بعد أسابيع من التكهنات حول الاستراتيجية التي سينتهجها «المرشد الأعلى» علي خامنئي، للتعامل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة في واشنطن، يبدو أنه استقر على مزيج من التعهدات المغرية والتهديدات المتبجحة. ولخصت دوائر طهران هذا الموقف بصيغة بسيطة طرحها وزير الخارجية عباس عراقجي: «لا نرغب في الحرب، لكننا مستعدون لها!».
يُذكر أن خامنئي يقرض، أو حسبما يقول منتقدوه «يقترف»، الشعر منذ أن كان في عمر المراهقة في الخمسينات. ومع ذلك، فإنه دائماً ما كان يشعر بالتردد إزاء طرح أعماله على الجمهور، رافضاً نشر أي ديوان له. وعليه، فإن أولئك الذين يتابعون مسيرته الشعرية يعرفون أنه لا ينشر قصيدة إلا عندما يجد نفسه أو النظام الذي ورثه عن شاعر آخر؛ الخميني، أمام تحدٍّ كبير.
ولدى النظر إلى أحدث قصائده، نجدها قصيدة «سونيتة»؛ أي مؤلفة من سبعة أبيات متناغمة، يدور موضوعها حول الغزل. ومن المفترض أن تصور الصراع الداخلي في نفس الشاعر، في مواجهة مخاوف متزايدة وشكوك مستعرة. أما الرسالة التي تحملها القصيدة، فتدور حول الصمود، بغض النظر عن الانتكاسات الأخيرة التي تعرضت لها إيران في غزة ولبنان وسوريا والعراق وأجزاء اليمن الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وعلى مدار عام أو نحو ذلك، حاول خامنئي إعادة صياغة تلك الانتكاسات باعتبارها انتصارات عظيمة لـ«محور المقاومة» الذي اندثر الآن. وعلى ما يبدو، قرر خامنئي أنه إذا ساءت الأمور كان سيلجأ عبر التلميح إلى استعداده لإحياء «الصفقة النووية» التي سبق أن أبرمها مع إدارة أوباما، مع إدارة بايدن المهتزة التي بدت حريصة على تأمين أي اتفاق مع طهران لتصويره باعتباره «أعظم إنجاز دبلوماسي» لبايدن.
أما في ما يخص قصيدته الأخيرة، فيبدو أنه شرع في تأليفها بعد رحيل بايدن عن البيت الأبيض. وفي ثنايا القصيدة، يتنبأ الشاعر بـ«المصاعب والمتاعب» داخل ساحة المعركة، وتسيطر عليه مشاعر الخوف والرهبة. أما الهدف الذي يسعى خلفه الشاعر، فهو تقوية عزيمته بتذكير نفسه بأنه يحمل «عصا موسى» التي التهمت الثعابين والأفاعي التي ألقاها سحرة فرعون.
والقصد إنتاج عمل شعري عن الشجاعة يُعرف بالعربية والفارسية باسم «الرجز»، وهي القصيدة التي ألفها المحاربون القدماء واعتادوا قراءتها بصوت عالٍ عشية معركة حاسمة، لإثارة حماسة قواتهم وإثارة الذعر بنفوس أعدائهم.
وفي قصيدته، يطالب خامنئي أتباعه بأن يكونوا «مثل صخرة صلبة»، لا تتكئ سوى على «الجبال»، ويفترض هنا أنه يعني نفسه بهذه الجبال. ويشدد على أنه وأتباعه لن يفروا من «استدعاء» أو تحدٍّ.
بوجه عام، يأتي الشعر العربي والفارسي في تسعة أشكال أساسية، من الغزل إلى الرباعيات إلى القصيدة الغنائية... وكل منها يعتبر مناسباً لنقل رسالة ذات طبيعة معينة. على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في نقل القليل من الحكمة في شكل قصير، فعليك استخدام الرباعيات. أما إذا كنت ترغب في سرد قصة أو الوعظ، فإن أفضل رهان لديك هو المثنوي في أحد الأوزان الثلاثة عشر المتاحة.
وفي ما يتعلق بالغزل، فإنه يستخدم دائماً تقريباً للتعبير عن رؤية رومانسية للوجود، من تصوير جمال حديقة، إلى التقاط فرحة أمسية من المرح برفقة الأصدقاء، إلى مغازلة فتاة رائعة الجمال...
ويبدأ الغزل بسرد المظالم والمعاناة والرغبة في الثأر باسم العدالة. إنه يخفي أي ضعف أو شك أو مخاوف قد تعتمل في نفس الشاعر، في حين يصور الغزل الذي طرحه خامنئي رجلاً عصفت به الشكوك الذاتية والمخاوف المبهمة الكامنة في الخلفية، كما لو كان داخل منزل مسكون. كما دفع تجاهل قاعدة «ضرورة غير الضروري» في القافية (لزوم ما لا يلزم بالعربية)، خامنئي إلى أن يستخدم كلمة «مجوريز» بالفارسية (لا تهرب بالعربية) لختم كل سطر.
في الواقع، هذا اختيار مؤسف في قصيدة من المفترض أنها مصممة لإلهام روح الصمود والقتال، ويصور الشاعر نفسه في إطارها باعتباره وريث «أبطال معارك خيبر وبدر في الإسلام المبكر».
وغنيّ عن القول أن قصيدة خامنئي خالية من الاستعارات المتكررة التي تعمق الرسالة التي تحملها كل منها، تماماً مثلما أن ضربة السيف توسع الجرح الناجم عن ضربة سابقة. الحقيقة أن الأسلوب الذي استخدمه حوّل القصيدة إلى شيء أشبه بالرسم بالكلمات. ولست أدري ما التقييم الذي كان الخبراء الكلاسيكيون في الشعر الفارسي، مثل شمس قيس رازي أو نظامي عرودي، ليمنحوه لخامنئي عن هذا الرجز. أما الإيرانيون، فإنهم لا بد أن يتضرعوا إلى الله أن يحترم الرجل الذي يحكمهم قواعد الحكم، أكثر مما يحترم تقاليد الرجز.
وإليكم أحدث «روائع» خامنئي الشعرية:
قلبي الحبيب! من معركة الصعاب والسفر... لا تهرب / انقلب على نفسك كالعاصفة وكنسمة الصباح... لا تهرب / عصا موسى في يدك... ألقها / لا تخف من ثعابين السحرة... لا تهرب / أنت موجة الشجاعة والبأس، فلا تخف البحر / تجاهل هدير العاصفة، فلا تهرب من مسكنك / ولا تتحسر بسبب كفر هذه الأزمنة / كن رمزاً كالراية، فلا تهرب من الرياح / كن صخرة صلبة، ولا تتكئ إلا على الجبال / سلّم قلبك للحق ولا تهرب من المواجهة / أنت من نسل أبطال خيبر وبدر / كن مثل حيدر بسيفه ذي الحدين، فلا تهرب من التحديات / لا تهجر الطريق بابتسامة منافقة زائفة / لا تهرب بابتسامة سامة مصطنعة تليق بعدو مختبئ...
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل لا تهرب تهرب من
إقرأ أيضاً:
محمود حامد يكتب: معًا.. نفتح شبابيك الأمل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق مصر مسكونة بالمبدعين.. ويفخر بهم كل باحث عن المتعة الذهنية
.. ونواصل ما كنا قد بدأناه حين وعدنا بفتح صفحات «البوابة» للمبدعين فى أرجاء المعمورة، بما يمثلونه من روح مصر الطيبة وعبيرها الشذى وعبقها التاريخى، فلقد كان الإبداع وما يزال وسوف يظل عنصرًا أساسيًا ومبهرًا ضمن منظومة القوة الناعمة المصرية، ترفع رأسها فى إباءٍ وشمم: نعم، هنا مصر الباقية بأبنائها وإبداعاتهم وإنتاجهم الذى يفخر به كل محبٍ لهذا الوطن وكل عاشق للحرف وكل باحث عن المتعة الذهنية والراحة النفسية.
لقد ثبت بالفعل ما سبق أن أكدنا عليه بأن الشباب مسكونون بروح الإبداع ويبحثون عمن يرعى موهبتهم ويفجر طاقاتهم ويفتح لهم نافذة تضيء الحياة بألوان الفرح والتفاؤل والانتصار للجمال.
فالإبداع قيمة عالية تحتاج إلى نفض الخوف والثقة بالنفس وعدم التردد.. فليس مثل الإبداع شىء يسهم فى تغيير النظرة السلبية التي تجعل الإنسان ينكفىء على ذاته ويتقوقع داخل نفسه وينسحب من الحياة.. ولعل المبدع بمجرد الانتهاء من كتابة إبداعه، شعرًا أو قصة أو خلاف ذلك، يشعر دائمًا بسعادة لا يضاهيها شىء فى كل هذا الكون، وهو يحقق ذاته فى لحظة من أجمل لحظات التوازن الانفِعالي والتوافق النفسي، بعد أن نجح فى خلق قيمة جديدة من خلال استخدام الخيال.
وإذا كان عددنا السابق عن الإبداع والمبدعين، فى ٢٨ ديسمبر الماضى، قد خصصناه للشباب من الجنسين فى بداية مشوارهم الإبداعى، فإننا فى هذا العدد نستطيع أن نقول إننا حاولنا الجمع بين الحسنيين: إبداع من يبدأون خطواتهم الأولى مع إبداع كثيرين تحققوا وساروا على طريق من سبقوهم، وصدرت لهم أعمال كثيرة منشورة، لكنهم للأسف يعانون من وصمة سخيفة اسمها «الأقاليم»، فلا نراهم إلا نادرًا ضمن الصخب القاهرى، سواء على شاشات الفضائيات أو على صفحات الصحف، رغم التميز الذى يغلف أعمالهم ورغم الجوائز التى حصدوها، وهى مسألة تحتاج إلى أن نتوقف أمامها كثيرًا، وتحتاج بحثًا دقيقًا فى هذه المعادلة غير العادلة.
فالأقاليم تثبت دائمًا أن «مصر ولادة» تذخر بمن يستحقون الاحتفاء بهم ووضعهم فى قلب دائرة الضوء، فقد تجمعت لدينا أعمال عديدة تتنوع بين شعر العامية والفصحى والقصة القصيرة، حتى أننا قررنا أن نتبع هذا العدد بعدد تالٍ يوم السبت المقبل، نستكمل فيه نشر ما وصلنا.. ويشمل العدد المقبل أدباء وشعراء من محافظات بنى سويف والمنيا وقنا والأقصر وغيرها من المحافظات.. ومن المهم أن نتوجه بالشكر لكبار المبدعين الذين شاركوا معنا فى تحكيم واختيار الأعمال المنشورة، ونخص بالشكر الشاعر الكبير والروائى سمير الأمير، وكذلك الشاعر الكبير جمال حراجى، وكلاهما غنى عن التعريف، ونأمل أن نتمكن من إجراء حوارات صحفية معهما حول رحلتهما الإبداعية ورؤية كلٍ منهما للأجيال الحالية من المبدعين وما يواجهونه من مشكلات وسبل تذليلها.
وفى سبيل ما نسعى إليه، تطلق «البوابة» ورشة للإبداع مع المبدعين نناقش خلالها أعمالهم بحضور نخبة من كبار النقاد.. نفتح من خلالها شبابيك الأمل لدى الشباب، ونساعدهم على التحرك فوق أرضٍ ثابتة بدلًا من الغوص فى رمال متحركة. وسوف تستمر «البوابة» فى تبنى كل موهبة تسعى لإثبات وجودها فى سماء الإبداع، ولن تتوقف المؤسسة عن اهتمامها بالمبدعين، ونحاول دائمًا أن نقول لكل مبدع كما ذكرنا من قبل: «تستطيع أن تصنع مجدك.. معًا، نضيء العالم».