اختار المهندس التونسي سمير دغفوس أن يترك التدريس الأكاديمي وينحاز إلى حرفة صناعة البلاط الأندلسي، تلك الحرفة التي كانت تحظى بتقدير فني كبير لكنها تعرضت للتهميش على مدى عقود بسبب ضعف الاهتمام ونقص الأيدي العاملة الماهرة.

ورغم الانتقادات التي واجهها من زملائه وبعض المحيطين به، فإن دغفوس أصر على هذا القرار المصيري، مدفوعًا بشغفه بالفن اليدوي ورغبته في إعادة إحياء أحد عناصر التراث المعماري المهددة بالاندثار.

حرفة بروح التاريخ

بدأت قصة دغفوس مع البلاط الأندلسي، أو كما يُعرف في تونس بـ"الجليز العربي"، عندما احتاج إلى هذا النوع الفريد من البلاط لإنجاز أحد مشاريعه، لكنه لم يجده في الأسواق المحلية. كانت تلك اللحظة نقطة تحول دفعته إلى التفكير في تأسيس ورشة متخصصة لإنتاجه.

يقول دغفوس، الذي تخرج في كلية الهندسة المعمارية بميلانو عام 1991، إنه تعمّق خلال دراسته الأكاديمية في كل ما يتعلق بالتراث والتاريخ المعماري، وهو ما زاد ارتباطه بالأصالة والتصاميم التقليدية. وبعد عودته إلى تونس، تخصص في ترميم المباني القديمة، وهو المجال الذي عزز رغبته في إحياء تقنيات البناء التقليدية، ومنها صناعة الجليز العربي.

داخل ورشته الواقعة على أطراف مدينة نابل في شمالي شرقي تونس، يتحدث دغفوس بحماس عن حرفته قائلا "صناعة البلاط الأندلسي ليست مجرد مهنة، إنها فن يحمل روحًا وخصوصية تاريخية، وعلاقتي به تتجاوز كونه عملا، فهو يعكس شغفي العميق بالتراث".

إعلان

لم يكن دغفوس وحده في هذه الرحلة، فقد دعمته زوجته، التي تعمل أيضًا مهندسة معمارية، وشاركته جميع مراحل تأسيس الورشة، مما جعل هذا المشروع العائلي أكثر قوة واستدامة.

من التدريس إلى الفن اليدوي

وعن تحوله من التدريس الأكاديمي إلى الصناعة الحرفية، يوضح دغفوس أن الإنسان بعد سنوات من العمل في مجال معين قد يشعر برغبة في خوض تجربة جديدة ومختلفة. ويضيف "العمل الحرفي ليس مجرد تغيير مهني، بل هو مجال يفتح أبواب الإبداع والتعبير الفني، وهذا ما وجدته في صناعة البلاط الأندلسي".

اليوم، باتت ورشته مرجعًا في مجال صناعة الجليز العربي، حيث يعمل على تصميم وإنتاج بلاط مستوحى من التصاميم الأندلسية التقليدية ليحافظ على هوية هذا الفن ويعيده إلى المشهد المعماري الحديث.

رغم الشغف الكبير الذي يدفع سمير دغفوس لإحياء صناعة البلاط الأندلسي، فإن الطريق نحو تحقيق حلمه لم يكن مفروشًا بالورود، إذ واجه عقبات كثيرة، أبرزها ندرة الأيدي العاملة الماهرة، الأمر الذي يعزوه إلى عزوف الشباب التونسي عن العمل الحرفي وابتعادهم عن الصناعات التقليدية التي تتطلب مهارة وصبرًا.

لم يكن دغفوس مستعدًا للاستسلام لهذه العقبة، فحوّل ورشته في البداية إلى مركز تدريب وتأهيل سعيًا منه لتكوين عناصر تونسية تسهم في إعادة إحياء هذه الحرفة التي اندثرت منذ سبعينيات القرن الماضي. لكن على الرغم من الجهود التي بذلها، لم يجد الإقبال المتوقع، واضطر في النهاية إلى الاستعانة بعمالة أجنبية للحفاظ على استمرارية المشروع.

ورغم التحديات، لم يتخلَ دغفوس عن حلمه مستفيدًا من مصدر دخل آخر ساعده على تمويل مشروعه وتغطية نفقاته، مما مكّنه من الاستمرار رغم الصعوبات. يستذكر تلك المرحلة الصعبة قائلا "أمضيت عامًا كاملا دون أن أبيع قطعة واحدة من البلاط، كان الأمر أشبه باختبار لصبري وإيماني بالمشروع، إلى أن جاءت فرصة المشاركة في المعارض التي كانت بمثابة دفعة قوية أعادت الأمل إلى مسيرتي".

إعلان

داخل الورشة، التي تعج بألوان ورسومات البلاط الأندلسي، يجلس عزيز -الحرفي المغربي البالغ من العمر 43 عامًا- يعمل بمهارة لافتة مستخدمًا آلة حديدية قديمة جدا، في وقت ترتسم فيه على وجهه ابتسامة هادئة تعكس مدى ارتباطه بهذه الحرفة.

يقول عزيز، الذي بدأ العمل في صناعة البلاط منذ عام 1994، إنه تعلم المهنة في المغرب وأحبها بشدة حتى أصبحت جزءًا من هويته. يصف تجربته قائلاً "لم تكن مجرد مهنة بالنسبة لي، بل تحولت إلى قصة عشق ما زلت أعيشها حتى اليوم".

في ظل ندرة الحرفيين المحليين، أصبح العمال الأجانب مثل عزيز عنصرًا أساسيا في إبقاء صناعة البلاط الأندلسي على قيد الحياة، لكن دغفوس لا يزال يأمل في أن يجد جيلًا تونسيا جديدًا يحمل المشعل ويعيد لهذا الفن التقليدي مجده المفقود.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

سابقة. الحكومة تطلق إستشارات تشرك الجميع لتجويد وتطوير مناهج التدريس

زنقة 20. الرباط

أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أنها أطلقت استشارة حول الصيغة الأولية للصنافة الموحدة وكراسة المواصفات التقنية للوسائل التعليمية الخاصة بمادة الفيزياء والكيمياء بالأقسام التحضيرية للمدارس العليا.

وذكر بلاغ للوزارة، اليوم الجمعة، أنه تم إطلاق هذه الاستشارة على بوابتها الالكترونية الرسمية عبر الرابط :

http://www.men.gov.ma/Fr/Pages/GUIDE_EQUIP_PC_CPGE.aspx

وأوضح البلاغ أن هذه العملية تأتي في إطار المنهجية التي تعتمدها الوزارة المبنية على الاستشارة والإشراك والإنصات والانفتاح، وإتاحة الفرصة أمام الجميع لاستطلاع آرائهم في هذا الشأن، وتقديم ملاحظات ومقترحات من شأنها تجويد تدبير الوسائل التعليمية، إلى جانب ضمان تأمين الفعالية في طلبية هذه الوسائل وترشيد اقتنائها بما يضمن حرية الولوج إلى الطلبية العمومية والمساواة في التعامل مع جميع المتنافسين وضمان حقوقهم.

وفي هذا الصدد، دعت الوزارة كل مكونات الأسرة التعليمية والمهتمين بالشأن التربوي وفعاليات المجتمع المدني والفاعلين بمختلف مشاربهم إلى المساهمة بكثافة في إغناء هذه الصيغة الأولية، حيث سيتم استثمار كل الملاحظات والاقتراحات بخصوصها لإصدار الصيغة النهائية لها، وذلك في سبيل تمكين المدرسات والمدرسين من وسائل العمل الضرورية لأداء مهامهم على أحسن وجه، وضمان الاستعمال الأمثل لها بما ينسجم مع المتطلبات البيداغوجية.

مقالات مشابهة

  • الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا تنظم إفطارًا جماعيًا للعمداء وأعضاء هيئة التدريس
  • الكوني: العمل بنظام المحافظات من شأنه أن يخفف العبء عن العاصمة التي أصبحت ساحة للصراعات السياسية
  • عقاريون: 300 مليون جنيه لإحياء وسط القاهرة وتحويله إلى وجهة سياحية واستثمارية
  • حسن الرداد: تلقيت عروضا لإحياء أفراح وحفلات بعد نجاح أغاني أفلامي
  • اليرموك تحظر الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية لأعضاء هيئة التدريس
  • الدستورية توضح حيثيات تمكين الموظف الذي تنتهي خدمته للانقطاع غير المتصل عن العمل بعذر
  • الفريق اول ركن مهندس سفير !
  • حيث الأنسان يصل صعيد شبوة ويرسم ملحمة إنسانية تنتشل مهندس أقعده المرض الى مهندس يدير مشروعا هندسيا ناجحا
  • سابقة. الحكومة تطلق إستشارات تشرك الجميع لتجويد وتطوير مناهج التدريس
  • ألفريد يهجر السكان ويقطع الكهرباء عن 46 ألف منزل بأستراليا