«المعلقة»... كنيسة بمصر القديمة جدرانها تحمل عبق الماضي
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
في شارع مار جرجس بحي مصر القديمة بمجمع الأديان، بالقرب من جامع عمرو بن العاص تقع هناك الكنيسة المعلقة أحد أهم وأقدم المعالم الدينية في مصر؛ فجدران هذه الكنسية تذخر بالحكايات التي عاشت في فكر وقلب الكنيسة القبطية على مدار أكثر من خمسة عشر قرناً من الزمان؛ فنحن نقف أمام كنيسة عاصرت الإمبراطورية الرومانية وشهدت أبوابها عمرو بن العاص، ومر عليها مختلف الحكام الذين تولوا حكم مصر.
عندما تدخل للكنيسة ستجد مئات الزوار من كافة أنحاء العالم ومن مختلف الأطياف؛ فتضرب الكنيسة مثلاً في الوحدة والتأخي في مصر حيث يزورها مسلمين ومسيحيين على حد سواء جميعهم في حضرة التاريخ وحضارة بلادهم.
وفي السطور التالية تأخذكم "البوابة نيوز" في جولة داخل هذا الصرح التاريخي لنغوص في معالمها.
قصة الكنيسة المعلقة
تمثل الكنيسة المعلقة من أهم الكنائس في العالم لطرازها ومكانتها التاريخي حيث تشير الكثير من المراجع التاريخية أنه في هذا المكان قبل بناء الكنيسة كان يوجب معبد فرعوني قد أحتمت به العائلة المقدسة أثناء رحلتهم في مصر التي أستمرت لثلاثة سنوات ونصف بالقرن الأول الميلادي، بجانب أن "المعلقة" كانت مقراً لبطريرك الكنيسة المرقسية لمدة ثلاثة قرون متتالية في الفترة من (1047م – 1320م) ودفن بها بطاركة هذه الحقبة الزمنية.
ويسرد لنا دكتور جمال عبد الرحيم أستاذ الأثار بجامعة القاهرة في تصريحات خاصة للبوابة نيوز قصة كنيسة المعلقة حيث قال: بُنيت الكنيسة المعلقة في القرن الرابع الميلادي على برجين لحصن روماني قديم "حصن بابليون"، قام بتشييده الإمبراطور الروماني تراجان في نهاية القرن الأول الميلادي مكان معبد فرعوني قديم، حيث كان هناك تمثالاً في هذا المعبد عيناه موجهة إلى تمثال أبو الهول، وظل هذا الحصن موجوداً إلى دخول عمرو بن العاص في642م مصر حيث أقتحمه وسيطر عليه، ونحن الآن لا نعرف شكل الحصن؛ حيث لم يتبقى من الحصن سوى أربعة أبراج أثنان منهم أسفل الكنيسة".
وبعد ذلك تقلد الفاطميون حكم البلاد حيث بدأ القائد جوهر الصقلي في 6 يوليه عام 969م ببناء عاصمة جديدة لمصر بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وسميت بالقاهرة، وحاولت الدولة خلال ذلك الوقت جمع كل الرموز السياسية والدينية في عاصمة الحكم، خاصة في فترة الوزير بدر الجمالي، فنقل البابا خريستوذولوس، البطريرك السادس والستين للكنيسة الكرسي البابوي إلى العاصمة الجديدة، وأصبحت الكنيسة المعلقة هي المقر البابوي ومركز إدارة الكنيسة المصرية بعد أن ظلت الكنيسة المرقسية بالإسكندرية ألف عام مقراً لبطريرك الكنيسة المرقسية، ولقد أستمرت الكنيسة المعلقة المقر الرسمي للكرسي البابوي حتى عهد البابا يؤانس الثامن البطريرك 80، أي في الفترة من (1047م – 1320م).
وأكمل دكتور جمال قائلاً: وحدثت للكنيسة تطورات عديدة في القرن ال18 وال19 وال20 أيضاً، فمدخل الكنيسة الاول شيد في القرن الماضي، وعندما ندخل للكنيسة يوجد هناك مدخل أخر ويرجع تاريخه للقرن ال19، اما عن الكنيسة بالرواق المستعرض فهذا يرجع للقرن الخامس واما عن الزخارف فهي ترجع للقرن ال18، وأحب أن أوضح أن الكنيسة المعلقة وحتى جامع عمرو بن العاص والمعبد اليهودي كلهم تأثروا بالحقب التاريخية التي مرت بها مصر، فكل حقبة أثرت سياسية أثرت على تلك المعالم وأضفت عليها طابعها التراثي".
ونشير لأهم تلك الترميمات التي قام بها الأرخن نخلة بك الباراتى في القرن التاسع عشر الذي كان ناظراً للكنيسة في ذلك الوقت، ويوجد له بيت في مدخل الكنيسة، حيث جدد كنيسة المعلقة وأعاد لها بهائها بعد الاهمال واسس مدرسة بجوارها.
تنفرد بطرازها بين كنائس العالم
بنيت الكنيسة المعلقة على ارتفاع 13 مترًا على أنقاض برجين الحصن الروماني ومن هنا يرجع سبب تسميتها بالمعلقة، ويبلغ طول الكنيسة ٢٣.٥ متر وعرضها ١٨.٥ متر وارتفاعها و٩.٥ متر، وصممت الكنيسة علي الطراز البازيليكي الشهير المعروف بشكله المستطيل وينقسم إلى ثلاثة أجنحة، ويقول الدكتور جمال: إن نقف أمام كنيسة فريدة من نوعها ليس لها مثيل في العالم فالكنيسة تأخذ الطراز البازيليكي، وهذا الطراز بشكل عام يتكون من ثلاثة أجنحة إلا الكنيسة المعلقة فهي الكنيسة الوحيدة على مستوى العالم التي تأخذ هذا التصميم فهي ذات طراز بازليك مصري قبطي فريد مكونة من 4 أجنحة"
والجناحان اللذان يتوسطان الكنيسة أعلاهما سقف خشبي على شكل سفينة، حيث يرمز ذلك إلى سفينة سيدنا نوح، وبذلك تصبح أحدى أندر الكنائس الأرثوذكسية لعدم وجود لها قبة، والباب الشمالي للكنيسة يتكون من مصراعين على كل ضلفة حشوات مجمعة تكون أشكال أطباق نجمية، وتمتاز تلك الحشوات بأنها مطعمة بالعاج، وهناك أيضًا مقصورة الموناليزا التي تعود للقرن الثامن الميلادي، وما بين الصحن والجناح الشمالي صف من ثلاثة أعمدة عليها عقود كبيرة ذات شكل مدبب، والأعمدة التي تفصل بين الأجنحة هي من الرخام فيما عدا واحدا من البازلت الأسود، والملاحظ أن بها عدد من تيجان الأعمدة «كورنثية» الطراز، وفي الجهة الشرقية من الكنيسة توجد ثلاثة هياكل وهي: الأوسط يحمل اسم القديسة العذراء مريم، والأيمن باسم القديس يوحنا المعمدان، والأيسر باسم القديس ماري جرجس.
أما الأحجبة الخشبية بالكنيسة، فأهمها الحجاب الأوسط المصنوع من الأبنوس المطعم بالعاج الشفاف، ويرجع إلى القرن الـ 12 أو الـ13 الميلادي، ونقش عليه بأشكال هندسية وصلبان.
وبداخل الكنيسة أيضاً أنبل "منبر" ذي طراز فريد مصنوع من الرخام، ويرجع تاريخ الإنبل للعصر المملوكي، وكان مخصص لصعود البطريرك او أباء الكنيسة؛ ليعظه للشعب حيث لم يكن في هذا الزمان الميكروفونات، ويستقر أنبل الكنيسة في الغالب على أثنى عشر عموداً ولكن أنبل كنيسة المعلقة يختلف حيث يستقر على خمسة عشر عموداً، يتقدمهم عمود رخامي يرمز للسيد المسيح، كما يوجد بالكنيسة تابلوه خشبي يعود للقرن الخامس أو السادس الميلادي، وعليه منظر دخول المسيح لمدينة أورشليم منتصرًا.
وتضم الكنيسة عدد كبير ومميز من الأيقونات القبطية النادرة عددها 110 أيقونة تصور أفراد العائلة المقدسة والعديد من قديسي الكنيسة، وغالبية هذه الأيقونات ترجع للقرن الـ، 18، وأعلى الحجاب الأوسط توجد أيقونات تمثل السيد المسيح على العرش وعلى يمينه السيدة العذراء والملاك جبرائيل والقديس بطرس، وعلى يساره يوحنا المعمدان والملاك ميخائيل والقديس بولس.
وأحد أهم تلك الأيقونات وهي أيقونة العذراء مريم الشهيرة بالموناليزا، ويرجع تسميتها بذلك الاسم حيث تنظر السيدة العذراء إلى كل من يقف أمامها من أي اتجاه في عينيه مباشرتاً كما كانت صورة الموناليزا.
وتظهر بالأيقونة السيدة العذراء مريم تحمل الطفل المسيح ويظهر القديس يوحنا المعمدان كشاب كبير مع أن الفارق بينه وبين السيد المسيح ستة أشهر فقط، لكن الفنان أراد أن يرسمها بهذه الطريقة لكى يعبر عن مقولة القديس يوحنا المعمدان التى قالها عن السيد المسيح أنه "سيأتي بعدى من هو أقوى منى الذى لست مستحق أن أنحنى وأحل سيور حذائه".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الكنيسة القبطية عمرو بن العاص فی القرن
إقرأ أيضاً:
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
بعد آلاف السنين من انهيارها، عادت مدينة إسبرطة اليونانية القديمة إلى عناوين الأخبار، كنموذج صالح للمقارنة مع إسرائيل 2024، من حيث هي مثال يحتذى أو يُخشى، بما تجسده من عسكرة وتمجيد للدم والتراب مهما كلف الثمن، وكذلك بتعريفها للتماسك الوطني والسلطة بأنها معاداة للإنسانية لا تتحقق إلا بحرب لا نهاية لها.
بهذه المقدمة انطلق رئيس قسم الأدب المقارن في الجامعة العبرية في القدس البروفيسور يوآف رينون في مقارنة بين إسرائيل واليونان القديمة، معتبرا أن مثال إسبرطة بما تجسده من نزعة عسكرية جامحة لا ينطبق تماما على إسرائيل، بل إن المثال الأقرب إليها هو أثينا بنزعتها الإمبراطورية التي أعلنت عنها صراحة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المفوض العام للأونروا: وقف عمل الوكالة في فلسطين يعني الكارثةlist 2 of 2صحف عالمية: مرضى غزة يواجهون خطر الموت ونتنياهو لا يريد إنهاء الحربend of listومن السمات البارزة لأثينا في أثناء فترة الحرب أزمة الزعامة، حيث كان الزعيم الأثيني بريكليس يعمل على أساس رؤية سياسية محددة، ويميز بين مصلحته الشخصية ومصلحة الدولة، إلى أن اغتصب مكانته الديماغوجيون الذين حولوا رؤيتهم الخاصة لنجاحهم الشخصي إلى سياسة عامة، وإن لم يعلنوا "أنا الدولة"، لأن دولتهم كانت تقوم على الديمقراطية، ولكنهم تصرفوا على ضوء هذا المبدأ التوجيهي، وفقا للكاتب.
كاريزما نرجسية جوفاء
وكان ألكيبياديس من أبرز الديماغوجيين وهو، حسب مقال البروفسور بهآرتس، يشترك في عديد من السمات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإن كان ثمة فارق كبير بين الرجلين، إذ كان ألكيبياديس واحدا من أكثر القادة والعسكريين موهبة في عصره، وهو ما لا يمكن أن يقال عن نتنياهو الذي عمل سنوات على رعاية حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مما أدى إلى رعب السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
إعلانورغم أن نتنياهو يتمتع بالكاريزما مثل ألكيبياديس، فإن جاذبيته لا تستند إلى أي محتوى جوهري خلافا للأثيني، بل هي كاريزما نرجسية جوفاء، لا يوجد خلفها سوى فراغ -كما يقول الكاتب- فلا إيمان بالسلام ولا أمن ولا اقتصاد ولا شيء، بل كل ما هو موجود هو نتنياهو نفسه، وقد وُصِف بأنه "ساحر"، وهو كذلك بالفعل، ولكنه يذكرنا بـ"ساحر أوز" الزائف الذي نجح في تسويق نفسه على أنه ساحر، ولكن هذا الرجل يشبه عناوين الصحف الشعبية التي لا شيء وراءها.
وكان ألكيبياديس هو الذي دفع أثينا، في خضم الحرب مع إسبرطة، إلى فتح جبهة إضافية خارج اليونان في صقلية، وكانت النتيجة تشكيل اتحاد غير عادي بين دول المدن في صقلية وإسبرطة، وانتهت الحملة بهزيمة أثينا في الحرب وخسارة الإمبراطورية التي كانت تمتلكها ذات يوم.
وبعد أن كانت أثينا تعتبر المحرر لكل اليونان من التهديد الفارسي، أصبح ينظر إليها بسبب بحروبها الداخلية باعتبارها وكيلا للطغيان يهدف إلى إخضاع اليونان كلها، وبدأت إسبرطة تدريجيا في تولي دور ممثل الحرية، كمحرر مستقبلي لليونان من نير أثينا.
وعلى الرغم من بعض أوجه التشابه بين هذا الوضع وإسرائيل اليوم -كما يقول الكاتب- فهناك أيضا فرق رئيسي، وهو أن القرن الخامس قبل الميلاد كان قرن السفسطائيين، وهم خبراء فن الإقناع، ومن مبادئهم الأساسية "المعقولية"، وكان على المرء، لإقناع الجمعية العامة المسؤولة عن اتخاذ القرارات السياسية، عرض قضيته بحجج عقلانية تستند إلى تقييم واقعي للموقف.
منظر لمعبد البارثينون بأثينا (رويترز) منطق مجنونوعندما أقنع ألكيبياديس الأثينيين بالذهاب إلى الحرب مع صقلية تقدم بحجج عقلانية واستند إلى الحقائق ومسار الأحداث الفعلي، أما إسرائيل اليوم، تحت قيادة نتنياهو، فلا تقودها الحقائق بل الأكاذيب، والمبدأ التوجيهي المركزي الأساسي هو الاعتبارات المسيحانية، وبالتالي غير العقلانية، فالمسيحانية لها عقلانية ومنطق غير عقلاني على الإطلاق، إنه منطق مجنون، حسب الكاتب.
مصير أثينا ومصير اليونان ينبئان بما سيحل بإسرائيل والمنطقة بأسرها، وقد أدت نهاية الحرب التي مرت منذ قرون إلى نهاية الديمقراطية في أثينا وإلى بداية حكم الطغيان الذي استلزم ذبح عديد من مواطني أثينا الديمقراطيين
لذا، فالتاريخ الأثيني لن ينفعنا هنا -كما يقول الكاتب- بل علينا الرجوع إلى تاريخ القومية اليهودية، إلى فترة الهيكل الثاني والثورة الكبرى ضد الرومان التي أدت إلى تدمير القدس والهيكل وعديد من الوفيات، ثم إلى ثورة بار كوخبا التي أدت بدورها إلى مزيد من الدمار ومزيد من الموت.
إعلانوكما شهد المؤرخ الذي وثق تلك الثورة، فإن عديدا من سكان القدس وصفوها بأنها جنون مطلق، وكانت النهاية مروعة، لأن ذلك هو ما يقود إليه المنطق غير العقلاني الذي من سماته المميزة "الكل أو لا شيء"، وهو أسلوب تفكير قائم على أن نكون أو لا نكون، عندما يكون مبرر الوجود ومبرر عدم الوجود متطابقين، أي إذا لم يكن بوسعي أن أظل موجودا في ظل ظروف مسيحانية، فإن الاحتمال الوحيد والخيار الأخلاقي الوحيد الذي يبقى لي، هو أن أتوقف عن الوجود.
وإذا تكرر التاريخ، كما تنبأ ثوسيديدس، فإن مصير أثينا ومصير اليونان ينبئان بما سيحل بإسرائيل والمنطقة بأسرها، وقد أدت نهاية الحرب التي مرت منذ قرون إلى نهاية الديمقراطية في أثينا، وإلى بداية حكم الطغيان الذي استلزم ذبح عديد من مواطني أثينا الديمقراطيين، ودفع أكبر عدد منهم إلى ارتكاب أعمال إجرامية.