مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأندلسي
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
اختار المهندس التونسي سمير دغفوس أن يترك التدريس الأكاديمي وينحاز إلى حرفة صناعة البلاط الأندلسي، تلك الحرفة التي كانت تحظى بتقدير فني كبير لكنها تعرضت للتهميش على مدى عقود بسبب ضعف الاهتمام ونقص الأيدي العاملة الماهرة.
ورغم الانتقادات التي واجهها من زملائه وبعض المحيطين به، فإن دغفوس أصر على هذا القرار المصيري، مدفوعًا بشغفه بالفن اليدوي ورغبته في إعادة إحياء أحد عناصر التراث المعماري المهددة بالاندثار.
بدأت قصة دغفوس مع البلاط الأندلسي، أو كما يُعرف في تونس بـ"الجليز العربي"، عندما احتاج إلى هذا النوع الفريد من البلاط لإنجاز أحد مشاريعه، لكنه لم يجده في الأسواق المحلية. كانت تلك اللحظة نقطة تحول دفعته إلى التفكير في تأسيس ورشة متخصصة لإنتاجه.
يقول دغفوس، الذي تخرج في كلية الهندسة المعمارية بميلانو عام 1991، إنه تعمّق خلال دراسته الأكاديمية في كل ما يتعلق بالتراث والتاريخ المعماري، وهو ما زاد ارتباطه بالأصالة والتصاميم التقليدية. وبعد عودته إلى تونس، تخصص في ترميم المباني القديمة، وهو المجال الذي عزز رغبته في إحياء تقنيات البناء التقليدية، ومنها صناعة الجليز العربي.
داخل ورشته الواقعة على أطراف مدينة نابل في شمالي شرقي تونس، يتحدث دغفوس بحماس عن حرفته قائلا "صناعة البلاط الأندلسي ليست مجرد مهنة، إنها فن يحمل روحًا وخصوصية تاريخية، وعلاقتي به تتجاوز كونه عملا، فهو يعكس شغفي العميق بالتراث".
إعلانلم يكن دغفوس وحده في هذه الرحلة، فقد دعمته زوجته، التي تعمل أيضًا مهندسة معمارية، وشاركته جميع مراحل تأسيس الورشة، مما جعل هذا المشروع العائلي أكثر قوة واستدامة.
من التدريس إلى الفن اليدويوعن تحوله من التدريس الأكاديمي إلى الصناعة الحرفية، يوضح دغفوس أن الإنسان بعد سنوات من العمل في مجال معين قد يشعر برغبة في خوض تجربة جديدة ومختلفة. ويضيف "العمل الحرفي ليس مجرد تغيير مهني، بل هو مجال يفتح أبواب الإبداع والتعبير الفني، وهذا ما وجدته في صناعة البلاط الأندلسي".
اليوم، باتت ورشته مرجعًا في مجال صناعة الجليز العربي، حيث يعمل على تصميم وإنتاج بلاط مستوحى من التصاميم الأندلسية التقليدية ليحافظ على هوية هذا الفن ويعيده إلى المشهد المعماري الحديث.
رغم الشغف الكبير الذي يدفع سمير دغفوس لإحياء صناعة البلاط الأندلسي، فإن الطريق نحو تحقيق حلمه لم يكن مفروشًا بالورود، إذ واجه عقبات كثيرة، أبرزها ندرة الأيدي العاملة الماهرة، الأمر الذي يعزوه إلى عزوف الشباب التونسي عن العمل الحرفي وابتعادهم عن الصناعات التقليدية التي تتطلب مهارة وصبرًا.
لم يكن دغفوس مستعدًا للاستسلام لهذه العقبة، فحوّل ورشته في البداية إلى مركز تدريب وتأهيل سعيًا منه لتكوين عناصر تونسية تسهم في إعادة إحياء هذه الحرفة التي اندثرت منذ سبعينيات القرن الماضي. لكن على الرغم من الجهود التي بذلها، لم يجد الإقبال المتوقع، واضطر في النهاية إلى الاستعانة بعمالة أجنبية للحفاظ على استمرارية المشروع.
ورغم التحديات، لم يتخلَ دغفوس عن حلمه مستفيدًا من مصدر دخل آخر ساعده على تمويل مشروعه وتغطية نفقاته، مما مكّنه من الاستمرار رغم الصعوبات. يستذكر تلك المرحلة الصعبة قائلا "أمضيت عامًا كاملا دون أن أبيع قطعة واحدة من البلاط، كان الأمر أشبه باختبار لصبري وإيماني بالمشروع، إلى أن جاءت فرصة المشاركة في المعارض التي كانت بمثابة دفعة قوية أعادت الأمل إلى مسيرتي".
إعلانداخل الورشة، التي تعج بألوان ورسومات البلاط الأندلسي، يجلس عزيز -الحرفي المغربي البالغ من العمر 43 عامًا- يعمل بمهارة لافتة مستخدمًا آلة حديدية قديمة جدا، في وقت ترتسم فيه على وجهه ابتسامة هادئة تعكس مدى ارتباطه بهذه الحرفة.
يقول عزيز، الذي بدأ العمل في صناعة البلاط منذ عام 1994، إنه تعلم المهنة في المغرب وأحبها بشدة حتى أصبحت جزءًا من هويته. يصف تجربته قائلاً "لم تكن مجرد مهنة بالنسبة لي، بل تحولت إلى قصة عشق ما زلت أعيشها حتى اليوم".
في ظل ندرة الحرفيين المحليين، أصبح العمال الأجانب مثل عزيز عنصرًا أساسيا في إبقاء صناعة البلاط الأندلسي على قيد الحياة، لكن دغفوس لا يزال يأمل في أن يجد جيلًا تونسيا جديدًا يحمل المشعل ويعيد لهذا الفن التقليدي مجده المفقود.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
افتتاح "كرنفال وادي مدحاء" لإحياء التراث الزراعي وتعزيز السياحة
مدحاء- الرؤية
انطلقت بمنطقة النخيل في ولاية مدحاء بمحافظة مسندم مناشط وفعاليات الموسم الثاني لكرنفال وادي مدحاء، وذلك ضمن فعاليات موسم الشتاء مسندم، تحت رعاية معالي السيد إبراهيم بن سعيد البوسعيدي محافظ مسندم، وبحضور عدد من أصحاب السعادة الولاة والمسؤولين بالمحافظة.
ويأتي الكرنفال لإحياء التراث الزراعي والطبيعي في الولاية وتعزيز السياحة القروية ودعم المجتمع المحلي من خلال الأنشطة التجارية، ويستمر حتى الـ 27 من فبراير 2025م.
وأوضحت كوثر بن علي الحاتمي، مديرة مشروع كرنفال وادي مدحاء، أن الكرنفال يهدف إلى تنشيط السياحة الزراعية والبيئية في ولاية مدحاء لما تتميز به الولاية من طبيعة خلابة وموقع فريد يجمع بين الجبال والمزارع والأفلاج، كما يسعى إلى الترويج للولاية كوجهة سياحية جاذبة ومفضلة للعائلات من خلال تعزيز التجارب السياحية المتنوعة والتعريف بأهم الأماكن السياحية، بالإضافة إلى دعم الأسر المنتجة من خلال تصميم الهوية البصرية وتطوير المنتجات وطريقة عرضها للمستهلك، والتسويق لها في منصات التواصل الاجتماعي.
وإشراك شباب المجتمع من خلال توظيفهم وتدريبهم للقيام بالدور التنظيمي والتشغيلي أثناء فترة تشغيل الفعالية.
وبينت الحاتمية أن فكرة الفعالية تكمن في استغلال الطبيعة والأجواء الشتوية الرائعة في الولاية من خلال إقامة الفعاليات بين المزارع الخضراء، بحيث يتم استئجار المزرعة من صاحبها ومن ثم تهيئة الموقع وإضافة اللمسات الجمالية.
وأوضحت أن عدد المزارع المشاركة في النسخة الحالية يبلغ 11 مزرعة، كل مزرعة تحتوي على نشاط مختلف مثل: منطقة المغامرات، القرية الهندسية، حديقة الحيوانات، الدراجات الكهربائية، سوق الأسر المنتجة، ردهة المطاعم ومسرح العروض.
وأشارت إلى أن النسخة الحالية للكرنفال تتميز بمشاركة شركة بيئة بحملة "عُمان تستاهل" لمدة 3 أيام، كما تتميز بتنوع الأنشطة فتحتوي على منطقة المغامرات التي تضم أكثر من 5 ألعاب مثل جدار التسلق، السلك الانزلاقي، الحبال المعلقة المنخفضة، غرفة التلوين، الترامبولين، وورشات فنية وتعليمية، والقرية الهندسية وتضم حلبة سباق مصغرة للروبوتات مصممة بحيث تشبه مواقع من محافظة مسندم، بالإضافة إلى الورش التعليمية مثل الإلكترونيات التطبيقية، وسفاري مدحاء التي تحتوي على حديقة الحيوانات، والمزرعة المقلوبة، ومغامرات الدراجات الكهربائية، ومزرعة التين التي تتيح للزائر تجربة جديدة يتذوق من خلالها على منتجات بنكهة التين مثل: الآيس كريم، بالإضافة إلى التنوع في المشاريع المنزلية وردهة المطاعم، والمسرح والعروض الحية، والسحوبات والجوائز، والهدايا التذكارية وغيرها.
وأكدت أن الكرنفال يمثل فرصة لأهل الولاية من ناحية تطوير المشاريع المنزلية وطريقة تقديمها للمستهلك والترويج عنها في منصات التواصل الاجتماعي، كما أنه فرصة للشباب حيث الأولوية لشباب الولاية للمشاركة في الكرنفال والقيام بالدور التنظيمي أثناء تشغيل الفعالية، حيث تم تدريب وتوظيف 35 منظم في مختلف التخصصات مثل: المبيعات، العلاقات العامة، التسويق، الصحة والسلامة، وغيره. كما يمثل عامل جذب للاستثمار والتطوير في الولاية وزيادة عدد السياح.
يشار إلى أن أن النسخة الأولى من الفعالية حققت نجاحاً لافتاً حيث شهدت زيارة أكثر من 10 آلاف زائرًا من داخل سلطنة عُمان وخارجها، وشارك فيها 17 مشاركًا، وساهم بتنظيمها 27 متطوعًا من أبناء الولاية.