القوى المدنية السودانية – أي رؤية للتعامل مع الإدارة الأمريكية؟
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
في ظل الأزمة السودانية الحالية، تبدو القوى المدنية أمام تحدٍ رئيسي يتعلق بعلاقتها بالإدارة الأمريكية، التي تملك العديد من الأدوات للتأثير على مجريات الصراع.
فبينما تُعتبر الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا في المشهد الدولي، تظل التساؤلات قائمة حول جدوى وأفق تعامل القوى المدنية السودانية معها، ومدى قدرة هذه القوى على تشكيل حليف سياسي موثوق في ظل الحسابات الجيوسياسية التي تحكم السياسة الأمريكية في المنطقة.
أولًا: أدوات الإدارة الأمريكية في الضغط على المتحاربين
تمتلك الإدارة الأمريكية عدة أدوات تمكنها من فرض حلول أو التأثير على أطراف النزاع السوداني، أبرزها-
الضغوط الدبلوماسية: عبر وزارة الخارجية والتنسيق مع الحلفاء الإقليميين مثل السعودية والإمارات ومصر.
العقوبات الاقتصادية: تجميد الأصول، فرض قيود على التعاملات المالية، وحرمان السودان من الدعم الدولي.
الدور العسكري والاستخباراتي: دعم بعض القوى عسكريًا أو فرض حصار جوي أو مراقبة التحركات الميدانية عبر الأقمار الصناعية.
استخدام النفوذ الإنساني والإغاثي: ربط المساعدات بوقف الحرب أو الدخول في مفاوضات.
ثانيًا: هل السياسة الأمريكية ستستمر في استهداف الجماعات الإسلامية؟
منذ سنوات، تتبع الولايات المتحدة استراتيجية قائمة على محاربة الجماعات الإسلامية المسلحة، تماشيًا مع مصالحها الأمنية وتنسيقها مع إسرائيل في المنطقة. وهذا يطرح السؤال: هل ستمتد هذه السياسة إلى السودان لتصفية أي وجود للإسلاميين، أم أنها ستظل تُدير المشهد عبر تفاهمات مع القوى المسيطرة؟
إذا قررت واشنطن تبنّي نهج المواجهة الصريحة ضد القوى الإسلامية في السودان، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد جديد يفتح البلاد على احتمالات حرب أكثر تعقيدًا.
في المقابل، قد تفضل سياسة الاحتواء، بمعنى توظيف الإسلاميين كجزء من أي تسوية سياسية، كما فعلت مع بعض الأنظمة الأخرى في المنطقة.
موقف القوى المدنية السودانية من هذه الاستراتيجية سيحدد مدى قربها أو بعدها عن واشنطن، فهل ستنخرط القوى المدنية في أجندة أمريكية تستهدف تصفية الإسلاميين، أم ستبحث عن توازن استراتيجي أكثر استقلالية؟
ثالثًا: هل تستطيع القوى المدنية تشكيل تحالف موثوق مع واشنطن؟
حتى الآن، تواجه القوى المدنية السودانية تحديات داخلية كبيرة تعرقل قدرتها على تشكيل تحالف سياسي موثوق مع الإدارة الأمريكية، ومنها:
الانقسامات السياسية: تعدد الرؤى داخل القوى المدنية يجعل من الصعب تقديم موقف موحد.
افتقارها للنفوذ العسكري: على عكس الأطراف المتحاربة، لا تمتلك القوى المدنية أذرعًا مسلحة يمكن أن تجعلها لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الأمنية.
مدى استجابتها للأجندة الأمريكية: هل ستقبل هذه القوى أن تكون مجرد منفّذ للسياسات الأمريكية أم ستفرض أجندتها الخاصة؟
إذا أرادت القوى المدنية أن تكون حليفًا موثوقًا لواشنطن، فعليها أن تثبت قدرتها على تحقيق الآتي:
تقديم رؤية سياسية واضحة تعكس مصالحها بوضوح دون الانجراف وراء أجندات خارجية.
الوحدة الداخلية، فالتشرذم الحالي يجعلها ضعيفة وغير مؤهلة لقيادة المرحلة القادمة.
بناء تحالفات إقليمية ودولية توازن علاقتها مع الولايات المتحدة دون الارتهان الكامل لها.
هل تملك القوى المدنية الإجابة؟
يبقى السؤال الأهم وهو هل لدى القوى المدنية رؤية استراتيجية للتعامل مع الولايات المتحدة؟ أم أنها ستظل رهينة ردود الأفعال والانقسامات، ما يجعلها لاعبًا ثانويًا في معادلة ترسمها قوى أخرى؟
إن مستقبل السودان يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة القوى المدنية على إعادة ترتيب صفوفها، وتقديم نفسها كخيار جاد، سواء للداخل السوداني أو للمجتمع الدولي، فهل ستنجح في ذلك؟
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة السودانیة الإدارة الأمریکیة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
أعضاء في الكونغرس يعملون على مشاريع لحظر مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات.. ما فرص نجاحها؟
منع الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي جريجوري ميكس، مبيعات الأسلحة لدولة الإمارات، التي تعد شريكا رئيسيا في الشرق الأوسط، بسبب دورها المزعوم في الحرب الأهلية الجارية حاليا في السودان.
وذكرت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية أن هذا المنع "تم بهدوء منذ أواخر العام الماضي"، إلا ميكس يخطط للكشف عن ذلك بشكل علني عندما يقدم مشروع قانون لـ"اتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يغذون الحرب في السودان".
وأوضحت الصحيفة أن "الإمارات اتُهمت على نطاق واسع من قبل جماعات حقوق الإنسان ومراقبي الصراع الخارجيين بتسليح وتمويل ميليشيا متهمة بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب في السودان سرا".
ويستطيع أي من كبار المشرعين الأربعة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب فرض حظر على مبيعات الأسلحة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان حظر ميكس قد منع بنشاط أي عمليات نقل أسلحة إلى أبو ظبي حتى الآن.
ومن غير الواضح ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيلتزم بمثل هذا الحظر، ففي الشهر الماضي، أعلن عن بيع أسلحة بقيمة 7.4 مليار دولار لـ"إسرائيل" على الرغم من طلب ميكس بإيقاف البيع مؤقتًا حتى يتلقى مزيدا من المعلومات، وهو ما مثّل سابقة بشأن مراجعات الكونغرس لمبيعات الأسلحة الكبرى.
أسفرت الحرب الأهلية التي استمرت قرابة عامين في السودان عن مقتل ما يقدر بنحو 150 ألف شخص وتركت حوالي 30 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات غذائية وطبية. واتهمت الولايات المتحدة كلا الطرفين المتحاربين، الجيش السوداني أو ميليشيا قوات الدعم السريع، بارتكاب جرائم حرب وفظائع.
قبل وقت قصير من مغادرة الرئيس جو بايدن منصبه، قررت إدارته أن قوات الدعم السريع كانت ترتكب إبادة جماعية واتهمت القوات المسلحة السودانية باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وأكدت الصحيفة أن "الحرب الأهلية في السودان أصبحت بمثابة حاضنة للقوى بالوكالة التي تتنافس على النفوذ، حيث تُتهم الإمارات بتسليح قوات الدعم السريع، بينما تتلقى القوات المسلحة السودانية الدعم من مصر والسعودية وإيران".
وذكرت أن "مشروع قانون ميكس يهدف إلى دفع الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهود لإنهاء الصراع في السودان".
ونقلت عن ثلاثة مساعدين في الكونجرس مطلعين على الخطة تأكديهم أن هذا "يشمل منع نقل المعدات العسكرية الأمريكية إلى أي دولة تسلح أي من الجانبين في الحرب، كما يحدد مشروع القانون، الذي يحمل عنوان "قانون المشاركة الأمريكية في السلام السوداني"، خططًا لتعزيز العقوبات على الأطراف المتحاربة ويخصص التمويل لمبعوث خاص للسودان".
وبيّنت أن الطريق إلى أن يصبح مشروع قانون ميكس قانونا غير مؤكد؛ نظرا لسيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ، وحتى الآن لم تقل الإدارة الجديدة الكثير عن نهجها تجاه الحرب الأهلية في السودان.
ودعم الجمهوريون في مجلس الشيوخ ومجلس النواب قرارات ومشاريع قوانين تدين الحرب في السودان في الماضي، لكنهم لم يقدموا أي تشريع مهم بشأن الصراع منذ تولي ترامب منصبه.
ونهاية الأسبوع الماضي، رفعت الحكومة السودانية دعوى أمام أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، متهمة الإمارات بالتواطؤ في الإبادة الجماعية بسبب دعمها لقوات الدعم السريع.
ورد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، على الاتهامات قائلا: "يجب أن تكون أولوية السودان وقف إطلاق النار في هذه الحرب السخيفة والمدمرة ومعالجة الكارثة الإنسانية الهائلة"، مضيفا أن القوات المسلحة السودانية كانت بدلاً من ذلك تجري "مناورات إعلامية ضعيفة لتبرير رفضها للسلام والمسار السياسي".
ويذكر أن مشروع ميكس ليس الوحيد الذي يفحص دور الإمارات في الحرب الأهلية في السودان، نظرا لأن السناتور كريس فان هولين، والنائبة سارة جاكوبس يعملان على تقديم تشريع منفصل خاص بهما بشأن هذه المسألة خلال الأسبوع الجاري.
وعلى عكس مشروع قانون ميكس، الذي يدعو إلى منع مبيعات الأسلحة لأي دولة متورطة في الصراع، فإن مشروع قانون فان هولين وجاكوبس يدعو صراحة إلى منع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات بسبب دعمها لقوات الدعم السريع.
وفي الأيام الأخيرة من ولايته، قال فان هولين وجاكوبس إن مسؤولي إدارة بايدن أكدوا لهما أن الإمارات كانت تزود المجموعة بالأسلحة، في تناقض مباشر مع التأكيدات التي قدمتها لواشنطن.
وقال جاكوبس: "بينما الإمارات العربية المتحدة شريك مهم في الشرق الأوسط، لا ينبغي لأمريكا أن تزود أي دولة تستفيد من فظائع قوات الدعم السريع بالأسلحة".
قرار رفض
وبخلاف عملية مراجعة مبيعات الأسلحة من قبل قادة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قال فان هولين في مقابلة إنه ينوي اتخاذ خطوة أخرى لمنع المبيعات، ستكون بتقديم قرار مشترك بالرفض، وهي وسيلة تشريعية يمكنها تجاوز قادة مجلس الشيوخ للحصول على تصويت تلقائي، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يمر في ظل أغلبية جمهورية.
لم يسبق لأي قرار رفض أن يُمرر في مجلس النواب والشيوخ وينجو من الفيتو الرئاسي، وقد أدت مثل هذه القرارات في بعض الأحيان إلى مناقشات ساخنة سلطت الضوء على مخاوف حقوق الإنسان واستياء المشرعين من مبيعات الأسلحة.
ولطالما كانت الإمارات مشتريا رئيسيا للأسلحة الأمريكية، في أكتوبر، أعلنت إدارة بايدن، على سبيل المثال، أنها وافقت على بيع محتمل لذخائر "GMLRS" و"ATACMS"، والدعم المرتبط بها، مقابل 1.2 مليار دولار.
وتصنع شركة لوكهيد مارتن الامريكية صواريخ نظام إطلاق الصواريخ المتعددة الموجهة (LMT.N)، مع إنتاج محرك الصواريخ الذي يعمل بالوقود الصلب للنظام، إضافة لتصعنيها أيضا صواريخ "ATACMS" طويلة المدى.
تسعى القرارات والتحركات الحالية في الكونغرس حديثًا إلى وقف عمليات البيع هذه بالتحديد.
ويذكر أن الرئيس السابق جو بايدن، اعترف هذا العام بالإمارات كشريك دفاعي رئيسي، وتستضيف الدولة الخليجية قاعدة الظفرة الجوية التي تضم طائرات عسكرية أمريكية وآلاف الأفراد الأمريكيين.
اتهم جيش السودان الإمارات العربية المتحدة بتقديم الأسلحة والدعم لقوات الدعم السريع في حرب السودان التي استمرت 17 شهرًا. وتنفي الدولة الخليجية هذه المزاعم. ووصف مراقبو عقوبات الأمم المتحدة الاتهامات بأن الإمارات العربية المتحدة قدمت دعمًا عسكريًا لقوات الدعم السريع بأنها ذات مصداقية.
ونفت الإمارات ضلوعها في الدعم العسكري لأي من الأحزاب المتنافسة في السودان.
اندلعت الحرب في نيسان/ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشأن الانتقال إلى انتخابات حرة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص. وقالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من 25 مليون شخص - نصف سكان السودان - بحاجة إلى المساعدة، والمجاعة تلوح في الأفق وفر حوالي 8 ملايين شخص من منازلهم.
وقالت جاكوبس، التي التقت اللاجئين السودانيين على الحدود مع تشاد هذا العام، في بيان: "الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من أكبر الجهات الخارجية التي تغذي العنف في السودان، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة على وشك بيع أسلحة أخرى لها بقيمة 1.2 مليار دولار قد تنتهي في أيدي قوات الدعم السريع".