القادة الشهداء والتجربة الملهمة لحركات المقاومة
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
تحليل_ عـبدالله علي صبري :
مع نهاية الشهر المنصرم زفت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى الشعب الفلسطيني استشهاد المجاهد الكبير محمد الضيف وثلة من رفاقه في قيادة المجلس العسكري لكتائب القسام. وقد نعت حركات المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد القادة الشهداء، وأكدت المضي على درب الجهاد والمقاومة انتصارا للقضية الفلسطينية ودفاعا عن الأقصى الشريف.
كان لافتا أن حماس أخفت حقيقة استشهاد قادتها أثناء معركة طوفان الأقصى، ما شكّل نجاحا مضافا لرصيدها المشرف في مواجهة العدو الصهيوني، باستخدام القوة العسكرية المتاحة، أو بتوظيف مختلف الأساليب السياسية والإعلامية والنفسية، والاستخباراتية، التي عطلت قدرات ومقدرات كيان الاحتلال، وجعلته عاجزا في النيل من فاعلية المقاومة، ومحبطا إزاء التطورات التي كشف عنها اليوم التالي لغزة.
كان من الطبيعي أن خبر استشهاد هؤلاء القادة وهم في مواقع حساسة ومتقدمة، بل وعلى رأس الجناح العسكري لحماس، أن يرتد بالسلب على الأداء العملياتي، وعلى معنويات المجاهدين الأبطال وحاضنة المقاومة الشعبية، خاصة وقد سبقهم في مضمار الفوز بالشهادة أهم قائدين لحماس وهما الشهيد إسماعيل هنية والشهيد يحيى السنوار، غير أن الواقع كان مختلفا تماما ومغايرا لما هو متوقع، فقد تحلّى المجاهدون بالإيمان العميق وبالصبر الجميل، وهم يحتسبون الأجر، ويأخذون بأسباب الصمود والنصر دون تراجع أو فتور أو قنوط.
هذه التجربة الملهمة التي تقدمها حركة المقاومة الإسلامية حماس حين تصدر قادتها ميدان الشرف ونال عدد كبير منهم الشهادة في سبيل الله، ليست بالجديدة على الحركة التي قدمت قائدها المؤسس أحمد ياسين شهيدا، واستمرت في مسار المقاومة، لكن على نحو تصاعدي في عدة جولات وصولات حتى ” طوفان الأقصى ” العملية التي زلزلت كيان العدو، وأفقدت جنرالاته هيبتهم وأخرجتهم عن طورهم، فعادوا لينتقموا من الأطفال والمدنيين في جريمة إبادة جماعية أبانت عن هشاشة القوة الغاشمة للكيان الصهيوني، وأفول أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
كما إن هذه التجربة ليست غريبة على بقية حركات المقاومة الفلسطينية، فحركة الجهاد الإسلامي مثلا قدمت مؤسسها الدكتور فتحي الشقاقي شهيدا على طريق القدس، وكذلك كان لسرايا القدس نصيب وافر من التضحية والاستشهاد أثناء ملحمة طوفان الأقصى وما قبلها.
حركة المقاومة الإسلامية في لبنان، كانت سباقة أيضا في تقديم قادتها قرابين فداء لفلسطين وغزة، وقد كان استشهاد السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله علامة فارقة في معركة الإسناد، ودليل لا يخامره شك على مدى مصداقية حزب الله وقياداته في دعم قضية فلسطين والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
لقد امتاز القادة الشهداء، بأنهم بلغوا أعلى درجات المصداقية في الإيمان وفي العمل، فاستحقوا الوصف القرآني في قوله تعالي: (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )). الأحزاب: 23
إن قادة بهذه المواصفات لا يمكن لهم ولمن يتبعهم ويقتفي أثرهم، إلا أن ينتصروا وتنتصر بهم القيم والمبادئ التي يجاهدون في سبيلها. وهذا النوع من القادة هم النموذج الذي يمثل القدوة والأسوة الحسنة، لمن شاء أن يسلك طريق الهدى وسبيل الاستقامة.
وفي يمننا العزيز، ثمة نماذج مضيئة اختارت درب الجهاد وفازت بالشهادة، وفي الطليعة منهم، الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، الذي أطلق الصرخة في وجه الاستكبار، وكان من تلاميذ مدرسته الشهيد الرئيس صالح الصماد، الذي تحل ذكرى استشهاده بالتزامن مع تطورات العدوان على غزة، وتجليات الموقف اليمني الشجاع وغير المسبوق في إسناد فلسطين والاشتباك العسكري المباشر مع العدوان الثلاثي ومحور الشر العالمي: أمريكا، بريطانيا، و”إسرائيل”.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
ليت بعض القادة والساسة.. ينتبهون لما يقولون
بسم الله الرحمن الرحيم
══════❁✿❁═════
ليت بعض القادة والساسة
ينتبهون لما يقولون
══════❁✿❁═════
الحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وآله وصحبه، وبعد:
✍️ فقد سبق أن كتبت مقالة بعنوان: “تصريحات بعض الساسة وضبط الخطاب”، وذكرت بأن الذين ينادون بضبط الخطاب الدعوي وينسون الخطاب السياسي وغيره من أنواع الخطاب دعوتهم قاصرة بل متهمة، والحقيقة أن الجميع مُطالَب بضبط خطابه، ولا زال بعض القادة والساسةص يتمادون في الخطاب غير المنضبط؛ الأمر الذي قد يعيق سير المعركة، ويؤثر على استمرار التوافق والوحدة القائمة، وقد وقفت على بعض المخاطبات، ولي في ذلك بعض الملاحظات أسوقها نموذجًا، وقصدي النصح والتحذير، والمعالجة والاستدراك، فأقول وبالله التوفيق:
▫️أولًا: من المنح التي حوتها المحنة التي حلت ببلادنا في طياتها توحد عامة أهل السودان في محاربة العدو والدفاع عن السودان، وهذا أمر محمود، وددنا أن يتخذه أهل السودان منطلقًا لوحدة تامة، وأن ينبذوا العنصريات والقبليات والجهويات، وأن يحافظوا على وحدة بلادهم ويسعوا لإزالة الحواجز التي وضعها الأعداء بينهم؛ ليعيشوا في بلد واحد، يسوده العدل والقانون، يقوم كل بواجبه، وينال حقوقه دون تمييز.
⚠️ ومن الواضح أن المشوار لا زال طويلًا، والمؤامرة كبيرة، والموقف في غاية الحساسية، والمرحلة حرجة، وهي بحاجة إلى قادة يتميزون بالحكمة، والعقل، والنزاهة، والكفاءة، لنحافظ على هذا الاصطفاف التاريخي لمصلحة البلاد بأسرها، لا لتحقيق مصالح شخصية أو جهوية أو قبلية، ولنجعل من هذه الوحدة القائمة وحدة حقيقية دائمة، ولنحذر من أن نكون كالذين قال الله سبحانه فيهم: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: ١٤].
▫️ثانيًا: تعدد المخاطبات من أكثر من شخصية في قيادة الدولة أمر يعد ظاهرة غريبة غير معهودة في الأعراف السياسية؛ لأنها تشير إلى نوع خلل، وعدم توافق، وتعدد مصادر القرار، وقد عهدنا هذه الظاهرة في بلادنا لأول مرة بعد بروز (محمد حمدان دقلو) في قيادة الدولة، فكان لا يكتفي بمخاطبات رئيس مجلس السيادة حتى يوازيه بمخاطبة مماثلة، مما يُشعِر الناس أنهم في ظل دولتين متوازيتين، وللأسف يمارس هذا السلوك بعض القادة الآن، مع أنه ليس هناك داع عقلًا، ولا يقتضي ذلك نظام أن يقدم رئيس مجلس السيادة خطابًا للشعب السوداني، ثم تتلوه مخاطبات أخرى من قادة آخرين يرأسهم رئيس مجلس السيادة سياسيًا وعسكريًا.
⛔ وقد يتحجج بعضهم أنه ثمت مناسبة لتكرار الخطاب من قيادات أخرى!
???? أقول: قد يتطلب الأمر شيئًا من ذلك لكن بشرطين:
???? الأول: ألا يكون ذلك عادة راتبة، ونظامًا متبعًا، وإنما يكون أحيانا عندما يوجد المقتضي.
???? والثاني: ألا يناقض خطابه خطاب رئيس مجلس السيادة، وإلا لكنا أمامج حكومة فيها شركاء متشاكسون، ولا يمكن لحكم أن يستقيم على هذا النحو، بل الواقع أن بعض التصريحات تتضمن نقدًا واضحًا لرئيس مجلس السيادة أمام الإعلام وعلى الهواء، وبعبارات فيها نوع تطاول وتوجيه، وهذا أمر في غاية الخطورة، ويعيد إلى الذاكرة ما كان يصدر من أبناء (دقلو -حميدتي وعبد الرحيم-) قبل الحرب، والله المستعان.
▫️ثالثًا: واضح أن عددًا من الخطابات في هذه الأيام غير منضبطة، وتحوي في طياتها رسائل توحي بإشكالات وتعقيدات، بل لا تخلو من إثارة، وإشارات بعضها عنصري، وبعضها فوقي، وقد تتضمن نوعًا من التهديد والتحدي، ومثل هذه الخطابات يعجب المرء من صدورها من شركاء الحكم، وهي خطابات بالغة الضرر، ومن شأنها أن تثير شكوكًا وظنونًا وعدم ارتياح في أوساط عامة الشعب غير الأتباع، وردود أفعال قد لا تنضبط أيضًا.
⛔ وبعض تلك الكلمات تشعر بأن المتكلم يمتلك الشرعية والأحقية أكثر من غيره، ولا أدري من أين جاء هذا الإحساس الغريب؟
▫️رابعًا: من تلك التصريحات الغريبة المريبة قول بعضهم: “نحن موجودون منذ سبع وعشرين ألف سنة وموجودون في التوراة والإنجيل والقرآن”:
???? وبغض النظر عن صحة ادعاء هذا العدد؛ إذ المشهور أن عمر الحياة البشرية على كوكب الأرض ما بين ستة إلى عشرة آلاف، وكذلك بصرف النظر عن ادعاء الوجود في الكتب السماوية، لكن الذي يهمنا هنا: ما مقصود المتكلم بقوله: (نحن)؟ هذا الضمير عائد إلى من؟ وما المغزى والمقصود من ذكر هذا التاريخ المجهول الذي لا يقوم على أساس؟ فهل يعني بقوله (نحن) السودانيين؟ وهل هناك قومية أو شعوبية اسمها (السودانيون)؟ وإن كان هذا قصده فمن هم السودانيون؟ هل هم قبيلة وعرق، أم شعب تجمعه حدود سياسية؟ ثم لماذا يتجاهل حقيقتين لا مراء فيهما:
???? الأولى: غالب السودانيين (مسلمون)، إذ تفوق نسبتهم (٩٨%) من السكان، فهم أغلبية، وتاريخ الإسلام معلوم محدد بأرقام قطعية منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم نحو (1414م) عاماً بالميلادي، وبالتقويم الهجري نحو (١٤٥٨) عامًا قمريًا.
هذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يحاول طمسها بمجرد ترهات؛ فهو كالذي يريد حجب الشمس بيده.
???? الحقيقة الثانية: أن جميع الأرض التي تسمى السودان وفق الحدود السياسية الحديثة، يطلق على سكانها اليوم لفظ (السودانيين)، وهذه الرقعة الجغرافية بدأت تتشكل منذ الممالك النوبية الثلاثة: (نوباتيا)، و(المقرة) و(علوة) وهي ممالك نصرانية، والمتحدث ليس نوبيًا ولا نصرانيًا، والقبائل النوبية تمثل نسبة كبيرة من سكان السودان الحديث، ولما جاء الإسلام دخلوا فيه وصاروا مسلمين، وامتزجوا مع الإثنيات العربية، وغيرها من القوميات التي جمعها الإسلام والبلد، ونشأت الممالك الإسلامية: (سلطنة سنار) و(سلطنة دارفور)، وغيرها من المالك، ثم جاءت المهدية، وأعقبها الاحتلال البريطاني والذي انتهى بالاستقلال عام (1956م)، وتعاقبت على السودان السياسي الحديث حكومات محلية إلى هذه الساعة، وهذا تاريخ معلوم لا داعي إلى التشويش والتدليس لأغراض خفية.
▫️خامسًا: ومن تلك التصريحات قول بعضهم: “إنه لولا فصيله العسكري لما تحررت مدني ولا الخرطوم ولا سنجة ولا الناس وصلت الأبيض، وأنهم لا يقاتلون من أجل الجلابة بل من أجل بلدهم وأطفالهم ونسائهم… إلخ”.
???? هذا خطاب غير منضبط، وغير واقعي، بل إن الواقع أنه لولا لطف الله أولًا، ثم ثبات أبطال القوات المسلحة، ومن بعدها هبة أبطال هذا الشعب من معاشيين، ومتقاعدين، ومستنفرين، وكتائب لما تحررت المناطق المذكورة، بل لما ظلت الفاشر ثابتة حتى الآن، بدليل أن قوات المتكلم ظلت محايدةً متفرجةً طيلة تسعة أشهر لم تشارك بشيء البتة في معركة الكرامة، فكيف ينسب إليها كل هذا الفضل؟
هذا قول مجاف للعدل والحقيقة.
نعم القوات المعنية لها دور مشكور وجهد واضح بعد أن انحازت للقوات المسلحة، أما أن تُجعَل صاحبة الفضل دون غيرها فهذا قول مجاف للحقيقة ولا داعي لذكره أصلًا.
أما كونهم يحمون بلادهم إلخ، ولا يحمون الجلابة، فتلك جملة وإن قصد بها الرد على المليشيا، إلا أنه لم يوفق في ذكرها لما تعطيه من إحساس بالمفاصلة والمباينة، وكأن (الجلابة) ليس من ضمن أهل هذه البلاد التي يدافع عنها.
والأمثلة في هذا كثيرة والمقصود التنبيه، والتذكير، وضرورة التعقل وتوخي الحكمة، وتجاوز الحزبيات الضيقة، والانضباط في التصريحات والكلمات، واحترام هذا الشعب المكلوم، والعمل على تحقيق وحدة أساسية، وترك العنصرية لجهة أو قبيلة، بل شعب واحد وجيش واحد، يجمعهم الدين الجامع والبلد الواسع، وبالله التوفيق.
___
نشر بتاريخ: ١٠ شوال ١٤٤٦هـ، الموافق 2025/34/8م
════════❁══════
فضيلة الشيخ الدكتور: حسن أحمد الهواري حفظه الله