مفهوم المنكر وبيان حقيقته وحكم تغييره
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن أهل العلم اختلفوا في بيان حقيقة المنكر؛ لتعدُّدِ صوره واختلافها، قال العلَّامة الراغب الأصفهاني في "المفردات" (ص: 823، ط. دار القلم، الدار الشامية، بيروت): [والمُنْكَرُ: كلُّ فِعْلٍ تَحكُمُ العقولُ الصحيحةُ بقُبْحِهِ، أو تتوقَّفُ في استقباحِهِ واستحسانه العقولُ فتحكم بقبحه الشَّريعةُ] اهـ.
وقال الإمام الجصَّاص في "أحكام القرآن" (2/ 44، ط. دار الكتب العلمية، بيروت): [وَالْمُنْكَرُ هُوَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ] اهـ.
وقال العلَّامة الألوسي في "روح المعاني" (4/ 28، ط. دار إحياء التراث العربي): [المنكر: المعاصي التي أنكرها الشرع] اهـ.
وأوضحت الإفتاء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضٌ على الكِفاية؛ إذا قام به بعض المكلفين سقط عن الباقين.
فقه تغيير المنكر وبيان ضوابطه
والمنكر الذي يجب على الأمة تغييرُه هو ما خالف الشرع -كتابًا وسُنَّة- مخالفةً قاطعةً، سواء في هذا أن تكون المخالفة لما أمر به الشرع إيجابًا أو لما نهى عنه تحريمًا، وسواء كانت المخالفة تركًا بالكُلِيَّة لما أمر به الشرع، أو زيادة عليه بغير نَصٍّ، أو نقصًا منه بغير عذرٍ، أو تغييرًا فيه، أو تبديلًا في ذاته.
ويشترط أن يكون هذا المنكر مُتَّفَقًا على إنكاره؛ لثبوته بالكتاب أو السنة، بحيث لا يكون إنكارُه محلَّ خلافٍ بين أهل العلم الموثوق بهم من ذَوِي الاختصاص والتَّقوى، فإنْ كان محل اجتهاد واختلاف، فليس مما يجب على الأمة تغييرُه.
والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فرضُ كفاية؛ إذا قام به بعض النَّاس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم الكُلُّ ممن تمكَّن منه بلا عذرٍ ولا خوف.
ووجود المنكر في المجتمع أمر طبيعي، لا يخلو منه مجتمع في أيِّ حِقبة من حِقب الزمان، ولكن الذي ليس من الطبيعي أن يرى أبناء المجتمع المنكر فلا يسعون إلى تغييره بضوابطه، وفي التغيير بقاءُ الحياة على النحو الذي يحبه الله عزَّ وعَلَا.
والقرآن الكريم يوصي بضرورة التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتَّواصيِ بالحقِّ والصَّبر؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55]، ويقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 110].
وكذلك ورد في السنة المطهرة الحثُّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضعَ كثيرةٍ؛ منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، ونهي عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ» رواه مسلم في "صحيحه" واللفظ له، وأبو داود في "سننه".
قال الإمام النَّوويُّ رحمه الله في "المنهاج شرح صحيح مسلم" (2/ 24، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت) : [اعلم أنَّ الأَمْرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المنكر قد ضُيِّع أكثره من أَزْمَانٍ متطاولة، ولم يَبْقَ منه في هذه الأزمان إلا رسومٌ قليلةٌ جدًّا، وهو بابٌ عظيمٌ، به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عمَّ العقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ، وإذا لم يأخذوا على يَدِ الظَّالِم أَوْشَكَ أَنْ يعمَّهُم الله تعالى بعقابه؛ قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
وعلى الآمر بالمعروف أن يخلص نيَّته ولا يَهَابَنَّ من ينكر عليه؛ لارتفاع مرتبته؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: 40]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: 101]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا﴾ [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ۞ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 2-3].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المنكر ر بالمعروف قال تعالى عن المنکر
إقرأ أيضاً:
فضل الصلاة على النبي.. باب القرب من الله ومفتاح محبته
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو بابنا إلى الله، ودليلنا إليه، ووسيلتنا للوصول إلى محبته تعالى، مستشهدًا بقوله تعالى:﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
وأشار إلى أن النبي ﷺ هو إمام الحضرة القدسية ولسان عينها، فمن خلال هديه الشريف نستطيع أن نعرف مراد الله ونحقق الطاعة والامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى.
تشريف النبي ﷺ بالصلاة والسلام عليهأوضح جمعة أن الله رفع قدر نبيه الكريم وأمر عباده بالصلاة والسلام عليه، فقال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
وفي هذا بيانٌ لعظمة النبي ﷺ، حيث بدأ الله سبحانه وتعالى بالصلاة عليه، ثم الملائكة، ثم أمر المؤمنين باتباع هذا الفضل العظيم. وبيّن أن هذا الأمر مرتبطٌ أيضًا بالتسليم التام للنبي ﷺ قولًا وعملًا، استنادًا إلى قوله تعالى:﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
ثمار الصلاة على النبي ﷺتناول العلماء قديمًا وحديثًا فضل الصلاة على النبي ﷺ، وكتبوا فيها مؤلفات كثيرة توضح أثرها العظيم في الدنيا والآخرة، ومن أشهرها:
"القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" للحافظ السخاوي."الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود" للإمام ابن حجر الهيثمي."الصِّلات والبِشَر في الصلاة على خير البشر" للفيروز آبادي.وقد ذكر الإمام العارف ابن عجيبة في تفسيره أن الصلاة على النبي ﷺ هي سلّم ومعراج للوصول إلى الله، حيث تؤدي إلى محبته ﷺ، وهذه المحبة تُفضي إلى محبة الله، ومن نال محبة الله جذبه إلى حضرته.
فضل الصلاة على النبي ﷺ في الدنيا والآخرةأجمع العلماء على أن الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ يعود على العبد ببركات عظيمة، منها:
رفع الدرجات ومغفرة الذنوب.تفريج الهموم والكروب.إجابة الدعوات وقضاء الحوائج.شفاعة النبي ﷺ يوم القيامة.نيل القرب من النبي ﷺ في الجنة، لقوله:"أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاةً." (رواه الترمذي).إن الصلاة على النبي ﷺ هي مفتاح محبة الله ونيل البركات، فهي ليست مجرد كلمات، بل وسيلة لزيادة الإيمان والتقرب من الله. لذا، يجب على كل مسلم أن يداوم على الصلاة والسلام على النبي ﷺ في كل وقت، لينال عظيم الأجر في الدنيا والآخرة.