استعرض الدكتور عطية لاشين أستاذ الشريعة والقانون وعضو لجنة الفتوى بالأزهر بعض المعاني العظيمة من خطبة اليوم الجمعة الثانية من شهر شعبان لعام 1446هـ، المستوحاة من قوله تعالى في سورة الأنعام:﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: 120]

وقال لاشين أن هذه الآية الكريمة تحمل رسالة شاملة لكل مسلم، تدعوه إلى طهارة الباطن وتجميل الظاهر، فلا يقتصر الإسلام على الأفعال الظاهرة فقط، بل يمتد إلى نقاء القلب وسلامة الصدر من الأمراض القلبية كالكبر والحسد والعجب.

الإثم الظاهر والإثم الباطن.. تكامل لا ينفصل

وتابع: يوضح العلماء أن الأمر بترك الإثم لا يعني فقط الابتعاد عن المعاصي الظاهرة مثل الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، بل يمتد ليشمل النقاء الداخلي من كل ما يعكر صفاء القلب، مثل الكبر، الحسد، الحقد، والتعالي على الناس.

1- تجميل الظاهر بطاعة الله والابتعاد عن المعاصيأن يكون المسلم في المواضع التي أمره الله بها، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والعبادات الأخرى.أن يبتعد عن المحرمات الظاهرة مثل الزنا، السرقة، شرب الخمر، وأكل الحرام.أن يكون سلوكه وأخلاقه متماشية مع تعاليم الإسلام، فلا يكذب، ولا يخدع، ولا يظلم.2- تنقية الباطن من الأمراض القلبيةأن يطهّر قلبه من الحسد، الكبر، العجب، الحقد، والنفاق.أن يسعى إلى التواضع والتسامح وصفاء النية.أن يبتعد عن الرياء وحب الظهور والتفاخر على الناس.عقوبات لمن لم يجتنب ظاهر الإثم

ذكر القرآن الكريم عقوبات صارمة على بعض الذنوب الظاهرة، مثل:

الزنا: قال الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2].السرقة: قال الله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38].مدح الله لأصحاب القلوب الطاهرة

وأضاف لاشين أنه على الجانب الآخر، امتدح الله تعالى أصحاب القلوب النقية، فقال:﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88-89].

وقد كان القلب السليم سببًا في أن يبشر النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة بدخول الجنة ثلاث مرات متتالية، وحين سأله عبد الله بن عمر عن السبب، قال:"لم يكن إلا ما ترى، غير أني أبيت وليس في قلبي غل لأحد."

الآثار السلبية لامتلاء القلب بالكبر

القرآن الكريم يحذر بشدة من القلوب المتكبرة، ويبين عواقبها الخطيرة:

الله لا يحب المتكبرين:﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: 23].

الطبع على القلب:﴿كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قَلْبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: 35].

منع الفهم عن آيات الله:﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: 146].

تشبيه المتكبر بإبليس:﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34].

يجعله الله عبرة لغيره:﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس: 92].

المتكبر محروم من دخول الجنة:قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر." (رواه مسلم).

المتكبر ينازع الله في صفاته:في الحديث القدسي، قال الله تعالى:"العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته ولا أبالي."

دعوة إلى التواضع والإصلاح الداخلي

إن الإسلام يدعونا إلى التوازن بين صلاح الظاهر ونقاء الباطن، فلا يكفي أن نؤدي العبادات ونحن نحمل قلوبًا ممتلئة بالحقد والكبر، كما لا يكفي أن يكون القلب نقيًا إذا لم يكن العمل مطابقًا لأوامر الله.

فلنحرص على أن يجدنا الله حيث أمرنا، ويفتقدنا حيث نهانا، ولنكن من الذين قال عنهم الله:﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 4].

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإثم الظاهر الباطن الكبر الله لاشين الله تعالى

إقرأ أيضاً:

خصوصية جبل الطور وتجلي الله تعالى عليه لسيدنا موسى.. تعرف عليها

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (لماذا تجلى الله على جبل الطور وكلَّم عليه سيدنا موسى عليه السلام دون بقية البقاع المباركة الأخرى؟

وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال، إن اختصاص الله تعالى لأيِّ مخلوق من مخلوقاته بفضيلة أو ميزة، هو محضُ فضلٍ وتكرُّمٍ من الله تعالى، فهو سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، واختصاص جبل الطور بالتجلي دون بقية البقاع الطاهرة من باب هذا التَّفضُّل والتكرم والتذكير بما وقع فيها من الآيات كما جعل له فضائل متعددة.

وأضاف أن جبل الطور من جبال الجنة، وهو حرز يحترز به عباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وهو كذلك من البقاع التي حرَّمها الله على الدجال، وقد تواضع جبل الطور لله فرفعه واصطفاه، وهو الجبل الوحيد الذي وقع عليه تكليم الله لنبيه موسى عليه السلام.

وتابعت: جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيفما شاء، فمن البشر: فضَّلَ الأنبياءَ والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكةَ المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان -على ما ورد فيه التفاضلُ بينهما-، ومِن الشهور: فضَّل شهرَ رمضان على ما عداه من الأشهر، وكذا الأشهر الحرم، ومِن الليالي فضَّلَ ليلةَ القدر على سائر الليالي، ومِن الأيام فضَّلَ يومَ عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّلَ جبلَ الطور بتجليه عليه، والكلُّ خلقُ الله سبحانه وتعالى، يفعل فيه ما يشاء ويحكم فيه بما يريد.

وقد خصَّ الله نبيه موسى عليه السلام بأنه كلمه تكليمًا، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 280، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾(الأعراف~144) الاصطفاء: الاجتباء، أي فضَّلتُك، ولم يقل على الخَلْق؛ لأنَّ من هذا الاصطفاء أنه كلَّمه، وقد كلَّم الملائكة وأرسله وأرسل غيره، فالمراد ﴿عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ المرسل إليهم] اهـ.

أما عن تخصيص الله سبحانه وتعالى جبل الطور بالتجلي عنده دون بقية البقاع المباركة، فكان تشريفًا لهذه البقعة وتكريمًا وتذكيرًا لما وقع فيها من الآيات.

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 58): [قوله تعالى: ﴿وَٱلطُّورِ﴾ [الطور:1] الطور اسم الجبل الذي كلَّمَ الله عليه موسى، أقسم الله به تشريفًا له وتكريمًا وتذكيرًا لما فيه من الآيات، وهو أحد جبال الجنة] اهـ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ، وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الْأَجْبَالُ: فَالطُّورُ، ولُبْنَانُ، وطورُ سَيْنَاءَ، وطورُ زَيْتًا، وَالْأَنْهَارُ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ» أخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق".

ومما يُبيِّن فضل جبل الطور ما جاء في حديث الدجال الطويل، أنَّ هذا الجبل سيكون حرزًا لعباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» رواه مسلم في "صحيحه".

وكما سيُمنع يأجوج ومأجوج من دخول الطور، كذلك ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى حرمه على الدجال، فقد جاء في "المسند" للإمام أحمد، و"المصنف" للإمام ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال عن الدجال: «لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدَ الْمَقْدِسِ وَالطُّورِ».

وجاء في بعض الآثار أنَّ الجبل تواضع لله تعالى، واستسلم لقدرته، ورضِيَ بقضائه ومشيئته، فلما تواضع الجبل لله تعالى ناسب أن يتجلى الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام عليه، ويكلمه عنده دون بقية الجبال، فقد أخرج الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نُعيم في "الِحلية"، وعبد الرزاق الصنعاني في "التفسير"، وأبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة" بإسنادٍ حسنٍ عن نوفٍ البكالي، قال: "أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع وقال: أرضى بما قسم الله لي، قال: فكان الأمر عليه".

وأوضحت أن هذه الفضائل تضاف إلى الفضيلة الكبرى المذكورة في القرآن الكريم من تكليم سيدنا موسى عنده، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمًا﴾ [النساء: 164]، وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: 52].

مقالات مشابهة

  • فضل الصلاة على النبي.. باب القرب من الله ومفتاح محبته
  • أحد علماء الأزهر الشريف:النية الطيبة في القلب مفتاح قيمة الأعمال الصالحة
  • المحرمون من المغفرة في ليلة النصف من شعبان
  • أنها الرحلة الأعظم فى الوجود
  • (ماما عزة) مسيرة قرآنية امتدت لخمسة عقود
  • تأملات قرآنية
  • علي جمعة: نور الإيمان هداية في الدنيا وفوز بالآخرة
  • خصوصية جبل الطور حتى يتجلى الله تعالى عليه
  • خصوصية جبل الطور وتجلي الله تعالى عليه لسيدنا موسى.. تعرف عليها