جان ماري تينو في مهرجان الإسماعيلية: السينما أداة للتحرر من الاستعمار
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهد مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الـ26، اليوم، محاضرة مميزة مع المخرج الكاميروني جان ماري تينو، رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة.
تناولت المحاضرة دور السينما في نقد الواقع الإفريقي بعد الاستعمار، وأهمية التعليم في مواجهة مخلفات الماضي الاستعماري.
السينما كوسيلة لمقاومة الاستعمار
بدأت الندوة التي أدارها خودريجو بروم، المنتج ومبرمج الأفلام، بتوجيه الشكر للحضور والقائمين على المهرجان، معبرًا عن سعادته بتكريم تينو في الإسماعيلية، ثم استعرض المخرج الكاميروني مسيرته التي بدأت بالصحافة في الثمانينيات والتسعينيات قبل أن يتحول إلى الإخراج السينمائي، حيث استخدم السينما كأداة بصرية فعالة لنقل الواقع الإفريقي، خاصة في ظل انتشار الأمية في بعض المناطق.
أشار تينو إلى أن السينما ليست مجرد فن، بل "مدرسة ليلية" نتعلم فيها، موضحًا أن الأفلام الإفريقية لم تكن مجرد وسيلة للترفيه، بل لعبت دورًا رئيسيًا في مناهضة الاستعمار وتعزيز الهوية الثقافية الإفريقية. وأكد أن التعليم هو السلاح الحقيقي لمحاربة الاستعمار، مضيفًا: "لو أننا ما زلنا موجودين اليوم، فهذا يعني أن هناك شيئًا أصيلًا بداخلنا، أكبر وأهم من الاستعمار، وهو الطاقة والمعرفة".
خلال الحوار، طرح خودريجو بروم تساؤلًا حول التناقض في مسيرة تينو، إذ بدأ كصحفي خضع للرقابة، ثم تحول إلى السينما التي تعد أداة سياسية وتواجه الرقابة أيضًا. في إجابته، أوضح المخرج أن السينما الإفريقية قبل التحرر كانت خاضعة لقوانين تمنع السكان الأصليين من صناعة الأفلام، حيث فرضت القوى الاستعمارية خطابًا معينًا. لكن بعد الستينيات، حاول المخرجون الأفارقة تفكيك الصورة النمطية التي فرضها الاستعمار وإعادة تشكيل الهوية الإفريقية عبر الشاشة.
كما ناقش المتحدثان إشكالية التمويل في السينما الإفريقية، حيث أشار تينو إلى أن "أوروبا هي الممول الأساسي لأفلام إفريقيا"، وهو ما يثير التساؤلات حول استقلالية الخطاب السينمائي الإفريقي.
وعن إمكانية وجود سينما غير سياسية، أكد تينو بحسم: "أنا لا أرى ذلك، فحتى أفلام هوليوود مشبعة بالسياسة"، مشيرًا أن صناعة الأفلام ليست محايدة، بل تتأثر بمن يمولها ويدعمها.
وأضاف: "كيف يمكن أن نتحرر إذا لم تكن الدولة هي من تمول السينما؟ طبيعي أن الجهة الممولة تفرض خطابها"، مما يؤكد رؤيته بأن استقلال السينما لا يتحقق إلا من خلال دعم محلي يضمن حرية التعبير والرؤية المستقلة.
يُذكر أن جان ماري تينو وُلد في الكاميرون ثم انتقل إلى فرنسا لاستكمال دراسته السينمائية، حيث أخرج أول أفلامه بعنوان "شباط"، واهتم بتناول قضايا العرق والثقافة في أعماله.
عُرضت أفلامه في مهرجانات كبرى مثل تورنتو، وهو يعمل في السينما منذ أكثر من 35 عامًا، حيث يُعرف بأسلوبه النقدي العميق تجاه التاريخ الاستعماري وما بعد الاستعماري في إفريقيا.
اختُتمت المحاضرة بتفاعل واسع من الحضور، الذين أشادوا برؤية تينو العميقة لدور السينما في تشكيل الوعي، ومساهمته في تعزيز الهوية الإفريقية عبر الشاشة.
وأكد أن "السينما ليست مجرد أداة للعرض، بل هي نافذة نحو الحقيقة وسلاح في معركة التحرر الفكري".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الأفلام التسجيلية الإسماعيلية الهوية الثقافية
إقرأ أيضاً:
رسالة ترامب لنتنياهو: أنتم مجرّد أداة
كالطاووس، ظهر بنيامين نتنياهو إلى جانب الإمبراطور الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته الأولى، لكنّه ظهر كالأرنب خلال زيارته الثانية مقارنة بمظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حين استدعي من قبل الإدارة الأميركية.
تعوّد نتنياهو أن يظهر أمام الرؤساء الأميركيين، باعتباره صاحب يدٍ عليا، متّكئاً على التأثير الكبير الذي يمارسه اللوبي الصهيوني على الإدارات الأميركية.
لا بدّ أنّ الجميع يتذكّر الإهانات التي كان يوجّهها نتنياهو وحتى بعض وزرائه، للرئيس «الديمقراطي» باراك أوباما، ويتذكّر الجميع أنّ الرئيس جو بايدن كان أشبه بالمطيّة، التي ترضخ لقرارات نتنياهو ومنها ما يتعلّق بالهجوم على رفح، وإزاء موضوع المساعدات الإنسانية لقطاع غزّة.
يختلف الأمر بالنسبة لترامب، حيث لا يجرؤ نتنياهو على مخالفة تعليماته وقراراته، في المرّة الأولى ذهب إلى واشنطن زائراً، وفي المرّة الثانية لم يجرؤ على رفض أو تأجيل موعد الزيارة، التي تمّت بطريقة الاستدعاء، ثم غادر بخيبة أمل حيث كان عليه أن يستمع فقط للتوجيهات والقرارات دون أن يتمكّن من ترك أيّ بصمة.
إن كان ما ظهر خلال المؤتمر الصحافي، يشير بوضوح إلى خيبة أمل نتنياهو، فإنّ ما دار في الغرف المغلقة، قد يكون أصابه بالإحباط، لأنه ظهر، على أنه مجرّد أداة في يد أميركا دون أن تتوفّر له أيّ خيارات أخرى، بعد أن خسر معظم إن لم يكن كلّ حلفائه.
أراد نتنياهو كل الوقت أن يحظى بموافقة الإدارة الأميركية، على الانخراط في عمل مشترك، أو بغطاء ودعم كبير لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكن الجواب الصريح الذي ابتلعه على مضض، أقرب إلى «اصمت والتزم».
أميركا رفعت مستوى الضغط واتخذت المزيد من الإجراءات العقابية بحق إيران، وتحت هذا الضغط والتهديد بالجحيم، تذهب إدارة ترامب إلى التفاوض. بالنسبة لنتنياهو، فإنّ عودة الإدارة الأميركية للتفاوض، تشكل خياراً مخيفاً، ما لم يؤدّ ذلك إلى تدمير كل ما يتعلق بالمشروع الإيراني النووي وبإشراف أميركي، كما حصل مع المشروع النووي الليبي.
بإمكان نتنياهو أن يضع شروطاً، لأيّ اتفاقٍ محتمل، لكن رسالته، موجهة للداخل الإسرائيلي، ولحفظ قليلٍ من ماء الوجه ليس أكثر، وللتخفيف من آثار الصفعة التي تلقّاها من ترامب.
في محاولة فحص إمكانيات، التوصل إلى اتفاق أميركي إيراني بشأن الملفّ النووي، والصواريخ الباليستية، لا يبدو أنّ ثمّة إمكانية للتفاؤل فإذا كانت أميركا تسعى للتخلّص كلّياً من البنية التحتية للمشروع الإيراني، فإن إيران قد تقبل بعض التعديلات على الاتفاق السابق، ولكن ليس إلى الحدّ الذي تقبل بالتخلّص من هذا المشروع كلّياً.
إذاً هو الجحيم الذي يستمرّ ترامب بالحديث عنه، خاصة أنه يواصل الحشد العسكري، على نحوٍ غير مسبوق في المنطقة، وما على نتنياهو سوى أن يتدبّر أمره إلى ذلك الحين.
لا يغيّر من هذه التوقعات، ما يقال عن أن إيران أرسلت إشارات إلى أنها يمكن أن تتوقف عن دعم جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) اليمنية، وأنها طلبت من بعض فصائل المقاومة العراقية، إلقاء السلاح، إذ إنها مقابل هذه الإشارات التكتيكية ستطالب الإدارة الأميركية بتقديم خطوات لبناء الثقة، من غير المؤكّد أن ترامب مستعد لتقديمها حتى لا يبدو أنه خضع أمام إيران.
إزاء سورية، كانت توجيهات ترامب، أيضاً، محبطة لنتنياهو، فحين يطالبه بالتعقُّل، فإن ذلك ينطوي على انتقاد للسلوك الإسرائيلي، وأن عليه أن يمتثل للتوجّهات الأميركية، التي تثق بالسياسة والدور التركي.
وفي ملفّ غزّة، لم تتغيّر اللهجة الأميركية، إذ لا يزال ترامب يتحدث عن التهجير، لكن فيما قاله إنه يريد وقف الحرب، وإنّه، أيضاً، قد سلّم بفشله في إقناع أو إرغام مصر والأردن على استقبال الفلسطينيين.
لا شكّ في أنّ اللقاء الثلاثي المصري الفرنسي الأردني، الذي سبق استقبال ترامب لنتنياهو، قد ترك لدى الأوّل بعض الأثر.
يُحسب في هذا الإطار للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه خلال زيارته للعريش، واطّلاعه على أوضاع الجرحى والمرضى الفلسطينيين هناك، أنه قد قال «إنّ أمر التهجير مرفوض، وإنّ الأمر لا يتعلق بصفقات عقارية أو استثمارية».
يعكس هذا الموقف لماكرون، وانضمامه إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله، للمطالبة بوقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية، التغيّرات التي تشهدها الساحة الدولية، فلقد كانت فرنسا من الدول التي دعمت دولة الاحتلال في حربها الهمجية على غزّة، وشاركت في غرفة العمليات العسكرية الإسرائيلية.
إذا كان ثمّة من دلالات، تتعلّق بنتائج لقاءات نتنياهو في واشنطن، فإنّ أولى هذه الدلالات، أنّ أميركا هي صاحبة القرار فيما يتصل بالحرب على غزّة وفي المنطقة، وأنّ دولة الاحتلال ليست أكثر من أداة عليها الانضباط للقرارات الأميركية. ثاني هذه الدلالات، أنّ نتنياهو يظهر ضعيفاً أمام المجتمع الإسرائيلي، فهو لا يستطيع اتخاذ قرارات حسبما ينسجم مع «ائتلافه الحكومي الفاشي».
ثالث هذه الدلالات، أنّ نتنياهو لا يستطيع أن يواصل مخطّطاته تجاه القطاع، وأنّ الإدارة الأميركية قد فقدت الثقة بقدرة دولة الاحتلال على تحقيق الانتصار الذي يتحدّث عنه نتنياهو، وأنّ المهلة التي منحتها له توشك على الانتهاء. إن كان ذلك صحيحاً، فإنّ المفاوضات المقبلة ستكون بين حركة حماس والإدارة الأميركية، وأنّ الدور الإسرائيلي سيكون هامشياً وشكلانيّاً، وقد كانت الإدارة الأميركية قد تجاوزت الدولة العبرية حين التقى مبعوثها بقيادة «حماس» مباشرة.
رابع هذه الدلالات، أنّ صمود وقوّة الموقف العربي، والعمل عليه في الساحة الدولية، ينطوي على تأثير في السياسات الأميركية التي بدورها صاحبة القدرة على التأثير في السياسة الإسرائيلية المتوحّشة.
من المهم في هذا السياق، أن يمنع سكّان غزّة الجوعى والعطشى والمظلومون الخطّة الإسرائيلية الخبيثة، للتحكّم مباشرة في توزيع المساعدات، لأنّها ستخلق فتنة بين الناس، وستشكّل مصيدة لاعتقال الشباب والصبايا، ومحاولة تجنيد بعض ضعاف النفوس.
في المحصّلة، سواء كان ما يجري في المنطقة، أو ينتظرها، خصوصاً بالنسبة للشعب الفلسطيني وقضيته، يتعلّق بمخطّطات احتلالية وقرارات احتلالية، أو بمخطّطات وقرارات أميركية، فإن النتيجة واحدة.
ومرّة أخرى بعد الألف، فإنّ وحدة الفلسطينيين وصمود الشعب الفلسطيني هو حجر الزاوية في إفشال تلك المخطّطات، وأنّ ذلك حجر الزاوية في تطوير الموقف والدور العربي والإسلامي ومواقف وأدوار القوى الفاعلة على الساحة الدولية.
إنّ التاريخ لن يرحم الأطراف الفلسطينية عن استمرار الانقسام، والإصرار على الحسابات الخاطئة.
(الأيام الفلسطينية)