من دولار نيكسون إلى ميم كوين ترامب.. العالم في اليوم التالي لتنصيب ترامب2
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
في كتاب "الحاجة إلى المال" أقتبس عبارة لمؤلفه، نيال فيرجسون، حين قال: "الدولار الأمريكي ولد من رحم الحاجة إلى عملة موحدة تعبر عن استقلال الولايات المتحدة الاقتصادي"؛ كمقدمة لهذا المقال الذي ليس الغرض منها التطويف على تاريخ الدولار بقدر ما هو جرس إنذار لما سيأخذنا إليه مع دونالد ترامب ومستشاره إيلون ماسك.
مع ولادة الدولة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، كان لزاما على السلطات الجديدة أن تصك لنفسها عملة تعبر عن حقبة ما بعد الاتحاد، وتبرز هوية الدولة الوليدة، فأُقر قانون العملة في 1792 والذي بمقتضاه أنشئ الدولار الأمريكي كعملة، وأصبح العملة الرسمية للولايات المتحدة، معتمدا في تقييمه على الذهب والفضة، بمعدلات محددة، قبل أن يُعتمد في 1879، أي بعد ما يقارب مئة السنة قاعدة الذهب لتقييم الدولار، وهو ما يعني أن كل دولار يمكن تحويله إلى كمية محددة من الذهب، ومن ثم تعزيز ثقة العالم في الدولار وبالنتيجة بث الثقة بعملة الدولة التي بدأت تخط ملامح الإمبراطورية المنشودة للقائمين عليها في السر، والذين يخططون ويخدمون من خلف الستار.
كانت خطوة تعيير الدولار بالذهب ناجحة إلى حد عزز ثقة العالم بالدولار كعملة مستقرة، وساعدت قاعدة الذهب في تقليل التضخم، وجعل الدولار جذابا للتجارة الدولية، التي نشطت فيها أمريكا بفضل توسعها في بناء السفن كجسر للوصول إلى العالم، على الرغم من ذلك فإن الجنيه الإسترليني كان لا يزال مهيمنا على التجارة العالمية، وذلك بطبيعة الحال بحكم هيمنة بريطانيا على العالم وسيطرتها على شبه الكاملة على خطوط الملاحة البحرية في البحار والمحيطات، لكن ومع ضعف اقتصاد الإمبراطورية البريطانية وبداية أفول شمسها بعد الحرب العالمية الأولى التي أجهدت ذلك الاقتصاد المهيمن، استفاد الدولار من حالة الإسترليني وقدم نفسه على أنه البديل الآمن والمستقر، مما فتح الباب أمام الدولار ليتصدر المشهد.
فصل مهم في حياة الدولار كتبته اتفاقية بريتون وودز في عام 1944، حيث اتفقت الدول المشاركة على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي، الذي كان بدوره مرتبطا بالذهب، ما يعني أن الاتفاقية كتبت شهادة ميلاد حقيقية لسيطرة الدولار على التجارة الدولية وخلق نظام مالي جديد يرعاه صندوق النقد الدولية والبنك الدولي اللذين أُنشئا لهذا الغرض، مع ذلك وعلى الرغم من الاستفادة الكبيرة التي حازها الدولار من بريتون وودز، فإن الرئيس نيكسون كان له رأي آخر، وأراد أن يكتب ميلادا جديدا للدولار، لينهي عصر قاعدة الذهب التي عليها بنى الدولار ثقته الدولية لدة المتعاملين، ليثبت بالقوة قاعدة جديدة، بنى بها ثقة العالم في الدولار على موثوقية الحكومة الأمريكية التي تصدره، وعلى الرغم من هشاشة المبادئ، فإن الدولار ظل قويا، لا بقدراته المالية، ولكن بقدرات مصدريه العسكرية والسياسية.
ومع دخول العالم العصر الذهبي للنفط، والاعتماد الكلي على مشتقاته لبناء الحضارة الصناعية، طور نيكسون فكرته، ليضفي مزيدا من الهيمنة على عملته بعقد اتفاق مع الدولة الأكبر في إنتاج النفط، ووقع ملك السعودية فيصل، وبالتالي دول منظمة "أوبك" اتفاقية مع نيكسون على بيع النفط بالدولار ولا شيء غيره، وهو ما عرف حتى يومنا هذا بالبترودولار، وهو ما ضمن الطلب المستمر على العملة الأمريكية، بل وجعله يشكل في يومنا هذا عملة احتياطية عالمية، وبحسب مجلة إيكونوميست، فهو يشكل 60 في المئة من الاحتياطيات النقدية العالمية، ويستخدم في أكثر من 80 في المئة من المعاملات التجارية الدولية، حتى مع محاولات بعض البلاد والتجمعات الاقتصادية الانعتاق من هيمنة الدولار من خلال اتفاقيات للتبادل التجاري بالعملة المحلية، مثل روسيا والصين، والهند، التي أبرمت اتفاقيات مع عدة دول للتبادل التجاري بالروبية الهندية، وكذا الحال بين إيران وروسيا وتركيا، والصين التي تعمل على تعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية، وناجحة إلى حد بعيد في جنوب شرق آسيا، وكذلك تجمع بريكس (الذي يضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا).
محاولات الانعتاق من هيمنة الدولار تزامن معها ظهور العملات الرقيمة، التي بدأت على استحياء وصاحبتها مخاوف، لا سيما وهي غير مدعومة من حكومات، ولا تصدر من بنك مركزي، مع ذلك شكلت تحديا كبيرا ومنافسا بدا خجولا في البداية، لكنه مع الوقت استأسد، ما جعل بعض الدول تخطط، وبعضها نفذت خططها بإصدار عملات رقمية مشفرة، قد تواجه هيمنة الدولار تحديات جديدة. وفي مقال "أين يقف العرب في حرب الدولار واليوان؟" كتبنا عن دور الصين في عملية التحول الكبير في النظام المالي العالمي بمحاولاتها تقديم اليوان كعملة بديلة للدولار، وعن خطتها للخلاص منه واستهداف وصول اليوان لأن يكون واحدة من العملات التي يُعتمد عليها في التجارة الدولية وصولا لتسيده عالم التبادل التجاري، وفي السياق أطلقت اليوان الصيني الذي به تتم أغلب المعاملات التجارية الشعبية في جنوب شرق آسيا، وهو ما جعل ترامب في ولايته الأولى يصدر قرارا تنفيذيا لوقف زحفه باتجاه بلاده وأوروبا.
خلال رئاسته الأولى انتقد ترامب العملات المشفرة مثل البيتكوين، ووصفها بأنها "غير مستقرة" و"مبنية على الهواء". كما أعرب عن قلقه من استخدامها في الأنشطة غير القانونية، لكنه وبعد مغادرته البيت الأبيض، وتحديدا في 2021 أشار إلى أنه قد يدعم العملات المشفرة، وبعد توليه الرئاسة في كانون الثاني/ يناير الماضي وضع صورا لعملة مشفرة تحمل اسم "ميم كوين" ومعها صورته، في تحول جدي لموقفه السابق من العملات المشفرة، وهو ما سبقه أمر تنفيذي مع الساعات الأولى لدخوله البيت الأبيض بدعم العملة المشفرة. ويعزو المراقبون الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، والذي يحظر إنشاء العملات الرقمية للبنوك المركزية، إلى مخاوفه بشأن قدرة تلك العملات على تهديد استقرار النظام المالي وسيادة أمريكا العالمية.
اعتبارا من أيار/ مايو 2024، كانت حوالي 140 دولة تعمل على مشاريع تجريبية للعملة الرقمية للبنك المركزي، وكان اليوان الرقمي الصيني أحد أكثر العملات تقدما، حسبما أفاد موقع كوينتيليغراف، لذا فإن ترامب بالأمر التنفيذي الذي أصدره بشأن العملات المشفرة يستهدف من ناحية وقف الزحف الدولي باتجاه عملة يمكن أن تسحب البساط من تحت الدولار، والأهم هو استكمال معركته التي بدأها في ولايته الأولى ضد اليوان الرقمي الصيني، الذي يزحف بقوة باتجاه سيادة الريادة العالمية في هذا المجال، لكن ومع ارتفاع الدين العام الأمريكي لأكثر من 30 تريليون دولار، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، يبقى السؤال حول هيمنة الدولار، وحول إن كان الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن العملات المشفرة في العالم هي محاولة من راعي البقر فرض عهد جديد على العالم ينفذ فيه هيمنة بالقوة الغاشمة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدولار ترامب العملات امريكا دولار عملات ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العملات المشفرة هیمنة الدولار وهو ما
إقرأ أيضاً:
وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب
قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن احتضان الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين جعل الحلفاء القدامى للولايات المتحدة ينظرون إليها، لا باعتبارها حليفا غير موثوق به فقط، بل باعتبارها تهديدا محتملا لأمنهم.
وذكرت الصحيفة -في تقرير بقلم ياروسلاف تروفيموف- أن بقاء أميركا لمدة 80 عاما كقوة خيرية نسبيا مهيمنة في العالم، جذب لها شركاء وحلفاء راغبين في التعاون، وذلك يعود إلى مبادرتين رئيسيتين أطلقتهما استجابة للاضطرابات التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جيروزاليم بوست: هل معاهدة كامب ديفيد للسلام في خطر؟list 2 of 2صحف عالمية: ترامب يرضي اليمين الإسرائيلي وحكم غزة صعب دون رضا حماسend of listكانت الأولى عقد مؤتمر بريتون وودز عام 1944، الذي كرس فكرة التجارة الحرة والتعريفات الجمركية المنخفضة، وأدى إلى ازدهار غير مسبوق بالنسبة للغرب، وكانت الثانية قيادة إنشاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو التحالف الذي انتصر في الحرب الباردة وضمن السلام في أوروبا.
ولتشكيل هذا النظام من الفوضى، وعلى أنقاض الحرب العالمية الثانية، كما كتب دين أتشيسون، المستشار الرئيسي للرئيسين فرانكلين روزفلت وهاري ترومان المعادي للانعزاليين الذين ينادون بشعار "أميركا أولا"، يجب أميركا أن "تبذل جهدا خياليا فريدا من نوعه أكثر حتى من ذلك الذي بُذِل في فترة الحرب السابقة".
إعلان
البحث عن رد
ورأت الصحيفة أن إرث هاتين المبادرتين بدأ يتراجع بسرعة مذهلة بسبب مساعي ترامب الذي استهدفت إدارته الثانية أقرب حلفاء أميركا برسوم جمركية عقابية، وأمرت بوقف مفاجئ للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، وجمدت المساعدات الخارجية، وتميل إلى إعادة تنظيم جيوسياسي جانح لروسيا الاستبدادية، على حد تعبير الصحيفة.
وقد دفعت تحركات ترامب هذه بقية العالم -حسب الصحيفة- إلى البحث عن رد، وقال النائب الكندي إيفان بيكر، مرددا وجهة نظر أصبح عليها إجماع أوروبا "لقد غيرت الولايات المتحدة من وقوفها مع الديمقراطيات مثل كندا وفرنسا واليابان، وهي تقف الآن مع الدكتاتوريين مثل بوتين، ويجب أن يشعر الناس في البلدان الحرة في جميع أنحاء العالم بالقلق الشديد".
وفي خطاب دراماتيكي، طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحملة إعادة تسليح كبرى، وقال إن أوروبا لا يمكنها السماح لواشنطن وموسكو بتحديد مستقبلها، وبالتالي يجب عليها الآن الاستعداد لأميركا التي لم تعد إلى جانبها.
وإذا كان ترامب -كما ترى الصحيفة- شكك أثناء رئاسته الأولى، علنا في قيمة التحالفات والتجارة الحرة، وأعرب عن إعجابه بالزعماء الاستبداديين واحتقاره للديمقراطيات الأخرى، لا سيما في أوروبا، فإنه اليوم يعود بلا معارضة تقريبا لمتابعة هذه الدوافع بقوة غير مقيدة وبلا مثيل، مضيفا إليها المطالبات المفترسة بأراضي الغير، مثل كندا وغرينلاند وقناة بنما وحتى قطاع غزة.
وقال مايكل فوليلوف، المدير التنفيذي لمؤسسة لوي للأبحاث في أستراليا، إن "ترامب في ولايته الأولى، اعتقد أن أميركا كانت ضحية للخداع، وكان رد فعله هو التقشف، أما في ولايته الثانية، فيدفعه الاعتقاد نفسه لطلب المزيد من أموال الحماية والمزيد من الأراضي، وهو مستعد لاستخدام الإكراه للحصول على هذه الأشياء".
إعلانوحذرت إيفلين فاركاس، المديرة التنفيذية لمعهد ماكين، من أن المزيج المتفجر من مذهب ترامب التجاري الجديد واحتضانه التفكير الإمبراطوري الذي يشبه القرن التاسع عشر قد يدفع العالم نحو حريق جديد، لأن "كلا من جانبي سياسته الخارجية، المكون الأمني وكذلك المكون التجاري والاقتصادي، يحملان الكثير من الخطر، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة، بل والعالم".
وذكرت وول ستريت جورنال أن الولايات المتحدة، التي لم تكن دائما قوة عالمية حميدة، لم تحاول طوال قرن من الزمان الاستيلاء بشكل دائم على أراضي دول أخرى، رغم أنها دعمت الانقلابات والدكتاتوريات القمعية في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وغزت واحتلت العراق عام 2003.
غير أن حروب ترامب التجارية -كما تقول الصحية- وإذلاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتهديداته لكندا وبنما والدانمارك، وتهميشه الحلفاء الأوروبيين أدت إلى تآكل هذا الإرث في جميع أنحاء العالم، وغيّرت صورة أميركا في آسيا "من دولة محررة إلى دولة هدامة"، كما قال وزير الدفاع السنغافوري نغ إنغ هين، أحد أقرب شركاء واشنطن الآسيويين.
والسؤال الحاسم الذي يطرحه الحلفاء الآسيويون على أنفسهم هو الآن: هل إدارة ترامب، بعد أن بدت وكأنها تقبل حق روسيا في منطقة نفوذ بأوروبا، ستسعى أيضا إلى إيجاد تسوية مماثلة فوق رؤوسهم لتقاسم العالم مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، خاصة بعد أن قال وكيل وزارة الدفاع الأميركية للشؤون السياسية إلبريدج كولبي إن تايوان، رغم أهميتها الكبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، ليست "مصلحة وجودية؟".
الصين أم أوروبا؟وفي هذا السياق، قدمت الصين نفسها للأوروبيين على أن نهجها الدبلوماسي يؤكد على السلام والصداقة وحُسن النية والتعاون المربح للجانبين، معربة عن فظاعة تعامل ترامب معهم، واتفقت معهم على أن مستقبل أوكرانيا لا ينبغي أن تقرره واشنطن وموسكو وحدهما.
إعلانويأتي ذلك -حسب الصحيفة- في وقت أدركت فيه الحكومات الأوروبية أن الولايات المتحدة تتحول من حليف إستراتيجي إلى مفترس، مما يعني أن إعادة التوازن أمر لا مفر منه، وإن كانت لا تزال تتشبث بالأمل في أن الرابطة عبر الأطلسي التي استمرت 8 عقود من الزمان سوف تبقى بطريقة أو بأخرى.
وتساءلت ريم ممتاز، المحللة في مؤسسة كارنيغي بباريس، هل الأوروبيون قادرون على أن يصبحوا القطب الرابع، بحيث لا يتم استيعابهم في مجالات نفوذ روسيا ولا الولايات المتحدة ولا الصين، أم إنهم مقتنعون بأنهم لا يستطيعون ذلك، ومن ثم سيكون هناك تقسيم لأوروبا".
وقال المارشال الجوي المتقاعد إدوارد سترينغر، رئيس العمليات السابق في هيئة أركان الدفاع البريطانية، إن نوعا من "تحالف شرق الأطلسي"، ربما يشمل كندا، قد يحل محل الناتو في السنوات المقبلة، وأوضح "أن أوروبا لديها فرصة عابرة لمواجهة التحدي الذي يفرضه بوتين وترامب بشكل مباشر وغير مباشر".
وقال ثورستن بينر، مدير معهد السياسات العامة العالمية في برلين، متحدثا عن أوروبا "لقد اتبعنا دائما مبدأ الأمل في الأفضل، ولكننا الآن نستعد أخيرا للأسوأ، بأن تصبح الولايات المتحدة قوة معادية علنا متحالفة مع روسيا"، وتساءل: هل فات الأوان؟
في حين أن تآكل التحالفات بين الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى يصب في مصلحة الصين، فإن الفائز الأكبر في النهاية قد يكون أوروبا، كما يرى الأدميرال البحري الأميركي المتقاعد جيمس ستافريديس، الذي يقول "إن الأحداث التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من الممكن أن تدفع أوروبا إلى التوحد والإرادة والوحدة، وتجعلها قوة أكثر أهمية في العلاقات الدولية".