"دخل ما نسبته 4 % فقط من احتياجات قطاع غزة من الخيام، فيما لم  يتم إدخال أي بيوت متنقلة" هكذا انطلق رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، سلامة معروف، الخميس، في الكشف عن تلاعب الاحتلال الإسرائيلي بأولويات البروتوكول الإنساني، في محاولات للتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار على القطاع.

ورغم توالي مطالب الغزّيين بخصوص كافة مُستلزمات الحياة، عقب ما عايشوه، قسرا، من الحرب الهوجاء التي لم يرحم فيها الاحتلال لا بشرا ولا حجرا، وضرب عرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية؛ لا يزال الاحتلال يتلاعب بالأولويات، ويصرّ على التنغيص على الفلسطينيين.



في هذا التقرير، تكشف "عربي21" خرق الاحتلال الإسرائيلي للبروتوكول الإغاثي، وكذا استهداف جُل ما يرتبط بالعمل الإنساني داخل قطاع غزة؛ ناهيك عن الصّعوبات التي تواجهها المنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني المحلّي من تحدّيات قاسية.

كارين هاستر، ممرضة في منظمة أطباء بلا حدود، عملت في #غزة لأكثر من 5 أشهر: "لا أعتقد أن لدي ما يكفي من الكلمات لوصف الوحشية التي تحدث.. كل شيء تم تدميره: الجامعات والمساجد والمدارس والمستشفيات، كل شيء.. بحيث لا يمكنك البقاء.. لأنه لا يوجد ما تبقى من أجله". pic.twitter.com/6WjWPe4Upc — مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) December 29, 2024

الاحتلال خرق البروتوكول الإغاثي 
ينص البروتوكول الإغاثي، المُتّفق عليه، على أنّ مزوّدي المساعدات يشملون الأمم المتحدة ومنظمات دولية وهيئات غير حكومية، وأن دخول المساعدات سيتم بمعدل 600 شاحنة يوميا، مع دخول معدات للدفاع المدني وصيانة البنية التحتية؛ وهو ما خرقه الاحتلال الإسرائيلي، أمام مرأى العالم، عقب دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.

كذلك، فيما ينص البروتوكول على إدخال 60 ألف كرفان و200 ألف خيمة إلى غزة، بغية استيعاب النازحين، وأن المساعدات تتضمن مواد إغاثية ومعدات إنسانية من حكومات ومنظمات دولية. كشف الواقع المُعاش في غزة، خلال الأيام القليلة الماضية، مشهدا آخر، يسعى خلاله الاحتلال الإسرائيلي اغتيال ما تبقّى من العمل الإنساني.

وأكّد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أنّ: "أولويات الإيواء العاجلة تحتل ذات الدرجة من الأهمية مثل الوقود والمعدات الثقيلة والخيام والمولدات الكهربائية والأدوية والمستلزمات الطبية"، مبرزا أنّ: "الاحتلال يدخل احتياجات إنسانية أخرى مرتبطة بالسلال والطرود الغذائية".

وبينما ينص الاتفاق على إخراج 150 من المصابين والجرحى، بحسب فئات محددة، وقلّص هذا العدد إلى 50 تقريبا مع التلكؤ لمنع بعض الجرحى والمرافقين. أشار معروف إلى كون الاحتلال الإسرائيلي لا يلتزم بآلية الخروج من معبر رفح، المنصوص عليها بالاتفاق. ما يعدّ كذلك خرقا.

وطالب معروف، عبر تصريحات صحفية، بـ"ضرورة وجود ضغط حقيقي على الاحتلال لتنفيذ كافة بنود الاتفاق، خاصة إدخال الاحتياجات التي وردت نصّا بالبروتوكول الإغاثي الإنساني، مثل: خزانات المياه والمواسير لإصلاح البنية التحتية وغيرها"، فيما وصف المشهد الصعب بقوله: "النازحين العائدين لشمال غزة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء".

وفي السياق نفسه، أوضحت الأمم المتحدة، الثلاثاء، أن أكثر من 545 ألف فلسطيني قد عبروا من جنوب غزة إلى الشمال، وذلك منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار.

ورصدت "عربي21" مُحاولات الشباب الفلسطيني، من داخل القطاع، العمل بما هو مُتاح، لتخفيف معاناة السكان بغزة، خاصة في قلب ما يعايشوه أيضا من ظروف جوّية صعبة، فاقمت المأساة الإنسانية.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎ملاك فضه‎‏ (@‏‎malakfada2003‎‏)‎‏
الاحتلال وتقويض الجهود الإنسانية.
منع دخول المواد الأساسية، من قبيل: الأدوية، الوقود، ومواد البناء، وفرض قيود على تنقل العاملين في المنظمات الإنسانية بين غزة والضفة الغربية المحتلة أو الخارج، ناهيك عن استهداف المرافق الحيوية، مثل المدارس، المستشفيات، ومخازن المساعدات الإنسانية.. هي جُملة من الانتهاكات التي يُواصل عليها الاحتلال الإسرائيلي لتقويض الجهود الانسانية بغزة.

إثر ذلك، تواصل الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) والهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعية الشبان المسيحية (YMCA)، ومركز الميزان لحقوق الإنسان.. وغيرهم من المنظمات الإنسانية والتنموية بقطاع غزة، العمل، في بيئة أقل ما يُقال عنها، هي: "بالغة الصعوبة" إثر الحصار الذي تفرضه دولة الاحتلال الإسرائي، بأساليب مباشرة أو غير مباشرة.

لقد قامت الأمم المتحدة وشركاؤها بتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية في #غزة.

إنهم يقدمون:
???? الغذاء
???? المياه
???? الرعاية الصحية
⛺️ المأوى والمزيد.

يجب الحفاظ على وقف إطلاق النار واستدامة التمويل لضمان استمرار تدفق المساعدات المنقذة للحياة بينما يحاول الناس إعادة بناء حياتهم. pic.twitter.com/YWm9U3JF2V — OCHA in Arabic (@UNOCHA_ar) February 6, 2025
وتواجه المنظمات الإنسانية العاملة بالقطاع، تحدّيات أخرى، أبرزها: تأخير أو منع الموافقات على المشاريع، مع مراقبة وفرض قيود صارمة على التحويلات المالية من خارج غزة. ليظل العمل الإنساني داخل القطاع، يوصف بكونه "جهاد" من نوع آخر، عُنوانه الأبرز: محاولات الاستمرار في العمل رغم ما يُواجهوه من انتهاكات.

وكشفت عدد من المصادر لـ"عربي21" من قلب غزة، أن عدد الشاحنات التي ولجت القطاع، بالآونة الأخيرة، عقب البدأ في تنفيذ الاتفاق، قد بلغ 7926 فقط، ونحو ثلثي الشاحنات منها، تحمل مواد غذائية. فيما لم يتم إدخال أي بيوت متنقّلة لا إلى شمال القطاع ولا إلى جنوبه.

الاحتلال الإسرائيلي، لا يقف عند هذا الحد من تقويض جهود العمل الانساني بغزة، بل يتعدّاها للاستهداف المُباشر للأفراد العاملين، أو اعتقالهم؛ أو حتّى من خلال الضغط على الدول المانحة لوقف تمويل المنظمات، وغيرها من الأساليب الأخرى، التي تكشف بالملموس، كيف يحاول الاحتلال اغتال "الإنسانية" في غزة، ما يزيد من معاناة السكان.


إصرار على الحياة.. من قلب غزة
في الوقت التي تسعى فيه عدد من المنظمات الدولية، استمرار تقديم جُملة خدمات، عن بُعد، من قبيل: التعليم الإلكتروني والدعم النفسي عبر الإنترنت؛ لا تزال المنظمات العاملة من قلب الميدان بغزة، تُقاوم لأجل البقاء، ظروفا صعبة يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، رغم وقف إطلاق النار.


ورصدت "عربي21" أبرز الجمعيات المحلية، التي تُحاول الصمود رغم المصاعب، البداية من "جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية (PMRS)" (تأسست عام 1979 في القدس)، وتقدم خدمات طبية واجتماعية وتركّز بدرجة أولى على الصحة النفسية للمتضررين.

لدعم أهلنا القادمين من جنوب و وسط قطاع غزة إلى #غزة و شمالها، أقامت #مؤسسة_الخير معرضاً خاصاً لتوزيع الملابس على الأسر المتضررة، لتُسهم في تخفيف آلامهم وتوفير ما يحتاجونه من لباس يحميهم في هذه الأوقات الصعبة.

كل قطعة ملابس تُعطى، هي لمسة أمل وجسر من التضامن مع من لا يملكون سوى… pic.twitter.com/n5wThIcbT7 — مؤسسة الخير ـ مكتب الشرق الأوسط (@AKFMiddleEast) February 4, 2025
ومن قلب غزة، يركّز "مركز الميزان لحقوق الإنسان" (تأسس عام 1996) على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرّض لها المدنيون في القطاع، وكذا تقديم الدعم القانوني لعدد من الضحايا؛ يُصدر تقارير دورية حول انتهاكات حقوق الإنسان.

أيضا، هناك "الهلال الأحمر الفلسطيني" (تأسس عام 1968) ويعمل على تقديم المساعدات الإنسانية والطبية للسكان في غزة، وأيضا دعم المتضررين من الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي. وبسبب ما يفرضه الاحتلال  من قيود على الحركة وحواجز، بات يجد صعوبات جمّة للوصول لعدد من المناطق، وإنقاذ عدد من الضحايا.

في حركة استفزازية.. مستوطن يعترض مركبة إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني على طريق في القدس لمدة عشرين دقيقة pic.twitter.com/6p01LTIVfH — AJ+ عربي (@ajplusarabi) February 4, 2025 #عاجل | الهلال الأحمر الفلسطيني: إصابة مواطن برصاص الاحتلال في جنين pic.twitter.com/5vmyEw7oqa — التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 22, 2025
وهناك "جمعية الشبان المسيحية (YMCA)" (تأسست عام 1844 في لندن، وتعمل في أكثر من 120 دولة) وهي في غزة مختصة في تقديم خدمات إنسانية واجتماعية وتربوية، مع تقديم تكوينات للنساء في مجالات مثل: الخياطة، التطريز، والحرف اليدوية. غير أنّ عملها تمّ عرقلته من الاحتلال الإسرائيلي. 

أما فيما يخص المنظمات الدولية العاملة في غزة، فإنّ الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) تأتي على رأس القائمة، بهدف توفير التعليم والصحة والإغاثة للاجئين الفلسطينيين.

كذلك، منظمة الصحة العالمية (WHO)، بغرض دعم النظام الصحي في غزة وتوفر الأدوية والمعدات الطبية، ناهيك عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، الذي يوزع المساعدات الغذائية على الأسر الأكثر احتياجا. وبفعل توالي انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، بات عملها صعبا، فيما لا تزال تحاول الاستمرار.


وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي في فلسطين، أنطوان رينارد، إنّ "ما يدخل من مساعدات إلى قطاع غزة حتى الآن غير كاف"، مضيفا عبر تصريح صحافي، أنّ: "الوضع في غزة يحتاج إلى عودة الأسواق التجارية واستقرار الأسعار فيها".

وفي وقت سابق،  كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قد أكدت أن أطفال غزة يموتون من الألم، جرّء عدم تلقيهم العلاج الطارئ الذي يحتاجون إليه، في ظل التضييق المستمر من قِبل الاحتلال الإسرائيلي على موافقات الإجلاء.

وأضاف: "حتى عندما تحدث المعجزات، عندما ينجو الطفل من انفجار القنابل وانهيار المنازل وتزايد الخسائر البشرية، فإنهم يمنعونهم من مغادرة غزة للحصول على الرعاية الطبية العاجلة التي يمكن أن تنقذ حياتهم"، مبرزا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يفصح عندما يتم رفض طلب الإجلاء الطبي، ولا يقدم تفسيرا لأي قرار تتخذه.

تجدر الإشارة إلى أن بدأ سريان وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، قد انطلق بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، ليستمر في مرحلته الأولى لمدة 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة الدوحة والقاهرة وواشنطن. فيما لا تزال انتهاكات الاحتلال مُتواصلة، وحاجة الغزّيين إلى مستلزمات الحياة ملحّة أكثر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية غزة الاحتلال قطاع غزة العمل الإنساني غزة قطر قطاع غزة الاحتلال العمل الإنساني المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الأحمر الفلسطینی وقف إطلاق النار الأمم المتحدة قطاع غزة pic twitter com التی ت من قلب عدد من التی ی فی غزة

إقرأ أيضاً:

تحقيق أمريكي صادم يكشف العلاقة الخفية بين المنظمات الأممية وتقوية النفوذ الحوثي

*صحيفة "ناشيونال انترست" الأمريكية

يجب على المجتمع الدولي أن يواجه مسؤولياته التاريخية في تمكين صعود المليشيا الحوثية خلال الصراع اليمني المستمر منذ عقد. فبينما شكل الدعم الإيراني المستمر - عبر شحنات الأسلحة والتدريب - العمود الفقري للقدرات العسكرية الحوثية، إلا أن السياسات الدولية المتناقضة ساهمت بشكل لا يقل خطورة في تعزيز نفوذ هذه الجماعة. لقد تحولت المساعدات الإنسانية إلى شريان حياة للنظام الحوثي، بينما حولته الدبلوماسية الغربية المتذبذبة من جماعة متمردة إلى قوة إقليمية تهدد الملاحة الدولية اليوم.

في عام 2016، لم يتجه التركيز الدولي نحو انتهاكات الحوثيين، بل انصب على ما وصفته منظمات دولية غير حكومية بأنه "أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان". وقد استُخدِمت صورٌ لأطفال يمنيين يعانون من سوء التغذية في حملات جمع التبرعات التي نظمتها منظمات مثل "ميرسي كور" و"أوكسفام"، حيث صرحت الأخيرة بأنها أنفقت ثلث إيراداتها عام 2019 على نفقات غير برامجية تشمل التكاليف الإدارية والتسويقية.

وفي خضم هذا الاهتمام الدولي، استغلت الحركة الحوثية الوضع لتعزيز نفوذها، مما منح قيادتها شرعية سياسية لم تكن تتمتع بها من قبل. وقد أسهم جلوسها إلى طاولة المفاوضات على قدم المساواة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في تعزيز مكانتها السياسية أكثر من الانتصارات العسكرية وحدها. بل إن الحركة ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أعلنت في يوليو 2016 عن تشكيل مجلس سياسي رسمي لإدارة شمال اليمن، في خطوة عززت من ادعائها بالشرعية.

لقد مثل نموذج المساعدات الإنسانية الدولية أحد المصادر المالية غير المباشرة للحركة الحوثية، حيث أصبح يشكل أحد أكبر المكونات الفردية في الناتج المحلي الإجمالي لليمن. ولم تكتف قيادة الحركة بتحصيل الرسوم العابرة التي تفرضها مليشياتها على المساعدات، بل عززت نفوذها المحلي عبر السيطرة على شبكات توزيع المساعدات الإنسانية، مما أكسبها ولاءً مجتمعيًا في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

في المقابل، وجد المزارعون والتجار المحليون أنفسهم عاجزين عن منافسة تدفق المساعدات الغذائية المجانية التي توزعها المنظمات الدولية والأمم المتحدة، مما دفع بهم إلى هاوية الفقر المتزايد. وأدى هذا الوضع إلى تآكل القاعدة الإنتاجية المحلية، فتحوّل اليمن من بلد يعتمد جزئيًا على إنتاجه الزراعي إلى سوقٍ تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد والمساعدات الخارجية.

بعد عامين من المفاوضات العقيمة تحت مظلة الأمم المتحدة، شن التحالف في سبتمبر 2018 هجوما بريا واسعا لاستعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي من قبضة الحوثيين - المنفذ الذي كان يمر عبره 80% من المساعدات الإنسانية، والمصدر الرئيسي لتمويل المليشيات. وعندما أوشكت القوات اليمنية-السعودية-الإماراتية على حسم المعركة، تدخل المبعوث الأممي مارتن غريفيث بعملية وساطة عاجلة، نجحت في دفع الأطراف إلى توقيع اتفاق ستوكهولم المثير للجدل في ديسمبر 2018.

لكن الاتفاق - الذي نص على وقف إطلاق النار المحدود وانسحاب القوات من حول الحديدة - بقي حبرا على ورق. فخلال السنوات الثلاث اللاحقة، استمرت الاشتباكات على جبهات متعددة دون هوادة. لقد خرج الحوثيون وحدهم كالمستفيد الأكبر من ستوكهولم، حيث منحهم الاتفاق شرعية دبلوماسية غير مسبوقة، ورسخ وجودهم كفاعل رئيسي لا يمكن تجاوزه في المشهد اليمني.

في فبراير 2021، شنت الحركة الحوثية- هجوما واسع النطاق استهدف محافظة مأرب، المعقل الأخير للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. وجاء هذا التصعيد في وقت حاسم، حيث أعلنت إدارة بايدن الجديدة عن مراجعة سياستها تجاه الصراع، منتقدةً الضربات الجوية السعودية-الإماراتية ضد المواقع الحوثية، ومعلنةً وقف الدعم الأمريكي الرسمي للتحالف.

وتصاعدت وتيرة التطورات السياسية حين ألغى الرئيس بايدن في مارس 2021 تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، في خطوةٍ فسرها الكثيرون كمقدمة لدفع الأطراف نحو مفاوضات جديدة. وعلى الأرض، استغلت المليشيات الحوثية هذا التحول السياسي، فشنت هجمات مكثفة أجبرت القوات المدعومة سعوديا وإماراتيا على الانسحاب من ثلاث جبهات استراتيجية: الحديدة ومأرب وتعز، حيث سيطر الحوثيون بسرعة على مواقع عسكرية حيوية.

شهدت جولات المفاوضات الأممية المتعاقبة - التي أعقبت انتصارات الحوثيين الميدانية - تقدمًا محدودًا، مما كشف عن تعقيدات المشهد اليمني المتشابك. وفي ظل هذا الجمود، تصاعد الضغط الدولي على السعودية لإنهاء تدخلها العسكري، ما أدى إلى توقيع اتفاق تاريخي مع إيران في مارس 2023 برعاية صينية.

وقد مثل هذا الاتفاق السعودي-الإيراني تحولًا جيوسياسيًا بارزًا، حيث سعت الرياض - منافستها التقليدية في المنطقة - إلى إيجاد مخرج سياسي لأزمة استنزفت مواردها لأكثر من ثماني سنوات. إلا أن هذا التقارب الإقليمي لم يفضِ إلى تسوية سريعة للأزمة اليمنية، إذ ظلت المليشيا الحوثية تتمسك بمكاسبها العسكرية وتصر على شروطها الخاصة في أي مفاوضات سلام.

منذ أكتوبر 2023، تصاعدت التهديدات الحوثية للملاحة الدولية بشكل غير مسبوق، حيث استهدفت المليشيات ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر بعمليات قرصنة منهجية، وأطلقت صواريخ باليستية تجاه إسرائيل - كل ذلك دون أي محاسبة دولية جدية. لقد تحولت هذه الجماعة على مدى عقد كامل من كيان محلي إلى قوة إقليمية خطيرة، تمتعت بتمويل غير مباشر عبر شبكات المساعدات الإنسانية، ووجدت في اتفاقات وقف إطلاق النار الأممية غطاء للتوسع العسكري، بينما منحتها الدبلوماسية الدولية شرعية سياسية مكنتها من الجلوس كندٍّ للحكومة الشرعية.

اليوم، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية عن هذا الواقع المأساوي، بعد أن ساهم - عن قصد أو غير قصد - في تعزيز نفوذ جماعة استبدادية احتجزت الشعب اليمني رهينة منذ انقلابها عام 2014. وتشكل الضربات الجوية الحالية، إلى جانب العمليات البرية التي تنفذها القوات المعادية للحوثيين، ربما الفرصة الأخيرة لتصحيح هذا المسار المشؤوم. لكن نجاح هذه الجهود مرهون بشرط واحد: ألا تكرر الأمم المتحدة خطأها الفادح بإعلان وقف إطلاق نار جديد يمنح المليشيات المهلة التي تحتاجها لإعادة تجميع صفوفها.

مقالات مشابهة

  • عشر سنوات من القرصنة: تسلسل زمني للهجمات السيبرانية التي استهدفت المغرب
  • تحقيق أمريكي صادم يكشف العلاقة الخفية بين المنظمات الأممية وتقوية النفوذ الحوثي
  • عاجل : انفجارات عنيفة تهز العاصمة صنعاء  ومصادر تكشف موقع الاستهداف ” صور ” 
  • الكويت: الاستمرار في التغاضي عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي يدفع نحو مزيد من التصعيد
  • بعد محاولات اغتيال الرئيس الصومالي.. مقديشو على حافة الهاوية مع تصعيد تهديدات جماعة الشباب
  • جوتيريش رافضًا المقترح الإسرائيلي للتحكم بالمساعدات لغزة: "لا نقبل بترتيبات تنتهك المبادئ الإنسانية"
  • هل ينجو العرب من الاستهداف الأمريكي الإسرائيلي؟
  • أهالي مدينة التل في ريف دمشق ينظمون مظاهرة شعبية، دعماً لأهالي غزة وتنديداً بحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي
  • وقفة لطلاب جامعة حلب تعبيراً عن تضامنهم مع أهالي غزة ورفضاً لحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي
  • من هي الموظفة المغربية الشجاعة التي كشفت تواطؤ الشركة التي تعمل بها ''مايكروسوفت'' مع الإحتلال الإسرائيلي؟ وماذا عملت؟