شبكة انباء العراق:
2025-04-10@09:09:37 GMT

حين يصبح التردد قراراً حتمياً

تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT

بقلم : اللواء الدكتور سعد معن ..

يُنظر إلى التردد أحياناً كمرآة للضعف، وكأن الحسم هو المعيار الوحيد للقوة. لكن الحقيقة أكثر تعقيداً من هذا التصور السطحي. فعدم اتخاذ القرار ليس دائماً انكساراً أمام المجهول، بل هو أحياناً تعبير عن وعي عميق بالتوازنات التي تفرضها الحياة، تلك التي لا تُرى بالعين المجردة ولكن يُشعر بها في عمق الروح والعقل.

من الناحية الاجتماعية، الإنسان ليس كائناً مستقلاً يعيش بمعزل عن محيطه. قراراته تتشابك مع منظومة من العلاقات والروابط، من العائلة إلى المجتمع الأوسع. في كثير من الأحيان، يكون الامتناع عن اتخاذ قرار صادم أو متسرع شكلاً من أشكال المسؤولية الاجتماعية، لا خوفاً من المواجهة بل احتراماً لتداعيات ذلك القرار على الآخرين. ففي مجتمع تُحدد فيه الروابط العائلية والتقاليد مسارات الحياة، قد يكون الصمت أو التأني موقفاً أكثر حكمة من قرارٍ لا يأخذ في الحسبان تعقيدات البيئة المحيطة. وقد أظهرت دراسة عراقية نُشرت في جامعة المستقبل أن الخوف من تحمل المسؤولية أو الفشل ونقص الخبرة من أبرز العوامل التي تدفع الأفراد، إلى التردد في اتخاذ القرارات.

أما من الناحية النفسية، فالتردد ليس إلا محطة تأمل داخلية، مساحة يخلقها العقل ليوازن بين الرغبات والمخاوف. في هذه المساحة، ينضج التفكير وتتبلور الخيارات…..عدم اتخاذ القرار قد يكون تعبيراً عن صراع داخلي بين ما نريد فعلاً وما نخشى خسارته. إنه ليس هروباً من الحسم، بل فرصة لاستكشاف الذات بعيداً عن ضغط اللحظة. فالتفكير المتأني يمنح الإنسان القدرة على فهم أعمق لمشاعره ودوافعه، مما يجعله أكثر قدرة على اتخاذ قرارات راسخة عندما يحين وقتها. وفي هذا السياق، أشار البروفيسور قاسم حسين صالح إلى تأثير الأزمات النفسية والاجتماعية على ازدياد ظاهرة التردد نتيجة الضغوط التي تعيشها الأفراد في بيئات مضطربة.

ومن منظور أخلاقي، يكمن في الامتناع عن اتخاذ القرار أحياناً بُعدٌ قيمي عميق. فليس كل قرارٍ يُتخذ بسرعة هو قرار صائب. هناك قرارات تفرض التروي لأن نتائجها لا تتوقف عند حدود الذات، بل تتجاوزها لتؤثر على مصائر آخرين. في هذه الحالة، يصبح الامتناع عن اتخاذ القرار شكلاً من أشكال الأمانة الأخلاقية، حيث يقف الإنسان وجهاً لوجه أمام مسؤوليته عن العواقب……دراسة أخرى عن الذكاء الاستراتيجي وعلاقته باتخاذ القرار لدى القيادات أكدت أن التردد ليس دائماً عيباً، بل قد يكون نتاجاً لوعي عميق بضرورة دراسة الموقف من جميع زواياه قبل إصدار حكم نهائي.

القوة الحقيقية لا تكمن في اتخاذ القرار بسرعة، بل في القدرة على الانتظار عندما يتطلب الأمر ذلك. في عالم يقدس الحسم الفوري ويرى في التردد ضعفاً، يبقى الوعي بأن لكل قرار وقته ووزنه دليلاً على نضج فكري وروحي. فعدم اتخاذ القرار ليس فراغاً، بل هو امتلاء بصبر الحكمة، وتوازن العقل، ونقاء الضمير.

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات اتخاذ القرار

إقرأ أيضاً:

«مجرة زايد» تستشرف المخاطر

قدّمت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، في إطار مشاركتها في القمة العالمية لإدارة الأزمات والطوارئ 2025، منصة «مجرة زايد» التفاعلية، التي تمثل تجربة ذكية متقدمة في استشراف المخاطر، وتعزيز الجاهزية الوطنية، بأدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات التفاعلية الحديثة.
وتمثل «مجرة زايد» منصة عرض استباقية تهدف إلى تمكين الأفراد والجهات من فهم طبيعة المخاطر المستقبلية والتفاعل معها، عبر بيئة رقمية متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتفاعل الحسي والبصري.
وتسعى الهيئة عبر المنصة إلى تمكين الجهات من اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة وسريعة، مبنية على تحليل البيانات، واستشراف المخاطر المستقبلية.
وتتيح للزوار التفاعل المباشر مع روبوت ذكي، قادر على شرح طبيعة المخاطر المتوقعة، والتنبّؤ بها، وتقديم إرشادات بكيفية التعايش والتعامل معها، للأفراد أو المؤسسات، أو حتى الحكومات.
وأكدت الهيئة، أن التجربة لا تزال في مرحلتها الأولى، مع خطط مستقبلية لتوسيع سجل المخاطر وتطوير إمكانات التفاعل، بهدف جعل «مجرة زايد» أداة وطنية شاملة تدعم منظومة اتخاذ القرار في حالات الطوارئ والأزمات. (وام)

مقالات مشابهة

  • الخثلان يوضح الأعمال التي تُدخل الإنسان الجنة بلا عذاب.. فيديو
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً بالتوافق حول “دور الماس في تأجيج النزاع” بقيادة دولة الإمارات
  • هل يصبح الرئيس الفرنسي ماكرون الزعيم الجديد لقارة أوروبا؟
  • “الفاو” تعتمد قرارا يخص استعادة بناء الأنظمة الغذائية والزراعية في قطاع غزة
  • «تشات جي بي تي» يتحيّز في اتخاذ القرار.. هل أصبح كالبشر؟
  • بقيادة الإمارات..الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً بالتوافق حول «دور الماس في تأجيج النزاع»
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قراراً بالتوافق حول دور الماس في تأجيج النزاع بقيادة الإمارات
  • جامعة محمد بن زايد تسلط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات
  • «مجرة زايد» تستشرف المخاطر
  • هل يصبح ساوثهامبتون الأسوأ في تاريخ «البريميرليج»؟