عين ليبيا:
2025-02-07@21:26:13 GMT

فهم لخطاب حي على الفلاح

تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT

مشكلتنا مع اللغة أننا أصبحنا في أحيانٍ كثيرة نمارس ما يسمى بالعمى المألوف، وهو أننا نرى الأشياء ولا نراها، نعرفها ولا نؤمن بها، نؤمن بها ولا نمارسها، فمثلاً، نحن نسمع يومياً خمس مرات المنادي ينادي «حي على الفلاح»، ولكن القليل جداً منا يعي معنى الفلاح، فالفلاح في اللغة يعني العمل المثمر، الصالح، والصائب، والناجح، وهو قرين للصلاة ومعطوف عليها.

ولقد ربط الإسلام العبادة بالإيمان والعمل الصالح والبعد عن الظلم في كثير من المواضع في الآيات القرآنية:

(الذين آمنو وعملوا الصالحات..)

(الذين آمنوا وكانوا يتقون …)

(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم..)

يقول المثل “ثبت العرش ثم انقش“.. ونسمع كثرة الاستدلال بهذا المثل مقالا وعدم العمل به حالاََ.

فالفلاح وهو عكس القول والخطابة بل هو عمل ومضمون وليس شكل فقط.

وهذا تماماً ما يخلص إليه كتاب نزل مؤخراً في الغرب للكاتب اين مورس عنوانه: (؟ Why the West Rules لماذا يحكم الغرب؟ أو لماذا الغرب مسيطر؟)، يحلل الكاتب العوامل التي جعلت الغرب يسيطر مثل التقنية والمال والجغرافيا… وغيرها.. ولكنه أيضا يخلص الكاتب إلى أن الأشياء في الغرب تحدث حقيقةً، وليس فقط شكلاً وقولاً، فمثلاً عندما يتحدث الغرب عن حقوق الانسان أو عن حقوق الحيوان، فإنك فعلاً تجد هذه الحقوق على الأرض، وهذا ما أسماه: القدرة على حدوث الأشياء The capacity of making things happen.

طبعا هذا ليس بالمطلق فلدى الغرب من الخلل في القيم ما تشيب له الولدان ولكن الفرق ربما أنهم لا يخفونه ويصلحونه أحيانا.. بينما عندنا نحن أهل الشرق في كثير من الأحيان القول لا يوازي الفعل، فتجد من يتحدّث عن حقوق المرأة وزوجته وابنته لا تعملان، ونجد خطيب مسجد ولكنه لا يتحدث مع جاره، وأحياناً يعيش في قطيعة مع أخيه، وتجد شيخ دين يحض على القتل بين المسلمين بدل من الدعوة للحفاظ على دماء المسلمين والسلم الاجتماعي، بل نعرف عائلات معروفة بأنها متدينة، ولكنها لا تورث المرأة، وتجد موظفاً ملتحياً ويطلب رشوة، وتاجرًا يستغل حاجة الناس ويرفع الأسعار، ناهيك عن الكذب والخلف في الوعود وأكل مال الناس بالباطل.

لن نتحدث عن السياسية وألاعيبها فهي أصبحت رديف للفساد والنفاق، والفرق بين الموقر والجدير بالتوقير، فالسياسي موقر ولكنه ليس جدير بالتوقير.

ناهيك عن الإسلام السياسي ولبس المدنس على المقدس وفتاوي القتل من قبل بعض شيوخ دين بدلا من إصلاح ذات البين وأمر بالصدقة وإلا فلا خير في كثير من نجواهم كما أبلغنا القرآن الكريم، بل وسنوا حتى فقه يسمى (التقية) وهو شرعنة الكذب والنفاق في بعض المذاهب.

من موضع آخر.. يقول رئيس تحرير صحيفة «النهار» اللبنانية الكاتب غسان تويني في أول زيارة له لبيت محمد حسنين هيكل – منظر الاشتراكية في عهد عبد الناصر – في القاهرة (وهي فيلا ديلكس) على النيل، يقول: إن الرجل يعيش حياة ارستقراطية بمعنى الكلمة، وخصوصاً بحجم الخدم لديه رغم تنظيره للاشتراكية فهو يعيش النقيض.

والعديد من الأمثلة الأخرى لعل آخرها هذا المثل (المضحك) وهو أن قرار منع التدخين بالمكاتب الحكومية وقعه رئيس وزراء عربي وكان السيجار في فمه!!.

وهذا فلسفيا ما يقال عنه الفرق بين الدال والمدلول والفرق بين الماهية وما صدق.

فالمعرفة بالشيء لا تعني اكتسابه.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ).

لقد تحولت مجتمعاتنا ودولنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه (مجتمع البطيخ) فهو من الداخل أحمر لون الدم والقتل ومن الخارج أخضر لون التدين.

أغلب الناس تعرف الحق ولكنه مستفيدة من الحالة الراهنة (Status quo)، وتعارض التغير.

كما يقول المثل الشعبي الليبي: “اللي فرحان بهباله.. العقل ما عنده ما يدير به”.

الخلاصة، أقول إن الفلاح هو تطابق القول مع العمل والفعل، وكما يقول المتصوفة: عرفت فالزم (ويقال إنه حديث شريف رغم ضعفه).. فلا معنى للقول إذا لم يرافقه عمل وإلا فسوف يكون كلامنا وعملنا مثل قول الشاعر: “كلامك يا هذا كفارغ فستق ليس به نوى… ولكنه طقش“، أو كما قال الفيلسوف الألماني نيتشة: “قد تكون كثرة الكلام عن شيء، وسيلة لإخفاء شيء”.

ومن جانب آخر، وليس ببعيد يعد القول بعيدا عن العمل في حياتنا هو انحراف البوصلة وتحول الإسلام العظيم إلى طقوس فقط لا تختلف عن العادات والتقاليد التي يجرى التعارف عليها في أي مجتمع ويصبح الدين كلامات فقط دون النظر في فحواها ومعناها.. لقد نسينا أن الدين المعاملة، وأنه لا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد.. نسينا كل ذلك، وعندما تنحرف البوصلة بهذا القدر لا يمكن أن تكون عبارة “حي على الفلاح” أكثر من ثلاث كلمات جوفاء بلا معنى، بل وتصبح مشكلة قيم وأخلاق وليس مشكلة لغة كما أشرت في بداية المقال.

كم نحن في حاجة لفهم هذه الرسالة البسيطة العميقة وهي خطاب «حي على الفلاح»، في مناخ الحرية، لأن إذا فهمنا أمنا، وإذا أمنا عملنا، وإذا عملنا يحصل الفلاح، فالفلاح نتيجة العمل وتوظيف العلم.

فـ”حي على الفلاح” ليست دعوةً إلى الصلاة فحسب، بل هي صيحةٌ لتجديد الحياة، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب: «لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل»، فلنكن ممن يُصلحون أنفسهم قبل غيرهم، فبصلاح القلوب تصلح الأوطان.

(حيّ على الفلاح) هي دعوة مستدامة للعمل المثمر الصالح والمخلص المتطابق مع القول الصادق.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

إقرأ أيضاً:

لكل مصري دور فيها.. ماذا يقول المصريون عن أفضل طرق مواجهة خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين ؟

أجرت الوفد استطلاعا لرصد رأي المصريين حول الموقف الرسمي المصري من خطة الرئيس الأمريكي ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وأوراق الضغط التي يمكن من خلالها للتصدي للخطة الترامبية وإجهاضها.. 

وحتى الآن فإن الرئيس الأمريكي ترامب على يقين بأن مصر ستوافق على استضافة مئات الآلاف من مهجري غزة، وفي يقينه أيضا أن الأردن ستستقبل هي الأخرى مئات الآلاف من مهجري غزة..

 صحيح أن مصر -حكومة وشعبا-  أعلنت بشكل قاطع صريح  أنها ترفض تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، ولكن " ترامب" لا يزال يصر على أن مصر ستستقبل الفلسطينيين فوق الأراضي المصرية !

نفس الرفض أعلنته الأردن ، وأعلنته دول الخليج وتركيا وعدد من الدول الإسلامية والأوربية أيضا، ولكن " ترامب"  يصر على أن التهجير سيتم، وأن الغزاوية سينتقلون إلى مصر والأردن، وزاد على ذلك باعلان رغبته في أن تستولي أمريكا على قطاع غزة، وتحوله إلى ريفيرا  الشرق الأوسط!

والسؤال: ما الذي يجعل ترامب لديه  كل هذا اليقين  وكل تلك الثقة على أن التهجير سيتم ، وأن مصر والأردن سيرضخان- في النهاية- لما يقول؟

والإجابة على هذا السؤال تتعلق بأوراق الضغط التي يمكن أن يستخدمها" ترامب" وهي أوراق اقتصادية وسياسية  واجتماعية وعسكرية إضافة إلى عمليات قذرة يمكن استخدامها منها مثلا تنفيذ اغتيالات لعدد من كبار الشخصيات الرافضة لفكرة التهجير.

وحسب الخبراء فإن ترامب يمكنه أن يضغط على الأردن بالمساعدات الأمريكية التي تمثل 40% من إجمالي المساعدات التي تتلقاها الأردن من كل دول العالم،ويضغط عليها أيضا بالتهديد بإثارة قلاقل شعبية وإشعال مظاهرات يتم تمويلها أمريكيا لتغيير نظام الحكم  الأردني من ملكي إلى جمهوري، وقد تدفع أمريكا أيضا بعض خلفائها لجر الأردن إلى صراعات مسلحة تستنزف ميزانيتها..

  وحسب الخبراء أيضا فإن الأوراق التي يضغط بها ترامب على مصر أكبر بكثير من أوراقه الضاغطة على الأردنيين، فكل ما يمكن أن يفعله مع الأردن يمكن أن يفعله أيضا مع مصر، ويضاف إليها الضغط بملف مياه النيل و سد النهضة ، والضغط الاقتصادي، خاصة وأن الاقتصاد المصري يعاني العديد من الأزمات بالفعل،وهناك أيضا ضغوطا يمكن أن يقوم بها عبر بعض دول الجوار المصري، إضافة إلى شن جولة جديدة من جولات حروب الجيل الخامس، من خلال نشر أكاذيب وشائعات لإثارة القلاقل وإشعال فتن في أوساط المصريين.

 ويبقى السؤال: كيف يمكن مواجهة الخطة الترامبية وإجهاضها، حول هذا السؤال المحوري أجرت الوفد استطلاعا للرأي وقال كل من شملهم الاستطلاع أنهم يرفضون بشكل كامل تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وجاءت نتيجة الاستطلاع كالتالي":

100% ممن شملهم الاستطلاع  قالوا إنهم يؤيدون ويدعمون موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي الرافض للتهجير.97% طالبوا بتجميد اتفاقيتي السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل،  وإعلان الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان وقف جميع أشكال التطبيع مع إسرائيل إذا ما أصرت الولايات المتحدة على تهجير الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن .83% طالبوا بإعلان مصر والدول العربية والإسلامية تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع واشنطن إذا ما أصر ترامب على تنفيذ تهجير الفلسطينيين.92% أعربوا عن أملهم في اتخاذ موقف عربي موحد ضد الولايات المتحدة وإسرائيل إذا ما أستمر ترامب في تنفيذ التهجير.91% طالبوا جميع الدول الإسلامية باتخاذ موقف موحد ضد خطة التهجير، وإعلان هذا الرفض واتخاذ خطوات مقاطعة تصاعدية ضد كل ما هو أمريكي.94% طالبوا الشعوب العربية والإسلامية وكل الشعوب الحرة في العالم، بالمقاطعة الكاملة لكل المنتجات الأمريكية إذا ما واصل ترامب طرحه لفكرة التهجير، أو بدأ في تنفيذها 77% قالوا إن على رجال الأعمال العرب والمسلمين  التوقف عن استماراتهم  في الولايات المتحدة، والتوقف عن مشاركة المستثمرين الأمريكيين.91% قالوا إنه آن الأوان للدول العربية لكي تنهي عصر اعتبار الولايات المتحدة حليف استراتيجي، وتنتقل إلى عهد جديد من الشراكة الإستراتيجية مع دول : روسيا والصين والهند، والإتحاد الأوربي63% قالوا إن لجوء الدول العربية والإسلامية إلى المنظمات الدولية مطالبة باحترام القانون والقرارات الدولية بشأن فلسطين.   

مقالات مشابهة

  • جيشنا يقول: [ممنوع الخروج] !!
  • لكل مصري دور فيها.. ماذا يقول المصريون عن أفضل طرق مواجهة خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين ؟
  • خاص.. حنان مطاوع: "صفحة بيضا" يكشف مخطط الغرب على الباحثين المصريين
  • حنان مطاوع: «صفحة بيضا» يكشف مخطط الغرب على الباحثين المصريين
  • الاتحاد المغربي للشغل يقول إن نسبة المشاركة في الإضراب العام بلغت 84,9 في المائة
  • القول المسموع في الفرق بين الكوع والكرسوع
  • واجه صعوبات ولكنه لم يشكُ.. عظة البابا تواضروس في صلاة تجنيز الأنبا أغابيوس
  • رئيس وزراء قطر يقول إن بلاده ستكون "حاضرة" في دعم إعادة الإعمار في لبنان  
  • الجيش الوطني يقول إنه أحبط 18 هجوما ومحاولة تسلل للحوثيين في يناير