الجمعية الاقتصادية العمانية تستضيف اللقاء الـ43 لمنتدى التنمية الخليجي
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
نظمت الجمعية الاقتصادية العمانية بالتعاون مع منتدى التنمية الخليجي اليوم اللقاء الـ"43" حول مستقبل إدارة تغير المناخ والتنمية الاقتصادية في دول الخليج والذي يستمر على مدار يومين بمشاركة خبراء من دول مجلس التعاون الخليجي وذلك بفندق حياة مسقط، وشارك في اللقاء جمع من المسؤولين في مجالات الطاقة والاقتصاد والبيئة من دور مجلس التعاون، وتم التركيز خلال اللقاء على السياسات والتقنيات المطلوب لدولة الخليج العربي لمواجهة تحديات تحول الطاقة والتغير المناخي، وكذلك مستقبل إدارة تغير المناخ والتنمية الاقتصادية في دول الخليج، بالإضافة إلى استعراض التزامات دول الخليج ضمن إطار ومستجدات مؤتمرات الأطراف، ودور الطاقة النظيفة "المتجددة، والنووية، والهيدروجينة" اقتصاديًا وسياسيًا، كما تتطرق الندوة إلى التغير المناخي وأثره على التنمية الاقتصادية، والدور الذي تلعبه التجمعات الصناعية في أوقات عدم اليقين والتعقيد والتحديات المحلية.
وقال الدكتور سعد الزهراني رئيس مجلس إدارة منتدى التنمية الخليجي: تم اختيار مسقط لاستضافة اللقاء الـ 43 لمنتدى التنمية الخليجي والذي تنظمه الجمعية الاقتصادية العمانية حول مستقبل إدارة تغير المناخ والتنمية الاقتصادية في دول الخليج العربية، والتي تأتي في وقت مهم وسط تغييرات كبيرة في التغير المناخي بالمنطقة، وتم خلال اليوم الأول من الندوة طرح العديد من أوراق العمل في 3 جلسات ركزت على السياسات والتقنيات المطلوبة لدول مجلس التعاون في مواجهة تحديات تحول الطاقة، والتغير المناخي، ومستقبل إدارة التغير المناخي والتنمية الاقتصادية بدول الخليج العربي، بالإضافة إلى دور العلوم السلوكية في تعزيز الجهود الرامية لمواجهة تغير المناخ في دول مجلس التعاون، والتزامات دول الخليج ضمن إطار مستجدات مؤتمرات الأطراف.
التكيف مع المناخ
وقال الدكتور خالد بن سعيد العامري، رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية: يشهد العالم تحولات عالمية غير مسبوقة، حيث أصبحت قضية تغير المناخ واحدة من أكبر التحديات التي تواجه البشرية، فوفقًا لتقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض بنحو 1.1 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وإذا استمرت الانبعاثات العالمية بمعدلاتها الحالية، فقد نتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030 هذا الارتفاع، وإن بدا بسيطًا، فإن له تأثيرات كارثية على النظم البيئية والاقتصادات العالمية.
وأشار إلى إن دول الخليج العربية، التي تمثل نحو 25% من إنتاج النفط العالمي، تسهم بشكل كبير في الانبعاثات العالمية، فوفقًا لإحصاءات عام 2022، بلغت انبعاثات دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة ما يقارب 1.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يعادل حوالي 4% من الانبعاثات العالمية، ومع ذلك، فإن هذه الدول هي أيضًا من أكثر المناطق تأثرًا بتغير المناخ، حيث تشير الدراسات إلى أن درجات الحرارة في منطقة الخليج قد ترتفع بمقدار 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، مما سيؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة تواتر العواصف الترابية والجفاف، مشيرًا إلى أن التغيرات المناخية كلفت الاقتصاد العالمي خسائر هائلة، ففي عام 2022م فقط بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ ما يقارب 270 مليار دولار أمريكي، وفي منطقة الخليج، تشير التقديرات إلى أن عدم اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تغير المناخ قد يكلف اقتصادات المنطقة ما بين 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، لكن في التحديات تكمن الفرص، ولطالما كانت دول الخليج نموذجًا للريادة في مجالات الطاقة والاقتصاد، واليوم نحن أمام فرصة جديدة لتعزيز هذه الريادة من خلال التحول نحو الاقتصاد الأخضر، فمن المتوقع أن تصل استثمارات دول الخليج في الطاقة المتجددة إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030، مما سيسهم في خفض الانبعاثات بنسبة تصل إلى 20% في بعض الدول.
الجلسة الأولى
ثم ترأس محمد بن عبدالله الحارثي، رئيس المشروع، الجلسة الأولى للندوة إذ قدم الدكتور عدنان شهاب الدين، أستاذ زميل وزائر أول غير مقيم في معهد أكسفورد بالمملكة المتحدة، ورقة عمل حول السياسات والتقنيات المطلوبة لدول الخليج العربي لمواجهة تحديات الطاقة والتغير المناخي، حيث سلط الضوء على إدارة تغير المناخ والتنمية الاقتصادية في دول الخليج العربي، والمتمثل في السياسات التي يمكن تبنيها، والتقنيات التي يمكن تطويرها، واستخدامها تجاريا من قبل دول مجلس التعاون من أجل إطالة الطلب على النفط عالمياً، وتعظيم العوائد من إنتاج موارده الضخمة المتبقية في مكامن النفط (والغاز) الكبرى في دول مجلس التعاون، وركزت الورقة على أهمية الاستثمار المكثف في حزمة تقنيات تحويل النفط والغاز المنتج إلى وقود نظيف، وتقليل صافي الانبعاثات من كامل دورة إنتاجه وتحويله واستخدامه، والإبقاء على كافة الخيارات التقنية الواعدة، مع التوسع في الاستثمار في أنشطة البحث والتطوير والابتكار لإنتاج الوقود الخالي من صافي الانبعاثات من النفط والغاز، بدلا من التركيز على تقنية واحدة مثل تقنية إنتاج الهيدروجين الأزرق السائدة حالياً.
التغير المناخي
كما قدمت الدكتورة نورة اليوسف، رئيسة جمعية الاقتصاد السعودية السابقة، في الجلسة الأولى، ورقة عمل حول التغير المناخي وتوقعاته وتبعاته على دول الخليج بشكل خاص، وعلى المنطقة والعالم بشكل عام، وأكدت أن دول الخليج العربي التي تتميز بجغرافيتها الفريدة ومواردها الطبيعية الغنية وتأثيرها الاقتصادي المتزايد، تواجه تحديات وفرصًا كبيرة فيما يتعلق بإدارة تغير المناخ وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، واستعرضت في ورقتها الاتجاهات المستقبلية لهذه الدول في التعامل مع تغير المناخ، والتوازن بين النمو الاقتصادي وضمان الاستدامة البيئية على المدى الطويل، وركزت في الورقة على مواطن الضعف البيئي والتحديات المناخية في دول مجلس التعاون، وتنويع الاقتصاد والاستدامة، بالإضافة إلى السياسات الحكومية والمبادرات الطموحة، والابتكار التكنولوجي والاستثمارات في الطاقة الخضراء، وكذلك التعاون الإقليمي والدولي، والفرص والتحديات المستقبلية.
الجلسة الثانية
قُدمت في الجلسة الثانية التي ترأسها محمد الرميحي، أستاذ بجامعة الكويت، ورقتا عمل، ألقى الورقة الأولى الدكتور ماجد المنيف، رئيس جمعية الطاقة السعودية وتطرق فيها إلى التزامات دول الخليج ضمن إطار ومستجدات ومؤتمرات الأطراف، وقال خلال حديثه: إن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي (UNFCCC) دخلت حيز التنفيذ قبل ثلاثين عامًا، وقد أطلقت مسارًا تخللته جهود وأبحاث علمية وجدالات حول الظاهرة ومسبباتها وكيفية التعامل معها، انعكست على مفاوضات أممية واتفاقات كبروتوكول كيوتو عام 1997 واتفاقية باريس عام 2015 منبثقة عنها، وتنصّ اتفاقية باريس على إبقاء الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل النهضة الصناعية، وأن تصل انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، وتستند على برامج وسياسات كل دولة طرفاً في الاتفاقية وعددها 197 للحد من الظاهرة أو التأقلم معها وفق ظروفها وقدراتها تعرف بـ"المساهمات المحددة وطنيا NDCS" وتقر الاتفاقية باستخدام تخفيضات الانبعاثات خارج حدود الدول في مساهماتها المحددة وطنيًا، وتنشئ آلية للمساهمة في التخفيف من غازات الدفيئة ودعم آلية التنمية المستدامة SDM، وتتناول الاتفاقية كذلك قضايا التمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات والشفافية، ونظراً لموقع المنطقة في احتياطي وإنتاج وتصدير من النفط والغاز في العالم، فإن دول مجلس التعاون كغيرها من دول العالم تتأثر بالتغير المناخي والسياسات حياله واتفاقياته وتؤثر فيها، كما أن موقع دول المجلس كمنتج ومستهلك رئيس للنفط والغاز، وهما مستهدفان من سياسات الدول ومن بنود اتفاقيات المناخ، بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من حرقهما، كما أن اعتماد اقتصاد ورخاء دول المجلس على إنتاج النفط والغاز، وتوقع استمرار دور المنطقة في ميزان الطاقة العالمي على الرغم من الاتفاقيات والالتزامات، وبناء نماذج تنمية دولها على تقليص اعتمادها على أنواع الوقود المستهدفة، يفرض عليها خيارات مختلفة عن غيرها من الدول النامية.
الاقتصاد السلوكي
كما قدم مبارك بن خميس الحمداني، مدير دائرة الاقتصاد السلوكي بوزارة الاقتصاد، ورقة عمل حول دور العلوم السلوكية في تعزيز الجهود الرامية لمواجهة تغير المناخ في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقال: تشكل عدد من العوامل المركبة تحديات متظافرة لآثار تغير المناخ على منطقة الخليج العربي؛ فعوامل التحضر السريع، وارتفاع مستويات سطح البحر، وهشاشة التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى هيكل الاقتصاد القائم على الهيدروكربونات تضاعف المهمة في بناء أنظمة اقتصادية واجتماعية وبنى أساسية مرنة في مواجهة تغير المناخ، واقتصاديًا تقدر الخسائر التي ستتكبدها دول الخليج المصدرة للنفط بسبب بروتوكولات المناخ المتعددة بما يتراوح بين 0.5% و4% من الناتج المحلي الإجمالي، وسط ذلك يشكل (السلوك المجتمعي) عنصرًا محوريًا في هذه المعادلة؛ فأنماط الاستهلاك المرتبطة بالثقافة المجتمعية، وطبيعة تصميم سياسات الدعم الحكومي، وأنماط التنشئة على الاستهلاك والممارسات البيئية والممارسات العامة كلها تلعب دورًا إما في تسريع جهود مواجهة التغير المناخي أو تبطئتها، بحثت هذه الورقة في سياقين مهمين: الفرص التي تتيحها تدخلات العلوم السلوكية على مستوى السياسات العامة لتوجيه السلوك العام فيما يتصل ببناء المرونة الاجتماعية إزاء تغير المناخ، ومستوى إدراك المخططين المناخيين لتلك الفرص، وفي السياق الأول توصلت الورقة إلى مجالات (سلوكيات استخدام الطاقة – إعادة التدوير – استخدام وسائل النقل العام – التوعية والتطوع) مرتبة هي أكثر المجالات التي تتوافر فيها فرص لمثل هذا النوع من التدخلات، وفي السياق الثاني طبقت الدراسة أداة الاستبانة المغلقة على عدد من العاملين في مجال السياسات المناخية في هذه الدول، ومن أبرز النتائج التي توصلت إليها أن عامل (غياب الفهم الدقيق للثقافة الاجتماعية) يعد أكبر التحديات التي تواجه دمج العلوم السلوكية في السياسات المناخية في دول الخليج حسب رأي العينة التي شملت 253 مختصًا.
الجلسة الثالثة
وترأست الدكتورة مشاعل العتيبية، عضو مجلس إدارة منتدى التنمية الخليجي، الجلسة الثالثة، وقدم الدكتور عمر العبيدلي مدير إدارة الدراسات والبحوث في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، ورقة عمل حول تمكين الوظائف الخضراء لخلق فرص العمل في دول الخليج العربي، وأكد أن دول الخليج العربي، التي تعتمد تقليديًا على صناعات النفط والغاز، تبحث في الوظائف الخضراء كوسيلة محتملة للتنويع الاقتصادي المستدام وخلق فرص العمل، وتقيم هذا الورقة جدوى الوظائف الخضراء في هذه الدول، مع التركيز على السياقات الاقتصادية والبيئية والسياسية الفريدة للتكتل، وتشمل الوظائف الخضراء الوظائف في القطاعات التي تساهم في الحفاظ على جودة البيئة أو استعادتها، مثل الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، والنقل المستدام، كما تحلل الورقة المبادرات الحالية والسياسات الحكومية واتجاهات الاستثمار التي تهدف إلى تعزيز التوظيف الأخضر، كما تقيم قدرة الوظائف الخضراء على استيعاب القوى العاملة من القطاعات التقليدية، ومعالجة قضايا نقل المهارات وتطوير القوى العاملة، ومن خلال مراجعة الأدبيات الحالية ودراسات الحالة من السياقات العالمية والإقليمية، تحدد الورقة الفرص والتحديات الرئيسية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجمعیة الاقتصادیة العمانیة فی دول مجلس التعاون دول الخلیج العربی التنمیة الخلیجی التغیر المناخی بالإضافة إلى النفط والغاز ورقة عمل حول هذه الدول
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم الحلقة 3
فبراير 6, 2025آخر تحديث: فبراير 6, 2025
محمد الربيعي
بروفسور متمرس ومستشار دولي، جامعة دبلن
بدأت قصة علاقتي بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) بدعوة لالقاء محاضرة. حينها، لم اكن اتوقع ان هذه الزيارة ستكون بمثابة رحلة استكشافية في عالم العلم والمعرفة. في اليوم الأول، انصب تركيزي على التعرف على بعض اعضاء هيئة التدريس. لكن مع مرور الوقت، بدأت اكتشف جوانباأخرى لهذا المعهد. في اليوم الثاني، انخرطت في نقاشات مطولة مع باحثين شباب،اأذهلني حماسهم وأفكارهم المبتكرة. في اليوم الثالث، تجولت في أروقة المعهد وتأملت في البيئة التي تشجع على الابداع والابتكار. مع نهاية الزيارة، ادركت انني لم اكن مجرد ضيف، بل كنت جزءاً من تجربة فريدة. لقد كانت رحلة متسلسلة، بدأت بدعوة، ثم تحولت الى سلسلة من العلاقات والتفاعلات المثمرة، لتنتهي بانطباع راسخ عن كالتك كصرح علمي شامخ.
يتميز معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) بتركيزه الحصري والدقيق على العلوم والهندسة والتكنولوجيا، مما جعله بحق مركزا عالميا للبحث والابتكار في هذه المجالات الحيوية. هذا التركيز لا يقتصر على تقديم مناهج دراسية متخصصة، بل يتعداه الى توفير بيئة حاضنة للابداع والاكتشاف العلمي. يتميز ايضا بحجمه الصغير نسبيا مقارنة بالجامعات الكبرى، وهذا الحجم يتيح نسبة عالية جدا بين الطلاب واعضاء هيئة التدريس، مما يعزز التفاعل الوثيق والمباشر بين الطرفين، ويضمن توجيها شخصيا فريدا لكل طالب، حيث يحظى الطلاب بفرصة العمل عن كثب مع كبار العلماء والباحثين. تعتبر البيئة البحثية المكثفة والغنية بالفرص من ابرز سمات كالتيك، حيث يشجع الطلاب، من المراحل الجامعية الاولى وحتى الدراسات العليا، على المشاركة الفعالة في ابحاث متطورة ورائدة جنبا الى جنب مع اعضاء هيئة تدريس عالميين معترف بهم دوليا، مما يكسبهم خبرة عملية قيمة ويساهم في تطوير مهاراتهم البحثية. اضافة الى ذلك، يدير كالتيك بكل فخر واقتدار مختبر الدفع النفاث (JPL) التابع لوكالة ناسا، وهو مركز رائد عالميا لابحاث الفضاء واستكشافه وتطوير الروبوتات والمركبات الفضائية، ما يتيح للطلاب فرصة فريدة للمشاركة في مشاريع فضائية حقيقية. واخيرا، خرج كالتيك على مر تاريخه العديد من العلماء والمهندسين ورجال الاعمال البارزين الذين تركوا بصمات واضحة في مجالاتهم، بمن فيهم الحائزون على جائزة نوبل في مختلف فروع العلوم والذي يقدر عددهم بسبعين عالما، ما يؤكد جودة التعليم والبحث في هذه المؤسسة المرموقة.
تاسس معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في عام 1891 باسم متواضع هو “مدرسة ثروب للفنون اليدوية” على يد رجل الاعمال والسياسي اموس جي ثروب. كانت المدرسة في بداياتها تركز على تعليم الحرف اليدوية والمهارات التقنية، ولكنها سرعان ما بدات في التطور والتوسع في مجالات العلوم والهندسة. تطورت المؤسسة عبر السنين بشكل ملحوظ، وشهدت تغيير اسمها عدة مرات قبل ان يعرف باسمه الحالي، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في عام 1920، وهو الاسم الذي يعبر بدقة عن طبيعة المؤسسة واهدافها. نما كالتيك تدريجيا ليصبح جامعة بحثية رائدة على المستوى العالمي، واكتسب سمعة مرموقة بفضل مساهماته الهامة والجذرية في مجالات العلوم والهندسة، حيث يعتبر منارة للعلم والمعرفة والتكنولوجيا على مستوى العالم.
يجري معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ابحاثا متطورة ورائدة تتجاوز حدود المعرفة في مجالات متنوعة وشاملة، تشمل الفيزياء النظرية والتجريبية، حيث تجرى دراسات معمقة حول الكون وقوانينه الاساسية، وصولا الى دراسة الجسيمات دون الذرية، وعلم الفلك واستكشاف الفضاء، من خلال دراسة الكواكب والنجوم والمجرات، وتطوير التلسكوبات والمركبات الفضائية، والكيمياء بجميع فروعها، من الكيمياء العضوية وغير العضوية الى الكيمياء الحيوية والفيزيائية، والاحياء الجزيئية والخلوية، التي تركز على دراسة العمليات الحيوية على المستوى الجزيئي والخلوي، والهندسة بفروعها المختلفة من الميكانيكية الى الكهربائية والفضائية، حيث تطور تقنيات جديدة في مجالات الروبوتات والطاقة والنقل، وعلوم الارض والكواكب ودراسة الظواهر الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين والتغيرات المناخية. هذه الابحاث لا تثري المعرفة العلمية فحسب، بل تساهم ايضا في حل مشاكل عالمية ملحة.
ضم معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عبر تاريخه كوكبة من اشهر العلماء الذين ساهموا باسهامات جليلة في مختلف المجالات العلمية. من الصعب حصرهم جميعا، لكن ابرزهم ريتشارد فاينمان عالم فيزياء نظرية شهير، حائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965 عن اعماله في الديناميكا الكهربية الكمية، وموراي جيل مان عالم فيزياء نظرية حائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1969 عن اكتشافاته المتعلقة بتصنيف الجسيمات الاولية وتفاعلاتها، وكارل ساغان عالم فلك وكاتب ومروج للعلوم اشتهر بابحاثه في مجال الكواكب وبرنامجه التلفزيوني “الكون” ، ولينوس باولنغ عالم كيمياء حائز على جائزتي نوبل، الاولى في الكيمياء عام 1954 عن ابحاثه في طبيعة الرابطة الكيميائية، والثانية جائزة نوبل للسلام عام 1962 لنشاطه ضد التجارب النووية، واحمد زويل عالم كيمياء مصري امريكي حائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 عن اختراعه ميكروسكوب الفيمتوثانية الذي يمكن من خلاله رؤية حركة الذرات داخل الجزيئات عند حدوث التفاعلات الكيميائية، وجون فون نيومان عالم رياضيات وفيزياء وحاسوب مجري امريكي، ساهم في تطوير الحاسوب الحديث ونظرية الالعاب.
يولي كالتيك اهمية كبيرة لمشاركة الطلاب في هذه الابحاث، سواء في مرحلة الدراسة الجامعية الاولية او الدراسات العليا. ففي المرحلة الجامعية الاولية، يشجع الطلاب على الانخراط في مشاريع بحثية صغيرة تحت اشراف اعضاء هيئة التدريس، مما يكسبهم خبرة عملية قيمة ويساعدهم على تطوير مهاراتهم البحثية والتفكير النقدي. اما في الدراسات العليا، فيعتبر البحث العلمي جزءا اساسيا من البرنامج الدراسي، حيث يعمل الطلاب على مشاريع بحثية معمقة تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي.
يمتلك كالتيك مرافق حديثة ومتطورة على اعلى مستوى عالمي، تساعد الباحثين والطلاب على اجراء ابحاثهم بكفاءة وفعالية. تشمل هذه المرافق المختبرات المجهزة باحدث التقنيات والاجهزة، التي تمكن الباحثين من اجراء تجارب معقدة ودقيقة، والمراصد الفلكية المجهزة باقوى التلسكوبات، التي تتيح رصد ودراسة الاجرام السماوية بدقة عالية، ومراكز الحوسبة عالية الاداء التي تمكن الباحثين من اجراء عمليات محاكاة معقدة وتحليل كميات هائلة من البيانات. هذه المرافق توفر بيئة بحثية مثالية تشجع على الابتكار والاكتشاف.
يتعاون كالتيك بشكل وثيق مع مؤسسات بحثية وجامعات مرموقة في جميع انحاء العالم، مما يعزز تبادل المعرفة والخبرات بين الباحثين والعلماء من مختلف الجنسيات والخلفيات العلمية، ويساهم في تقدم البحث العلمي على المستوى الدولي. هذه الشراكات تتيح للطلاب والباحثين في كالتيك فرصة التعاون مع باحثين من مؤسسات اخرى، والاطلاع على احدث التطورات في مجالاتهم.
يعتبر كالتيك بحق من افضل الجامعات على مستوى العالم للعديد من الاسباب، منها تميزه الاكاديمي ومعاييره الصارمة في اختيار الطلاب واعضاء هيئة التدريس، مما يضمن وجود نخبة من العقول الشابة والخبيرة في مكان واحد، وبحثه الرائد الذي يساهم بشكل فعال في تقدم العلوم والهندسة وخدمة البشرية، من خلال تطوير تقنيات جديدة وحلول مبتكرة لمشاكل عالمية، وبسبب خريجيه المؤثرين الذين يحدثون تغييرا ايجابيا في مجتمعاتهم من خلال ابتكاراتهم واكتشافاتهم، وبسبب تصنيفاته العالمية المتقدمة باستمرار في جميع قوائم تصنيف الجامعات العالمية المرموقة، ما يؤكد جودة التعليم والبحث في هذه المؤسسة المرموقة. هذه العوامل مجتمعة ترسخ مكانة كالتيك كاحدى اهم المؤسسات العلمية والبحثية في العالم، ومساهمته الكبيرة في اعداد جيل جديد من العلماء والمهندسين القادرين على قيادة مستقبل العلوم والتكنولوجيا.