حرق المصحف.. والأخلاق الليبرالية
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
يونيو 2023م.. شهد حرقا للمصحف في السويد والدنمارك، فأحدث ردود فعل غاضبة من قِبَل بعض المسلمين، لاسيما من العراق، لكون مَن أحرقه في السويد عراقيا مهاجرا إليها، ثم قامت جماعة يمينية تُدعى داينش باتريوت «الوطنيين الدنماركيين» بحرقه خارج السفارة العراقية بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن. وحرق الكتب الدينية خط قديم جدا، يرجع إلى التعصب الديني والصراع السياسي، أما هذه الأعمال فتستند إلى ما منحته الليبرالية بأداتها القانونية من حرية وحماية لمَن يقوم بها.
هذا يجعلنا أمام مشكلة أخلاقية، تتعدى الحالات الفردية إلى المنظومة الفكرية التي تقف خلفها، لأننا إذا نظرنا إلى هذه الممارسات نجدها تحدث في الغرب تحت ذريعة الحرية؛ صلب النظرية الليبرالية، بمعنى؛ أنه ينبغي دراسة ظاهرة الإساءة إلى الإسلام في إطار هذه النظرية.
المقال.. يقف على هذا البُعد دون أن ينسى العوامل الأخرى المؤثرة، ومن أهمها: التراث الإسلامي المشوب بروايات لا يجوز أن تسند للنبي أو تلصق بالقرآن، والوضع الحضاري والمدني المتخلّفين الذي يعيشه الآن المسلمون، والصراع المستمر بين الفكرين الإسلامي والغربي، ولكن علينا أن نقرر بأن معضلة الغرب ليست مع الإسلام فحسب، بل هي أعمق؛ فهي مع الدين ذاته. والصراع بين الليبرالية والدين لم يبدأ مع الإسلام، وإنما مع المسيحية التي لم تستطع أن تصمد في هذا الصراع، فانكمشت أمام الفكر الليبرالي الصاعد، بل أصبحت تستجدي بقاءها منه، وهو صراع ليس مقصودا به الإسلام وحده بل الدين عموما، ولا أقصد ذات الفعل من الإساءة؛ فهو فعلا متوجه نحو الإسلام، إلا أنه فرع عن مشكلة أكبر؛ هي الأخلاق الليبرالية.
إن المشكلة الأخلاقية عموما بالنسبة للأديان لم تكن فيها، فما من دين إلا ويدعو إلى الأخلاق، وإنما في تطبيقاتها، وربما في فهمها وتحديد أولوياتها، وهنا قد يصح القول: إن ما نراه من أفعال شائنة تصدر من المتدينين لا تعبّر عن الدين ذاته؛ لأن هناك إرادة للإنسان مختلفة عن التعاليم، وهناك فهوم نسبية وأعمال متباينة لدى معتنقي الأديان.
وأما بالنسبة لليبرالية فالمشكلة في ذاتها، ونقدي لها لا يعني نكران كل وجه إيجابي فيها، فقد حررتْ الفرد من «الجبرية الاجتماعية»، ودفعت به نحو الحرية، فكرا وعملا وجزاء، وقامت عليها الحضارة المعاصرة التي نعيش في كنفها، وكفلت التنوع الإنساني بكافة مجالاته، بيد أن هذا لا يعمي أبصارنا عن المشكلة، وهي جذرية وخطِرة، وقد تودي بالحضارة التي بنتها؛ فيما لو تمادت في ممارسة الحرية دون معالجة الجانب الأخلاقي فيها، مثل: توحش الرأسمالية، وتشريع المثلية الجنسية والإجهاض، وتقنين المخدرات، والأخطر من ذلك تبني النيوليبرالية، وهي عولمة الليبرالية وتشريعها عبر القوانين الدولية، وفرضها على العالم، خاصة فرض السوق الحر والخصخصة، مما شكل الربح هدفا أسمى، ضاربة عرض الحائط بالرحمة الإنسانية.
إن ما نراه من استقرار في الغرب، ليس راجعا إلى ذات النظرية الليبرالية، فالنظرية.. لو أُرخي لها العِنان لأصبحت وحشا، لا يعرف من الحرية إلا أن يعدو بطباعه السبُعية لإشباع غرائزه، وهي ليست جسدية فحسب، وإنما غرائز تفور من قعر النفس الإنسانية كالأنانية وحب التملك. الاستقرار الاجتماعي في الغرب.. فُرِض من خارج النظرية الليبرالية، فهو عائد إلى القانون «المقدس» لديهم، فالغربي عموما لا يتصرف بحس أخلاقي بمقدار تصرفه بوازع قانوني. لا أجرد الغربي من الأخلاق فهو كغيره من البشر، ولكن الليبرالية التي بُني بها هيكل الاجتماع الغربي جنت عليه، ولا يتعذّر عليه أن يتصرف أخلاقيا فيما لو وجد نفسه داخل منظومة أخلاقية. وكذلك، ما نجده لدى الفرد الغربي من استقرار نفسي.. ليس منشؤه الحرية الليبرالية، وإنما عامل خارجي أيضا، وهو انتشار الطب والإرشاد النفسيين، وتقدم العلم لديهم في مجالات الصحة البدنية والنفسية.
أما الإسلام وسائر الأديان فهي لا تعاني من هذا الانفصام، فهي مع كونها رسالة أخلاقية، مكتنزة بالمضامين النفسية والاجتماعية، التي هي عمدة استقرار الفرد والمجتمع معا: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّة وَرَحْمَة إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم:21-22].
إن النظرية الليبرالية تقوم على عمود الحرية في المعتقد والرأي والتعبير والتملك. والحرية.. عندما ننظر إلى بُعدها الفلسفي نجدها ليست خُلُقا، بل قيمة، أي أنها تتركب من عناصر عدة؛ منها الأخلاق، والعنصر الأخلاقي.. الذي تقوم عليه هذه القيمة هو «أخلاق السوق»؛ أي الأخلاق التي تحقق لصاحبها الربح والمنفعة، ولأنها «أخلاق السوق» فهي كالمعاملات التجارية، يدخل فيها الفرد أولا لتحقيق مصلحته، وتبعا قد تتحقق مصلحة الطرف الآخر، وربما لا تتحقق، وهي -بطبيعة الحال- لا تقوم على خُلُق الإيثار، الذي تحض عليه الأديان. ولمعرفة مزيد من العلاقة بين الليبرالية والأخلاق انظر كتاب «نقد الليبرالية» للطيّب بوعزة.
إن الممارسات السيئة تجاه الإسلام كحرق مصحفه والإساءة إلى نبيه، ينبغي أن يواجهها المسلمون بفهم النظرية الليبرالية وفهم مرتكزاتها وآليات عملها، ولا يكفي إعلان المقاطعة الاقتصادية. لا أنكر أن مقاطعة الدول التي تسمح بهذه الإساءات تأثر عليها سلبا، بل إنها ضربٌ في صميم النظرية، التي معيارها الأخلاقي الربح، إلا أنها تظل مواجهة «غير أخلاقية» بنحو ما تقوم عليه الليبرالية، وإن كانت أخلاقية بحسب منطلقنا الإسلامي، لكن علينا أن ندرك أنهم يحتكمون إلى فكرهم وليس إلى فكرنا.
وإذا كان علينا أن ندرس المقاطعة الاقتصادية من حيث مدى تحقيق المنفعة في «معركتنا الأخلاقية» مع الليبرالية؛ فمن باب أولى علينا أن نرفض ممارسة أي عنف تجاه مَن يخوض في ديننا بالإساءة إليه، نرفضه بوازع أخلاقي من القرآن الذي يأمرنا بالإعراض عنهم: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [الأنعام:68]، ونرفضه بحساب المنفعة، إذ إن الليبرالي المسيء ينظر إلى رد فعلنا العنيف مكسبا في تشويه صورة الإسلام عالميا.
إن الواجب الذي يقتضي على المسلمين فعله في هذا السجال الطويل.. هو تفكيك النظرية الليبرالية معرفيا، وكشف عيوبها بميزان العلم والموضوعية. ثم طرح نظرية عالمية قائمة على العدل والرحمة بين جميع الناس: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه) [النساء:58]، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]. وهذا يقتضي مراجعة نظرياتنا المعرفية القادمة إلينا من التراث الذي شكّله الصراع بين المسلمين أنفسهم، ثم بينهم وبين غيرهم. لن تحل المعضلة على المدى القريب؛ فالليبرالية الآن في أوج قوتها وهيمنتها، بل وتمددها، ولكن على المدى البعيد فبالإمكان تقديم نظرية ذات محتوى أخلاقي تحل محل الليبرالية. خاصة أنها الآن بدأت تتكشف عيوبها، وأخذ العالم يعاني منها؛ وهناك قطاعات تثور عليها بين الحين والآخر، وتملأ شوارع أوروبا -قبل غيرها- بالاحتجاجات.
ختاما.. إن الزمن كفيل بأن يحسم الصراع بين الأديان الغنية بنداوتها الروحية والليبرالية المعتصمة بقوتها المادية.. وسيبقى القرآن يغذي الناس بروح الإيمان وقيم الأخلاق.
خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: علینا أن
إقرأ أيضاً:
الرجل والمرأة في الإسلام.. بين تساؤلات الماضي والحاضر
تُقرع في الآونة الأخيرة أجراس خطر حقيقي في ميدان الأسرة، الذي تعدُّ أهمّ مؤسسة في البنية الاجتماعية التركية، وأقواها تقليديًا. وليست المسألة ضربا من المبالغة، فنحن نُستهدَف ونتلقى ضربة موجعة في أقوى ركائزنا التي تميّزنا عن غيرنا من المجتمعات.
فارتفاع معدلات الطلاق، وكذلك سنّ الزواج، وتحطيم أرقام قياسية في عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم، وأخيرا الانخفاض الحاد في معدلات الخصوبة وما يستتبعه من شيخوخة ديموغرافية، كلها مؤشرات تُنذر بأن مسار التحوّلات الاجتماعية في تركيا لا يسير في اتجاه إيجابي.
وفي سبيل تسليط الضوء على هذا المسار، وتعزيز الوعي العام بشأن بنية الأسرة، والتفكير الجادّ في اتخاذ تدابير وقائية، أعلنت رئاسة الجمهورية، بناءً على مقترح من وزارة الأسرة، عام 2025 عامًا للأسرة. غير أن الاعتقاد بأن الحوافز المادية لتشجيع الإنجاب كافية وحدها لمواجهة هذه الأزمة يُعد تسطيحا مفرطا للمشكلة. فالتغيير الحاصل نتاج لتحوّل سوسيولوجي أعمق بكثير.
ولا شك أن لهذا التحول علاقة وثيقة بارتفاع مستوى الرفاه المعيشي. وخلافًا للاعتقاد السائد، فإن التحديات الاقتصادية لا تؤدي إلى تراجع في معدلات الخصوبة، بل العكس، فإن الشرائح التي شهدت زيادة أكبر في مستوى الرفاهية هي التي انخفضت فيها الخصوبة. أما من يُرجعون قلة الإنجاب لدى الأثرياء إلى "الوعي" فهم ينظرون إلى الحياة من منظور مادي ضيق وسطحي للغاية. وفي المقابل، فإن ارتفاع مستوى الرفاه يُحدث تحوّلًا في العقلية والتفكير، وهذا أمر صحيح. فمع اتباع نهج أكثر أنانية ودنيوية والرغبة في الراحة، بات يُنظر إلى الطفل على أنه مجرد شيء من ملذات الحياة، ولا يُعتبر مفضلًا على غيره من الملذات أخرى.
لا يقتصر الأمر على قضايا الهوية الجنسية فحسب، بل يشمل علاقتنا العامة بالنصوص والتعاليم الدينية
وإلى جانب ارتفاع مستويات الرفاه، فإن ارتفاع معدل الالتحاق بالجامعات، وتأخر الدخول إلى سوق العمل، والأهم من ذلك كله، الابتعاد المتزايد عن الأدوار التقليدية للرجل والمرأة، كلها عوامل تلعب دورًا مؤثرًا في تشكيل ثقافة جديدة تجاه الأسرة والإنجاب. وهنا ينبغي التوقف مليًّا عند هذا التحول الأخير على وجه الخصوص. وقد خصصت مجلة تذكرة في عددها الأخير ملفًا لرصد ردود فعل الأوساط المسلمة تجاه تغيّر هذه الأدوار. وربما كرد على من يطرحون هذه القضايا تحت عنوان "النسوية الإسلامية"، فضّلت المجلة أن تجمع الملف تحت عنوان: "المسلمون والمسلمات.. بين تساؤلات الماضي والحاضر". فالتغيير لا يقتصر على المرأة وحدها، بل يشهد الرجل أيضًا تغييرًا كبيرًا في تحديد موقعه في دوره الجنسي، وبالطبع، تبعًا للتحوّلات التي طرأت على المرأة.
وفي العدد الذي تولّت سعادة بايزيد تحريره، اختير عنوان يسلّط الضوء على القضايا الموروثة من التاريخ، والأسئلة الجديدة التي تطرحها هذه القضايا في العالم المعاصر، كما يعكس في الوقت ذاته مساعي العصر الحديث إلى إعادة تعريف مفاهيم الجنس والدين والثقافة. فالعالم المعاصر يمرّ بمرحلة يعاد فيها النظر جذريًا في أدوار الهوية والجنس، وهي عملية لا تزعزع القيم والتقاليد الراسخة وحسب، بل تخضع رموزنا الدينية والثقافية لقراءة جديدة.
وقد ساهم في هذا الملف عدد من الكتّاب البارزين بمقالات قيّمة. على سبيل المثال، تتناول بيرسان بانو أوكوتان في دراستها التحوّل الاقتصادي والثقافي للطبقة الوسطى المحافظة الجديدة، مقدّمة تحليلًا لافتًا لهويات الرجال المتدينين من خلال ممارساتهم الاستهلاكية. أما مصطفى شفيق، فيعالج النقاشات المستمرة حول طبيعة الجنس من خلال مقاربة تدمج بين الحتمية البيولوجية والبناء الاجتماعي.
وتتناول هاجر أياز الكيفية التي تشكّلت بها هويات الرجال المسلمين في العالم الحديث تحت تأثير القيم الأبوية والدينية والعولمة. وفي مقالة أخرى، تحلل غونول يونار شيشمان أصول التمييز القائم على النوع الاجتماعي من خلال الروايات الأسطورية، حيث تُخضع مفهومي الأنوثة والذكورة لمساءلة تاريخية، متوقفة عند سردية خلق باندورا في الأساطير اليونانية، وحكاية الطرد من الجنة في الكتاب المقدس، منتقدة المعاني السلبية التي أُلصقت بالمرأة في هاتين الروايتين.
وتدرس زهرة إيشيق تصورات الجماعتين الدينيتين "إسماعيل آغا" و"الجراحي" في إسطنبول تجاه المرأة والرجل والتحولات التي طرأت على هذه التصورات. أما حسين يلماز، فيتطرق إلى النقاشات المعاصرة حول الهوية الجنسية من منظور التقاليد والأعراف المجتمعية، محللًا تأثيرات التحولات الاجتماعية التي تؤدي إلى تآكل المعنى. وتقدّم الفيلسوفة الألمانية بيرجيت روميلسباخر مقالة بعنوان: "النسوية والهيمنة الثقافية.. مناقشات حول تحرر النساء المسلمات"، تتناول فيها مسألة تحرر المرأة المسلمة من منظور الحركات النسوية، منتقدة سعي النسوية الغربية فرض معاييرها على النساء المسلمات باسم التحرر، ومسلطةً الضوء على التناقضات الأيديولوجية النسوية لهذا النهج.
وفي أطول وأشمل مقالات الملف، يتناول نجدت سوباشي مفهومي "الذكورة" و"الأنوثة" في السياق الإسلامي، محللًا تطورهما ضمن الأطر التاريخية واللاهوتية والحداثية، ومسلطًا الضوء على تحوّلات المرجعيات الدينية التقليدية في العالم المعاصر. ويشير سوباشي إلى أن أدوار المرأة والرجل في القرآن والسنة تقوم على مبدأ التكامل، إلا أنها عبر المسار التاريخي تحوّلت تدريجيًا إلى بنية أبوية.
ويولي سوباشي اهتمامًا خاصًا بمفهوم "النسوية الإسلامية"، متناولًا الحركات التي تطالب بإعادة تأويل النصوص الدينية في سياق نضال المرأة من أجل التحرر. ويناقش في مقالته التوترات المستمرة بين المفاهيم التقليدية والحديثة، ويقدم إطارا نقديا حول كيفية إعادة تناول رسالة المساواة الدينية في السياقات الحديثة. ويؤكد على أن هذا التحوّل المفاهيمي لا يؤثر فقط في سعي الأفراد المسلمين نحو تشكيل هويتهم، بل يمتلك أيضًا القدرة على التأثير في مستقبل البنى الاجتماعية نفسها. ويرى أن قضايا الهوية الجنسية في العالم الإسلامي انتقلت من مقاربة تقليدية قائمة على مفهومي "الحكمة" و"التسليم"، إلى ساحة حوار حديثة تطغى فيها أسئلة من قبيل "لماذا؟" و"كيف؟".
في الواقع، لا يقتصر الأمر على قضايا الهوية الجنسية فحسب، بل يشمل علاقتنا العامة بالنصوص والتعاليم الدينية، إذ لم نعد نتلقّى النص بوصفه خطابًا يحتوي على أمر أو موعظة أو حكمة، وإنما بتوجه استهلاكي علماني تغلب عليه الأسئلة المُجرّدة والوظيفية من قبيل "لماذا؟" و"كيف؟". ومن هذا المنطلق، أعتقد أن مساهمة سوباشي يمكن أن تشكل نموذجًا صالحًا لقراءات أوسع للنصوص الدينية.
ويضم الملف أيضًا حوارًا خاصًا مع نظيفة شيشمان، حيث تدور المقابلة حول قضايا الهوية الجنسية من خلال مفاهيم الفطرة، و"أحسن تقويم"، والتقسيم الحديث للعمل الاجتماعي. كما أجرت فاطمة نايت، المحررة الرقمية لمجلة "رينوفاتيو"، مقابلة مع الأستاذة بجامعة برمنغهام هيفاء جواد، ناقشت فيها التناقضات الجوهرية التي تعاني منها النسوية الإسلامية. وفي جانب من الملف، تسهم غونجا ديدم أوغلو بتقديم عرضٍ لكتاب.
إن العدد التسعين من مجلة "تذكرة" التي يرأس تحريرها يونس باديم، لا يقتصر على عرضه ملفا عن النسوية الإسلامية، بل نجح في تقديم عمل متميز يواجه التساؤلات القديمة والجديدة حول الرجال والنساء المسلمين.
المصدر: يني شفق