لجريدة عمان:
2025-02-07@18:09:49 GMT

جدلية الصدفة والمنطق في الطب الشعبي «1»

تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT

جدلية الصدفة والمنطق في الطب الشعبي «1»

نالت الممارسات الشعبية العُمانية الكثير من الاهتمام في مجالات البحث والدراسات العلمية، التي تنوعت ما بين الوصفية والتحليلية، وتحليل المضمون، وغيرها من المناهج والأساليب المستخدمة. غير أن أغلب هذه الدراسات كانت نوعًا ما تعطي طابعًا تقليديًا في وصف ما هو تقليدي أصلًا، من حيث فكرتها على الأقل، إذ كانت تشير إليها (الممارسات الشعبية) على أنها نوع من الخرافات والخزعبلات، التي اتجه إليها الناس قديمًا؛ لإضفاء نوع من المعنى الملموس عليها، سواء كانت في مجال الطب أم في بعض الطقوس السحرية، التي شكّلت الصدفة في تحقيق غرضها نسبة كبيرة.

والبعض الآخر من الدراسات قام بنوع من المقارنة لا غير، بين مختلف الممارسات الشعبية في مختلف المجتمعات، لإثبات فقط أن هذه الممارسات، وإن اختلفت في شكلها وغرضها، فهي تُعد ظاهرة منتشرة بصورة كبيرة في كل المجتمعات، وليست فقط في مجتمع محدد أو متخصص في ذلك.

ما يُؤسف عليه، ونحن في القرن الحادي والعشرين، هو أن الكثير من المتعلمين ينظرون لمثل هذه الممارسات بنوع من الاستهتار وعدم المبالاة، لأسباب تخلو من العلم والمنطق. فبعض هذه الأسباب هو اعتبار أن هذه الممارسات -كما أسلفنا- مجرد خرافات منتشرة بين المجتمعات لا غير، بالإضافة إلى وجود المتعلم واعتلائه برجًا عاليًا، قد يمنعه من الاهتمام بمثل هذه التفاصيل التي يراها غير مهمة للبحث والدراسة، بقدر أهمية الموضوعات الموجودة في محيطه، التي من الأفضل في نظره أن يستثمر خبرته ومعرفته فيها. فمن خلال قراءتي، وعلى حسب علمي المتواضع، فمن ضمن من أعطوا هذا الموضوع حقه هو الدكتور علي الوردي في كتابه «خوارق اللاشعور»، حين أشار إلى أن «هؤلاء الناس قد اعتادوا على النظر في الأمور من خلال إطار تقليدي ولا يخرجون في بحوثهم عنه... وأنهم قد انغمسوا فيما يسمونه الأدب للأدب» (الوردي، 1951، صفحة 64). إضافةً إلى ذلك، أشار الدكتور علي الوردي إلى هذه المشكلة بتعبير آخر، حين قال: إنهم كذلك «قد تعودوا على أن ينظروا في الأمور على أساس المنطق القديم، أو ما يسمى بالمنطق ذي الحدين، أي إما أن تكون الممارسة على حق أو على باطل، ولا يجوز التوسط بين الشيئين» (الوردي، 1951، صفحة 30).

إلا أنني لا أنوي الخوض في ديالكتيك الخطأ والصواب، وما يجب فعله وما لا يجب، فقط أحاول أن أعطي نوعًا من الاهتمام لممارسات لا تزال موجودة ويلجأ إليها الكثيرون، في ظل كل هذه الحداثة والتقدم، وسأحاول، لن أقول دحضًا، بل أن أبدي وجهة نظر مغايرة عمّا قيل في هذه الممارسات وفي أثرها، والتي تباينت بين أنها صدفة في الأثر الإيجابي، أو أنها خرافات لا طائل منها، فقط أن الناس قد لجأوا إليها لإضفاء نوع من المعنى على أفكارهم المجردة آنذاك، وغيرها الكثير من الأقاويل التي تعطي إطارًا تقليديًا لهذه الممارسات الشعبية. لا أنفي تقليدية الممارسات، ولا أنفي الصدف فيها، وكذلك لا أتجاهل صحة أن الناس، من خلال حواسهم ودوافعهم، وبمساعدة الطبيعة المحيطة، قد أضافوا معنىً لتلك الحواس والأفكار، ولكن هذا يمكن قوله في المرحلة ذاتها، أي يمكن أن نقول: إنها صدفة في مرحلة الصدفة، ويمكن أن نقول: إنهم يريدون إضفاء معنى لأفكارهم وحواسهم في مرحلة إضفاء المعنى الملموس، وهكذا دواليك. إضافةً إلى ذلك، لا يمكننا أن نبقى داخل قوقعة التقليد والصُدف، بل علينا أن نتعمق فيها بشكل أكثر علمية ومنطقية، وهنا يأتي دور الباحث في النظر إلى ما وراء هذه الممارسات الشعبية خارج إطار التقليد.

نعلم أن هذه الممارسات الشعبية كانت موجودة منذ القدم، فأرى أن أساس تكوينها قد مر بأربع مراحل طورتها وقوّت أسسها، والتي بدورها قد ضمنت استمرارية هذه الممارسات إلى الوقت الحاضر، وقد ذكر بعضها في الفقرة السابقة. المرحلة الأولى: هي الفكرة المجردة، ثم تليها مرحلة إضفاء المعنى الملموس للفكرة، والمرحلة الثالثة هي الصدفة، وآخر مرحلة هي مرحلة العقل الباطن، وهي المرحلة الأهم. سنتطرق إلى كل مرحلة، ونضرب عليها بعض الأمثلة لبعض الممارسات الشعبية من الواقع العُماني حتى تتضح الصورة أكثر؛ لذلك اخترت الممارسات الشعبية الطبية، أو الطب الشعبي، بداعي أن أثر الصدفة قد يكون فيه بنسبة كبيرة، أو كما يقول المثل الشعبي: «خابت صابت»، حتى أثبت محدودية هذا التفكير. أي ليس كما يقول البعض في وقتنا الراهن عندما تحدثه عن فعالية الطب الشعبي، فيقول إنها الصدفة، بل الأمر يتعدى ذلك بكثير.

واختصصت أكثر في علاقة كل من أثر متغيرَي الجنس والعمر في فعالية هذه الممارسات الطبية، كالأنثى والرجل، الطفل أم البِكر (وهي الأخت الكبرى) أو التوأم؛ بداعي أنه لم يتم التطرق إليها بشكل كبير في المجتمع العُماني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الممارسات نوع من

إقرأ أيضاً:

بين تركيا والسعودية.. هل تدشن دمشق مرحلة من العلاقات الخارجية المتوازنة؟

تضع الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع خطوات متسارعة على مسار توثيق علاقات دمشق الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي، انسجاما مع موقع سوريا الاستراتيجي في المنطقة الذي يضعه على خطوط تقاطع دوائر النفوذ الإقليمي ما بين تركيا والعالم العربي بما في ذلك السعودية.

وبدا من برنامج الزيارات الخارجية الذي شرع الشرع في تنفيذه بعد توليه مهام منصب رئاسة الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية، وجود إرادة لدى دمشق لتعزيز العلاقات الثنائية مع كل من أنقرة والرياض بشكل متوازن تحسبا لانجرار سوريا إلى انحياز قد يتسبب في إرهاق البلد المدمر، حسب مراقبون تحدثوا إلى "عربي21".

وفي أولى زياراته، توجه الرئيس السوري إلى العاصمة السعودية الرياض حيث التقى بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومن ثم أدى مناسك العمرة في ختام الزيارة.

والثلاثاء، وصل الشرع في ثاني زيارة خارجية له إلى العاصمة التركية أنقرة حيث اجتمع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمناقشة العديد من الملفات بين البلدين بما في ذلك التعافي الاقتصادي والاستقرار والأمن المستدام.

وتفتح الزيارة التي تعد الأولى من نوعها لرئيس سوري منذ نحو 15 عاما، الباب أمام البلدين لمناقشة المخاطر الأمنية بشكل أساسي، حيث يشكل ملف و"حدات حماية الشعب" التي تشكل العمود الفقري لما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية "قسد" ملفا ضاغطا على الجانبين.

ففي حين ترى تركيا في هذه القوات المسيطرة على شمال شرقي سوريا خطرا على أمنها القومي لارتباطها بحزب العمال الكردستاني، تسعى دمشق إلى توحيد كافة الأراضي السورية تحت سيطرتها مجددا دفعا لمخاطر تقسيم البلاد أو دخولها في رحى حرب جديدة.

ويرى الباحث التركي علي أسمر أن زيارة الشرع إلى تركيا تأتي في سياق إعادة ترتيب المشهد السياسي والاقتصادي والأمني بين دمشق وأنقرة، حيث تعكس رغبة متزايدة لدى الجانبين في استكشاف قنوات جديدة للحوار والتفاهم، بعيدًا عن القطيعة الحادة التي ميزت السنوات الماضية.




ويضيف أسمر في حديثه مع "عربي21"، أن هذه الزيارة تتقاطع مع جهود إقليمية أوسع تهدف إلى إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، مع وجود تفاهمات تركية-عربية بشأن مستقبل سوريا الجديدة.

ويوضح الباحث التركي أن "المفتاح الأساسي لأي تقدم في العلاقات بين أنقرة ودمشق هو ملف مكافحة الإرهاب إذا تحقق تقدم حقيقي في هذا الملف، فمن المرجح أن ينعكس ذلك على باقي الملفات، بما في ذلك إعادة اللاجئين، إعادة الإعمار، والتعاون الأمني والاقتصادي".

ويرى أسمر أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في اختبار مدى جدية الطرفين في تحقيق تفاهمات عملية ومستدامة، في حين يوضح الباحث مركز "حرمون" محمد السكري أن المشهد الجديد يتسم بالمصالح المشتركة السورية التركية و"خاصة أن تركيا داعم بشكل أساسي للتحولات والمشهد السياسي الجديد في سوريا"، وفق حديثه مع "عربي21".

وهناك العديد من الملفات الملحة بين سوريا وتركيا التي تضم ما يزيد على 3 ملايين لاجئ سوري، إلا أن الملف الأمني والعسكري هو المتصدر للمباحثات الجارية بين الجانبين، حسب مراقبين.

وكشف وكالة رويترز نقلا عن مصادر مطلعة عن إمكانية تضمن المحادثات بين الشرع وأردوغان، اتفاق دفاع مشترك يتضمن إنشاء قاعدتين جويتين تركيتين في وسط سوريا واستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية ، بالإضافة إلى اضطلاع أنقرة بدور قيادي في تدريب الجيش السوري الجديد.

ونقلت الوكالة عن مصادرها التي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، أن المحادثات ستتضمن إنشاء قاعدتين عسكريتين تركيتين في المنطقة الصحراوية الشاسعة بوسط سوريا والمعروفة باسم البادية.

وقال مسؤول في الرئاسة السورية لوكالة رويترز إن الشرع سيناقش مع أردوغان "تدريب القوات المسلحة التركية للجيش السوري الجديد، بالإضافة إلى مجالات الانتشار والتعاون الجديدة"، دون أن يحدد مواقع الانتشار.

وأشار مسؤول مخابراتي إقليمي كبير تحدث إلى "رويترز"، إلى أن الموقعين المحتملين للقاعدتين الجويتين هما مطار تدمر العسكري ومطار التيفور التابعين للجيش السوري، وكلاهما في محافظة حمص.

وأضاف أن أنقرة حريصة على إقامة قواعد هناك كرسالة إلى المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا المعروفين باسم "وحدات حماية الشعب".

ودأب المسؤولون الأتراك على التأكيد بأن وجود "وحدات حماية الشعب" التي تشكل العمود الفقري لـ"قسد" في شمال شرقي سوريا ليس مبررا بعد سقوط نظام الأسد، وهددوا مرارا بشن عمليات عسكرية للقضاء على هذا التواجد.

توازن بين القوى الإقليمية
مع سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول /ديسمبر الماضي، استقبلت الإدارة الجديدة عشرات الوفود الإقليمية والدولية في مشهد عكس ترحيب حذر من المجتمع الدولي بالتحول التاريخي الذي شهدته البلاد.

وفي حين كان أول وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أول مسؤول رفيع المستوى يصل إلى العاصمة دمشق بعد سقوط النظام، فإن الوفود العربية حضرت في المشهد بشكل واسع على صعيد وزراء الخارجية، لاسيما الدول الخليجية.

والأسبوع الماضي، وصل أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على رأس وفد رفيع المستوى إلى العاصمة دمشق في أول زيارة لزعيم دولة بعد سقوط النظام المخلوع.

وتسعى الحكومة السورية إلى تحقيق توازن في علاقاتها مع تركيا والدول العربية وفي مقدمتها السعودية وهو ما كان واضحا في أول زيارتين خارجيتين يجريهما الرئيس السوري.

وفي حديثه عن إمكانية وجود تنافس بين تركيا والسعودية على بسط النفوذ في سوريا، يرى السكري أن الأمر عكس ذلك تماما فلا يوجد أي تنافس في الحالة التركي السعودية بقدر ما يوجد محاولة موازنة العلاقات بين كل من جانب الرياض وجانب أنقرة.




ويوضح الباحث في مركز حرمون في حديثه مع "عربي21"، أن "أنقرة راضية عن هذا التوازن التي تقوم بأدائه الحكومة السورية الجديدة المتمثلة بوزارة الخارجية السورية".

ويشدد على أن "سياسة الحياد الإيجابي أو ما يسمى بالصفر مشاكل مع الفاعلين في الإقليم ستؤثر بالتأكيد بشكل أساسي على القضية السورية بشكل خاص والإقليم عموما"، مشيرا إلى أن تركيا ترى أن هذه المساحات التي تشغلها الحكومة السورية تعود عليها بالنفع في هذا التوقيت.

من جهته، يؤكد الباحث التركي علي أسمر أن "أنقرة تنظر بإيجابية إلى الدور العربي المتزايد في الملف السوري، وتعتبره جزءا من مقاربة إقليمية أشمل تشمل أيضا العراق ومشاريع اقتصادية كبرى مثل طريق التنمية".

ويشير في حديثه مع "عربي21" إلى أن زيارات المسؤولين الأتراك إلى دمشق فتحت الباب أمام سلسلة من اللقاءات العربية والغربية تجاه سوريا، لافتا إلى أن التنسيق التركي العربي  ليس فقط بخصوص سوريا، بل أيضا بشأن العراق والتعاون الأمني والاقتصادي كمشروع طريق التنمية وخط الغاز القطري في سوريا.

وبحسب أسمر، فإن تركيا ترى أن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا مسؤولية جماعية، لافتا إلى أن التنسيق التركي-العربي لا يقتصر على سوريا، بل يشمل القضية الفلسطينية أيضا، ما يسهم في تقوية وحدة الصف الإقليمي في مواجهة التدخلات الخارجية.

ويوضح الباحث التركي أن "التصريحات الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة تتسم بالتوازن، وهو أمر إيجابي نأمل أن يستمر لكن لا يمكن تجاهل الحقائق الجغرافية، فتركيا وسوريا تربطهما حدود تمتد لـ911 كم، ما يجعل من الضروري بناء علاقات متينة بين الجانبين، سواء من منظور أمني، اقتصادي، أو حتى اجتماعي، خاصة أن التهديدات والتحديات مشتركة بينهما".

مقالات مشابهة

  • 6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري
  • بيئة الجوف تدشّن أعمال مبادرة تطبيق الممارسات الزراعية السليمة بالمنطقة
  • قطر: مفاوضات المرحلة الثانية بغزة قد تبدأ في أي يوم
  • تعزيزات عسكرية للانتقالي تحسباً لاحتجاجات غاضبة في عدن
  • «غرف دبي» تنظم ورشتي عمل حول قوانين قطاع الإنشاءات والعقود
  • للسياسيين فى (قراند بورتسودان).. السودان لم يعد كما كان
  • مدير مديرية الأمن العام في محافظة دير الزور لـ سانا: سنقوم باتخاذ سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تحسين الوضع الأمني في المحافظة، وإزالة مظاهر تهديد الأمن والاستقرار التي خلفها النظام البائد، حيث قمنا في الفترة الماضية بإعادة فتح بعض الطرقات جزئياً، وسننتق
  • يوم البيئة الوطني.. يعكس قيم ومبادئ المجتمع الإماراتي
  • بين تركيا والسعودية.. هل تدشن دمشق مرحلة من العلاقات الخارجية المتوازنة؟