#معارك من #ورق
#شبلي_العجارمة
كان أقراني في الصف الثاني الابتدائي ، وابن العم : عمر محمد عبدالمهدي تحديدًا ؛ هو من علمني كيف أصنع فردًا من الورق بطلقة صوت واحد فارغة ، ثم توالت الابتكارات ،فعلمني كيف أصنع مسدسًا آخر بطي الورقة طيتان للحصول على مسدسٌ بطلقتين معًا أيضًا وبصوتين معًا .
تطورت ترسانة الصف من أسلحة الورق ، فصنعنا الصواريخ المدببة بجناحين ، وكنا نعلن الحرب بين زعيمين للصف ، وبين حارتين وعشيرتين أو بين أ بناء قريتين .
صنعنا السفينة من الورق ، لكننا كنا لا نعرف البحر إلا اسمًا في كتاب الجغرافيا ، حين كان يشرح لنا الأستاذ مصطفى حدود الأقطار العربية ، لكن سفينتي التي فرحت بها ؛ حين ملأت طشت ماء البيت الوحيد ودشنت سفينتي الورقية بذلك الطشت الهامشي ، لكن كما يقال -على رأي إخوانا المصريين – : يا فرحة ما تمتش ،؛ حين رأت أمي سفينتي الورقية ، سالتني من أين أتيت بالورق ؟ وكيف لي أن أهدر الماء الذي أتت بسطله من بئر أبو الذهب مع الواردات ؟، التقطت أمي حقيبتي القماشية في مداهمةٍ وتفتيش مفاجئين ، ووجدت مسدساتي وصواريخي الورقية في قعر حقيبتي وبين صفحات الكتب ، فأدارت معي تحقيقًا ما بين شبشبها البرتقالي وبين زاوية الغرفة الوحيدة ، وسرعان من انهرت أمامها واعترفت بأنني أمزقها من منتصف دفتر مادة الطبيعة آنذاك ، وحين اعتذرت عذرًا أقبح من الذنب ؛ بأن مادة الطبيعة مادة غير مهمة .
لم تتقذني تلك المسدسات والصواريخ والسفن في أولى معاركي ذات الخسارة الوحيدة والأوحد، لكن أمي استدركت – بعد تلك الكتلة – بعاطفة أمومتها أنها قد قست علي كثيرًا ، فأخبرت والدي في التعليلة عن ذكائي وحرفتي في صناعة مسدسات الورق والصواريخ والسفن ، لكنها لم تكن تعرف أنها قدمتني لوجبة عقوبة أخرى وأقسى ، فنمت مثقلًا تحت وطأة منفضة سجائر والدي وشباشب أمي.
حين كبرت واتسقت معالم الحياة وجدت أن ( صموئيل كولت) قد اخترع مسدسًا ليس من ورق ،ويرمي عدة رصاصات بلا عدد طيات ، وبلا حاجة لأوراق الدفاتر للمناهج غير المهمة ، كما وجدت السيد ( إلكسندر ديميتريفيتش) قد صنع صواريخ من البارود وذات مسافات أبعد من مسافة السبورة وطبشورة الأستاذ حمدي الجندي الذي كنا نمطره بها ونلوذ بالبراءة.
في معركتنا غير المتكافئة مع ( ترامب ) وفلكه ، علينا صفع أنفسنا قبل أن نجلس معها في جلسة جردة حساب ، وعلينا تحطيم مرايانا التي أوهمتنا بدءًا من القيادات الاجتماعية الهشة التي زينت أوجاعنا وفقرنا بالتقاط الصور وتصدر المشهد ، ومرورًا بالحكومات التي أنهكت جسد الدولة وأتت على وطنٍ يصدر القمح لأوروبا وتركته هيكلًا باليًا ، فالحكومة التي تغازل سوريا الجديدة بدعمها بالكهرباء وبأسعار تفضيلية ،هي ذاتها الحكومة التي بدأت تطرق الأبواب برفقة رجال الأمن العام لتغيير عدادات الكهرباء واستبدالها بعدادات جديدة لنق تحسب العطاس والصوت وضوضاء الأطفال ، هي ذاتها الحكومة التي تريد تزويد سوريا بالغاز بسعر ما يقارب ال ثلاثة دنانير ونصف إلى الأربعة ، هي ذاتها الحكومة التي جعلت من أنبوبة الغاز بسبعة دنانير والتي تمثل أكسجين البيت الأهم بعبعًا تهدد برفعه ومنة دعمه .
إن الدول التي تتبنى سياسات الإقصاء و التهميش والتجهيل المؤسسي والمواربة المزاجية ، كمن يدوس الخبز بعد الشبع ، ويعود ليلتقطه من القمامة بعد أن يبلغ به الجوع منتهاه .
إن زوبعة الجهل والمنظرة التي تصنعها الحكومات على شاكلة دمى تأكل وتنام وتتكاثر لا تعمر أوطانًا حقيقية ، لأنها تتنفس العاطفة وتترك العقل على رف الملابس الصيفية .
لسنا خارج فلك الوطن وما يحاك له وما يدور من حوله ، ونحن ذاتنا قلنا من قبل عشرة أعوام : أن الصدام والحرب مع عصابة الصهاينة أمرٌ حتمي ولا مفر منه سوى مماطلة الوقت وحسب .
إن الشعوب التي تزحف على بطونها وتقحر على مؤخراتها ليست كتلك الشعوب التي ركضت أميالًا نحو الفكر والتطور بدءًا من الإنسان وبيئته ومرورًا بدعمه وتعزيز تفكيره الإيجابي ،وانتهاءً بالفخر في منتجه العقلي المتكامل في شتى مجالات الحياة.
تعلمت من معركتي التي أدرتها بالورق ولم تصمد أمام صاج خبز أمي ولو لحظة حين جعلتها أمي قدحة إشعالٍ لحطبها ؛ ما هي إلا تراكمات من الخسائر على دفتري و وقتي وعقابي البدني والنفسي ومجرد صوت في فراغ بلا نهاية ، وفهمت إن الديكتاتورية الناعمة المزخرفة هي بالون لا يسمح بالمزيد من المساحات سوى لثاني أكسيد الكربون.
لا زلت أحفظ تفاصيل تلك النكتة الحقيقية حين قال لي أحد مدربي في الجيش : إن ابنه كان يقرأ عن تكوين الماء بأنه ذرتا هيدروجين وذرة أكسجين ، فقال لي خلف بلهجته : ” لخمت ابني على ثمه وقلتله حرام عليك المي خلقة ربانية منين جبت هالسواليف ! مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
الخلايا النائمة التي تقوم الليل إيمانا واحتسابا
اتفقت وسائل الإعلام على تسمية أعداء الحكومة المستترين، بالخلايا النائمة، وكانت نشطت في وقت السحور في الساحل السوري، وهي خلايا متربصة ومتحفزة تتقنع وتتلثم لكن لا تنام، وقد انبعثت بعد ثلاثة شهور من سقوط الأسد ونظامه البائد، ولم يبُدْ بعد فلا تزال منه بقايا فلول غير قليلة.
انبعثت الخلايا، والسوريون لم يشمّوا أقفية أيديهم بعد، كما تقول الأمثال السائرة، فخطفوا أنفارا من الأمن، وارتكبوا مجازر بحق آخرين، وحرقوا جثثهم (ليس لإخفاء الجريمة إنما تنكيلا وإرصادا)، فنفرت لهم جماهير الثورة العسكرية والمدنية، فرأينا أرتالا من المتطوعين بلغت في تقدير المقدرين نحو نصف مليون متطوع، خفافا وثقالا، رجالا وركبانا، وقد استعظم المراقبون عدد المستنفرين، وتذكروا انقلاب تركيا سنة 2016. فقد أحسّ جمهور الثورة السورية بالذعر والغضب معا؛ الذعر من سرقة ثورته ومن عودة أعتى نظام سياسي وأظلمه، والغضب من تغافل القيادة الجديدة وحلمها بالفلول ووضع الندى في موضع السيف.
ووقعت تجاوزات وحدثت انتهاكات من قتل مضاد ونهب انتقامي، ويرجح أنَّ سببه الأكبر هو تأخر قصاص القتلى، فأكثر الثورات استقرارا وأطولها عمرا، كان أكثرها دماء، الثورة في فرنسا وثورة إيران وسواهما. والسبب الثاني هو بطء التقاضي في محاكم العدالة السورية الجديدة، التي يمكن وصفها بالانتقائية، فالقيادة الجديدة تحاول جهدها تدوير المربعات والمثلثات، تعفو هنا، وتعاقب هناك، عين على الشرعية الممنوحة من الغرب -مصدر الشرعيات السياسية- وعين على الشرعية الداخلية، والشرعية الغربية الأمريكية مقدّمة على الداخلية؛ الشرعية الداخلية يمكن انتزاعها بالقوة أما الخارجية فلا تؤخذ إلا بالرضى بل بالطاعة.
يقول مكيافيللي: إنَّ الحنين في الثورات والأنظمة الساقطة إلى زمن الدكتاتور الراحل يقع غالبا بعد سنة من سقوطه، وليس الأسد بدكتاتور يُحنّ إليه إلا من أتباعه وأوليائه، فهي عِشرة، والعشرة لا تهون إلا على الرفيق البعثي، إلا إن كان حنينا مرضيا كحنين المازوشيين، وفي فيلم سوق المتعة يحنُّ السجين المحرر إلى سجنه، فيبني سجنا ويستأجر سجانه السابق ليعذبه.
حنّ الموالون إلى زمن التشبيح الجميل والقتل تحت التعذيب، حيث كانت الرموز رموزهم، والعزة عزتهم، والدولة دولتهم، والرواتب وإن كانت قليلة لكنها جارية وتسند الجرة السحرية، اشتاقوا إلى رئيسهم السابق الهارب، صاحب أجمل رقبة سورية، وسبب تأخر الحنين أنّ حرارة السقطة عطلت الإحساس بالألم إلى حين، أو أن الثائرين على القيادة الجديدة والحانين إلى دولة الغنيمة، أنفقوا جلّ مدخراتهم، أو أن أموالا وردت إليهم، وأوامر فلبوها، والفقر يذكي الحنين والانتقام أيضا.
وقد أُضيفت أسباب أخرى إلى انبعاث ثورة خلايا قيام الليل الأسدية، التي أطلقوا عليها اسم درع الساحل، منها: أنهم قتلة، لا أمل في العفو عنهم، وقد خسروا مناصبهم وعزهم ومجدهم، ورواتبهم، سوى أنهم مدعومون من قوى دولية، أولها إيران التي تصفهم بالثوار في وسائل إعلامها الكثيرة، وبالمقاومة أيضا، وتصف القيادة الجديدة بالإرهابية، تليها روسيا، المهددة بخسارة حمامها الدافئ في حميميم. وروسيا تعمل بصمت وتأنّ، وكانت آوت مئات الأسر العلوية لجأت إليها في القاعدة، ونقلت أخبار عن توكيلات مكتوبة تطلب من روسيا تدخلا دوليا. تساعد إيران وروسيا دول عربية وصيفة للدولتين المذكورتين، تخفي بغضا فوقه رضى، للثورات العربية عامة، والإسلامية خاصة.
وإن كون سوريا أهم دولة عربية، لتوسطها، وحيوية شعبها، سببٌ آخر، وهي مجاورة لتركيا الصاعدة، ويجري الحديث في وسائل التواصل عن الانبعاث الأموي ردّا على تصدير التشيع.
بل إن نازحين ومهاجرين شدّوا المئزر وهمّوا بالتشمير إلى سوريا بعد وقوع عمليات "درع الساحل"، خوفا من احتمال عودة النظام، الذي راع الشعب، ولا تكاد تجد أسرة سورية سنية (من غير اعتذار عن ذكر اللفظ) إلا وقد نُكّل بها ونكبت. تأخر القصاص، والقيادة الجديدة تحابي بعض المتهمين، وتغضي عن بعضهم الآخر، وهي تتقدم -الشعب الذي يريد الانتقام- بكثير، إما لأنها تريد الاستقرار وتتلمس طريقها الوعر، أو لأن الدولة المنكوبة تريد الاستفادة من أموالهم، فالخزنة خالية، وسوريا محاصرة، والقيادة محاصرة بين "صديق فأعيا أو عدو مداجي"؛ وهما مرضاة لمجتمع دولي معاد، وعربي علماني، يتوجس من الثورات الإسلامية، يضاف إلى ما ذكر من تردد القيادة السورية الجديدة وثقل الميراث الدموي الطويل.
أما مطالب نخبة السوريين ونشطاء الإعلام التواصلي، فعجيبة، كأن تتوجس نخبة من تجنب الرئيس الشرع ذكر الديمقراطية، وذكر بدلا منها الشورى، ويتخوف معارض له متابعون كثر من محظورات التمثيل التلفزيوني في غرفة النوم، ويستنكر آخر طول اللحى، ورابع يندد بالذكورية، فالذكورية تهمة، وخامس يندد بالجلابية التي يرتديها الرئيس في صور قديمة.. الجميع يحبون الإناث والتأنيث، والوجه الحليق، ويريدون مدينة فاضلة الآن وحالا، علمانية وديمقراطية وتحارب الإرهاب، تكثر في حكومتها الإناث السافرات الجميلات، وفي مسلسلاتها غرف نوم بمشاهد "جريئة". يقول الخائف على خسارة المشاهد الجريئة: "إن السعودية نفسها لم تعد تتقيد بهذه المحظورات".
وصفقت خلايا إعلامية ساهرة لأخبار تشي بصدور قانون قيصر جديد ضد القيادة الجديدة، بل إن معارضا سنيا معروفا قضى ردحا من الزمن في المعتقلات جاهر بحنينه إلى الأسد وفضّله على الرئيس الجديد الذي لم يحكم بعد!
يصعب تمييز غث الأخبار السائلة من سمينها، والصادق منها والكاذب، والتوثق من الصور المختلقة، وهي لمذبوحين وقتلى ما زالوا أحياء، وهنات الأمور مثل الحزن على نصب السيف الدمشقي الذي كسي بالبلاستيك في الشتاء وليس بالحرير! يقولون إنّ النصب هو لسيف دمشقي، صممه فنان مصري، والأمر يحتاج إلى شاهدين، فارسين، عدلين، ورئيس يضع السيف -وليس النصب- في مواضعه، غير خالط بين الندى والعدا.
x.com/OmarImaromar