المثقف القلق.. هل يحمل أجوبة تغييرية؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
الكتاب: المثقف القلق ضد مثقف اليقين
المؤلف: خالد الحروب
الناشر: الأهلية للنشر والتوزيع
على مدى عقود طويلة وفي "سياق خطابات ما بعد الكولونيالية" تم افتراض دور كبير للمثقف باعتباره صاحب رؤية مستقبلية، يمتلك قدرة على إحداث التغيير المنشود في مجتمعه، ومساعدته على النهوض والتطور، سيما في البلدان النامية، وتلك التي عانت لعقود من الاستعمار.
وهو ما يمكن ملاحظته أيضا في تراجع مساحة سيطرة الأيديولوجيات التي كانت سائدة في القرن العشرين إلى صالح حالة أكبر من "اللايقين والقلق"، دخل فيها الكثير من المثقفين، ممن كانوا في السابق "يقينيين" إزاء ما يطرحونه من أفكار ورؤى. هذا ما يقوله الباحث والأكاديمي خالد الحروب في مقدمة كتابه الذي يناقش فيه مفهوم "المثقف القلق والمقلق" كنقيض لمفهوم "مثقف اليقين والموقن".
يمكن ملاحظة الأهمية الكبيرة التي يحظى بها المثقف في المجتمعات النامية بالمقارنة مع تلك التي يحتلها في المجتمعات المتقدمة، فالاختلافات في الظروف التي أدت إلى تطور المثقف يمكن لها أن تحدد ماهية ومدى التأثير الذي يصنعه في مجتمعه. ومشاركة المثقفين في هذه المجتمعات (النامية) يمكن اعتبارها ضرورة اجتماعية وفكرية، وليست ترفا فكريا.يبدأ القسم الأول من الكتاب بقراءة نقدية في الأدبيات العالمية والعربية لمقارباتها لمفهوم "المثقف" ودوره، ثم ينتقل الحروب لمناقشة مفهوم "المثقف العضوي" خاصة في السياقات العربية، ومفهوم "مثقف السلطة والقبيلة" من حيث أنه "التجسيد الأوضح للمثقف اليقيني"، ومفهوم "المثقف الناقد" الذي يعتبره تحولا جوهريا في فهم دور المثقف، ثم مفهوم "المثقف القلق والمقلق" الذي يمثل المرحلة الأكثر تطورا، مقدما بعد ذلك مقاربة لما يصفه بـ "الطبقة الوسطى الثقافية".
أما القسم الثاني من الكتاب فقد ضمنه الحروب مجموعة من المقالات المنشورة له في أوقات مختلفة، تناقش قضايا متنوعة لكنها، بحسب ما يقول، "تقع في قلب اهتمامات المثقف ودوره ووظيفته وتحولاته، وفيها مقادير متفاوتة من القلق والإقلاق".
يقول الحروب: إنه من الضروري عند تعريف المثقف ودوره وأهميته الالتفات إلى نوع المجتمع الذي يعيش فيه، إذ تختلف معايير ذلك في المجتمعات المتقدمة عنها في المجتمعات النامية، وإن كان بالإمكان النظر إلى المثقفين، بشكل عام، باعتبارهم شريحة متميزة لجهة امتلاكهم وعيا تاريخيا وعمقا فكريا يؤهلهم لطرح رؤى تغييرية.
ويقول إنه يمكن ملاحظة الأهمية الكبيرة التي يحظى بها المثقف في المجتمعات النامية بالمقارنة مع تلك التي يحتلها في المجتمعات المتقدمة، فالاختلافات في الظروف التي أدت إلى تطور المثقف يمكن لها أن تحدد ماهية ومدى التأثير الذي يصنعه في مجتمعه. ومشاركة المثقفين في هذه المجتمعات (النامية) يمكن اعتبارها ضرورة اجتماعية وفكرية، وليست ترفا فكريا.
وإجمالا فإن تعريف المثقف ودوره يرتكز على نوعين رئيسيين، الأول هو "المثقف الناقد"، المتحرر من أي التزامات أيديولوجية مسبقة، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة تخليه عن الانحياز. و"المثقف الاجتماعي" الذي يلتزم "مواقف ثابتة تجاه فكرة اجتماعية ـ سياسية.. وينضوي تحت هذه الفئة نوع يمكن وصفه بالمثقف التبريري أو الاعتذاري، الذي يتجنب الدخول في مواجهة مع الوضع السائد". وهذا الأخير يعتبره الحروب حالة "متقدمة" عن المثقف المهادن الذي يميل إلى السكوت والحياد، بينما يجسد المثقف الشعبوي أسوأ مراحل المثقف التبريري.
حالة انفصامية
يلفت الحروب الانتباه إلى أن المثقفين العرب على تنوعهم قد انخرطوا خلال المراحل الكبرى من التاريخ المعاصر في قضايا أمتهم. سواء في حروب التحرير والنضال ضد الاستعمار، أو في الصراع ضد إسرائيل، وبعضهم وجد نفسه في صف النخبة الحاكمة في بلده، وآخرون كانوا في المعارضة وأحيانا في السجن. وهؤلاء كلهم توزعوا على أيديولوجيات مختلفة، فالماركسيون منهم تبنوا في معظمهم نهجا غرامشيا، والقوميون العرب خاضوا صراعاتهم ضد التجزئة والقطرية، وفي المقابل كان هناك مثقفون يرون في أفكار الوحدة العربية طوباوية غير واقعية.
كما كان هناك مثقفون ليبراليون تبنوا أفكار الحداثة السياسية كالديمقراطية والعلمانية، والمثقفون الإسلامويون الذين رأوا في الإسلام حلا لضعف البلدان العربية. لكن واقع الحال يظهر، بحسب الحروب، أن طبقة المثقفين والمفكرين العرب لم تتمكن من خلق مشهد فكري حقيقي يتم فيه تداول الأفكار وتعميقها وإنضاجها. وعلى العكس من ذلك استقر المشهد على حالة "انفصامية" جزؤها الأول تكفيري، وجزؤها الثاني إقصائي، لا تنتج إلا خطابات استعدائية وآليات لقمع الآخر.
من جهة أخرى فإن تحولات كثيرة عرفها مفهوم "المثقف العضوي" شوهت الدور الذي طرحه غرامشي لهذا المثقف، سيما مع التراجع الشديد لفعل النقد الذاتي عند الكثير من المثقفين في مقابل تقدم الدفاع المستميت والأعمى عن الجماعة أو الأيديولوجيا. ما قاد في المحصلة لظهور ما يمكن تسميته ب "مثقف اليقين" الذي يتبع بولاء مطلق طبقته أو طائفته أيا كانت؛ سلطة سياسية، أو طائفة دينية، أو عقيدة أيديولوجية.. إلخ.
واقع الحال يظهر، بحسب الحروب، أن طبقة المثقفين والمفكرين العرب لم تتمكن من خلق مشهد فكري حقيقي يتم فيه تداول الأفكار وتعميقها وإنضاجها. وعلى العكس من ذلك استقر المشهد على حالة "انفصامية" جزؤها الأول تكفيري، وجزؤها الثاني إقصائي، لا تنتج إلا خطابات استعدائية وآليات لقمع الآخر.لكن الحروب يشير أيضا إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة أن كل مثقف يحمل ولاء لفكرة أو طبقة هو مثقف يقيني، فالكثير من المثقفين انتموا إلى ايديولوجيات محددة واحتفظوا بحسهم ودورهم النقدي. والنقد الذي يتحدث عنه الحروب هو ذاك "الذي يفكك المفاهيم والمسلمات الكبرى، ويسائل اليقينيات الاجتماعية.. حيث يتجاوز كل ما سبقه من مقاربات نقدية في جرأة الوصول إلى عمق الأفكار ونقضها من دون حدود" وهو الذي يؤسس لمفهوم "المثقف القلق".
طبقة وسطى
يتسم "المثقف القلق" بسمتين تميزانه عن "المثقف الناقد"؛ اللايقين، واللاتمركز. الأولى تعني عدم التمسك الصارم بالقناعات التي يحملها هو نفسه، بمعنى أن يتحرر من اليقينيات التي قد تتسلل لأفكاره هو، وليس فقط يقينيات غيره. أما الثانية فيقصد بها توسيع مدى الرؤية للقضايا بحيث ينظر إليها من زوايا مختلفة (نظرية وفكرية ومعرفية) والتحرر من أية أيديولوجيات مسبقة. وهنا يظهر التساؤل حول كيف يمكن لهذا المثقف "القلق" أن "يشتغل على مستوى المجتمع(العربي) والمشروع الوطني وأين يمكن موضعته في سياق دفع المجتمع والوطن إلى الأمام وتنميته؟". لا يدعي الحروب أنه يملك إجابة شافية، لكنه يقدم مقاربة لما يمكن أن يقدمه هذا المثقف من "زاوية مساهمته في تشكيل وتعميق طبقة وسطى ثقافية، تشتغل فيها مكونات القلق..، وعدم الوقوع في أسر الأيديولوجيات الخلاصية أو السرديات الكبرى".
يشرح الحروب مفهوم "الطبقة الوسطى الثقافية" في وجه من وجوهه باعتباره نقيضا للاستقطاب الثقافي (الأيديولوجي، والديني والفكري والسياسي)، كما أنه لا يقصد به طبقة عددية كلما زاد عدد أفرادها ترسخ وجودها، فالأهم من ذلك "انتشار أفكار ومناهج التفكير والمقاربات العامة للقضايا، القائمة على التعددية واللاأدرية واحتضان التناقض واللايقين واللا تمركز". تتولد هذه الطبقة من تيار فكري وسطي، هو أقرب إلى حالة مجتمعية، وهو يختلف في طريقة تشكله ومضمونه عن التيار التوفيقي التقليدي من عدة زوايا، منها اتسامه بسمات الثقافة القلقة، واعطائه الأولوية لطرق ومنهج الحل لا الحل نفسه، أو ما يمكن تسميته "ديمقراطية الحل".
يقول الحروب إن "البؤرة الجاذبة في حالة مثقفي الوسط الفكري ليست في وجود برنامج سياسي جديد يطرح على الشارع أو أيديولوجية منافسة لما هو موجود أصلا" إنما هي الدعوة لتبني التعددية والديمقراطية كمنهج يوجه التحرك السياسي والاجتماعي العام لاكتشاف الحلول. كذلك فإن مثقفي الوسط الفكري أو المثقفين القلقين، مشغولون بالانطلاق من الواقع نحو صياغة الحلول والتغيير، لا يسقطون الأيديولوجيا على الواقع باعتبار أنها تمتلك الحل" لأن مشكلات واقعنا ومجتمعاتنا العربية مركبة ومتشابكة.. فليس ثمة قناعة عند المثقف القلق بأن الحل الحاسم لهذه المشكلات موجود في الأيديولوجيا، بل في اصطراع الحلول المطروحة من قبل الجميع". يضيف الحروب أن وجود مثقفي الوسط الفكري وتشكل طبقة وسطى ثقافية لا يعني أبدا تشكيل حزب أو حركة تعبر عن انشغالاتهم، فليس هذا هدفهم ولا يجب أن "يحجموا الأفكار التي أقلقتهم وميزتهم عن تيارات اليقين في أطر تصادم أو تنافس الأحزاب والحركات الموجودة" التعبير الأهم لثقافة القلق هو "ترسيخ تقاليد التعددية واحترام الفكر الآخر وحامليه، والدمقرطة بأوسع معانيها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الاردن كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المجتمعات من المثقفین ما یمکن
إقرأ أيضاً:
فصيل "وينرز" يحمل رئيس نادي الوداد البيضاوي مسؤولية الإخفاقات
حمل « وينرز »، الفصيل المساند للوداد البيضاوي، إلى رئيس الفريق، هشام آيت منا، مسؤولية إخفاقات الفريق هذا الموسم، مشيرا إلى نجاح أي مشروع يتطلب العمل، العمل، ثم العمل، بعيداً عن البهرجة والأضواء والكلام، موضحا أن النتائج هي التي تظهر في الأخير لتحكم، بعيداً عن التفنن في توزيع التصريحات والظهور في الحفلات.
وقال « وينرز »، في بلاغ، إن « حصيلة كارثية لحدود الساعة، في موسم كنا نُمني النفس بالعودة فيه للواجهة، ولكن مجموعة من الأخطاء القاتلة إدارياً وتقنياً ساهمت في هذا الإندحار الذي لا يُشرف كبير المغرب ».
وتابع أن « الرئيس هو المسؤول الأول عن هذا الوضع بسبب ثقته الزائدة في المدرب، والرضوخ للكثير من مَطالبه المُبالغ فيها، وفي مجموعة من الإنتدابات الفاشلة التي كلفت خزينة الفريق أموالاً طائلة بلا فائدة، فلا يعقل ضم لاعبين بالملايير وإجلاسهم في الدكة ».
وأضاف، « وعلى المستوى الإداري، لم يتم الوفاء بوعود بداية الموسم، ولازالت دار لقمان على حالها، فلا مستشهر جديد، ولا أقمصة جديدة، ولا نتائج إيجابية، ناهيك عن غياب ردة فعل حقيقية لما تعرض له الفريق طيلة الموسم من استهداف مُمنهج على كافة المستويات ».
وواصل، « لطالما نادينا بضرورة الاستقرار، لأننا نعي أنه الطريق نحو النجاح، ولكن مع كامل الأسف اخترنا ذلك مع الشخص الخطأ إدارياً ورياضياً، فلم نلمح لحدود الساعة أي مؤشرات وأي ملامح لفريق قوي، فالمدرب أبان عن ضُعف كبير رغم الإمكانيات والصلاحيات التي مُنِحت له، والدعم اللامشروط الذي تلقاه، فلا هو صنع مجموعة قوية، ولا هو حافظ على هوية الفريق، فانهار أمام أضعف الخصوم، ناهيك عن الخرجات الإعلامية المُستفزة ».
واستطرد قائلا، « اليوم نحن في مُفترق الطرق، والمرحلة تحتاج لقرارات شجاعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إن مصلحة الوداد فوق أي اعتبارات ضيقة، ونعلم جيداً أن من يتهمون المجموعة اليوم هم من اتهموها سابقاً وسيتهمونها مستقبلاً، والحلول سهلة جداً بمواقع التواصل الإجتماعي، لكن أزمات النادي تحتاج لرجال الواقع، ومع كامل الأسف حينها يختفي الجميع ويتراجعون للخلف ».
كلمات دلالية المغرب فرق فصيل قدم كرة مشجعون