متى تعرض الأعمال على الله؟.. وهل تقبل التوبة بعد رفعها؟
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
متى تعرض الأعمال على الله ؟.. يتساءل كثير من المسلمين حول متى تعرض الأعمال على الله ؟، خاصة وأننا نقترب من انتصاف شهر شعبان 2025، وهل يقبل الله توبة عبادة بعد رفع هذه الأعمال وعرضها عليه سبحانه أم أن رحمة الله التي وسعت كل شيء من شأنها أن تصفح لمن دون في صحيفة أعماله ذنوباً عظيمة.
ومن خلال التقرير التالي نسلط الضوء على موعد عرض الأعمال على رب العزة تبارك وتعالى.
تتعدد مواعيد رفع الأعمال إلى الله عزوجل ما بين يومية وسنوية، حيث ثبت عن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم أن الأعمال تعرض على الله في شهر شعبان، وفي يومي الإثنين والخميس، وهذه الأعمال تتنوع بين قولية أو فعلية، فتُعرَض على سبيل الإجمال في شهر شعبان، وهذا يسمى رفعًا سنويًّا، بينما تعرض في يومي الإثنين والخميس على سبيل التفصيل، ويسمى رفعًا أسبوعيًّا.
فقد جاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلِكَ شَهْرٌ يغفل الناسُ عنه بين رجبٍ ورمضان، وهو شَهْرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى رب العالمين؛ فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ» رواه النسائي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تُعرَض الأعمالُ يومَ الإثنينِ والخميسِ؛ فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ» رواه الترمذي.
وتقول الداعية فاطمة موسى، إن هناك 3 أوقات ترفع فيها الأعمال وليس ذلك في النصف من شهر شعبان فقط، طوال العام، وهذه الأوقات مباركة بها من النفحات والطاعات، أولها صلاة الفجر، وعلى من يشهدها أن يعي أن الملائكة تحيطه وتأخذ معها تقريراً يومياً بأعماله، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار".
وتابعت: ثاني هذه الأوقات عقب صلاة العصر، لذا يجب الحرص على أداء الصلاة في وقتها، مشيرة إلى أن ثالث وقت وهو ليلة الجمعة، لذا كان يحرص النبي على صيام الخميس، وهناك من الأحاديث ما دلت على أن رفع العمل يكون في ليلة الجمعة التي تبدأ مع مغيب شمس الخميس وحتى مغيب شمس الجمعة.
متى تعرض الأعمال على الله ؟
ويعد شهر شعبان الذي انقضى أكثر من أسبوع على بدايته، من شهور المنح الربانية التي يهبها الله لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين في النصف منه؛ وتتجلى فيه رحمة الله تعالى بعباده، فيهبهم من خزائن خيراته، ويجزل لهم فيه من عطياته.
وكان النبي صلى الله الله عليه وسلم يُكثر من الصيام فيشهر شعبان، لأنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وصيامه يندرج تحت صوم التطوع والسُنة، وكان صلى الله الله عليه وسلم، يقول في أسباب كثرة الصيام فيشهر شعبان، لأنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وهو على أفضل حال من العبادة والطاعة، حيث ورد عن عائشة رضى الله عنها قالت: «لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون» رواه البخاري.
وقد أخبرنا النبي بفضل شعبان فقال عنه أنه شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، والغفلة هنا بيان لمكانة هذا الشهر ومنزلته لمن يرغب في حصد أعلى الدرجات، يقول الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتى الجمهورية السابق، في بيان فضل العبادة في شهر شعبان، إننا نستعد في شهر شعبان لاستقبال شهر رمضان، ولا ننسى أن شهر شعبان شهر مبارك كذلك، ففي شهر شعبان ترفع الأعمال إلى الله تعالى، وقد كان النبي ﷺ يكثر من الصيام في شهر شعبان حتى سأله الصحابي الجليل أسامة بن زيد فقال: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» [أحمد].
وأضاف عبر صفحته الرسمية على "فيس بوك" أنه يمكننا أن نستعد لاستقبال شهر رمضان بعدة أمور منها: تنظيم اليوم والرجوع إلى تقسيمه إلى يوم وليلة، ومنها: التدريب على الصيام، والتلاوة، والقيام، والذكر، والدعاء وغير ذلك من العبادات والطاعات، مشيراً إلى أن إتباع هدي النبي بالإكثار من الصيام في شهر شعبان ييسر على المسلم مهمة الصيام في شهر رمضان ولا يشعر بعناء في تلك العبادة العظيمة، وذلك لأن شعبان شهر يتناسب في المناخ وطول النهار وقصره مع شهر رمضان لأنه الشهر الذي يسبقه مباشرة، فالتعود على الصوم فيه ييسر على المسلم ذلك.
ونوه إلى أمر آخر للاستعداد لاستقبال الشهر المعظم، وهو القرآن الكريم ومدارسته وتلاوته ومحاولة ختم المصحف في شهر شعبان، وذلك لتيسير قراءته وختمه في شهر رمضان، فقراءة القرآن عبادة نيرة، تعين المسلم على باقي العبادات في شهر رمضان وغيره، وهي تنير قلب المسلم وتشرح صدره، فلا ينبغي للمسلم أن يتركها ولا يقصرها على رمضان، إلا أنه يزيد منها فيه لاستغلال هذه الدفعة الإيمانية والنفحة الربانية.
وأوضح أن أهم ما يعين على ذلك كله هو ذكر الله عز وجل، وقد ورد الحث على الذكر في كتاب الله وسنة النبي ﷺ، فمن القرآن قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.ويقول رسول الله ﷺ نصيحة عامة: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». [أحمد].
ما معنى رفع الأعمال فى شهر شعبان؟وما الفرق بينه وبين رفعها فى يومي الاثنين والخميس، سؤال ورد لدار الإفتاء المصرية، حيث قالت، إن معنى رفع الأعمال في شهر شعبان وفي يومي الاثنين والخميس هو أن الأعمال - سواء كانت قولية أو فعلية - تُعرَض على سبيل الإجمال في شهر شعبان، وهذا يسمى رفعًا سنويًّا، بينما تعرض في يومي الاثنين والخميس على سبيل التفصيل، ويسمى رفعًا أسبوعيًّا.
وأضافت دار الافتاء: “وكلاهما ورد في السنة؛ فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلِكَ شَهْرٌ يغفل الناسُ عنه بين رجبٍ ورمضان، وهو شَهْرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى رب العالمين؛ فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ» رواه النسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تُعرَض الأعمالُ يومَ الإثنينِ والخميسِ؛ فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ» رواه الترمذي".
وأكملت: "قال العلامة الهروي في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1422): [قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تُعرَضُ الأعمالُ» أي على الملك المتعال، «يومَ الإثنينِ والخميسِ» بالجر، «فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ» أي طلبًا لزيادة رفعة الدرجة، قال ابن حجر: ولا ينافي هذا رفعها في شعبان كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه شَهْرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ، وأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ»؛ لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة، وأعمال العام مجملة] اهـ بتصرف يسير".
هل تقبل التوبة بعد رفع الأعمال في ليلة النصف من شعبان ؟سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف.
وقال علي جمعة، في لقائه "من مصر" على فضائية "سي بي سي":" من يسأل نسي أنه إن تاب تاب الله عليه، وأنه واسع، ولا يضار بمعاصينا، ونحن من يضار.. لذا النكد بالمعصية يعود علي، في مقابل نجد ربنا صبور، وأنه تواب فعال، التواب هو الذي يقبل تكرار التوبة، وكل ابن آدم خطاء وخيرهم التوابون".
ولفت إلى أن هناك من الأحاديث ما بين أن لو ابن آدم جاء بتراب الأرض ذنوباً لغفر له، فلو عصينا ربنا 300 ألف معصية في الثانية الواحدة ما عادلت المتر مكعب من التراب، وهذا يدل على أننا عاجزين في المعصية ومطالبين بالتوبة حتى يغفر لنا مهما كانت الذنوب .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أعمال ليلة النصف من شعبان المزيد صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وسلم رضی الله عنه فی شهر شعبان رفع الأعمال رسول الله شهر رمضان الصیام فی على سبیل من شعبان فی یومی بین رجب
إقرأ أيضاً:
خصوصية جبل الطور حتى يتجلى الله تعالى عليه
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونه:"لماذا تجلى الله على جبل الطور وكلَّم عليه سيدنا موسى عليه السلام دون بقية البقاع المباركة الأخرى؟"
لترد دار الإفتاء موضحة: انه اختصاص الله تعالى لأيِّ مخلوق من مخلوقاته بفضيلة أو ميزة، هو محضُ فضلٍ وتكرُّمٍ من الله تعالى، فهو سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، واختصاص جبل الطور بالتجلي دون بقية البقاع الطاهرة من باب هذا التَّفضُّل والتكرم والتذكير بما وقع فيها من الآيات كما جعل له فضائل متعددة؛ فإن جبل الطور من جبال الجنة، وهو حرز يحترز به عباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وهو كذلك من البقاع التي حرَّمها الله على الدجال، وقد تواضع جبل الطور لله فرفعه واصطفاه، وهو الجبل الوحيد الذي وقع عليه تكليم الله لنبيه موسى عليه السلام.
بيان سنة الله الجارية في الخلق بأن يفاضل بين خلقه بما يشاء وكيفما شاء
جرت حكمة الله تعالى وإرادته أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيفما شاء، فمن البشر: فضَّلَ الأنبياءَ والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكةَ المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان -على ما ورد فيه التفاضلُ بينهما-، ومِن الشهور: فضَّل شهرَ رمضان على ما عداه من الأشهر، وكذا الأشهر الحرم، ومِن الليالي فضَّلَ ليلةَ القدر على سائر الليالي، ومِن الأيام فضَّلَ يومَ عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّلَ جبلَ الطور بتجليه عليه، والكلُّ خلقُ الله سبحانه وتعالى، يفعل فيه ما يشاء ويحكم فيه بما يريد.
وفي بيان وجه تفضيل بعض الأوقات والبقاع يقول العلامة الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (10/ 184، ط. الدار التونسية) عند الكلام عن تحريم الأشهر الأربعة في سورة التوبة: [واعلم أن تفضيل الأوقات والبقاع يشبه تفضيل الناس، فتفضيل الناس بما يصدر عنهم من الأعمال الصالحة، والأخلاق الكريمة، وتفضيل غيرهم مما لا إرادة له بما يقارنه من الفضائل الواقعة فيه، أو المقارنة له... والله العليم بالحكمة التي لأجلها فضَّلَ زمنًا على زمن، وفضَّلَ مكانًا على مكان، والأمور المجعولة من الله تعالى هي شؤون وأحوال أرادها الله، فقدَّرَها، فأشبهت الأمورَ الكونية، فلا يبطلها إلا إبطال من الله تعالى، كما أبطل تقديسَ السبت بالجمعة] اهـ.
ولمّا كان القصد من إرسال الرسل لأقوامهم هو الإيمان بالله تعالى، اقتضى ذلك تأييدهم بالمعجزات التي يظهرها الله على أيديهم -تكرمًا منه وإحسانًا، تصديقًا لهم في دعواهم النبوة والرسالة، وفيما يبلغونه عن الله تعالي، فمعجزات الأنبياء دليلٌ على صدق وصحة ما جاءوا به، فإذا أتى بالمعجزة فقد ثبت صدقه؛ لأنها الدليل الذي يفصل بين الصادق والكاذب في ادعاء الرسالة، وهي قائمةٌ مقام قول الله تعالى: صَدَقَ عَبْدِي في كُلِّ ما يُبلِّغ عنِّي.
وإذا ثَبَتَ صدقه فقد وجب اتباعه، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (29/ 469، ط. دار إحياء التراث العربي): [هي -يعني: البينات- المعجزات الظاهرة والدلائل القاهرة] اهـ.
وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه.
ثم خصَّهُم الله سبحانه بمزيد فضلٍ وإحسان؛ ليزداد الناس يقينًا في صدقهم، وإيمانًا بما جاءوا به، وتسليمًا لأحكامهم، واتباعًا لشرائعهم، فمع ما أعطاهم من المعجزات الباهرات منحهم من الخصائص والتكريم والتفضيل ما يتيسر معه أمر الدعوة إلى الله تعالى.
وقد فضَّل الله بعض النبيين على بعض، فقال جل شأنه: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة: 253].
قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (1/ 670، ط. دار طيبة): [يخبر تعالى أنه فضَّل بعضَ الرسل على بعض كما قال: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [الإسراء: 55] وقال هاهنا: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ يعني: موسى ومحمدًا صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك آدم، كما ورد به الحديث المروي في "صحيح ابن حبان" عن أبي ذر رضي الله عنه ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنبياء في السماوات بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز وجل] اهـ.
وقد خصَّ الله نبيه موسى عليه السلام بأنه كلمه تكليمًا، قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 280، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾ [الأعراف: 144] الاصطفاء: الاجتباء، أي فضَّلتُك، ولم يقل على الخَلْق؛ لأنَّ من هذا الاصطفاء أنه كلَّمه، وقد كلَّم الملائكة وأرسله وأرسل غيره، فالمراد ﴿عَلَى ٱلنَّاسِ﴾ المرسل إليهم] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (9/ 6، ط. دار المعرفة): [قوله: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ»: هذا دالّ على أنَّ النبي لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه، ولا يضره من أصرّ على المعاندة، قوله: «مِنَ الآيَاتِ» أي: المعجزات الخوارق والمعنى أنَّ كُلّ نبيٍّ أعطي آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لأجلها] اهـ.
وقال الإمام القشيري في "لطائف الإشارات" (1/ 391، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب) في تفسير قول الله عز وجل: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164]: [إخبار عن تخصيصه إياه باستماع كلامه بلا واسطة] اهـ. وهذا من تشريف الله تعالى لموسى عليه السلام؛ ولهذا سُمِّي بكليم الله.
وذكر الإمام عبد القاهر الجرجاني في "درج الدرر في تفسير الآي والسور" (2/ 422، ط. دار الفكر): [عن الضحّاك بن مزاحم، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ [القصص: 46] قال: لمّا أخذ موسى الألواح ونظر فيها قال: إلهي لقد أكرمتني بكرامٍ لم تكرم بها أحدًا من قبلي، فأوحى الله: يا موسى، إنّي اطّلعت على قلوب عبادي فلم أجد أشدّ تواضعا من قلبك ﴿اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 144] بجدٍّ ومحافظة، وكن من الشاكرين] اهـ.
بيان سرِّ اختصاص جبل الطور بتجلي الله تبارك وتعالى عليه من بين سائر جبال الأرض
أما عن تخصيص الله سبحانه وتعالى جبل الطور بالتجلي عنده دون بقية البقاع المباركة، فكان تشريفًا لهذه البقعة وتكريمًا وتذكيرًا لما وقع فيها من الآيات.
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 58): [قوله تعالى: ﴿وَٱلطُّورِ﴾ [الطور: 1] الطور اسم الجبل الذي كلَّمَ الله عليه موسى، أقسم الله به تشريفًا له وتكريمًا وتذكيرًا لما فيه من الآيات، وهو أحد جبال الجنة] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ، وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الْأَجْبَالُ: فَالطُّورُ، ولُبْنَانُ، وطورُ سَيْنَاءَ، وطورُ زَيْتًا، وَالْأَنْهَارُ مِنَ الْجَنَّةِ: الْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ» أخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق".
قال العلامة نور الدين الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 71، ط. مكتبة القدسي) مُعلِّقًا على هذه الرواية: [قلت: حديثه في الأنهار في "الصحيح". رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفهم] اهـ.
ويشهد له ما جاء من حديث عمرو بن عوفٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «أَرْبَعَةُ أَجْبَالٍ مِنْ أَجْبَالِ الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةُ مَلَاحِمَ مِنْ مَلَاحِمِ الْجَنَّةِ» قِيلَ: فَمَا الْأَجْبَالُ؟ قَالَ: «أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ، وَالطُّورُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ، وَلُبْنَانُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ، وَالْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ: النِّيلُ، وَالْفُرَاتُ، وَسَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ، وَالْمَلَاحِمُ: بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، وَالْخَنْدَقُ، وَحُنَيْنٌ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" من طريق كَثِيرٍ بن عبد الله، وهو ضعيفٌ، كما قال العلامة نور الدين الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 14).
وكثير بن عبد الله رحمه الله روى له الترمذي وابن خزيمة والدارمي والطحاوي والحاكم، كما ذكر الإمام السيوطي في "اللآلىء المصنوعة" (1/ 86، ط. دار الكتب العلمية)، وقال: [والأشبه أنَّ كثيرًا في درجة الضعفاء الذين لا ينحط حديثهم إلى درجة الوضع، وأنَّ الحديث الذي أورده المؤلف في درجة الضعيف الذي لم ينحط إلى درجة الموضوع، وقد ثبت أنَّ الأنهار الأربعة المذكورة من أنهار الجنة في عدة أحاديث منها حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة». وحديث سهل بن سعد السابق في أُحُدٍ شاهد لقصة الأجبل، فاتضح أنه ليس في الحديث ما يستنكر. وقد أخرجه ابن مردويه في "التفسير"، وله شاهد من حديث أبي هريرة] اهـ.
وذكر الإمام ابن عرَّاق في "تنزيه الشريعة" (1/ 195، ط. دار الكتب العلمية) نحوَ هذا الكلام، وقال: [فبان أنه ليس في الحديث ما ينكر وله شاهدٌ من حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني في "الأوسط"] اهـ.
فتحصَّل مما سبق أنَّ هذا الحديث وإنْ كان فيه ضعفٌ إلا أنه يُقبل، وليس فيه ما يُنكر.
ومما يُبيِّن فضل جبل الطور ما جاء في حديث الدجال الطويل، أنَّ هذا الجبل سيكون حرزًا لعباد الله المؤمنين من فتنة يأجوج ومأجوج، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» رواه مسلم في "صحيحه".
وكما سيُمنع يأجوج ومأجوج من دخول الطور، كذلك ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى حرمه على الدجال، فقد جاء في "المسند" للإمام أحمد، و"المصنف" للإمام ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال عن الدجال: «لَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدَ الْمَقْدِسِ وَالطُّورِ».
وقال العلامة نور الدين الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 343) عن هذا الحديث: [رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح] اهـ.
جاء في بعض الآثار أنَّ الجبل تواضع لله تعالى، واستسلم لقدرته، ورضِيَ بقضائه ومشيئته، فلما تواضع الجبل لله تعالى ناسب أن يتجلى الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام عليه، ويكلمه عنده دون بقية الجبال، فقد أخرج الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نُعيم في "الِحلية"، وعبد الرزاق الصنعاني في "التفسير"، وأبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة" بإسنادٍ حسنٍ عن نوفٍ البكالي، قال: "أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع وقال: أرضى بما قسم الله لي، قال: فكان الأمر عليه".
ونقل الإمام الثعلبي في "تفسيره" (4/ 275، ط. دار إحياء التراث العربي) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: [قال الله تعالى: ولكن انظر إلى الجبل فهو أعظم جبل بمدين يقال له: زبير، فلما سمعت الجبال ذلك تعاظمت رجاء أن يتجلى منها الله لها وجعل زبير يتواضع من تبيان، فلما رأى الله تعالى تواضعه رفعه من بينهما وخصه بالتجلي] اهـ.
فهذه الفضائل تضاف إلى الفضيلة الكبرى المذكورة في القرآن الكريم من تكليم سيدنا موسى عنده، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمًا﴾ [النساء: 164]، وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: 52].
الخلاصة
بناءً على ما سبق وفي السؤال: فاختصاص الله تعالى لأيِّ مخلوق من مخلوقاته بفضيلة أو ميزة، هو محضُ فضلٍ وتكرُّمٍ من الله تعالى، فهو سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، واختصاص جبل الطور بالتجلي دون بقية البقاع الطاهرة من باب هذا التَّفضُّل والتكرم والتذكير بما وقع فيها من الآيات.