رأى المتطوع صهيب الرومي أن النساء والشابات السودانيات لعبن أدوارًا كبيرة في العمل الخيري قبل الحرب الدائرة في البلاد وبعدها. وحكى في حوار مع التغيير قصته مع المطابخ والتكايا، وكشف عن مصادر دخل هذه الجهات، وتحدث عن بدايات رحلته في العمل الخيري وكواليس مشاركته رفقة المتطوعات والمتطوعين في أم درمان بعد نشوب الحرب.

كما شرح ظروف المستشفيات والمطابخ وقتها، وتناول العديد من القضايا المتعلقة بالعمل التطوعي.

المتطوع صهيب الرومي

حوار: عبدالله برير

منذ متى بدأ حبك للتطوع؟ وأين كانت أول مشاركة رسمية لك في العمل الخيري؟

حبي للتطوع بدأ منذ نشأتي، فقد كنت أحب المشاركة في مناسبات الجيران في الأفراح والأتراح، ووجدت نفسي عاشقًا لخدمة الناس. أما البداية الرسمية فكانت بإعداد وجبات وتوزيعها لأطفال الشوارع المشردين في أم درمان، ثم اقترحت مبادرة لكسوة الشتاء، ووجدت تجاوبًا كبيرًا. تطورت علاقتي معهم حتى وصل الأمر إلى أن يحفظ هؤلاء الأطفال اسمي ويتعرفوا عليّ وينادوني كلما مررت مع أسرتي، ثم تطور الأمر لمشاركتهم همومهم، حتى أصبحت أفصل في نزاعاتهم وصداماتهم. أذكر أنني كنت في منطقة الشهداء بأم درمان مع أسرتي، وحالما مررنا بقربهم احتضنوني، وكان الموقف مدهشًا ومفرحًا لوالدتي. كما كنت أعد لهم البرامج في حوش الخليفة بأم درمان، إلى جانب مباريات كرة القدم وغيرها من الأنشطة.

ماذا حدث بعد ذلك؟

تحوّل الأمر بعد ذلك إلى مبادرات كبيرة وتنظيم الإفطارات الرمضانية. أذكر أنني خرجت من منزلنا في منطقة العباسية، وأعطتني إحدى الثائرات مبلغًا من المال للمساهمة في توفير الطعام والشراب للمشاركين في المواكب الاحتجاجية، وكانت تلك هي البداية الفعلية لي في العمل التطوعي خلال ثورة ديسمبر.

ماذا عن العمل التطوعي في بداية الحرب؟

بعد نشوب الحرب، أخبرتني زميلتي بأنها ذاهبة للتطوع في المستشفيات، ولم تكن لديّ خبرة في المجال الطبي، فاتجهت إلى المطبخ والإطعام وجمع المساعدات وإعداد الوجبات للمرضى والمرافقين. اشتد القتال وقتذاك، ففكرت في أطفال الشوارع، وكنا نقدم لهم ثلاث وجبات يوميًا، لكن الجنود في الارتكازات نصحونا بعدم الحركة ليلًا بسبب وجود القناصين. لاحقًا، أُغلق مستشفى أم درمان، وتوقف عملنا فيه.

هل واجهتم صعوبات أو مضايقات؟

في البداية، كان الأمر عاديًا، حيث كنا نمر عبر ارتكازات الطرفين، وكانوا يتعاونون معنا بصورة جيدة، كما أن مستشفى الحوادث لم يكن بعيدًا عن منزلي. كنت أذهب بدافع أن المرضى والمرافقين لا يستطيعون التحرك لتوفير وجباتهم. ومع مرور الوقت، بدأت في المساعدة بتنظيف الجروح وتركيب المحاليل والأوكسجين، ثم اقترح علينا أفراد القوات المتحاربة في الارتكازات المبيت في المستشفى وعدم التحرك ليلًا.

متى وكيف بدأت التكايا والمطابخ الخيرية فعليًا؟

برزت الحاجة إلى التكايا والمطابخ بعد ازدياد وتيرة الحرب وتزايد أعداد الأسر المحتاجة. أعددنا تكية في الثورة بأم درمان، تحديدًا في الحارة 55، وكانت الأولى من نوعها، حيث بدأنا بوجبة عدس. ثم أقمنا مطبخًا خيريًا آخر في منطقة العباسية. في ذلك الوقت، كانت مصادر الدخل تعتمد على مساهمات المتطوعين وأهالي الحي، وكانت أسعار السلع مناسبة. لكن مع تدهور الأوضاع الإنسانية، قررت مغادرة الخرطوم.

بعد مغادرة العاصمة، هل واصلت العمل الخيري في مراكز الإيواء في الولايات؟

في البداية، نزحت إلى الحصاحيصا، ثم مدني، ومنها إلى سنار. وهناك بدأت العمل التطوعي بالتزامن مع سقوط ود مدني. ومع ازدياد موجة النزوح من الجزيرة إلى سنار وانقطاع الاتصالات، بدأنا في جلب المياه للوافدين باستخدام عربات الكارو. وقتها شاهدت النساء والأطفال وكبار السن في شاحنات، يعيشون أوضاعًا إنسانية سيئة لا تليق بالبشر. ساعدَنا أصحاب الأفران والبقالات والطواحين كلٌّ بما يستطيع، وركّزنا على استهداف الأسر النازحة على الطريق العام في مايرنو.

كيف جاءت فكرة مطبخ مايرنو الخيري؟

أنشأنا مطبخ مايرنو الخيري بالتعاون مع غرف طوارئ سنار، وأصبح الدعم يأتي من المجلس النرويجي للاجئين ومنظمات أخرى. توسع العمل ليشمل مراكز الإيواء في المدارس.

كيف ترى وضع العنصر النسائي في العمل التطوعي؟

النساء والشابات لعبن دورًا كبيرًا في العمل التطوعي، بدءًا من الإفطارات الرمضانية، ثم المطابخ والوجبات، واحتياجات أطفال الشوارع، وقبلها في اعتصام القيادة العامة. أما في المستشفيات مع بداية الحرب، فكان عددهن قليلًا بسبب المخاطر الأمنية والانتهاكات التي كانت تحدث أثناء التنقل.

هل كنتم تعملون بأريحية في الولايات دون صعوبات؟

تعرضنا لتضييق أمني، وبعد فترة شعرت أننا كمتطوعين مستهدفون، لذلك غادرت مع أسرتي إلى مصر. لكن بخصوص مطبخ مايرنو الخيري، فقد واصلت العمل فيه مع المتطوعين، وتواصلت مع المنظمات لتقديم المساعدات.

هل تشعرون بأن المتطوعين يتم اتهامهم بالانتماء إلى أحد طرفي الصراع؟

هذه الحرب لعينة ولا خير فيها، والمواطن هو المتضرر الأساسي. المشكلة أن كونك لا تحمل سلاحًا يُعدّ مشكلة، وإذا لم تحمله يتم تصنيفك بالانتماء لأحد طرفي الصراع، وتُوجّه إليك الاتهامات بأنك متعاون مع جهة ما.

ما أكثر المواقف الحزينة أو المفرحة التي تذكرها؟

أكثر موقف أحزنني كان عند تواصلي مع شخص في إحدى مناطق الحرب بالسودان، طلب مني مبلغًا ماليًا لإجراء فحوصات طبية، لكن لم تكن هناك أموال في حساب المساعدات. كلفت وسيطًا هناك بالتواصل مع المريض لتوصيل المبلغ، لكن بعد يومين فقط أخبرني بوفاته. هذا الموقف أثّر فيّ وهزّني كثيرًا، وكشف لي الوجه القبيح للحرب.
أما أكثر موقف أفرحني، فكان في أحد مراكز الإيواء، حيث أنجبت سيدة حبلى طفلًا، وأطلقت عليه اسمي تيمنًا بي ومحبة لي، وكنت في غاية السعادة.

رسالة أخيرة؟

أعتقد أن الإعلام مقصر في عكس القضايا الإنسانية، حيث يقتصر التغطية أحيانًا على نشطاء المجتمع، بينما تسيطر أخبار طرفي الحرب والتحركات العسكرية على المشهد. هذه رسالة لكل الإعلاميين بضرورة لفت الأنظار إلى معاناة المواطنين المتضررين. كما أتقدم بالشكر للمتطوعات والمتطوعين وفاعلي الخير، وأطالبهم بعدم التوقف مهما كانت الظروف.

الوسومآثار الحرب في السودان العمل التطوعي حرب الجيش والدعم السريع

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان العمل التطوعي حرب الجيش والدعم السريع فی العمل الخیری العمل التطوعی

إقرأ أيضاً:

النائب العام: حملة العمل الخيري⁩ تعزز التكافل وتؤكد ريادة المملكة في الخير

رفع النائب العام عضو هيئة كبار العلماء الشيخ سعود بن عبدالله المعجب، أسمى آيات الشكر والعرفان لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله -، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-، على دعمهما الدائم لمسيرة العمل الخيري في المملكة، وتوجيههما الكريم بإطلاق النسخة الخامسة من الحملة الوطنية للعمل الخيري⁩ عبر ⁧‫منصة إحسان⁩ وتبرعهما السخي لها.
وأشاد بما تجسده هذه الحملة المباركة من قيم التكافل والعطاء خلال شهر رمضان المبارك، مشيرًا إلى أن هذا النهج الكريم يعكس حرص القيادة الرشيدة على تعزيز الترابط بين أفراد المجتمع، ويؤكد ريادة المملكة في مجال الأعمال الخيرية.
أخبار متعلقة نائب أمير الشرقية يرفع شكره للقيادة الرشيدة على دعم الحملة الوطنية للعمل الخيريالقيادة تقدم تبرعين سخيين للحملة الوطنية للعمل الخيري بـ 70 مليون ريالبموافقة الملك.. انطلاق الحملة الوطنية للعمل الخيري عبر "إحسان" .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } دعم المنصة الوطنية للعمل الخيري "إحسان" - سدايا
ونوّه بدور الحملة في حوكمة العمل الخيري، وتيسير وصول التبرعات إلى مستحقيها من خلال المنصة الوطنية الموحدة “إحسان” بيسرٍ وموثوقية، داعياً إلى الاستفادة من هذه المنصة لدعم الفئات المحتاجة، وتعزيز قيم العطاء في هذا الشهر المبارك.
وختم معالي النائب العام تصريحه بالدعاء بأن يجزي الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين خير الجزاء، وأن يبارك في جهود القائمين على هذه الحملة المباركة.

مقالات مشابهة

  • حماس: مصر بذلت جهودا كبيرة لتوحيد الصف الفلسطيني ووقف مخطط التهجير
  • نازحات في يومهِنّ!!
  • لولائم رمضان.. إليك الطريقة الصحيحة لتتبيل الدجاج والديك الرومي
  • الثامن من مارس: والجالسات على أرصفة العدالة في السودان
  • في يوم المرأة العالمي.. نساء غزة ينقلن مرارة الحرب والنزوح
  • رئيس الوزراء القطري: عملنا بلا كلل من أجل التوصل لاتفاق بغزة وتعرضنا لهجمات كبيرة
  • النائب العام: حملة العمل الخيري⁩ تعزز التكافل وتؤكد ريادة المملكة في الخير
  • عائلة شغوفة بالعمل التطوعي تروي جهودها في استقبال وخدمة المعتمرين ..فيديو
  • الثامن من مارس: و الجالسات على أرصفة العدالة في السودان
  • ٨ مارس ودور المرأة في وقف الحرب والثورة