هكذا يمكن مواجهة تهجير الفلسطينيين من غزة
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
سيتذكر القرّاء المتابعون لهذه الزاوية أنني، منذ اندلاع الحرب على غزة، أنني كنت أصرخ محذرًا من أن الاحتلال والعدوان الإسرائيلي لن يقتصرا على غزة وحدها، بل إن جميع دول المنطقة مهددة بالخطر.
وكما توقعت، فقد وسّع الاحتلال الإسرائيلي عدوانه ليشمل جزءًا من لبنان وسوريا بعد غزة، ولم يكتفِ بذلك، بل شنّ غارات جوية في اليمن، والعراق، وإيران.
واليوم، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، ورغم رفض هذه الدول هذا المخطط، فإنه يصرّ قائلًا: "سوف يأخذون الفلسطينيين، سيأخذونهم"، وكأنما يفرض عليهم الأمر فرضًا. وهذه الجملة ليست مجرد تصريح، بل هي تهديد واضح.
الحل ليس في التفاهم بل في الاتحادهل يُعقل أن يتم تهجير قرابة مليوني فلسطيني إلى الأردن ومصر، ثم يتم ضم غزة إلى إسرائيل؟ يجب أن يُفهم أن هذا المخطط لا يقتصر على غزة فقط، بل يشمل أيضًا الفلسطينيين في الضفة الغربية.
إذا كانت حسابات مصر والأردن تفترض أن بإمكانهما تفادي هذا المخطط عبر التفاوض مع الولايات المتحدة وإسرائيل، على أمل منع تدفق مليوني لاجئ إلى أراضيهما، فستكون تلك الحسابات مغرقة في الخطأ. لكن لبنان نفسه سبق أن دخل في مفاوضات مع فرنسا والولايات المتحدة، ولم يمنع ذلك احتلال أراضيه وتدميرها.
إعلانعلينا أن ندرك حقيقة ثابتة: إسرائيل لا تتخلى عن أهدافها، بل تؤجل تنفيذها فقط وتعيد توزيعها على مراحل. إن مشروع "أرض الميعاد"، الذي يشكل جوهر الأيديولوجيا التوراتية، لم يعد مجرد حلم ديني، بل تحول إلى هدف جيوسياسي تتبناه النخب الإنجيلية في الولايات المتحدة والصهاينة من اليهود.
وهذا يعني أن التوسع الإسرائيلي لم يعد مجرد طموح، بل هو مشروع عسكري قائم ترسم على أساسه الإستراتيجيات طويلة الأمد في البنتاغون وتل أبيب والبيت الأبيض.
وبالتالي، فإن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل والولايات المتحدة لن يحول دون الاحتلال والدمار، بل إن الحل الوحيد يكمن في بناء تحالفات إقليمية واسعة وقوية. لا شيء يمكنه إيقاف التوسع الإسرائيلي/ الأميركي سوى كيان إقليمي موحد يجمع القوى المتضررة من هذه السياسات.
من التالي؟تعي مصر والأردن أنهما إن استقبلتا الفلسطينيين المُهجّرين، فسترتكبان أكبر خطأ في تاريخهما. فالأمر لا يتعلق فقط بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ستنشأ داخليًا، بل إن تفريغ الأرض الفلسطينية سيفتح الباب أمام إسرائيل للتوسع، وسيجعل هذين البلدين في موقف لا يُغتفر في نظر العالم الإسلامي.
إن استقبال هؤلاء اللاجئين سيخلق حالة من الفوضى والاضطراب الداخلي في كلا البلدين، وسيفاقم من أزماتهما السياسية والاقتصادية، وسينعكس سلبًا على علاقاتهما وتحالفاتهما الإقليمية. وفي نهاية المطاف، سينزلق البلدان نحو حالة من عدم الاستقرار، وهو ما يصبّ في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين ستجدان حينها مبررًا للتدخل "لأسباب أمنية" وربما احتلال أجزاء من أراضيهما.
لكن هذا المخطط لن يتوقف هنا. لاحقًا، ستتعرض دول النفط في الخليج العربي لضغوط هائلة لإجبارها على تزويد إسرائيل بالطاقة، وإذا رفضت، فستواجه تهديدات مباشرة بتجميد أصولها، وفرض عقوبات اقتصادية، ورفع الحماية العسكرية الأميركية عنها.
إعلانأما سوريا، فستتعرض لابتزاز سياسي لإجبارها على التخلي عن الجولان، وكذلك عن منطقة حرمون، الغنية بالمياه، لصالح إسرائيل. وإن لم تستجب، فسيتم توسيع الاحتلال العسكري، وعرقلة أي اعتراف دولي بالحكومة الجديدة، وفرض عقوبات خانقة عليها.
وفي لبنان، فإن أي نظام سياسي جديد سيجد نفسه أمام مخطط لانتزاع الجنوب تحت ذرائع أمنية وإنشاء "مناطق آمنة".
وفي شرق البحر المتوسط، ستتزايد الضغوط لنشر قواعد عسكرية أميركية جديدة في قبرص، بحجة تعزيز أمن إسرائيل، وسيُمارس الضغط على تركيا لإعادة ترتيب علاقاتها مع إسرائيل، تحت التهديد بزعزعة اقتصادها.
بعبارة أخرى، كما لم يتوقفوا عند غزة ولبنان، فلن يتوقفوا عند مصر والأردن.
تأملوا المشهد: ترامب يريد شراء غرينلاند، ويسعى إلى جعل كندا ولاية أميركية، ويسيطر على قناة بنما، ويتدخل في السياسات الداخلية لألمانيا وبريطانيا. فهل من المنطقي أن نتوقع منه التوقف عند هذا الحد في الشرق الأوسط؟
لماذا لا يكون هناك تحالف شرق أوسطي؟
على دول المنطقة أن تستوعب حجم التهديد الذي يحدق بها. والخروج من هذا المأزق لا يكون إلا عبر تشكيل تحالفات قوية في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد والتنمية.
لقد سبق أن أشرتُ إلى "نظرية الدوائر المتداخلة" في مقالات سابقة، وهي رؤية يجب أن تُطرح بجدية على أجندة الدول المعنية. هناك اليوم حديث عن تحالف ثلاثي يضم تركيا والعراق وسوريا تحت اسم "تحالف دجلة- الفرات"، ولكن لا بد من توسيعه ليشمل دولًا أخرى.
لمَ لا يكون هناك "تحالف شرق البحر المتوسط"؟
لمَ لا تتحد دول مثل مصر، لبنان، الأردن، تركيا، سوريا، قبرص، تونس، ليبيا، المغرب، والجزائر؟
بل إن هذا التحالف يمكن أن يمتد ليشمل الدول الأوروبية التي تضررت علاقاتها مع الولايات المتحدة، مثل إسبانيا، إيطاليا، مالطا، اليونان، بل وحتى فرنسا.
إن دول الحضارة المتوسطية، التي تشترك في إرث ثقافي وتاريخي عريق، يمكنها أن توظّف هذه القواسم المشتركة لمواجهة الطموحات التوسعية للولايات المتحدة وإسرائيل.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مصر والأردن هذا المخطط
إقرأ أيضاً:
تفنيد إسرائيلي لمخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.. ضرره أكبر من نفعها
قد يبدو مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة للأردن ومصر يشكل حلّاً تكتيكياً، لكن من الناحية الاستراتيجية فإنه لا يخفّف من حدّة الوضع فحسب، بل يزيده سوءاً، ويثير مشكلة أخلاقية، صحيح أن الاحتلال يتذرّع بالقضاء على حماس عقب هجومها في السابع من أكتوبر، لكن بين سكان القطاع المليونين هناك عدد كبير من النساء والأطفال وكبار السن.
البروفيسور الإسرائيلي يحيئيل غلبوع، أستاذ فلسفة العلوم، ذكر أن "تهجير سكان غزة دون موافقتهم، ومعارضة الدول التي يتوقع أن تستقبلهم يجعل هذه المهمة مستحيلة، ويثير أيضا مشكلة أخلاقية، رغم أن الحديث معهم قد يؤدي لموافقة كثيرين منهم على التهجير، لكن لكي ينجح هذا الأمر، فلابد من الحديث معهم، والتوصل تفاهم معهم في هذا الشأن".
وأضاف في مقال نشره موقع "زمن إسرائيل" العبري، وترجمته "عربي21"، أن "تهجير مليون فلسطيني للأردن قد يؤدي لانهيار المملكة، التي تقف على أرجل دجاجة، وتوازنها السياسي والديموغرافي حساس للغاية، ويرجح أن يؤدي وجود مليون فلسطيني إضافي، بجانب اللاجئين العديدين الذين قدموا إليها من سوريا في السنوات الأخيرة، إلى انهيارها، وانهيارها كارثة كبيرة لدولة الاحتلال، لأنه سيؤدي لسيطرة الجماعات المسلحة من لبنان وسوريا".
وأشار إلى أن "الأردن يحوز على كامل الحدود الشرقية للاحتلال، من المطلّة إلى إيلات، مما سيسمح لإيران بترويج المقاومة ضده عبر الأردن، واليوم، تأتي أغلب الأسلحة التي تصل الضفة الغربية عبر الحدود الشرقية، ومنذ توقيع اتفاق السلام معه، بقيت حدوده هادئة للغاية لمدة ثلاثين عامًا، وكل ذلك يؤكد أن تهجير مليون فلسطيني للأردن سيؤدي لانهيار المملكة، وإنهاء اتفاق السلام، مما يتطلب من جيش الاحتلال زيادة قواته بعدد كبير من الفرق، وتكثيف روتينه من النشاط العملياتي ضد الجماعات المسلحة".
وأضاف أن "تهجير مليون غزي إلى سيناء قد يعرّض للخطر اتفاق السلام مع مصر القائم منذ نصف قرن، وقد تعاملت مصر مع داعش في سيناء لسنوات عديدة، والآن فإن نقل مليون غزي يعيشون في ضائقة في سيناء سيكونون أرضًا خصبة لهذه الجماعات للعمل ضد مصر والاحتلال معاً".
وأكد أنه "حتى لو أجبرنا مصر والأردن لقبول الفلسطينيين في أراضيهم، فلن نحلّ مشكلة المقاومة، لأن مليون غزي في سيناء أُجبروا على العيش في ظروف صعبة، سيكون سهلا عليهم الحصول على أسلحة من كل الأنواع، ولا يوجد أحد، حتى الجيش المصري، يستطيع منعهم من التسلح، وهم يعرفون صناعة الصواريخ، وإطلاقها علينا، والآن سيستمرون في القيام بذلك من الأردن وسيناء، مما سيضطر الاحتلال لمهاجمتهما، الأمر الذي من شأنه تقويض اتفاقيات السلام، ويعيدنا لدائرة الحروب، بدلاً من دفع عملية السلام للأمام".
وأوضح أن "تنفيذ الاحتلال لمثل هذه الخطة يعني أنه أصبح دولة فاشلة في العالم، وستكون منبوذة، ومصابة بالجذام، ويتعرض استمرار وجودها هنا للخطر، أما إذا تولى الجنود الأميركيون عملية لتهجير، فإنه سيخفّض مكانة الولايات المتحدة في العالم لأدنى مستوى".
واقترح الكاتب بدائل أقل عدوانية من التهجير لحل مشكلة غزة، منها "إرسال قوات عربية ودولية للقطاع، من : السعودية ومصر والأردن ودول الخليج وأوروبا وأميركا، وتكون غزة منطقة حكم ذاتي مستقل، ومنزوعة السلاح تماما، على أن يكون تحت إشراف دولي، وإنشاء مراكز صناعية متقدمة في سيناء، يعمل فيها المصريون والأردنيون والسعوديون ودول الخليج والإسرائيليون، بمثابة حجر الزاوية لتعاون إقليمي تكنولوجي وصناعي شرق أوسطي، وعلى نطاق عالمي".
واعتبر أن "حل مشكلة الاكتظاظ السكاني في غزة يمكن لمصر أن تساهم بأراضي سيناء لتوسيع المكان للسماح بالعيش بكثافة أقلّ، أو بناء جزيرة في البحر، وتوسيع مساحة المعيشة في القطاع".