نقاش حول مصادر الأدب الشعبي والأمثال
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
جدة – صالح الخزمري
قدم الجلسة د. عبدالله الحيدري وشهدت مشاركة أ.د. حسن حجاب الحازمي بورقة بحثية عنوانها “من الشفاهية إلى التدوين – قراءة في جهود العقيلي في توثيق الأدب الشعبي في الجنوب”، طاف في مستهلها على سيرة العقيلي ومنجزاته الأدبية التي بلغت (35) كتابًا، من أشهرها: “تاريخ المخلاف السليماني”، و”التأريخ الأدبي لمنطقة جازان”، و”الأدب الشعبي في الجنوب”، و”التصوف في تهامة”، فضلًا عن تحقيقه لديوان الشاعر القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي، أحد أشهر شعراء القرن السابع الهجري، وديوان الجراح بن شاجر الذروي أحد شعراء القرن العاشر الهجري، وغيرها.
• كما شاركت الدكتورة لمياء باعشن ببحث عنوانه “الحكاية الشعبية من الشفاهة إلى التدوين: التبات والنبات نموذجًا”، مشيرة في البداية إلى أن “المرويات الشفهية تعمل كمستودعات للغة واللهجة وفروقات المعاني الدقيقة”، كونها تجسد التعبيرات اللغوية الفريدة والعبارات الاصطلاحية المتأصلة في الثقافة المحلية، فتحمي تنوعها اللغوي الخاص، كما تعزز التقاليد المجتمعية وتعمق تواصل الأجيال بتراثهم الثقافي الثري.
ماضية إلى القول: ومع تغير المجتمعات نتيجة عوامل التمدن السريع، بدأ تصدع البنى السوسيوثقافية وغابت طقوس الحكي الجمعي تدريجيًا، مما هدد باندثار الحكايات في طيات التطور الزاحف الذي طال الكثير من الظواهر المجتمعية التي كانت تميز المجتمعات بعضها عن بعض. وأصبح من الضروري أن يبدأ مشروع تدوين المرويات الحكائية خوفًا من تلاشيها، مشروع يحافظ عليها في القوالب الكتابية لأول مرة بعد تناقلها لأزمان طويلة بأصوات الحكائين وبعفوية تامة.
وتبعًا لهذه الموجهات تتبعت الورقة مراحل انتقال الحكايات الشعبية من الوسط الصوتي إلى الوسط الكتابي، والأثر الذي تركه اختفاء دور الحكواتي في توصيلها للسامعين، كما وضحت التغيرات التي طرأت على سمات الحكايات الفنية، وعلى محتواها الأدبي والفكري في ضوء هذا الانتقال التخليدي.
• أما ورقة الدكتور أحمد اللهيب : فيقول: يمكنُ النظرُ إلى النّظرية الشّفاهيّة بأنّها ذاتُ علاقةٍ قويّةٍ بالبدائيّةِ البشريّة، وأنّها منحت الخلودَ لأعمالٍ بشريّة كانت جديرةً بالبقاء والديمومة والحياة؛ نظرًا لأنّها قدمت نماذج عليا من الإبداع البشريّ – كما يتصوّرهُ الإنسان في تلك الحقبة الزمنيّة التي ظهر فيها ذلك النّص الشّفاهيّ-، ويمكن – أيضًا – النّظر إلى هذه المرحلة بأنّها مرحلةُ تشكيل متنوعٍ لعطاءاتٍ بشريّة متعددة خلقت نصًّا أو نصوصًا متواليةً متوارثة عبر الأجيال؛ وجدت فيها لحمة إنسانيّة وعاطفة بشريّة ومعاني راسخةً في الفكر البشري.
اقرأ أيضاًالمجتمع“صرير” الأسنان.. مشكلة شائعة تؤثر على صحة الفم
ويتابع مضيفًا: الشفاهيّة في بعدها المتزن يُمكن –أيضًا- أن تكسب النصوص الخالدة المتميزة السيرورة والبقاء، وهذا ما يجعل أو ما يدعي بأنّ العمل الإبداعي الشفاهي مصدرٌ مهمّ في تلقي الأجيال المتعاقبة للصّورة الاجتماعيّة والثقافيّة في أبعادها الفكريّ والإبداعيّ والتّراثيّ التي تحملها النّصوص الشّفاهيّة وتغرسها في السلوك البشريّ. وهي تعكس القدرة البشريّة التي تحتفظ بذاكرةٍ ترتكز على الاسترجاع والتداول بين الأفراد، مما يؤكد على رسوخ التّلقي وأهميّته في العقل البشريّ، وامتداده التّاريخيّ في حفظ النّصوص الخالدة التي تناقلتها العقول.
• في حين تناولت ورقة أ.د. أحمد بن عيسى الهلالي “تقنيات المثل الحواري في الثقافة السعودية الشعبية، مرتئيًا في بدايتها أن “الأمثال ضرب من الأدب الجمعي العربي، عرفه الأوائل وظل مزدهرا في ثقافتهم، يحضر في كل مناسباتهم، ويدرج على ألسنتهم باعتياد، وزاد حضوره حين اختزن القرآن الكريم عددًا كبيرًا من الأمثال، وظل إلى عهد قريب يحظى بهذه المكانة الرفيعة في كل ما يتداول من الأحاديث، وحظي بعناية الثقافة الشعبية فشاع في كل أقوالهم وآدابهم، فلا يخلو حديث من أحاديث كبار السن اليوم من جملة من الأمثال.
وأضاف بقوله: الأمثال برشاقتها اللفظية وكثافتها الدلالية تستوقفني دائمًا، لكن الأمثال الحوارية ببنيتها الخاصة استوقفتني أكثر من غيرها؛ ذلك لأنها ذات بنية حوارية، كثفت موقفًا سرديًا شاسعًا في جملتين قوليتين غالبًا، وهي في الوقت ذاته تصور موقفًا آنيًا بمواقف سالفة، تصنع مفارقة دقيقة، مثل صناعتهم المفارقة في المثل المشهور: “قال: انفخ يا شريم. قال: ما شي برطم”! وأمثاله من الأمثال الحوارية.
وعلى هذا النسق مضت الورقة مستجلية الأمثال الحوارية في الثقافة السعودية الشعبية بما يتيسر لها في المحفوظ والمدون من الأمثال الحوارية، وتتبع حضورها التاريخي، وأشكال بناها التعبيرية، وتحليل تقنياتها السردية، وحمولاتها الدلالية القديمة والحالية، بغية الوصول إلى فهم أعمق لهذا الضرب من الأمثال العربية في بيئتيه القديمة والحديثة.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الأدب الشعبی فی ة التی
إقرأ أيضاً:
هل اختلف تعامل السعودية بين الشرع ومرسي؟ نقاش هادئ مع جمال سلطان
يمكن القول إن نجاح الثورة السورية في إسقاط نظام بشار الأسد بعد 14 سنة من انطلاقها، مثل محطة فاصلة في تاريخ سوريا ومنطقة الشرق الأوسط العالم العربي بشكل عام، ليس فقط لأهمية سوريا ومكانتها الاستراتيجية، وإنما لكون من أوصل الثورة السورية إلى نيل مبتغاها والإطاحة بحكم الأسد وحزب البعث محسوب على التيارات الإسلامية الأشد يمينية.
ومع أن انتصار الثورة السورية قد اختطف الأضواء عن حرب الإبادة التي نفذها الاحتلال في قطاع غزة على مدى 15 شهرا، فإن فريقا من الخبراء والمحللين لتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، رأى في انتصار الثورة السورية أحد أولى ثمار الصمود الأسطوري للفلسطينيين في قطاع غزة في مواجهات آلة التوحش الصهيوني، بينما رآها آخرون انطلاقة جديدة لثورات الربيع العربي التي انطلقت أواخر العام 2010 من تونس.
لكن الجدل الرئيس الذي بدأ مع انتصار الثورة السورية أن من قاد هذا الانتصار هو زعيم هيئة تحرير الشام، المحسوب حاليا على التيار الإسلامي، والقادم من أقصى اليمين الإسلامي، أي تنظيم القاعدة قبل أن يتطور إلى مشروع سياسي سوري انتهى إلى استلام الدولة..
وكان لافتا للانتباه، ليس فقط مستوى النضج السياسي والانفتاح الذي عكسته تصريحات قادة الإدارة السورية الجديدة بزعامة أحمد الشرع المكنى بـ "أبو محمد الجولاني"، وإنما أيضا استعداد العالم العربي والإسلامي بل والمجتمع الدولي على التعاون مع الإدارة الجديدة، غير آبهين بالتصنيف الدولي الذي يضع هيئة تحرير الشام وزعيمها في خانة الإرهاب..
ومبعث الاستغراب هنا يكمن في أن العالم الذي رفض التعامل مع مخرجات الربيع العربي التي مكنت تيارات الإسلام السياسي من تصدر المشهد، وأحكم عليها الخناق وصولا إلى الانقلاب عليها والتنكيل برموزها، هو نفسه الذي يفتح الباب واسعا للتعامل مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع القادم من التيار الإسلامي..
ولقد كان الاستقبال الكبير الذي حظي به الرئيس السوري أحمد اتلشرع في السعودية مطلع الأسبوع الجاري، حدثا لافتا اعتبره البعض تغيرا في الموقف السعودي إزاء التيار الإسلامي، بينما رآه آخرون تميزا لأحمد الشرع عن باقي تيارات الإسلام السياسي وخصوصا منها تيار الإخوان.
"عربي21"، تفتح النقاش حول الموقف السعودي من التطورات الجارية في سوريا وما إذا كان ذلك يعكس تحولا في العلاقة مع الإسلاميين، أم أن الأمر يتعلق بتطورات في موقف الإسلاميين أنفسهم؟ وأين يختلف الموقف السعودي في الموقف من إخوان مصر وإسلاميي سوريا؟
وقد نشرنا الأمس الاثنين مساهمة للكاتب والباحث المصري في شؤون الفكر الإسلامي جمال سلطان، وننشر اليوم مساهمة للكاتب والباحث المصري أيضا قطب العربي.
اهتمام سياسي وإعلامي سعودي بزيارة الشرع.. لماذا؟
حظيت زيارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع للمملكة العربية السعودية باهتمام إعلامي وسياسي خاص، وحق لها ذلك، فالشرع الذي لا يزال مصنفا إرهابيا على لوائح الإرهاب الدولية والتي تلتزم بها السعودية يعانق الأمير محمد بن سلمان، ويسير وسط موكب سعودي رسمي مهيب، ويؤدي العمرة مع الوفد المرافق له محاطا بالأمن السعودي، والسعودية التي حاربت الربيع العربي لمدة 14 عاما تستقبل أحد قادته، والمنطقة كلها على صفيح ساخن بعد طوفان الأقصى الذي ظهرت أجزاء من تداعياته ولا تزال أجزاء أخرى ستظهر تباعا.
استدعت زيارة الشرع وحسن استقباله من القيادة السعودية المقارنة مع زيارة الرئيس مرسي للسعودية عقب توليه منصبه الرئاسي مباشرة، وذهب البعض للتأكيد أن شكل الاستقبال السعودي اختلف كثيرا بين مرسي والشرع، منحيا باللائمة على مرسي وجماعته في توتر العلاقة مع السعودية. وكتب الصديق جمال سلطان مقالا أمس بعنوان "لماذا رحبت السعودية بأحمد الشرع ولم ترحب بمحمد مرسي؟"، نشرته "عربي21"، مشيرا في مقاله إلى ارتياح الجميع في المنطقة لهذا الاستقبال وهذه الروح الجديدة باستثناء 3 قوى إيران وإسرائيل والإخوان وخاصة فرعها المصري.
والحقيقة أن عنوان المقال خاطئ أساسا، ومجاف للحقيقة تماما، فاستقبال السعودية للرئيس مرسي كان بنفس الحفاوة، بل أكثر، استقبله بالأحضان الملك عبد الله وليس ولي العهد فقط، وحضر مراسم الاستقبال كبار رجال المملكة والأسرة الحاكمة، وأدى مرسي ومرافقوه العمرة وسط الحراسة الملكية، وبادرت المملكة بمنح مصر ملياري دولار ظلت وديعة في البنك المركزي لم يمسها الرئيس مرسي حتى الانقلاب عليه وذلك باعتراف السفير السعودي في مصر حينذاك أحمد القطان.
كان مرسي حريصا أن تكون زيارته الخارجية الأولى للملكة تكريما لها، وحتى يرسل من خلال تلك الزيارة رسالة طمأنة لها ولبقية الدول الخليجية الخائفة من رياح الثورات العربية، وقد سبق مرسي ذلك بتأكيده في خطابه في جامعة القاهرة وغيره من الخطابات أن الثورة المصرية هي ثورة وطنية وليست للتصدير للخارج، وأتبع ذلك بإرسال مبعوثيه أيضا إلى الدول الخليجية الأخرى لطمأنتها.
كان استقبال مرسي في السعودية رائعا، إن لم يكن الأعلى وفقا للبروتوكولات، والمملكة أبدت نوايا طيبة ردا على زيارة مرسي، ودفعت ملياري دولار بشكل عاجل كوديعة في البنك المركزيكما أن وضع الكاتب للإخوان إلى جانب إيران وإسرائيل في خانة واحدة (القلق والتوتر من زيارة الشرع للسعودية) أمر يجافي الواقع أيضا، ولا يصح أن يوضع الإخوان مع إيران وإسرائيل أبدا، فالإخوان رحبوا بشدة بتحرير سوريا من قبضة حكم الأسد، ولعلهم أكثر المستفيدين من ذلك، وهم الذين نالوا من هذا الحكم ما لا يطيقه بشر، بعد مذبحة حماة مطلع الثمانينيات، وصدور قانون خاص يقضي بالإعدام مباشرة لكل من يتهم بالانتماء للإخوان، لذا كانت فرحتهم بسقوط حكم الأسد مضاعفة، ورحبوا بالحكم الجديد مبكرا، وقرروا التعاون معه دونما انتظار لموقف موحد للإئتلاف السوري الذي كانوا أعضاء فيه، والجماعة الأم (مصر) رحبت بشدة بانتصار الثورة السورية في العديد من البيانات والتصريحات، وعبرت عن دعمها التام للحكم الجديد، ولم يظهر في بياناتها أو تصريحات قادتها، ما يشي بقلق أو حتى غيرة، وإذا كان البعض يظن أن عدم إرسال الجماعة وفدا للتهنئة هو دليل على تحفظها تجاه الحكم الجديد فهو لا يفهم في السياسة شيئا، فالوضع في سوريا حاليا لا يحتمل ذلك، حيث المتربصون كثر، وسيكون للزيارة تداعيات سلبية أرادت الجماعة تجنيب النظام الجديد لها، وقد رأينا تداعيات سلبية لزيارات أشخاص مصريين لا يمثلون تنظيمات معروفة بل يمثلون أنفسهم فقط.
لنعد إلى المقارنة الظالمة بين زيارة مرسي وزيارة الشرع، والتي لم أكن أحبذها لكن غيري فرضها، فكما قلت كان استقبال مرسي في السعودية رائعا، إن لم يكن الأعلى وفقا للبروتوكولات، والمملكة أبدت نوايا طيبة ردا على زيارة مرسي، ودفعت ملياري دولار بشكل عاجل كوديعة في البنك المركزي، وفيما يخص العلاقة مع إيران، والإدعاء أنها كانت أحد أسباب التوتر بين مصر مرسي والمملكة فهذه مغالطة أخرى، فليس خافيا، وأرشيف الصحف والقنوات يشهد على عكس ذلك، فقد كانت مصر تحت رئاسة مرسي هي الند الحقيقي لإيران، بل من المفارقات أن مرسي متهم بتوتير العلاقة مع إيران حين حرص على الترضي على الصحابة خلال زيارته لإيران، وحين تعرض الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للإحراج خلال زيارته لمصر وخاصة للأزهر، وحين قتل أحد رموز الشيعة المصريين على يد متطرفين لا ينتمون أساسا للإخوان، وحين دعم مرسي الثورة السورية، واستنكر الدور الإيراني فيها، ولعلنا لم ننس كلماته "لبيك يا سوريا.. لا مكان لحزب الله في سوريا).
تغيرت الأوضاع بعد فترة قصيرة من زيارة مرسي، وتحركت المملكة لإسقاط حكم الرئيس مرسي، ليس ذلك محض اتهامات يرددها الإخوان، بل هي الوقائع كما حدثت، ولم تخف المملكة ذلك، بل تباهى إعلامها والكثير من مسؤوليها بذلك، واحتضنت المملكة انقلاب الثالث من يوليو ورئيسه عبد الفتاح السيسي، وأغدقت عليه الأموال، هذه حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، ومع ذلك فإن مياها كثيرة جرت بعد ذلك، وحتى علاقة الإخوان مع السعودية لم تعد على حدتها السابقة، كانت المملكة تعتبر الإخوان العدو الأول بينما كانت إيران في المركز الثاني، الآن أصبحت إيران هي العدو الأول، كما أن الإخوان سعوا لتلطيف علاقتهم بالسعودية مؤخرا لتجاوز صفحة الانقلاب ودعمه، ظهر ذلك في بيانات وتصريحات صحفية، كما أن هناك إدراكا للدور القيادي الحالي للمملكة في المنطقة، وحرصا على تبريد أو حتى تصفير المشكلات مع العديد من الجهات.
في السياسة لا يكفي موقف أو مظهر واحد لتقييم العلاقات، وتوقع المآلات، فهذا أقرب للتفكير الرغائبي، أو التفكير بالتمني، يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت والممارسات للحكم والتقييم الصحيح، فالتسرع في إصدار أحكام ثبت خطؤها أضر بسمعة أصحاب تلك الأحكام.