في مسيرة حياتي الفكرية، لم تكن رحلتي سهلة ولا مستقيمة. لقد كانت أشبه بسفرٍ طويلٍ بين محطات متباينة، من الدراويشية إلى الماركسية، وأخيرًا إلى الحداثة المنفتحة على الفكر الإنساني، حيث لا انغلاق ولا تعصب، بل فضاء رحب تتلاقى فيه القيم النبيلة والمبادئ السامية.
المرحلة الأولى: الدراويشية والبحث عن الروحانية
نشأت في بيئة تميل إلى التصوف والتدين، حيث كانت الروحانيات تشكل جزءًا جوهريًا من يومياتي.

رأيت في التصوف ملاذًا يمنحني السكينة والتواصل مع الذات، لكنه في ذات الوقت جعلني أطرح أسئلة كبرى حول العدالة، والمجتمع، والمآل الإنساني. لم يكن التصوف بمعناه العميق كافيًا لإطفاء عطشي للمعرفة، بل دفعني للبحث عن إجابات تتجاوز حدود الزهد والتأمل.
المرحلة الثانية: الماركسية والرؤية المادية للعالم
مع ازدياد وعيي السياسي وانفتاحي على الكتب والأفكار الجديدة، وجدتُ في الماركسية طرحًا مختلفًا، يخاطب العقل والمنطق، ويضع قضايا العدالة والحقوق في مركز النقاش. انخرطتُ في الحوارات الفكرية، وتعمقتُ في قراءات ماركس وإنجلز ولينين، وأدركتُ أهمية الاقتصاد والسياسة في تشكيل المجتمعات. لكن شيئًا فشيئًا، بدأتُ أرى أن الماركسية، رغم عدالة مطالبها، تحمل في بعض تجلياتها انغلاقًا أيديولوجيًا يجعلها تقف أمام طواحين الرياح دون أن تراها تتحرك.
المرحلة الثالثة: الحداثة والانفتاح على الفكر الإنساني
مع نضوج التجربة، أدركتُ أن الجمود على فكرٍ واحد، مهما بدا عظيمًا، هو نوع من العمى الاختياري. بدأتُ أقرأ بشغف الفلسفة الغربية والشرقية، تأملتُ في الحداثة وما بعدها، وانفتحتُ على التيارات الفكرية التي تسعى لتجاوز القطعيات والانطلاق نحو فضاء إنساني أرحب. لم يعد يكفيني أن أكون ماركسيًا أو درويشًا، بل أصبحتُ إنسانًا يبحث عن الحكمة حيثما وجدت، حاملًا أعظم القيم، لكن في ذات الوقت أعيش متاهة الضياع.
حلم صياغة فكر سوداني جديد
أحمل معاناة جيل كامل، أجيال نشأت بين صراعات الأيديولوجيات، وانقلابات السياسة، وأزمات الهوية. أبحث عن فكر سوداني جديد، قادر على تجاوز التناقضات الموروثة، متصالح مع الماضي دون أن يكون أسيرًا له، ومستعدٌ لاستشراف المستقبل دون أن يكون منبهرًا به حدّ الذوبان. ربما يكون ذلك مجرد حلم، لكن الأحلام هي ما تدفعنا للاستمرار.
الإبداع والتناقضات الفكرية
كتبتُ الشعر والرواية والمقال، وخضتُ في الأبحاث المحكمة، وكل هذا الكم من الطرح لم يحدث الشفاء الكامل أو الانعتاق، بل زاد من تعقيد إشكالية المثقف الباحث عن المعرفة والحياة العامرة بالحرية في عالم قامع. فالكتابة كانت وما زالت فعل مقاومة، لكنها لم تمنحني الإجابات النهائية، بل زادت الأسئلة تعقيدًا.
بين الضياع والاستمرار
أعيش متاهة فكرية، لكنها متاهة تعج بالأفكار، بالتساؤلات، بالبحث الدائم عن المعنى. لم أعد منغلقًا على مدرسة فكرية واحدة، بل أصبحتُ مؤمنًا بأن القيم العظيمة توجد في كل مكان، وبأن الإنسان أعقد من أن تحكمه نظرية واحدة أو فلسفة بعينها. لا أملك إجابات نهائية، لكنني أملك الأسئلة، وتلك في حد ذاتها بداية الطريق.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

اليوم.. محاكمة مسلم ونور التوت في قضية سرقة لحن «أول حياتي ياما»

تعقد المحكمة الاقتصادية، صباح اليوم الثلاثاء 4فبراير 2025، جلسة نظر الدعوى المقامة من الملحن حسن دنيا، ضد مطربا المهرجانات مسلم ونور التوت وآخرين، على خلفية اتهامهم بسرقة لحن أغنية «أول حياتي ياما».

وأحالت المحكمة الاقتصادية الدعوى المقامة من الملحن حسن دنيا، ضد مطرب المهرجانات مسلم ونور التوت وآخرين، على خلفية اتهامهم بسرقة لحن أغنية أول حياتي ياما، إلى محكمة الموضوع للفصل فيها.

وكان الملحن حسن دنيا أقام دعوى قضائية ضد المطربين مسلم ونور التوت، يتهمهما فيها بسرقة لحن أغنية «أول حياتي ياما»، والتعدي على حقوق الملكية، مما يشكل جريمة مكتملة الأركان للحياء العام، واتهمهما بالتلفظ بكلمات لا تليق بالمجتمع، وعدم خضوع كلمات الأغنية للمصنفات المصرية قبل طرحها على المستمعين مما يهدد الذوق العام للمجتمع المصري والآداب العامة له، ويشكل الخطر على أبناء المجتمع المصري.

اقرأ أيضاًبالأسماء.. إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بطريق مصر إسكندرية الزراعي

تأجيل محاكمة صاحب شركة «هتك» عرض طفلين بالجيزة

مقالات مشابهة

  • الإمارات تطلق مساراً جديداً لـ "الملكية الفكرية الخضراء"
  • الإمارات تُطلق مساراً جديداً لـ«الملكية الفكرية الخضراء»
  • جامعة حلوان تنظم المؤتمر العلمي الثامن للملكية الفكرية
  • جامعة حلوان تنظم المؤتمر العلمي الثامن للملكية الفكرية تحت عنوان«الملكية الفكرية وتغير المناخ»
  • القيم أساس تطور المجتمعات
  • "المنير في فن التصوير" يسرد مراحل التطور الزمني للتصوير وحقوق الملكية الفكرية للصور
  • تأجيل محاكمة مسلم ونور التوت في قضية سرقة لحن أول حياتي ياما
  • الدكتور أحمد زايد فى ندوة ببيت السحيمى: الحداثة المتسارعة تشكل تهديدًا على التراث والهوية
  • اليوم.. محاكمة مسلم ونور التوت في قضية سرقة لحن «أول حياتي ياما»