في شارع مار جرجس بحي مصر القديمة بمجمع الأديان، بالقرب من جامع عمرو بن العاص تقع هناك الكنيسة المعلقة أحد أهم وأقدم المعالم الدينية في مصر؛ فجدران هذه الكنسية تذخر بالحكايات التي عاشت في فكر وقلب الكنيسة القبطية على مدار أكثر من خمسة عشر قرناً من الزمان؛ فنحن نقف أمام كنيسة عاصرت الإمبراطورية الرومانية وشهدت أبوابها عمرو بن العاص، ومر عليها مختلف الحكام الذين تولوا حكم مصر.


عندما تدخل للكنيسة ستجد مئات الزوار من كافة أنحاء العالم ومن مختلف الأطياف؛ فتضرب الكنيسة مثلاً في الوحدة والتأخي في مصر حيث يزورها مسلمين ومسيحيين على حد سواء جميعهم في حضرة التاريخ وحضارة بلادهم.


 وفي السطور التالية تأخذكم "البوابة نيوز" في جولة داخل هذا الصرح التاريخي لنغوص في معالمها.


قصة الكنيسة المعلقة 
 
تمثل الكنيسة المعلقة من أهم الكنائس في العالم لطرازها ومكانتها التاريخي حيث تشير الكثير من المراجع التاريخية أنه في هذا المكان قبل بناء الكنيسة كان يوجب معبد فرعوني قد أحتمت به العائلة المقدسة أثناء رحلتهم في مصر التي أستمرت لثلاثة سنوات ونصف بالقرن الأول الميلادي، بجانب أن "المعلقة" كانت مقراً لبطريرك الكنيسة المرقسية لمدة ثلاثة قرون متتالية في الفترة من (1047م – 1320م) ودفن بها بطاركة هذه الحقبة الزمنية.

ويسرد لنا دكتور جمال عبد الرحيم أستاذ الأثار بجامعة القاهرة في تصريحات خاصة للبوابة نيوز قصة كنيسة المعلقة حيث قال: بُنيت الكنيسة المعلقة في القرن الرابع الميلادي على برجين لحصن روماني قديم "حصن بابليون"، قام بتشييده الإمبراطور الروماني تراجان في نهاية القرن الأول الميلادي مكان معبد فرعوني قديم، حيث كان هناك تمثالاً في هذا المعبد عيناه موجهة إلى تمثال أبو الهول، وظل هذا الحصن موجوداً إلى دخول عمرو بن العاص في642م مصر حيث أقتحمه وسيطر عليه، ونحن الآن لا نعرف شكل الحصن؛ حيث لم يتبقى من الحصن سوى أربعة أبراج أثنان منهم أسفل الكنيسة".
وبعد ذلك تقلد الفاطميون حكم البلاد حيث بدأ القائد جوهر الصقلي في 6 يوليه عام 969م ببناء عاصمة جديدة لمصر بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وسميت بالقاهرة، وحاولت الدولة خلال ذلك الوقت جمع كل الرموز السياسية والدينية في عاصمة الحكم، خاصة في فترة الوزير بدر الجمالي، فنقل البابا خريستوذولوس، البطريرك السادس والستين للكنيسة الكرسي البابوي إلى العاصمة الجديدة، وأصبحت الكنيسة المعلقة هي المقر البابوي ومركز إدارة الكنيسة المصرية بعد أن ظلت الكنيسة المرقسية بالإسكندرية ألف عام مقراً لبطريرك الكنيسة المرقسية، ولقد أستمرت الكنيسة المعلقة المقر الرسمي للكرسي البابوي حتى عهد البابا يؤانس الثامن البطريرك 80، أي في الفترة من (1047م – 1320م).
وأكمل دكتور جمال قائلاً: وحدثت للكنيسة تطورات عديدة في القرن ال18 وال19 وال20 أيضاً، فمدخل الكنيسة الاول شيد في القرن الماضي، وعندما ندخل للكنيسة يوجد هناك مدخل أخر ويرجع تاريخه للقرن ال19، اما عن الكنيسة بالرواق المستعرض فهذا يرجع للقرن الخامس واما عن الزخارف فهي ترجع للقرن ال18، وأحب أن أوضح أن الكنيسة المعلقة وحتى جامع عمرو بن العاص والمعبد اليهودي كلهم تأثروا بالحقب التاريخية التي مرت بها مصر، فكل حقبة أثرت سياسية أثرت على تلك المعالم وأضفت عليها طابعها التراثي".
ونشير لأهم تلك الترميمات التي قام بها الأرخن نخلة بك الباراتى في القرن التاسع عشر الذي كان ناظراً للكنيسة في ذلك الوقت، ويوجد له بيت في مدخل الكنيسة، حيث جدد كنيسة المعلقة وأعاد لها بهائها بعد الاهمال واسس مدرسة بجوارها.

تنفرد بطرازها بين كنائس العالم 

بنيت الكنيسة المعلقة على ارتفاع 13 مترًا على أنقاض برجين الحصن الروماني ومن هنا يرجع سبب تسميتها بالمعلقة، ويبلغ طول الكنيسة  ٢٣.٥ متر وعرضها ١٨.٥ متر وارتفاعها و٩.٥ متر، وصممت الكنيسة علي الطراز البازيليكي الشهير المعروف بشكله المستطيل وينقسم إلى ثلاثة أجنحة، ويقول الدكتور جمال: إن نقف أمام كنيسة فريدة من نوعها ليس لها مثيل في العالم فالكنيسة تأخذ الطراز البازيليكي، وهذا الطراز بشكل عام يتكون من ثلاثة أجنحة إلا الكنيسة المعلقة فهي الكنيسة الوحيدة على مستوى العالم التي تأخذ هذا التصميم فهي ذات طراز بازليك مصري قبطي فريد مكونة من 4 أجنحة"

والجناحان اللذان يتوسطان الكنيسة أعلاهما سقف خشبي على شكل سفينة، حيث يرمز ذلك إلى سفينة سيدنا نوح، وبذلك تصبح أحدى أندر الكنائس الأرثوذكسية لعدم وجود لها قبة، والباب الشمالي للكنيسة يتكون من مصراعين على كل ضلفة حشوات مجمعة تكون أشكال أطباق نجمية، وتمتاز تلك الحشوات بأنها مطعمة بالعاج، وهناك أيضًا مقصورة الموناليزا التي تعود للقرن الثامن الميلادي، وما بين الصحن والجناح الشمالي صف من ثلاثة أعمدة عليها عقود كبيرة ذات شكل مدبب، والأعمدة التي تفصل بين الأجنحة هي من الرخام فيما عدا واحدا من البازلت الأسود، والملاحظ أن بها عدد من تيجان الأعمدة «كورنثية» الطراز، وفي الجهة الشرقية من الكنيسة توجد ثلاثة هياكل وهي: الأوسط يحمل اسم القديسة العذراء مريم، والأيمن باسم القديس يوحنا المعمدان، والأيسر باسم القديس ماري جرجس.

أما الأحجبة الخشبية بالكنيسة، فأهمها الحجاب الأوسط المصنوع من الأبنوس المطعم بالعاج الشفاف، ويرجع إلى القرن الـ 12 أو الـ13 الميلادي، ونقش عليه بأشكال هندسية وصلبان.

وبداخل الكنيسة أيضاً أنبل "منبر" ذي طراز فريد مصنوع من الرخام، ويرجع تاريخ الإنبل للعصر المملوكي، وكان مخصص لصعود البطريرك او أباء الكنيسة؛ ليعظه للشعب حيث لم يكن في هذا الزمان الميكروفونات، ويستقر أنبل الكنيسة في الغالب على أثنى عشر عموداً ولكن أنبل كنيسة المعلقة يختلف حيث يستقر على خمسة عشر عموداً، يتقدمهم عمود رخامي يرمز للسيد المسيح، كما يوجد بالكنيسة تابلوه خشبي يعود للقرن الخامس أو السادس الميلادي، وعليه منظر دخول المسيح لمدينة أورشليم منتصرًا.

وتضم الكنيسة عدد كبير ومميز من الأيقونات القبطية النادرة عددها 110 أيقونة تصور أفراد العائلة المقدسة والعديد من قديسي الكنيسة، وغالبية هذه الأيقونات ترجع للقرن الـ، 18، وأعلى الحجاب الأوسط توجد أيقونات تمثل السيد المسيح على العرش وعلى يمينه السيدة العذراء والملاك جبرائيل والقديس بطرس، وعلى يساره يوحنا المعمدان والملاك ميخائيل والقديس بولس.

وأحد أهم تلك الأيقونات وهي أيقونة العذراء مريم الشهيرة بالموناليزا، ويرجع تسميتها بذلك الاسم حيث تنظر السيدة العذراء إلى كل من يقف أمامها من أي اتجاه في عينيه مباشرتاً كما كانت صورة الموناليزا.

وتظهر بالأيقونة السيدة العذراء مريم تحمل الطفل المسيح  ويظهر القديس يوحنا المعمدان كشاب كبير مع أن الفارق بينه وبين السيد المسيح ستة أشهر فقط، لكن الفنان أراد أن يرسمها بهذه الطريقة لكى يعبر عن مقولة القديس يوحنا المعمدان التى قالها عن السيد المسيح أنه "سيأتي بعدى من هو أقوى منى الذى لست مستحق أن أنحنى وأحل سيور حذائه".

الدكتور جمال عبد الرحيم


 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الكنيسة القبطية عمرو بن العاص فی القرن

إقرأ أيضاً:

فرنسا تعتزم استدعاء سفير إسرائيل.. ماذا جرى في الكنيسة الإيليونة بالقدس؟

أعلنت الخارجية الفرنسية، الخميس، عزمها على استدعاء سفير إسرائيل في باريس للاحتجاج على دخول رجال شرطة إسرائيليين لكنيسة تديرها فرنسا في القدس، والاعتقال المؤقت لعنصرين من الدرك الفرنسي موظفين في القنصلية العامة الفرنسية خلال الزيارة التي يجريها وزير الخارجية الفرنسي لإسرائيل.

وأشار بيان الخارجية إلى أن عناصر من قوات الأمن الإسرائيلي دخلت للكنيسة الإيليونة "مسلحة" و"دون تصريح". وهو ما جعل وزير الخارجية الفرنسية يتراجع عن زيارة المكان.

وبينما كان وفد الوزير يهم بالمغادرة، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية "اثنين من موظفي القنصلية العامة الفرنسية في القدس"، قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد تدخل الوزير رغم الصفة الدبلوماسية التي يتمتعون بها.

واعتبر الوزير الفرنسي "أن هذه التصرفات "غير مقبولة"، وتدينها فرنسا بشدة بالخصوص لكونها تأتي في سياق تبذل فيه فرنسا كل ما في وسعها للعمل على وقف تصعيد العنف في المنطقة. كما عبر بيان الخارجية الفرنسية.

وتعتبر كنيسة الإيليونية واحدة من الممتلكات الفرنسية في القدس، والتي تسمى "الفضاء الوطني الفرنسي في الأرض المقدسة"، وهي ملك للجمهورية الفرنسية والتي تديرها القنصلية العامة لفرنسا في القدس. بالإضافة إلى الكنيسة، يضم الفضاء الوطني الفرنسي أيضًا دير "أبو غوش"، قبر ملوك يهودا، وكنيسة القديسة آن" يمثل هذا "الفضاء الوطني الفرنسي" في القدس إرثاً يعود إلى القرن التاسع عشر، حينما استحوذت فرنسا على عدة مواقع مقدسة في المدينة.

وتعود أصول هذا الإرث إلى عام 1856، عندما عرض السلطان العثماني كنيسة القديسة آن على نابليون الثالث، لتصبح أول ملكية فرنسية في القدس. وفي العام نفسه، قامت هيلويز دو لا تور دوفيرني، إحدى الأرستقراطيات الفرنسية، بشراء كنيسة إليونا، قبل أن تهبها للحكومة الفرنسية عند وفاتها عام 1874.

وتعيد هذه الواقعة الدبلوماسية للأذهان أزمتين دبلوماسيتين بين فرنسا وإسرائيل خلال زيارة رؤساء فرنسيين لمواقع من الفضاء الوطني الفرنسي.

وحصل أولها في أكتوبر 1996، عندما قام الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك بزيارته الأولى إلى إسرائيل، والتي شهدت دخوله في شنآن مع أجهزة الأمن الإسرائيلية التي رافقت تجوله في شوارع القدس، قبل أن يطالب الجنود الإسرائيليين الذين أخذوا أماكنهم داخل كنيسة القديسة آن بمغادرة مبنى الكنيسة قائلا "لا أريد وجود مسلحين على الأراضي الفرنسية". 

Jacques Chirac, en 1996, lors de sa visite à Jérusalem, l’armée israélienne occupe Jérusalem Est et Chirac se retrouve dans l'impossibilité de rejoindre les Palestiniens. Chirac refusera d'entrer dans une église. En cause, des soldats israéliens sont à l'intérieur. #Israel #Gaza pic.twitter.com/PO3NXiIMsX

— Café Littéraire ☕️ (@C_litteraire) October 10, 2023

  وتكررت واقعة مشابهة خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لإسرائيل في يناير حينما بدأ الرئيس الفرنسي السابق بالصراخ على عناصر من الشرطة الإسرائيلية الذين كانوا يقفون على بوابة الكنيسة وطالبهم بالمغادرة.

 

#Macron sur les pas de #Chirac à #Jerusalem. Violente altercation devant l'église Sainte Anne, domaine national français. "Nobody has to provoke nobody!" lance Macron, 24 ans après le mémorable "What do you want, me to go back to my plane?"#France #Israelpic.twitter.com/cck4QTrPxr

— Frédérique Schillo (@FredSchillo) January 22, 2020

 وتأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لإسرائيل من أجل الدفع نحو إيجاد حلول دبلوماسية لوقف الحربين في قطاع غزة ولبنان.

واجتمع وزير الخارجية الفرنسي صباح الخميس بنظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس. وصرح وزير الخارجية في ندوة صحفية عقبت الاجتماع ب"أن الظروف تبدو مجتمعة من أجل إيجاد حل دبلوماسي" للصراع في الشرق الأوسط. وأضاف أن هناك "أفقاً جديداً لإنهاء المأساة التي يغرق فيها الإسرائيليون والفلسطينيون والمنطقة برمتها منذ السابع من أكتوبر". مشيراً ل"النجاحات التكتيكية البارزة التي حققتها إسرائيل.

مضيفاً أن "انتخاب رئيس جديد في الولايات المتحدة الأميركية" والذي لم يخف إرادته لوضع حد للحروب اللامنتهية في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • بأسلوب كسر الزجاج.. الداخلية تضبط لص السيارات بمصر القديمة
  • فرنسا تعتزم استدعاء سفير إسرائيل.. ماذا جرى في الكنيسة الإيليونة بالقدس؟
  • فرنسا ستسدعي سفير إسرائيل.. ماذا جرى في الكنيسة الإيليونة بالقدس؟
  • اعترافات المتهم بسرقة السيارات بمصر القديمة
  • وزير الخارجية الفرنسي يرفض دخول كنيسة في القدس بسبب وجود الشرطة الإسرائيلية
  • «القاهرة الإخبارية»: شرطة الاحتلال الإسرائيلي دخلت كنيسة تديرها فرنسا في القدس
  • البابا تواضروس ينشئ مقرًا إداريًا جديدًا للكنيسة الأرثوذكسية بالقاهرة الجديدة
  • وفد جماعة عمانوئيل يزور السفير البابوي بمصر وبعض مطارنة الكنيسة الكاثوليكية بمصر
  • وفد جماعة عمانوئيل يزور السفير البابوي بمصر وبعض مطارنة الكنيسة الكاثوليكية
  • البابا تواضروس يستقبل أسقفي الكنيسة القبطية بالسودان