمالاً كل ما يمكن استخلاصه انطلاقاً من الوصف الذي قدمه الرحالة المبشر أنه قدم معطيات مهمة عن البلاد وعن المسافات الفاصلة بين المناطق وعن مكوناتها وطبيعة النشاط الاقتصادي السائد فيها ونوعية التربة وطبيعة النظام السياسي والعلاقات بين القبائل، ويبقى هذا الموروث مهماً لكتابة تاريخ المنطقة في سيرورتها التطورية وتحولاتها البنيوية ورموزها الثقافية وملامحها الاجتماعية وحضور المرأة ضمن النسيج المجتمعي.
* باحث في سلك الدكتوراه جامعة محمد الخامس الرباط / المغرب
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات المغرب الإمارات
إقرأ أيضاً:
المبشر: الاعتماد المفرط على البعثة الأممية يضعف من قدرتنا على حل مشاكلنا بأنفسنا
أكد رئيس مجلس أعيان ليبيا، محمد المبشر، أن الاعتماد المفرط على البعثة الأممية يضعف من قدرتنا على حل مشاكلنا بأنفسنا.
وقال المبشر، في منشور عبر «فيسبوك»:” لا تنتظروا العالم ليحل مشاكلنا. يطرح سؤال مهم نفسه على الساحة الليبية هذه الأيام، هل نستطيع تغيير واقعنا إلى الأفضل دون الحاجة إلى مساعدة بعثة الأمم المتحدة للدعم؟، هذا السؤال يحمل أبعادًا عميقة تتعلق بدورنا كليبيين في صياغة مستقبلنا بعيدًا عن التدخلات الخارجية”.
وأضاف “إن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من قلب الإرادة الوطنية ومن إيماننا الجماعي بأن بناء الوطن هو مسؤولية الجميع. لا يمكن أن تأتي الحلول من الخارج وحده، بل يجب أن تكون نابعة من قناعة راسخة بأن المصير المشترك أقوى من كل الخلافات الضيقة، لقد أثبتت التجارب أن الإرادة الداخلية هي المحرك الأساسي لأي تغيير حقيقي، متى ما اجتمع الليبيون على كلمة سواء، تجاوزوا كل العقبات، إذا توفرت لهم مساحة التحرك بعيدًا عن الضغوط الخارجية”.
وتابع “ثقافتنا الليبية العريقة، التي طالما قامت على قيم التسامح والكرم وحل النزاعات عبر الحوار، لا تزال تشكل عمادًا أساسيًا يمكن البناء عليه. متى ما استعدنا هذه القيم، سنجد أن الوطن قادر على احتواء جميع أبنائه، مهما بلغت خلافاتهم. ولا يمكن إغفال أهمية دور الشباب في صنع التغيير. هؤلاء هم النبض الحي للأمة، وهم القادرون على إعادة تشكيل المشهد بشكل أفضل”.
واستطرد “لكن رغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن بعثة الأمم المتحدة لعبت أحيانًا دورًا ميسرًا للحوار، إلا أن الاعتماد المفرط عليها يضعف من قدرتنا على حل مشاكلنا بأنفسنا. نعم، يمكن أن يكون لها دور داعم، لكن الحل الحقيقي لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل. إذا توحدت الجهود و إذا أعلينا مصلحة الوطن على كل المصالح وإذا أعدنا بناء الثقة بيننا فسنثبت للعالم أجمع أن الليبيين قادرون على صنع التغيير بأيديهم. التغيير ليس مستحيلاً، والوطن سينتصر إن آمنا جميعًا بذلك”.
الوسومالبعثة الأممية الليبيون المبشر ليبيا