يمانيون../
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة العربية تأثيرات عميقة نتيجة ما يُعرف بـ “حرب أمريكا الناعمة”، التي تمثلت في استراتيجيات تستخدم القوة الناعمة لفرض السيطرة والتأثير على المجتمعات. هذه الحرب لم تكن مجرد صراع عسكري، بل استهدفت العقول والقلوب، مستفيدة من أدوات الإعلام والثقافة والتعليم لإلهاء الشعوب عن القضايا الجوهرية، وأبرزها القضية الفلسطينية.


تظهر آثار هذه الحرب بوضوح في كيفية تشتيت الانتباه عن المطالبات بتحرير فلسطين. استخدمت الولايات المتحدة وسائل الإعلام لترويج سرديات معينة، حيث تركزت القصص والأخبار على القضايا الاجتماعية والاقتصادية اليومية، مما ساهم في تهميش القضية الفلسطينية. هذا التهميش لم يكن مجرد صدفة بل كان جزءًا من استراتيجية مدروسة تهدف إلى تفتيت الوحدة العربية وزرع الفتنة بين الشعوب، مما أضعف من الحراك الشعبي الذي قد يدعم القضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، ساهمت الثقافة الغربية في تعزيز نمط استهلاكي لا يعير اهتمامًا للقضايا السياسية. من خلال الأفلام والموسيقى والبرامج التلفزيونية، تم تقديم نمط حياة يجسد الرفاهية والحرية، مما جعل العديد من الشباب ينشغلون في البحث عن حياة مريحة بدلاً من الانخراط في القضايا السياسية الكبرى. هذه الظاهرة تسببت في تآكل الوعي العام حول أهمية القضية الفلسطينية، حيث أصبحت الأجيال الجديدة أقل اهتمامًا بالموضوع، معتقدةً أن الأمور قد تُحل بطريقة سلبية أو بعيدة عن الانخراط الفعّال.
كما أن الدعم الغربي للأنظمة العربية لم يكن مجرد دعم سياسي واقتصادي، بل شمل أيضًا أدوات القوة الناعمة. تم استخدام التعليم والتدريب لخلق نخبة محلية تتبنى السياسات الغربية وتتجاهل قضايا مثل فلسطين. هذه النخبة التي تم تشكيلها في بيئات تعليمية مشبوهة، قد تخلت عن مسؤولياتها تجاه شعوبها، مما جعلها تؤيد سياسات تقود إلى مزيد من التهميش للقضية الفلسطينية.
وقد هيمنت وسائل الإعلام والسيطرة على السرد -المدعومة من الغرب- في العديد من الدول العربية على النقاشات العامة. على سبيل المثال تركزت التغطيات الإخبارية على أحداث مثل الربيع العربي، مما جعل القضايا الكبرى مثل فلسطين تحتل مساحة ضئيلة من النقاش العام. هذا التوجه ساهم في تهميش القضية الفلسطينية في عقول الكثيرين.
كما أن انتشار الثقافة الاستهلاكية من خلال الأفلام والبرامج التلفزيونية الغربية التي تروج لنمط حياة يتجاهل القضايا السياسية، أدى إلى تراجع الوعي بالقضية الفلسطينية. على سبيل المثال أفلام هوليوود التي تركز على قصص شخصية لا تتعلق بالقضايا السياسية ساهمت في إلهاء الشباب عن الانخراط في العمل السياسي.
إضافة إلى ذلك فإن أغلب الجامعات والمدارس في العالم العربي تتبع مناهج تعليمية تأثرت بشكل كبير بالثقافة الأمريكية، مما أدى إلى نشوء جيل يُفضل البحث عن وظائف مريحة بدلاً من الانخراط في القضايا الاجتماعية والسياسية. هذه النخبة المتعلمة غالبًا ما تكون بعيدة عن القضايا الوطنية بما في ذلك القضية الفلسطينية، وقد ساهم استخدام منصات التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات المضللة أو السرديات التي تروج للسلام دون عدالة.
ولا ننسى أن النظام العالمي بقيادة واشنطن، عزز من قبضة الأنظمة القمعية في العالم العربي، وهي بدورها تعمل على قمع أي حركات تدعو للتحرر، بما في ذلك دعم حقوق الفلسطينيين. هذا الدعم أضعف من الحراك الشعبي وخلق بيئة من الخوف والرقابة، كما أن الترويج للسلام الاقتصادي عبر بعض الاتفاقيات مثل “صفقة القرن” التي تم الترويج لها كحل للصراع العربي الإسرائيلي، كانت تهدف إلى إبعاد النظر عن الحقوق الفلسطينية الأساسية. هذا التوجه ألهى العديد من الدول العربية عن المطالبة بتحرير فلسطين، حيث تم تقديم الحلول الاقتصادية كبديل.
تلك الشواهد تعكس كيف أن حرب أمريكا الناعمة لم تقتصر على التأثير السياسي فقط، بل امتدت إلى الثقافة والتعليم والوعي الجماهيري، مما أدى إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في العديد من الأوساط العربية.
ويُظهر تأثير حرب أمريكا الناعمة على العالم العربي كيف يمكن للأدوات الثقافية والإعلامية أن تكون أكثر فاعلية من الحروب التقليدية في تحقيق الأهداف السياسية. هذا التأثير ساهم في تخدير الشعوب، مما جعلها تبتعد عن المطالبة بتحرير فلسطين، بينما تواصل القوى الغربية استراتيجياتها لضمان السيطرة على المنطقة. من المهم أن تستعيد المجتمعات العربية وعيها وتفهم أهمية القضية الفلسطينية، وأن تتجاوز الانشغالات اليومية لتعيد التركيز على ما يُعتبر حقًا أساسيًا.

السياسية محمد الجوهري

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة بتحریر فلسطین ا السیاسیة العدید من

إقرأ أيضاً:

علاء عابد: قمة مصر وفرنسا والأردن تعكس دور القاهرة التاريخي في دعم القضية الفلسطينية

أشاد النائب علاء عابد، رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، ونائب رئيس حزب مستقبل وطن، بالقمة الثلاثية بين مصر وفرنسا والأردن بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة.

وقال النائب علاء عابد، إن هذه القمة تعكس الدور التاريخي والمحوري الذي تقوم به مصر في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وأوضح رئيس نقل النواب، أن القمة جاءت في توقيت بالغ الأهمية مع تصاعد التحديات الإنسانية في غزة، مشيدًا بالجهود الدؤوبة التي تبذلها القيادة السياسية المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الدفع نحو تحقيق التهدئة ووقف إطلاق النار، والعمل على ضمان دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكل مستدام إلى القطاع المنكوب.

وأضاف النائب علاء عابد، أن مشاركة فرنسا والأردن في القمة يعكس أهمية التنسيق الدولي والإقليمي لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، مثمنًا الموقف المصري الثابت الداعي إلى ضرورة الالتزام بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وأكد رئيس نقل النواب، أن القمة الثلاثية حملت رسائل واضحة للمجتمع الدولي بضرورة تحمّل مسؤولياته لوقف العدوان على المدنيين في غزة، والعمل الفوري على حماية الشعب الفلسطيني ورفع المعاناة عنه، مشددًا على أن مصر ستظل صوتًا قويًا للسلام والاستقرار في المنطقة.

ودعا النائب علاء عابد، المجتمع الدولي إلى البناء على مخرجات القمة، والتحرك العاجل نحو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مؤكدًا أن الحل العادل هو الضامن الحقيقي للأمن والسلام في المنطقة بأسرها.

مقالات مشابهة

  • أول رد من التعليم على المطالبة بعقد امتحانات الثانوية العامة لطلاب فلسطين بمصر
  • لا التهجير.. الآلاف من أهالي البحيرة يتوجهون إلى رفح لدعم القضية الفلسطينية
  • الدورات الصيفية.. صمَّامُ أمان لتحصين النشء من مخاطر الحرب الناعمة
  • المؤتمر: القمة الثلاثية تعكس الدور المحوري لمصر في دعم القضية الفلسطينية
  • وكيل خارجية النواب: مصر تعاملت من منظور أخوي مع القضية الفلسطينية
  • علاء عابد: قمة مصر وفرنسا والأردن تعكس دور القاهرة التاريخي في دعم القضية الفلسطينية
  • الفراغ جُحْـــرُ الشيطان ومَنْفَـذُ الحرب الناعمة
  • هيئة الرأي العربية في كركوك ترحب بعودة البارتي: استوعبوا الدرس - عاجل
  • مديرية الإعلام في حلب لـ سانا: معظم ما يصدر من إشاعات على هذا الاتفاق، مصدره قوى وجهات تريد تعكير الأجواء السياسية، وهي متضررة من حالة الاستقرار التي يهدف إلى تحقيقها هذا الاتفاق
  • سمير فرج: حماس أحيت القضية الفلسطينية رغم التضحيات