طوفان العودة.. علامة فارقة في التاريخ
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
الزحف المهيب لجحافل الفلسطينيين المهجّرين صوب بيوتهم في شمال غزة وصف بـ «طوفان العودة». وذلك تعبير دقيق وعميق الدلالة، استلهم كلمة «الطوفان» التي أطلقت على عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما استدعى كلمة «العودة» التي كانت ولا تزال عنوانًا لحُلم الفلسطينيين المعلق منذ 77 عامًا، ثم تجاهله البعض ونسوه وأيقظه «طوفان الأقصى» من سباته.
المشهد كان مبهرًا وحافلًا بالدلائل والرسائل؛ ذلك أننا نعرف طوال سنوات الصراع أنّ أعدادًا غير قليلة من الفلسطينيين، الذين كتبت لهم الحياة، هاجروا إلى المنافي البعيدة أو إلى دول الجوار، ولم يعودوا إلى وطنهم إلا لِمامًا، لكنها المرّة الأولى التي يهجّر فيها مئات الألوف منهم رغمًا عنهم، ثم يفرَض على العدو المتغطرس أن يعودوا إلى بيوتهم بعد تدميرها.
ناهيك عن أنها المرة الأولى في تاريخ الصراع التي شنت فيها المقاومة الفلسطينية هجومًا كبيرًا بمبادرة منها ضد إسرائيل فوق الأرض التي اغتصبتها، وقصفت خلالها بعض مدنها، وأجبرت الملايين من سكانها على اللجوء إلى المخابئ.
إعلانوهي المبادرة الفلسطينية الشجاعة التي تجاوزت الاشتباكات السابقة مع العدو التي حدثت خلال سنوات الصراع. ولا ننسى أننا نتحدث عن المعركة الأخيرة الأهم التي خاضها الفلسطينيون وحدهم دون أي عون أو دعم عربي، في حين كانت الولايات المتحدة تقف طوال الوقت في الخندق الإسرائيلي.
***
استوقفني حديث أحد العائدين الذي قال لمراسل تلفزيوني إنه فقد كلَّ شيء: زوجتَه وأولادَه الثلاثة وعمله وبيته وأباه وشقيقته، وكل ما يملك في الدنيا، لكنه متلهّف للعودة إلى داره لكي يعثر على مقابرهم للصلاة عليهم، ثم يقضي بقية عمره فوق أنقاض بيته، وهو يحتضن ترابه ويشتاق إلى إعادة بنائه.
وذكرني ذلك بما كتبه أحد المعلقين الإسرائيليين في المقارنة بين لهفة الفلسطينيين على العودة إلى بيوتهم المدمرة، وبين طوابير الإسرائيليين الذين يتزاحمون أمام مكاتب الطيران في سعيهم لمغادرة إسرائيل عائدين إلى بلادهم الأصلية بعدما طالت أشهر الحرب. وقال في هذا الصدد إن المقارنة بين الصور تعرّي الحقيقة وتكشفها، وتبين الفرق بين أصحاب الأرض الحقيقيين، وبين الوافدين الطارئين عليها.
هذا قليل من كثير تابعناه وشاهدناه في غزة خلال العودة المثيرة التي أدهشت العالم وفاجأته، كما صدمت الإسرائيليين الذين انتظروا تجليات «النصر المطلق» الذي تحدث عنه رئيس وزرائهم، بعد أن وعدهم بالقضاء المبرم على حماس، وبالعودة المظفرة للأسرى بقوة الجيش «الذي لا يقهر». لكنهم فوجئوا بالحقائق الصادمة التي فضحت أكاذيب قيادتهم وخداعها.
وفي مقابل ذلك تحدث بعض الكتّاب عن القوة الكامنة للشعب الفلسطيني، الذي أثبتت الأحداث أنه هو الذي لا يقهر. حتى السفير الأميركي في إسرائيل الذي انتهت ولايته في تل أبيب "جاكوب ج ليو" نشرت له «تايمز أوف إسرائيل» حوارًا وداعيًّا حذّر فيه إسرائيل من تحولات المستقبل، وأن عليها الانتباه إلى أنه خلال العشرين سنة القادمة ستتولى قيادة الولايات المتحدة وبقية دول العالم أجيالٌ لا تعرف الهولوكوست أو حرب 1967، بل الحرب الحالية على غزة.
إعلانأتابع حوارًا عبثيًا حول سيناريوهات النصر والهزيمة. ولا أعرف جدواه الآن بعد سيل الشهادات التي تحفل بها وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهي التي ما برحت تتساءل موجهة الاتهام لنتنياهو ومن لفَّ لفَّه قائلة أين النصر المطلق، حتى ذهب أحد وزرائه إلى أبعد من ذلك، ووصف المشهد الفلسطيني الراهن بأنه استسلام مطلق.
يحدث ذلك بعد أن فشل صاحبهم وجيشه في تحقيق أي هدف إستراتيجي تبجّح به وهو يستعرض تهديداته بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ناهيك عن أن أسئلة الصائدين والكارهين، تتضاءل أمام اعتبار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – ووزير دفاعه السابق- مجرمَ حربٍ مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية، في حين أن جيشه ونظامه متّهمون بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
لست في وارد الدخول في هذا الجدل؛ لأن ما جرى يطرح أسئلة كبيرة ويفتح ملفات مهمة للغاية جديرة بالمناقشة والحسم. ذلك أننا في معركة الطوفان وجدنا الإدارة الأميركية ومعها بعض الأنظمة الغربية تدعم العدوان الإسرائيلي وتباركه عسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، كما أنها سعت إلى إطالة أمد الحرب في مجلس الأمن؛ لتمكين إسرائيل من إنجاز مهمتها في التدمير والإبادة، حتى بدا لبعضنا أننا بصدد قدر مكتوب لا مفرّ منه، ولا سبيل إلى ردّه.
وصدّقنا الأكذوبة حتى انسقنا وراء الاحتلال وأصبحت غاية مرادنا أن تحتمل إسرائيل وجودنا في ظل ما سمّي بحلّ الدولتين. ومن المفارقات أن ما قبلنا به كارهين يرفضه النظام الإسرائيلي الرسمي جملة وتفصيلًا. ومن وزرائها من أعلن على الملأ أنهم يتطلعون في المستقبل إلى إقامة دولة يهودية تضم في حدودها ستّ دول عربية.
والأكثر دهشة أن ذلك الكلام الصادم لم يقابل بأي غضب يذكر من جانب الدول المشار إليها. الأدهى من ذلك والأمرّ أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخل على الخط بفتوى إسرائيلية خبيثة دعا فيها إلى تهجير فلسطينيي غزة و«استضافتهم» للأبد في مصر والأردن.
إعلانفي هذا الصدد، لا مفرّ من الاعتراف بأن عملية طوفان الأقصى، سلطت أضواء كاشفة على الكثير مما يجري حولنا فلسطينيًا وإسرائيليًا، وعربيًا، وإقليميًا ودوليًا. وقد أتاح لنا ذلك أن نرى ما كان خافيًا أو مستورًا على تلك الجبهات. وكانت القوة الفلسطينية الكامنة مفاجئة لنا.
كما أن الاستعلاء والنشوة الإسرائيلية أغرتا بعض قياداتها بالجهر بما كان مسكوتًا عنه فيما يخصّنا. إذ تحدثوا علنًا عن ضمّ الضفة الغربية، التي نهبوها، للمستوطنين، بحيث تصبح جزءًا من دولتهم على غرار الجولان المحتل، وعن أرض إسرائيل التي سكنها اللبنانيون إلى غير ذلك من المعتقدات التي تربى أجيال الإسرائيليين عليها بأن العرب هم الوافدون الطارئون الذين سكنوا أرض إسرائيل.
***
مشكلتنا ليست مع الغلاة الذين يسوّقون الخرافات ويتعلّقون بالأساطير؛ لتبرير الاحتلال والتوسع فيه. لكنها مع العقلاء الذين لم يدركوا أن عالم ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، اختلف عن العالم الذي سبقه، وأن ثمة متغيرات جوهرية ملموسة لاحت بوادرها في العالم الجديد. ولإسرائيل التي فرضت علينا نصيبًا وافرًا من تلك المتغيرات، وثمة مؤشرات عدة دالة على ذلك؛ كتحوّلها إلى دولة منبوذة، تدينها العدالة الدولية، وتلاحق بأسوأ التهم التي تعرفها البشرية، وهي الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
كما أن كبار مسؤوليها وجنودها معرّضون للملاحقة والاعتقال في العديد من دول العالم، بتهم ارتكاب جرائم حرب، الأمر الذي أدركته السلطات الإسرائيلية مؤخرًا، وبدأت في اتخاذ إجراءات جادّة لتحذيرِهم من ذلك الاحتمال.
لم نتحدث عن التفاعلات داخل إسرائيل بعد وقف القتال رغم اللغط المثار حولها، لكننا لا نحتاج إلى مزيد من الأدلة لكي نقرر أنها في عالم ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أصبحت دولة سيئة السمعة بين أنصارها الذين حملوها طوال الوقت، حتى إن وحشيتها تفوقت في بعض الأحيان على أداء النظام النازي الذي يضرب به المثل في انتهاك إنسانية البشر، خصوصًا بعدما شاهدها الجميع في ذلك على الشاشات رأي العين.
تتعدد المعاني والرموز التي تثيرها العودة المهيبة من النازحين إلى بيوتهم في شمال غزة، ومنها ما يتجاوز شجون العودة وأحلامها على أهميتها. ذلك أن بعضها يتعلق بدور الأشقاء العرب في تعمير القطاع بعدما دعا الرئيس الأميركي إلى ضخّ ملياراتهم في تعمير كاليفورنيا بعد الحرائق التي اجتاحتها مؤخرًا.
إعلانالأبعد والأهم من ذلك أن اليقظة الفلسطينية الكبرى التي حدثت في طوفان الأقصى اعتبرها البعض ملهمة لتحولات عالم ما بعدها في الإقدام والجسارة على تحدي طواغيت قوى الهيمنة والظلم في العالم.
وهو ما يسوغ لبعض المحللين أن يربطوا بين تداعيات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبين إسقاط نظام الأسد في سوريا بكل جبروته وسلطانه، وهي ذات الجسارة التي شجعت جنوب أفريقيا على تحدي إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وأجبرت المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مذكرات اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعها – رغم الضغوطات والتهديدات الدولية للمحكمة.
وهي ذاتها التي شجعت 8 من دول الجنوب على تشكيل مجموعة دولية قانونية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، إلى غير ذلك من التحركات التي تعلن التمرد على طغيان الدول الكبرى التي استأثرت بالقرار الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي.
***
من هذه الزاوية بوسعنا أن نقول إن طوفان الأقصى لم تكن إطلاقًا للقوة الكامنة للوطنية الفلسطينية في مواجهة التغوّل الإسرائيلي فحسب، ولكنها صارت علامة تاريخية فارقة على قدرة المستضعفين على تحدي قوى الطغيان والاستكبار في العالم.
وربما سجّلت الثورة الإسلامية في إيران نقطة في ذلك الملف قبل نحو نصف قرن، حين انطلقت بأهداف تضمنت تحدي الهيمنة الأميركية والإسرائيلية، ولكن الظروف الإقليمية والجغرافية لم تتحْ للتجربة أن تنضج وتؤتي ثمارها المرجوة آنذاك لأسباب يطول شرحها وتحتاج إلى دراسة منفصلة داخلية وخارجية خاصة.
ثمة حقيقة مهمة ينبغي أن نستخلصها مما نشاهده في هذا العالم الجديد، وهي أننا إزاء ظرف تاريخي له شواهده القوية جاهز لإطلاق طاقات التمرد على المخططات التي تسعى إلى تشكيل نظام عالمي جديد، بعدما انكشفت عورات نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي وقف صامتًا ومنحازًا إلى جانب قوى الاحتلال والإبادة.
إعلانوفيما يخصّنا على الأقل، فمن حقنا أن نرفض ونقاوم بكل السبل التهجير وسياسة ضم الضفة الغربية، بل وأن نرفض أيضًا حل الدولتين الذي يروج له البعض، في حين يرفضه الكنيست واليمين الإسرائيلي المدعوم شعبيًا. علمًا بأننا لسنا مضطرين للتنازل عن بعض أرضنا لغرباء مغامرين قادمين من بولندا وشيكاغو وغيرهما.
لم يعد لدينا خيار آخر سوى استيعاب مستجدات عالم ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، خاصة بعد أن أبطلت المقاومة الفلسطينية مشروع احتلال شمال غزة الذي تصور الجميع، بحكم مسلمات واقع الصراع منذ 1948، أنه قد سُلب أيضًا.
تتجاوز أهمية عودة النازحين الفلسطينيين إلى الشمال رمزية العودة في حد ذاتها. فهي ترسخ أمرًا آخر، جديدًا علينا -عربًا وفلسطينيين- وهو أنه بالإمكان عرقلة وإفشال الإرادة الإسرائيلية، بل وهزيمتها.
وهو إدراك حديث لدينا في معناه ورسالته شديدة الأهمية في الوعي الجمعي العربي، وأنه بالإمكان، فعلًا، وليس حُلمًا، (رغم الثمن الفادح) وقف واقع إسرائيلي يستهدف احتلال الأرض، وإجهاض مخططات إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد على مقاس توازن قوى عالم ما قبل طوفان الأقصى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بعد السابع من أکتوبر طوفان الأقصى تشرین الأول عالم ما بعد من ذلک ذلک أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
في رحيل الجنرال الذي أغتالته “إسرائيل” 100 مرة!!
يمانيون../
رحل رجل الظل، ابن الموت، ذو السبعة أرواح، البأس الشديد الذي لا يخشى الموت، مفجر الطوفان، ومؤسس وحدة الظل، شبح الكيان، وقاهر الاحتلال، من هزَّ الأرض عرضاً وطولاً، ودوّخ استخبارات وجيوش العدو، قائد أركان كتائب القسام، البطل المقاوم الشهيد المجاهد الجنرال محمد دياب إبراهيم المصري؛ الملقب “محمد الضيف”، إلى السماء في حضرة الشهداء.
رحل الضيف اللاجئ في وطنه إلى وطنه الأبدي ضيفاً في جنات ربه، وبقت ذكرى بطولاته خالدة في أعماق كل عربي حراً مقاوم، وسيخلد الرجل المقاوم، الذي أعلن الحرب على كل شيء، العجز والضعف والصمت والتواطؤ والخيانة والعملاء والعمالة والهزيمة، المنهزمين، والتطبيع والمطبّعين قبل أن يعلنها على المحتل والاحتلال، والطغاة والكيان والمستعمرين.
واقعة الاستشهاد
رحل رأس الأفعى -كما تسميه “إسرائيل”- القائد المرعب محمد الضيف “أبو خالد”، شهيداً يوم 13 يوليو 2024، (قبل ستة أشهر ونصف) بخيانة العميل السري للكيان، الخائن سعد برهوم، الذي بلغ عن مكان الضيف ورافع سلامة، وفر هارباً إلى العدو – شرق خان يونس، ومع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تم انتشال جثمانه الطاهر، لكن تأخرت كتائب القسام في إعلان الخبر حتى إتمام صفقة تبادل الأسرى، وعودة النازحين.
الخبر الموجع
في مساء يوم خميس 30 يناير 2025، أعلنت كتائب القسام رسمياً الخبر الموجع في تسجيل صوتي بصوت أيقونة المقاومة، الجنرال المجاهد أبو عبيدة، نبأ استشهاد قائد الأركان محمد الضيف “أبو خالد”، وبعض رفاقه؛ أبرزهم: نائبه مروان عيسى، وقائد لواء خانيونس رافع سلامة، وقائد لواء الشمال أحمد الغندور، وقائد لواء الوسطى أيمن نوفل، وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت، وقائد ركن الأسلحة غازي طماعة، رحمهم الله جميعاً، وأسكنهم فسيح جناته.
خطاب الطوفان
في خطابه الشهير عبر الرسالة الصوتية، فجر يوم السابع من أكتوبر 2023، أعلن القائد العام لكتائب عز الدين القسام، محمد الضيف، الذي لم يظهر إلا صوتًا وظلاً إلا في مشاهد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، بدء عملية عسكرية على “إسرائيل” باسم “طوفان الأقصى” بهجوم مباغت بإطلاق خمسة آلاف صاروخ وقذيفة خلال الدقائق العشرين الأولى من العملية.
وقال: “إننا نعلن بدء عملية طوفان الأقصى، اليوم يتفجر غضب الأقصى، غضب شعبنا وأمتنا ومجاهدينا الأبرار، هذا يومكم لتفهموا العدو أنه قد انتهى زمنه.. نفذوا هجماتكم على المستوطنات بكل ما يتاح لكم من وسائل وأدوات، نحن شعبا ظلمنا وقهرنا وطردنا من ديارنا، نحن نسعى إلى حق، ومهما حاول الطغاة قلعنا ستثبت البذور”.
أسطورة مقاوم
قال عنه رئيس الشاباك الأسبق، كرمي غيلون: “أنا مجبر على القول؛ عليّ أن أكون حذراً في الكلمات، لكن: طوّرت تجاهه “محمّد الضيف” تقديراً مرتفعاً جداً، حتى – إن أردتِ – نوعاً من الإعجاب.. أنتَ ميّت لأن تقتله، مثلما هو ميّت لأن يقتلك، لكنه خصم مُستحقّ.. نتحدّث هنا عن مستوى ليت عندنا مثله، كنتَ ستريد أن يكون قائدًا لسرية الأركان”.
وقال مدير معهد أبحاث الأمن القومي السابق، الجنرال احتياط تمير هايمان: “الضيف يملك قدرة إدراكية، وقد أصبح رمزا وأسطورة بعد نجاته من عدة محاولات اغتيال، وبمجرد ذكر اسمه فإن ذلك يحفز المقاتلين الفلسطينيين”.
بشكل عام، علقت المنصات العبرية، بعد سماع خبر استشهاد الضيف، بقولها: “مات القائد الوحيد الذي أعلن جيشنا اغتياله 100 مرة.. وبعد كل إعلان نتفأجا بأنه لا يزال حيا”.
عاش ألف مرة
والكلام للثائر الفلسطيني إبراهيم المدهون: “كم مرة قالوا: قُتل، وكم مرة عاد من بين الركام، يبتسم، ويتحسس موضع الجرح، ثم يكمل المسير؟
2002، 2003، 2006، 2014.. توالت المحاولات، تناثرت الشظايا، سقطت جدران البيوت، وسقط أحبّته شهداء بين يديه، زوجته، بناته ابنه علي، رفاقه الذين سبقوه، لكنه ظل واقفًا، كالنخيل في العاصفة، ينهض من بين الموت كأن الحياة لا تليق إلا به، وكأن فلسطين أبت أن تفقده قبل أن يكتب لها مجدًا يليق بها”.
قائد أركان كتائب القسام
ولد محمد دياب إبراهيم المصري – الملقب محمد الضيف- عام 1965 في أسرة فلسطينية لاجئة أجبرت على مغادرة بلدتها “القبيبة” داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
درس العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، ونشط في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، ومجال المسرح، وتشبع بالفكر الإسلامي في الكتلة الإسلامية، ثم انضم إلى حركة حماس حتى أصبح قائداً عسكرياً يهابه العدو.
تحاط شخصيته بالغموض والحذر والحيطة وسرعة البديهة، ونجا من 7 محاولات اغتيال سابقة، أصيب ببعضها بجروح خطرة، واستشهدت زوجته ونجله في إحداها.
اُعتقل عام 1989، وقضى 16 شهرا في سجونها، وبقي موقوفا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري لحماس.
“أنا عمري انتهى”!!
عُيّن قائداً لكتائب القسّام عام 2002، ولقب بـ”الضيف” لتنقله كل يوم في ضيافة الفلسطينيين تخفياً من عيون “إسرائيل”.
أشرف أبو خالد على عدة عمليات؛ أسر فيها الجندي “الإسرائيلي” نخشون فاكسمان، بعد اغتيال القائد يحيى عياش يوم 5 يناير 1996، ونفذ سلسلة عمليات فدائية انتقاما له، منها قتل 50 إسرائيليا.
يقول الضيف، بعد محاولة اغتياله في حرب 2014، في المنزل الذي كان متواجدا فيه بثلاث قنابل خارقة للحصون، لم تنفجر سوى قنبلة، ونجا هو وآخرون، واستشهدت زوجته وولده علي: “أنا عمري انتهى من هذه الضربة.. اللي عايشه بعد هيك زيادة”.
“سيظل يطارد الكيان
في 14 يوليو 2024، أعلنت “إسرائيل” اغتياله في منطقة المواصي “غرب مدينة خان يونس” بعملية قصف جوي اُستشهد فيها 90 فلسطينيا وأصيب 300 آخرون، بينهم عشرات من الأطفال والنساء.
في نهاية الكلام، كانت نهاية القائد القسامي البطل الذي أرهق “إسرائيل” لعقود بطولية، ومثلما كان غياب رجل الظل عن الأنظار وهو حياً يمثل حضوراً يطارد الاحتلال، سيظل ضيف فلسطين والأمة وأيقونة المقاومة، وبطل المقاومين ومحرر الأسرى، كذلك شبحاً يخيف العدو بخلود ذكرى أسمه، وشجاعة رجال كتائب القسام، وتأكيد مقولتهم: “حط السيف قبال السيف نحن رجال محمد ضيف”.
السياســـية – صادق سريع