فاتورة التشخيص الخاطئ للحرب علي الأبواب – إحنا فرحانين أوي أوي:
معتصم أقرع
مع بداية الحرب ظهرت أربع مواقف منها من أربع معسكرات هي:
1. معسكر الجنجويد وأنصارهم بالعلني أو العرفي.
2. معسكر داعم للجيش بلا شروط ولا تهمه قضايا الديمقراطية ومدنية الحكم.
3. معسكر معروف بمناصرة الديمقراطية في عشرات السنين وقف بحزم ضد الجنجويد ويري أنهم ليسوا بديلا مناسبا لجيش أو دولة مهما كانت عيوبهما .

وقال هذا المعسكر أن من أهم أبعاد هذه الحرب إنها حرب الجنجويد ضد الدولة السودانية وضد المواطن السوداني المدني. ويري هذا المعسكر أن أولوية هذه اللحظة الحرجة هي التصدي لعنف الجنجويد وهذا لا يعني أي تغيير في مواقف هذا المعسكر المعروفة عن ضرورة المدنية والديمقراطية بعد صد الغزو الجنجويدي.
4. معسكر رابع جادل بان هذه حرب بين طرفين متساويين في السوء يصح الحياد فيها إذ إنها حرب بين جنجويد وكيزان أو جيش كيزان أو جيش خطفه الكيزان. وفي كل الأحوال هي حرب بين طرفي نزاع إجراميين بنفس درجة أو بفرق مقدار لا يهم. ولم يلاحظ هذا المعسكر وقع الحرب علي أكثر من أربعين مليون سوداني واكتفي بتشخيصه بانها حرب بين جنجا وكيزان أو جيشهم وكان الحرب تدور في صحراء بيوضة لا في بيوت الشعب وملابسه الداخلية.
يهمني هنا التعليق علي ما يترتب علي موقف آخر معسكرين.
مع إنتصارات الجيش، والفرحة العارمة التي عمت الشعب السوداني بالعودة إلي مدنه وقراه بعد طرد الجنجويد، لم ير معسكر الوقوف مع الدولة غضاضة في الإحتفال مع الشعب السوداني ولم يصبه أي حرج فرحي لان تشخيصه كان أنها حرب الشعب والدولة ضد غزو أجنبي علي يد ميليشا إقطاعية تملكها أسرة. وبالتالي فإن الإنتصار هو هو إنتصار الدولة والشعب وليس إنتصارا لكيزان أو دكتاتورية عسكرية وبالتالي فان الفرح حلال.
ويري هذا المعسكر أن النصر تم بفضل مقاومة واسعة من الشعب السوداني تكاملت مساهماتها في ميدان القتال وميادين السياسة والإعلام والتضامن الإجتماعي والتكايا. فهو ليس نصر المؤسسة العسكرية وحدها ولا نصر كيزان – مع وجود الإسهام الواضح والهام لهذين الكيانين، كيزان وجيش، كجزء من إسهام قطاعات الشعب الأخري.
إذن معسكر الوقوف مع الدولة السودانية ضد الغزو الأجنبي الهمجي يفرح ويحتفل مع الشعب السوداني بلا عقد ويري في فرحه إمتدادا لدفاعه عن سلامة الشعب والدولة بدون أي تماهي مع كيزان. ولا يعطي فرحه الجيش شيك علي بياض ولايتنازل قيد شعرة عن مواقف تاريخية داعية للديمقراطية والحكم الرشيد.
ولكن معسكر الحياد الذي قال أنها حرب بين جنجويد وجيش كيزان موجبة للحياد والتعويل علي توازن ضعف بين الطرفين (نظرية الدرون) يجد نفسه في ضيق هذه الأيام. فهو لا يستطيع أن يفرح بفرح الشعب لان كل نظريته عن الحرب يترتب عليها أن هذا النصر نصر الكيزان أو نصر جيش الكيزان.
ويترتب علي نظريته إن إحتفال الشعب بما أنجزه الجيش هو إحتفال بالكيزان وبالحكم العسكري. وهذا إستنتاج خاطئ بني علي تشخيص خاطئ، فهذا الشعب يحتفل بوجود جيش ومؤسسات دولته وهي تقوم بواجبها الدستوري ويحتفل بحقه في الحياة الامنة ولا يحتفل بدكتاتورية أو كيزان قال رايه فيهما في ١١ أبريل ٢٠١٩ . التحليل الخاطئ لطبيعة الحرب في النهاية يهدي هذا النصر للكيزان والجيش وهذا ربما هو أشهر هدف يحرزه فريق سياسي في مرماه.
وكل هذا لا يعني أن مستقبل السودان قد تم حسمه. إذ يظل المستقبل مفتوحا علي إحتمالات مرعبة مثل مضاعفة التدخل الخارجي ووصول جماعات جهادية أجنبية وإنهيار شامل لما تبقي من أجهزة الدولة. هذه إحتمالات تظل موجودة ولكنها لا تغير في مغزي هذا المقال ولا تطعن فيه وإنما تشير لاهمية العودة للتموقع الصحيح في هذه الحرب، قبل فوات الأوان، والكف عن القبول بدمار الوطن نكاية بكيزان أصابوا عقل صفوة معتوهة بالهوس وشيئ من الكبسة.
ومن هنا يتضح أن النجاح السياسي التاريخي للكيزان لم يكن نتيجة لعبقرية خاصة وإنما لضعف خصومهم النظري والحركي. يكفي الكيزان الجلوس في بروش صلاتهم ليتلذذوا بمنظر خصومهم يحرقون أنفسهم كموكب جثث هندوسى عزل نفسه من شعب واطلق النار علي أنصاره الحقيقيين.
ولو سكت معسكر الحياد وفقد الشغف كما يفعل الآن، تتضح له ولخصومه عزلته عن الشعب في أهم واصعب تجربة في تاريخه. وهذه العزلة عن الشعب في خضم محنة تاريخية ستترتب عليها فواتير سياسية صعبة في مستقبل الأيام.
نلاحظ أن أعدادا كبيرة من هذا المعسكر تنازلت وافتت بجواز الفرح بخروج الجنجويد من مدني وسنجة وغيرهما (ثانك يو، لقد كان الشعب حقا في حوجة لهذه الرخصة) .
بدا خيار الحياد أسهل واكثر أمنا وحفظا للطهارة السياسية في البداية مع ما به من خذلان لشعب تم إغتصابه حرفيا ومجازا ولكنه يبدو مكلفا الآن وربما أرتفعت تكاليفه مع مستقبل الأيام لانه – إضافة للعزلة عن فرح الشعب فان هذا الموقف- وفر حبلا غليظا لشنق هذا المعسكر علي مقصلة خصومه ومنافسيه في الساحة السياسية. وسيسأل كثيرون في المستقبل عمن أحرز هذا الهدف في مرماهم إذ هو هدف ذاتي لم يحرزه لا كيزان ولا جيش.
أعتقد أن الفتوي بجواز الفرح بخروج الجنجويد لا تكفي. لان قانون الذكاء الأول يقول بأن تتوقف عن الحفر لو وجدت نفسك مزنوق في بئر. أو إذا أكتشفت أنك في القطار الخطأ عليك النزول في أول محطة لان تاخير النزول سيضاعف مسافة وكلفة العودة.
العبرة هي أن ما يبدو خيارا سهلا في بداية قد يكون الأكثر كلفة في قادم الأيام. وان هناك لحظات تاريخية لا تتوفر فيها خيارات سهلة أو كاملة النظافة. واهم من ذلك أن أسس بيع المخدرات ألا يتعاطي التاجر من البضاعة التي يبيعها لان في ذلك تدميره. كذلك في السياسة، لا تصدق دعايتك عن نفسك ولا عن أعداءك حتي لو كانوا كيزان. بل شيد مواقفك علي التحليل العلمي لا علي أساس دعاية مريحة كالأفيون.
المهم، إحنا فرحانين أوي أوي لا حرج فيها بفرحة الشعب وهزيمة الجنجويد ولا نري في ذلك تماهيا مع كوز أو حكم عسكري وسنظل ندعو للديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان.
ولا نري أن الدفاع عن حق الدولة في الوجود وحق المواطن في السلامة ورفض الغزو الأجنبي – لا نري في أي من ذلك دليلا علي تورط في إبادات حدثت في رواندا في عام ١٩٩٤ أو في أم برمبيطة السودانية في عام ٢٠٢٦.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الشعب السودانی هذا المعسکر حرب بین

إقرأ أيضاً:

معرض الكتاب.. حفلات توقيع وتكريم لرموز الفن وتساؤلات والجوائز على الأبواب

«كون كبير في قلب صغير»، كتاب أهدته الكاتبتان علا عسكر ونهال فرج ومراجعة الدكتورة نسرين صلاح أستاذ المناهج بكلية البنات، للأمهات الزائرات لمعرض الكتاب حتى يتمكنّ من التعامل مع أبنائهن بطريقة سليمة وسوية.

يهدف الكتاب إلى تعريف الطفل بهذا الكون بكل ما فيه من مخلوقات وظواهر طبيعية بما يتناسب مع المرحلة التي يمر بها وليحتفظ بنقاء قلبه الذي مازال على الفطرة، وليتمكن من النظر للكون نظرة متدبرة تجعله موقنًا أن لهذا الكون خالقًا يحبه مما يستوجب محبة هذا الخالق حبًا خالصًا.

وضع الكتاب برنامجا قابلا للتنفيذ لتوجيه رسالة واحدة هي «أن الله خلقنا في أجمل صورة» ويستغرق تنفيذ البرنامج ما يقرب من شهرين تختلف من حالة لأخرى وفقًا للوقت المتاح وعمر الطفل ومدى استيعابه وقد يحتاج الطفل لتكرار النشاط، والكتاب يقدم المساعدة لزرع القيم الإيجابية في نفوس الأبناء كما ينمي مهاراتهم الشخصية، ويحقق الكتاب فكرة «الوقت المفيد» بمنح المربى فرصة لقضاء الوقت الجيد مع أطفاله في مدة زمنية لا تتعدى 30 دقيقة، صدر الكتاب عن دار طيبة بوك ستور.

مقالات مشابهة

  • التبرع بالأجزاء !!
  • خفض حصة التشخيص المتميز في بريميم هيلثكير إلى 1.1 %
  • توسيع الحرب في الضفة ومخطط التهجير
  • نصب كمينا خارج المعسكر.. تفاصيل جديدة حول عملية إطلاق النار عند «حاجز تياسير»
  • هل يتوافق فرقاء السودان على أسئلة اليوم التالي للحرب؟
  • انطلاق المعسكر السنوي الـ 17 لمجموعة الأم دولاجي الكشفية بإسنا
  • معرض الكتاب.. حفلات توقيع وتكريم لرموز الفن وتساؤلات والجوائز على الأبواب
  • أنهضي يا أحزان الحرب العبثية وأتَّحدي يا أفراح الدولة المدنية
  • نشأت الديهي: إحنا مع اختيارات الشعب السوري ولا نتدخل في شأن داخلي