امام وخطيب المسجد الحرام: قوة أمة الإسلام وصلابتَها تقوم على وحدتها واجتماع كلمتها
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة اليوم إن المقرر في عقيدة كل مؤمن أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ تَحْتَ قَهْرِ الله وَغَلَبَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فجَمِيعُ أنْواعِ القُوى ثابِتَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَهُ تَعالى وهو المتفرد بالقوة جميعًا؛ فيجب أن يتعلق قلب المؤمن بالقوي المتين، فقدرته فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة:؟إن ربك هو القوي العزيز? فيوقن المؤمن بأن الله عز وجل لا يعجزه ولا يغلبه ولا يعزب عنه شيء، القادر والمالك لكل شيء، والمحيط والعالم بكل شيء، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وبين فضيلته أن من فقه القوة أن تدبير هذا الكونِ كلِّه بيد الله سبحانه، وأن ما سواه لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة، ولا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.. فكيف يملك ذلك لغيره؟! ومن فقه القوة أن كل من أعجب بقوته من الخلق فاستعظمها واعتمد عليها خسر وهلك.
وأكد الدكتور غزاوي أن الإنسان ضعيف من جميع الوجوه وفي كل أموره، قال تعالى: “وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا”، وكيف للعبد الضعيف أن يغتر بقوته وقدرته، وينسى كيف كان حاله، وما هو إليه صائر، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن يُري العبدَ ضعفَه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا.
وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه.
وأوضح فضيلته انه مما يدفع عُجْبَ المرء بقوته أن يعلم أنها فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليقوم بحقها، وأن العجب بها كفران لنعمتها، مشيرًا إلى إن المؤمن يستمد قوته وعزيمته من ربه سبحانه ويتبرأ من حوله وطوله، ويعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولا يَقوى على فعل شيء إلّا بتأييد مِنه سبحانه، وهذا ما يقر به المخبتون إلى الله، مبينًا أن ذكر الله يُقوي القلب والبدن، فهو يزيد النفس ثباتًا، والقلبَ طمأنينة، والإنسانَ رباطةَ جأش، كما أنه يقوي الجسد.
اقرأ أيضاًالمملكة“مُحافظ هيئة الصناعات العسكرية”: المملكة خصّصت 78 مليار دولار للقطاع العسكري في ميزانية 2025
وأكد فضيلته على أن المؤمنون لا يعتَدُّون بقوتهم مهما بلغت ولا يغترون بما لديهم من عدد وعدة ولا يعتمدون عليها، مع أنهم مأمورون بالأخذ بأسباب القوة المعنوية والمادية، وعدم الركون للضعف، ومتى كان الاغترار بالقوة والكثرة لم يغن ذلك عنهم شيئًا، وأن النصر والغلبة مرتبطة بميزان القلوب لا بميزان القوى، كما أن قوة أمة الإسلام وصلابتَها تقوم على وحدتها واجتماع كلمتها، وأن التفرق والشتات هو من أسباب الفشل وذهاب الهيبة والغلبة، ففضّل النبيّ عليه الصلاة والسلام المؤمن القوي على المؤمن الضعيف، على الرغم من وجود الخيريّة في كلٍّ منهما، ذلك أن المؤمن القوي أكثر نفعًا وأعظم أثرًا؛ إذ يُنتج ويَعمل بما يعود عليه بالنفع لنفسه ويُحقّق مصالح المسلمين، ويعود عليهم بالخير والنصر على الأعداء والدفاع عن الدين ودحر الباطل وأهله، ويُنتفع بقوته البدنية، وبقوته الإيمانية، وبقوته العملية.
ومما ينبغي أن يعلم أن قوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، فإن استعمل الإنسان هذه القوة فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة وفيما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والطاعات صارت محمودة، وإن إستعان بهذه القوة على معصية الله كالبطش بالناس وإيقاع الضرر بهم صارت مذمومة ومن فقه القوة، فالقويُّ الشديدُ حقيقة هو الذي يجاهد نفسَه ويقْهَرُها حينما يَشتدُّ به الغضبُ؛ لأنَّ هذا يدل على قوّة تَمَكُّنِهِ من نفسه وتَغَلُّبِه على الشيطان ومن الفقه أيضًا أن القوة ليست دائمًا فيما نقول ونفعل بل تكون أحيانًا فيما نصمت عنه وفيما نتركه بإرادتنا وفيما نتجاهله ونتغافل عنه.
وشدد فضيلته على حاجة المرء إلى قوة وعزيمة ليَأخذَ الحقَّ بجد واجتهاد، مبينًا إنّ هناك أسبابًا وعوامل تؤدّي بمجموعها إلى تكوين مقوّمات قوّة المسلمين فمن ذلك: التمسّك بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والعملُ بشرع الله القويم في شتى جوانب الحياة، وتركُ الأهواء ونبذُ البدع والانحرافات، واستحضارُ التاريخ الإسلامي؛ ليُستذكر من خلاله تاريخُ الأمّة المجيد وماضيها التليد، مما يشحذ النفوس، ويبعث العزائم، ويدعو إلى التفاؤل بأنّ التمكين لهذا الدين والنصرَ حليفُ المؤمنين، فيستشعرون المسؤولية المنوطة بهم، ويسعون في إصلاح مجتمعاتهم، ويتحرون ما هو خَيْرٌ وأصْلَحُ في كُلِّ ما يأْتُونَ وما يذَرُونَ، وإن للقوة مظاهر عدة في حياة المسلم منها: قوة الإيمان وقوة الأخذ به، وقوة الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم، وقوة الثبات على الدين والتمسك بالحقّ، وقوة البصيرة الناشئة عن العلم النافع، وقوة العبادة والطاعة واستباق الخيرات، وقوة الصبر على الأقدار المؤلمة والمصائب واحتمال المشاق في ذات الله، وقوة العزيمة والإرادة وقوة الامتناع عن الشهوات وكبح جماح النفس، وقوة الرأي ووضع الأمور مواضعها، وقوة أداء المهمات وحفظ الأمانات، وقوة الدعوة إلى الله وبذل النصيحة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما أعظمَ نعمةَ الله على من صرفَ جهده وطاقته في الوجه المشروع، ومُتع بجوارحه وأعضائه وقواه مدة بقائه في الدنيا، واغتنم قوته ونشاطه قبل الضعف والعجز، واختتم فضيلته خطبته قائلًا نحن في شهر شعبان وهو كالمقدمة بين يدي رمضان وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الصيام، قال ابن رجب رحمه الله: في سياق بيان حكمة الصوم في شعبان: “إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن”.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية
إقرأ أيضاً:
التجديد الدائم للتوبة
وأنت في هذه الحياة تتقاذفك الأهواء والفتن والمحن، وتمر بظروف وأحوال لا يعلمها إلا الله، وقد تخبو شعلة الإيمان في قلبك، وتستحكم قبضتها عليك النفس الأمارة بالسوء، ومن خلفها الشيطان، فيزينان لك الفتن، فتقع في وحل المعصية، إلا أن باب الله الكريم مفتوح لعودتك، وكلما أسرعت بالعودة كما كان السبيل إلى النجاة يسير ومتاح، وقد قال الله تعالى في سورة النور: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» فالنداء عام لجميع المؤمنين، للمسارعة للتوبة طلبا للفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
وإذا أمعنا النظر في التوبة وكيف أنها أول خطوة في العودة إلى الله والإنابة إليه، وهي منعطف التحول من المعصية إلى طريق الطاعة والالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه، لوجدنا أنها ناضحة بدلالات كثيرة وعميقة، فهي إلى كونها ممارسة ذاتية تنبع من القلب، وتوجه خاص وذاتي لله عز وجل، في تجربة شعورية تتسم بالإخلاص لله تبارك وتعالى، وهي استعطاف لرحماته وكرمه ولطفه وغفرانه، ليعيننا أن نكون في صفة بشرية تنحو نحو الكمال، فالكمال النسبي للإنسان والحياة المثالية له هي أن يعيشها كما أراد الله له أن يحياها، فالمولى عز وجل يقول: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
كما أن شعور الندم الذي يتزامن مع لحظة الانكسار لله تبارك وتعالى تجعل من هذه الحالة نوعا من الالتزام الذاتي أمام النفس ووعدا ضمنيا بعدم الرجوع إلى هذه المعصية، والإقلاع عنها وفرار إلى الله منها، والتجاء إليه، مما يكوّن حساسية عالية تجاه الذنوب والمعاصي، ويجعل المؤمن دائم المراقبة لله تبارك وتعالى، وهو الشعور الذي يجب أن يكون عند المؤمن، فقلبه معلق بين الرجاء والخوف من الله عز وجل.
وعلى الإنسان أن يكون دائم التجديد للتوبة إلى الله عز وجل، وأن يجعل هذا شأنه اليومي، من خلال محاسبة النفس، فسيدنا عمر -رضي الله عنه- يقول: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية» وقد استقى الفاروق رضوان الله عليه هذه المعاني من روح الشريعة وأوامر القرآن الكريم، فالله تعالى يقول في سورة البقرة: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، فالإنسان أعلم بنفسه، وهو حجيجها أمام الله يوم القيامة، فالكيّس العاقل الفطن، من سعى لاكتساب الأجر وقام بتعمير آخرته، وعمل لما بعد هذه الدنيا.
وأبرز أداة لتجديد التوبة، وجعلها فاعلة في حياة المؤمن بدون عناء، هي الاستغفار، هذه الأداة التي تحيي القلب، وتجعله نابضا بذكر الله، وتغسل منه الأوساخ والأدران، وتنقيه وتصقل مرآته، لكي يسهل عليه استقبال النور الإلهي، وقد ضرب الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مثلا للذي يذكر الله ويستغفر ومن لا يذكر الله فقال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت» فالغافل يعيش في الظلمات، يتخبطه الشيطان ويزين له المهالك، وتسوقه النفس على هواها، ويعيش في كآبة حالكة، وفي نكد دائم، بينما الذي يذكر الله يجد الله معه ينير طريقه، ويخرجه من الظلمات إلى النور، وبل ويجعل الملائكة تدعو له، وهذا مصداق لقول ربنا عز وجل حينما أمر المؤمنين بالذكر الكثير فقال: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» فثمرة الذكر الكثير أن الله يصلي على المؤمنين، وصلاته عليهم هو إسباغ رحمته عليهم ومدهم بفيوض العطاء، وحفهم بأصناف الخير، وأما صلاة الملائكة عليهم فهو أن يقيض الله ملائكته المكرمين ويجعل شغلهم أن يدعوا ويستغفروا لهؤلاء الذاكرين، فيخرجهم الله من الظلمات إلى النور.
وقد بشرنا الله بأن الملائكة يستغفرون لمن في الأرض، وهذا شرف عظيم، وكرم بالغ من الله عز وجل، بأن يسخر ملائكته، هذه الكائنات النورانية، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، أن يكون عملهم الاستغفار لمن في الأرض فقال الله عز وجل في سورة الشورى: « تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
ونحن على مشارف شهر الخير والرحمات والبركات، شهر رمضان المبارك، فما أحرانا أن نجدد التوبة إلى الله عز وجل، ونهيئ أنفسنا إلى استقبال الشهر الكريم وقد عدنا إلى الله، وعوّدنا أنفسنا على لزوم الطاعة وهجران المعصية، والالتفات إلى ما يصلح جوهر الإنسان، وليبدأ بذكر الله ويكسب الأجر والثواب فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: « أَيَعْجِزُ أحدُكم ، أن يكسِبَ كُلَّ يومٍ ألفَ حسَنَةٍ ؟ يُسَبِّحُ اللهَ مائَةَ تسبيحَةٍ ؛ فَيَكْتُبُ اللهُ لَهُ بَها ألفَ حسَنَةٍ، ويَحُطُّ عنه بِها ألْفَ خَطِيئَةٍ» وهذا أقل ما يمكن أن يقوم به المؤمن في يومه، فهذا التسبيح لا يأخذ من وقته أكثر من خمس دقائق، ويتحصل على هذا الأجر العظيم، فكيف بمن يجعل لسانه رطبا بذكر الله، فسينال أجرا عظيما يجده في صحيفة أعماله يوم القيامة.