"ممر العار".. الطريق الأخير للمهاجرين المغاربة في سبتة قبل الترحيل الفوري إلى المغرب
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
يتبولون ويتقيؤون في زجاجات، يجلسون في صف في ممر يعتبر بمثابة نهاية الأمل، يعانون من البرد أو الحرارة الشديدة، وكل ذلك أمام أعين الجميع. هذه هي اللحظات الأخيرة على هذه الأراضي للمهاجرين المغاربة البالغين الذين يتم القبض عليهم وهم يحاولون الوصول سباحة إلى سبتة.
في ممر مشاة مرئي للجميع، ينتشر عشرات وأحيانًا مئات المهاجرين المغاربة الذين حاولوا الوصول سباحة إلى سبتة.
يشرح هذا الوضع الضابط رشيد السبحي، ممثل مجموعة AUGC (تشبه نقابة للحرس المدني) الذي كان قد أبلغ عن هذا الوضع مرارًا وتكرارًا، مؤكدًا على النقص الحاد في عدد الأفراد الذي يعاني منه الحرس المدني للتعامل مع ظاهرة الهجرة.
هو وزملاؤه القلائل يكتشفون وينقذون من المياه أولئك الذين يحاولون عبور الحدود، معرضين حياتهم للخطر دائمًا. بمجرد وصولهم، يتم تزويدهم بملابس جافة وبطانيات من كشك صغير، ثم يتم نقلهم إلى المكان الذي خصصته إسبانيا للانتظار حتى تصل الشرطة المغربية لاستقبالهم: « يأتون عندما يرغبون فقط »، كما ينتقد الضباط الذين ينتظرون معهم لساعات في ذلك المكان.
ممر ضيق لا يوجد فيه مكان للجلوس إلا على الأرض الحمراء، حيث تتراكم زجاجات البول وبقايا الطعام والقيء. مزيج من الروائح التي تختلط مع البرد في الشتاء والحر في الصيف. « الضباط يشتكون كثيرًا من أن الوضع غير لائق. الآن في الشتاء تكون درجات الحرارة منخفضة وهم ملقون على الأرض، وفي أوقات حرجة مثل أشهر يوليوز وغشت الماضيين كان يتجمع المئات »، يضيف السبحي.
لا يساعد في تعزيز الشعور بالأمان لدى أفراد الحرس المدني عدم وجود أي عوائق بصرية تمنع أولئك الذين يعبرون حدود تاراجال من رؤيتهم والتفاعل معهم. « الذين يدخلون المغرب بسياراتهم يرونهم ملقين على الأرض، يتفاعلون معهم ويتهموننا لأنهم لا يعرفون السياق. يقدمون لهم الطعام أو السجائر وحتى أنهم تسببوا في اضطرابات عامة ».
ولهذا السبب طالبت مجموعة AUGC بتغيير موقع المكان المخصص لإعادة المهاجرين، وهي مطالب تضاف إلى الطلب الدائم بالمزيد من الموارد المادية والبشرية لتخفيف التعب الجسدي والعقلي الذي يعاني منه أفراد الحرس المدني.
عن (سبتة اليوم)
كلمات دلالية إسبانيا المغرب لاجئون هجرةالمصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: إسبانيا المغرب لاجئون هجرة
إقرأ أيضاً:
حُكم الجغرافية: هل نحن أسرى المكان أم أبناء العولمة؟
3 فبراير، 2025
بغداد/المسلة:
منتصر صباح الحسناوي
حُكم الجغرافية لم يكن يوماً مجردَ حدودٍ يرسمُها الإنسان على الخرائط ولم يكن مجردَ تضاريس تشكلت عبر الزمن بل كان دائماً سلطة خفية تصوغ الأفكار وتوجّه العقول وتزرع القناعات هكذا تعلمت من دراستي التي لا أزال اعتقد جداً أنها الأشمل، فمعرفةُ الجغرافية لا تتعلق بجبلٍ او سهلٍ فقط،
بل منظمومة علاقات لا متناهية بين الأرض وما يعلوها من الحياة بتفاصيلها ، فحيث يولدُ الإنسان وينشأ يجد نفسه محاطاً بمنظومةٍ فكرية تصوغه قبل أن يكون قادراً على مساءلتها.
يكبر الطفل وهو يستمع إلى حكايات عائلته ويرى طقوساً مجتمعهً ويتشرب قيّمه دون أن يدركَ أن كلَّ ما يراه ليس بالضرورة الحقيقة المطلقة بل هو فقط الحقيقة التي توافقَ عليها من حوله ومن سبقوه في المكان نفسه.
على مدار التاريخ شَكّلت الجغرافية سجناً غيرَ مرئيٍ للأفكار فقديماً لم يكن الإنسان يعرف سوى ما يدور في محيطه الضيق كانت المعارف تنتقلُ عبر الأجيال بطريقة شفهية أو محدودة بالكتب والمخطوطات التي لم تكن متاحة إلا لقلةٍ قليلة، كان الانتماء للمكان انتماءً للأفكار والتقاليد والقيّم التي سادت فيه ومن يخرج عنها يُنظر إليه كغريب أو متمرد أو حتى كخائن، ولكن مع تقدّم الزمن بدأت هذه الحدود تتشقق شيئاً فشيئاً مع الرحلات والأسفار ومع التبادلات التجارية والثقافية أخذ الناس يكتشفون أن هناك عوالم أخرى وأفكار مغايرة وأن ما اعتبروه حقيقة ثابتة قد يكون مجرد وجهة نظر تشكّلت بفعل البيئة وليس بفعل اليقين.
ثم جاءت العولمة التي قلبت الموازين أو هكذا بدا الأمر في البداية فمع ظهور الإنترنت وتطور وسائل الاتصال صار بإمكان أي شخص أن يرى ويسمع ويقرأ عن مجتمعاتٍ وأفكار لم يكن يتخيل وجودها من قبل، بدا وكأن حكم الجغرافية قد انهار وأن الإنسان أصبح حراً في تشكيل قناعاته بعيداً عن تأثير مجتمعه الأول لكن الحقيقة لم تكن بهذه البساطة فرغم أن التكنولوجيا فتحت الأبواب إلا أنها خلقت قيوداً جديدة بشكل مختلف فقد أتاحت للإنسان الوصول إلى المعرفة لكنها أيضاً قدمت له المعرفة التي يرغب في سماعها فقط صنعت له فقاعته الفكرية الخاصة إذ لا يرى إلا ما يعزز قناعاته وما يتوافق مع أفكاره المسبقة.
باتت وسائل التواصل الاجتماعي مثالاً صارخاً لهذا التناقض فهي في ظاهرها مساحة مفتوحة للنقاش والتعددية لكنها في باطنها تعمل وفق خوارزميات تجعل كل فرد يعيش داخل عالمه الخاص يرى فقط ما يتوافق مع ميوله الفكرية ويبتعد شيئاً فشيئاً عن أي صوتٍ مختلف.
في السابق كانت العائلةُ والمجتمعُ المحلي هما من يتحكمان في تشكيل الأفكار واليوم تقوم التكنولوجيا بالمهمة نفسها ولكن بأسلوبٍ أكثر دهاءً وأكثر إقناعاً فبدلاً من أن يبحث الإنسان عن الحقيقة في فضاء واسع يجد نفسه محاصراً داخل دائرة ضيقة من الأفكار التي يكررها له الإنترنت حتى يصدق أنه يملك الحقيقة المطلقة.
وعلى الرغم من كل هذا لا يزال تأثير العائلة والمجتمع أقوى مما نظنُّ فحتى مع كل هذا الانفتاح يبقى الإنسان متأثراً بتنشئته الأولى إذ يظل عقله محمّلاً بتلك القيم والمعتقدات التي زُرعت فيه منذ الصغر وحين يواجه أفكاراً جديدة قد يتقبلها ظاهرياً لكنه في داخله يقيسها دوماً بمعاييره القديمة وقد يقاومها إن شعرَ بأنها تهددُ معتقداته أو هويته أو استقراره النفسي فالعولمة لم تمحُ تأثير الجغرافية لكنها جعلته أكثر تعقيداً وأكثر خفاءً .
لم يعدْ الإنسان يدرك بسهولة أن ما يؤمن به قد يكون مجرد نتاجٍ لظروف نشأته وليس لحقيقةٍ كونية مطلقة.
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال الدور العميق الذي تلعبه الجغرافية في تشكيل الهوية الفردية والجمعية فالإنسان يكتسب من بيئته ليس فقط لغةً ولهجةً بل منظومةٌ متكاملةٌ من المعتقدات والتقاليد والسلوكيات التي تتغلغل في ذاته لتشكل جزءاً من هويته الدينية والاجتماعية والوطنية فالطفل الذي يُولد في مجتمعٍ يتبنى ديناً معيناً سينشأ غالباً وفق تعاليمه وستصبح تلك التعاليم جزءاً من منظومته الأخلاقية دون أن يختارها بوعيٍ منه وكذلك الحال مع العادات والتقاليد التي تصبح جزءاً من سلوكه اليومي حتى وإن لم يكن يدرك أصولها أو أسبابها.
وفي المجتمعات التي تتسم بهويةٍ وطنيةٍ قوية يصبحُ الانتماء للوطن امتدادًا لهذا الانتماء الأولي إذ يُغرس في الفرد منذ صغره أن الأرض التي نشأ عليها ليست مجرد مساحة جغرافية بل هي ذاكرة وتاريخ وانتماء.
وفي المجتمعات التقليدية كانت هويةُ المكان تُحدد بشكلٍ واضح من هو “الأصيل” ومن هو “الغريب” أما اليوم ومع تزايد موجات الهجرة والانتقال بين الثقافات أصبحَ السؤال عن الهوية أكثر تعقيداً فهل يظل الإنسان حاملاً لهوية مكانه الأول أينما ذهب أم أنه يكتسب هوية جديدة مع تغير موقعه الجغرافي وهل يمكن أن يكون للإنسان أكثر من هوية واحدة دون أن يفقد إحساسه بالانتماء أم أن العولمة جعلت الهوية ذات طابعٍ متحرك لا يرتبطُ بمكانٍ محدد.
اليوم يجد الإنسان نفسه في معركة غير معلنة بين الانفتاح والتشبث الموروث، البعضُ يختار الانغلاق بدعوى الحفاظ على الهوية والبعض الآخر ينجرفُ وراءَ كلِّ ما هو جديد ظناً منه أن التقدم يعني القطيعة مع الماضي لكن بين هذين النقيضين هناك طريق ثالث هو طريق “الوعي”، طريق من يفهم أن الانتماء للجذور لا يعني العيش داخل قوقعة وأن الانفتاح لا يعني التخلي عن الذات بل يعني القدرة على النظر إلى الأمور بعين ناقدة بعيداً عن تحيزات النشأة ومؤثرات المكان.
وهكذا يظلُّ حكم الجغرافية قائماً لكنه لم يعد مطلقاً كما كان في السابق بل أصبح تحدّياً يتطلب وعياً وجهداً للتغلب عليه فالإنسان الذي يريد أن يكون حراً فكرياً لا يكفيه أن يملك وسائل المعرفة بل عليه أن يمتلك الشجاعة ليبحث عن الحقيقة خارج حدود ما نشأ عليه وأن يكون مستعداً للتساؤل حتى عن تلك الأفكار التي طالما اعتقد أنها مسلمات، فالمعرفة الحقيقية تبدأ عندما يدركُ الإنسان أن كل ما تلّقاه منذ صغره ليس بالضرورة الحقيقة الكاملة بل مجردُ جزءٍ من صورة أوسع قد لا يكتمل فهمها إلا إذا امتلك الجرأة على رؤية ما وراء حدود جغرافيته الأولى مع احترام هويته وتعزيزها دون التطرف.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts