لجريدة عمان:
2024-11-19@23:04:46 GMT

النيجر.. وهْم الحرب القصيرة وضرورة الحل الوسط!

تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT

شهد الأسبوع الماضي زخما وتحركات مكثفة على عدة مستويات بالنسبة للتطورات في النيجر خاصة ما يتصل بالاحتمالات المرتبطة بالمسار الممكن أن تسير فيه الأزمة التي تقف الآن في مفترق طرق حاسم يتأرجح بين الخيار العسكري من جانب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» التي لم تغلق الطريق تماما أمام التفاوض بشأن حل سلمي من ناحية، وبين خيار الحل السلمي الذي يفضّله المجلس العسكري في النيجر ويؤكد في الوقت ذاته استعداده للحوار داخليا وخارجيا مع الاستعداد لمواجهة أي اعتداء تتعرّض له البلاد من ناحية ثانية، فضلا عن تجمع سحب وضغوط تدفع بالنيجر إلى حالة من الصراع الداخلي العسكري بين المجلس العسكري وبين مجموعات موالية للرئيس بازوم بشكل أو بآخر مما يفتح المجال ليس فقط أمام صراع أو حتى حرب أهلية في النيجر، وتمهيد الطريق لتدخل إقليمي من جانب إيكواس يكون مبرره أقوى بالنسبة لحرب إقليمية بالوكالة في واحدة من أكثر المناطق هشاشة واستهدافا.

وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط لعل من أهمها ما يلي:

أولا: من المعروف أن مخاطر الحرب ومآسيها ونتائجها المدمرة لا يعرفها إلا من خاض غمارها عمليا، لذا فإنه من الغريب والمثير للدهشة أن يكون هناك من يروّج للحرب في النيجر ويدعو إلى التدخل فيها بحُجّة «استعادة المسار أو النظام الدستوري في البلاد وبكل الوسائل المتاحة» على حد قول عبدالفتاح موسى مفوض السلام في «إيكواس» وهو ما يعني بوجه عام استعادة الرئيس بازوم لسلطاته التي فقدها بالانقلاب عليه في السادس والعشرين من يوليو الماضي. غير أن هناك مسافة وطريقا غير قصير بين التصريحات التي تستهدف ممارسة الضغوط على الانقلابيين في النيجر وبين التحرك العملي الفعال والملموس على الأرض. ومع الوضع في الاعتبار أن لا أحد اقترب من تفسير المقصود «بعودة المسار أو النظام الدستوري» ولا كيفية عودة الرئيس السابق إلى ممارسة سلطاته الدستورية بعد نحو شهر من الانقلاب خاصة أنه جرت تطورات وتغيّرات قام بها ويواصلها المجلس العسكري، بما في ذلك تعيين حكومة جديدة والإعلان عن فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات والدعوة إلى حوار تشارك فيه كل القوى الوطنية لتحديد ما يمكن عمله في الفترة القادمة، فإن السؤال الذي يفرض نفسه يدور بالضرورة حول موقف الرئيس بازوم نفسه من العودة إلى ممارسة سلطاته على دبابات «إيكواس» التي تقف وراءها فرنسا، وهل سيقبل الرئيس العودة على هذا النحو وهل سيتمكن من ممارسة سلطاته على النحو الذي يريد؟ ومن هنا تحديدا يمكن أن يظهر «مفتاح إيجابي» للحوار بين المجلس العسكري وبين «إيكواس» وبين الرئيس بازوم في حال حدوث مفاوضات جادة لإنزال دول «إيكواس» من فوق الشجرة إلى صعدتها بتصعيد موقفها الضاغط على المجلس العسكري وفتح الطريق أمام صيغة خروج مشرف للرئيس بين القوى الداخلية والإقليمية في النيجر وبموافقته وكذلك تركيز المفاوضات القادمة في اتجاه سبل تؤمن الطريق أمام مفاوضات يمكن أن تقود إلى توافق وطني بين القوى الداخلية والإقليمية وتنقذ النيجر من خطر حرب مدمرة لا تقوى عليها دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا «إيكواس» التي تعاني من هشاشة اقتصادية وعسكرية تجعل الحرب مقامرة لا يرحب إلا ذوو المصلحة ممن فقدوا نفوذهم كفرنسا، وممن يريدون التمدد في أفريقيا مثل قوات فاجنر الروسية، وممن يبحثون عن نفوذ في دول الجوار مثل نيجيريا، ومن يؤيد دعوتها للتدخل العسكري.

وبالنظر إلى أن دعاة الحرب في «إيكواس» وجدوا ـنفسهم في مأزق فيما يتصل بكيفية النزول من فوق الشجرة فإنهم حاولوا السير في أكثر من مسار تحسبا لأي خيار، وفي هذا المجال واصلت «إيكواس» خطوات الاستعداد للتدخل العسكري في النيجر وذلك باجتماع قادة جيوش الدول الموافقة على التدخل العسكري يومي الخميس والجمعة الماضيين في غانا لبحث واستكمال ترتيبات التدخل العسكري وحتى تحديد يوم التدخل والتجهيزات للتدخل فور صدور الأوامر بذلك، مع التمسك بعدم الإفصاح عن معلومات بهذا الخصوص لممارسة أقصى ضغط على المجلس العسكري الذي بدأ هو أيضا في إعلان الحشد العسكري وتجنيد الشباب في الجيش وإدارة حملة وطنية للحث على الدفاع عن البلاد وزيادة التعاون الدفاعي مع مالي وبوركينافاسو اللتين وفرتا له بعض الطائرات العسكرية لمواجهة أي تدخل من جانب إيكواس.

من جانب آخر، فإن عبدالفتاح موسى مفوض السلم لمجموعة إيكواس حاول إلقاء مسؤولية الاتجاه إلى الحرب على عاتق المجلس العسكري وأن إيكواس تفضل الحل السلمي «ولكننا مضطرون لذلك بسبب تعنت المجلس العسكري» وأنه «لا توجد أي قوى أجنبية تُملي علينا القرارات» كما أكد «أن أي تدخل عسكري سيكون قصير الأجل» وأن ما نريده هو «عودة النظام الدستوري وإطلاق بازوم». ومن خلال السياق العام يمكن أن يكون إطلاق سراح بازوم ضمن مجموعة عناصر تهيئ لمفاوضات سلمية يحتاجها الجميع في الواقع بما فيها النيجر وإيكواس. أما محاولة التهوين من الحرب عبر الإشارة إلى أنها ستكون قصيرة فإنه «خطيئة كبرى» ومتكررة للأسف لأنه يمكن لأحد أطراف المشكلة أن يشعل الحرب ولو بدفعات طلقات عبر الحدود ولكنه لا يمكنه وحده إنهاء الحرب عندما يريد، ولنا فيما يجري من حولنا نماذج عملية عديدة ومكلفة ومدمرة لم تتوقف منذ سنوات؟

ثانيا: أنه بالرغم من تهليل البعض للحرب التي ستفتح الطريق أمام حرب إقليمية في غرب أفريقيا لا يستطيع أحد أن يحدد نهايتها مسبقا، فإن التحركات السياسية في الأيام الأخيرة فتحت في الواقع ثغرة قد تكبر على الأرجح للدفع نحو التمهيد لمفاوضات بين المجلس العسكري في النيجر وإيكواس. فمما له أهمية ودلالة أن الجنرال عبدالرحمن تياني انتقد عقوبات إيكواس ضد النيجر وقال إنها «تخنق النيجر وتهدف إلى تقسيمها»، وأكد بعد زيارة وفد إيكواس للنيجر يوم السبت الماضي انفتاح النيجر على الحوار ونفى الرغبة في السيطرة على الحكم ودعا إلى حوار وطني شامل خلال شهر لإدارة المرحلة الانتقالية ومدتها ثلاث سنوات ووضع أسس دستورية جديدة «وهذه التصريحات التي اقترنت بمقابلة وفد إيكواس للرئيس بازوم تحمل مؤشرات إيجابية ومفيدة حول رغبة المجلس العسكري في السلام وحول وجود تصوُّر عملي لديه لإنهاء المرحلة السابقة ووضع أساس دستوري جديد ينهي في الواقع الدعوة لاستعادة النظام أو المسار الدستوري وهو الورقة التي يرفعها إيكواس كمبرر للتدخل أو للتهديد به. يضاف إلى ذلك أن رئيس الوزراء التقى وفد إيكواس أكد يوم السبت لصحيفة نيويورك تايمز أنه «لن يتم إلحاق أي أذى بالرئيس بازوم» وهو تصريح مهم في الإعداد للفترة القادمة إذا تغلب صوت العقل كما هو مأمول.

ثالثا: أنه في ظل صراع المصالح والنفوذ الإقليمي والدولي في غرب إفريقيا وصلت السفيرة الأمريكية الجديدة «فيتزجيبون» إلى نيامي عاصمة النيجر السبت الماضي لتمارس مهماتها برغم عدم تقديم أوراق اعتمادها بعد، فإن مما له أهمية وتأثير كبيرين أن «مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي يرفض أي تدخل عسكري في النيجر وأن الحل لا ينبغي أن يكون عسكريا أو عقابيا لحلحلة الوضع في النيجر» ونظرا لمكانة مجلس السلم والأمن الإفريقي على إفريقيا ودولي فإن ذلك يدعم في الواقع الخيار السلمي الذي سيتم البحث حول معطياته وشروطه خلال الأيام القادمة بغض النظر عن المناورات والضغوط على هذا الجانب أو ذاك، خاصة أن المجلس العسكري يعمل بنشاط لدعم التأييد الشعبي له واستثمار الفجوة الكبيرة بين فرنسا وشعب النيجر وتقديم الانقلاب على أنه عمل وطني لصالح حاضر وشعب النيجر. غير أن هناك جهات بدأت تدعم تكوين جماعات ومنظمات محلية داعمة لبازوم لتكون أوراقا داخلية تستخدم في الحرب بالوكالة في حالة الضرورة أملا في دعم فرنسي عسكري ومادي ومن ثم تخريب النيجر بأيدي أبنائه في النهاية ولعل النيجر تنجو من ذلك إذا نجح العقلاء؟

د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المجلس العسکری الرئیس بازوم العسکری فی فی النیجر فی الواقع من جانب

إقرأ أيضاً:

ندوة عن الأفلام القصيرة في قصر الثقافة بالإسماعيلية

 

يقيم قصر ثقافة الإسماعيلية ندوة عن صناعة الأفلام القصيرة  الاسبوع المقبل، يحاضرها الفنان الشاب إسلام زايد.

وقال إسلام زايد إن الأفلام القصيرة نجحت فى النهوض بمستوى صناعة السينما واستقبلت واستوعبت نجوما كثيرين من الشباب، وفتحت الأبواب لمبدعين جدد فى كافة مناحى السينما.

وتابع:"انتشار هذه الأفلام بمثابة اكتشاف للمئات من الممثلين أصحاب المواهب التى تبحث عن فرصة لتقديم نفسها، لخلق وتقديم أجيال جديدة".

وذكر أن واقع السينما يشهد تغيرا ملحوظا مع انتشار التيك توك، ومنابر السوشيال ميديا، وكمتخصصين يجب أن نقدم منتجا جيدا، لأن متابعة المشاهد للمحتوى الردىء لن يستمر كثيراً.

مقالات مشابهة

  • ندوة عن الأفلام القصيرة في قصر الثقافة بالإسماعيلية
  • في اليوم الألف من الحرب.. دعوات لتكثيف الدعم العسكري لأوكرانيا
  • بعد مرور 1000 يوم.. ما حجم الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا بسبب الحرب؟
  • وزيرة التنمية المحلية تعرض أمام النواب أولويات العمل لمواجهة التحديات التي تواجه المحليات
  • لاعب السودان: أشكر السعودية التي وقفت معنا منذ بداية الأزمة .. فيديو
  • ما هي الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها في روسيا بعد قرار بايدن؟
  • دعوهم ينفصلوا
  • الحراك الثوري يدين عمليات التعذيب التي تمارسها قوات "درع الوطن" لرئيس مكتبه السياسي
  • حول الحل السلمي والسياسي الشامل (11- 15)
  • الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان