الخونة اللئام يتآمرون على السودان من الخارج والداخل
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
الخونة اللئام يتآمرون على السودان من الخارج والداخل؛ وقادة أحزاب وتنظيمات التكايا كاسرين ركبة في بورتسودان يتلمظون انتظاراً لنصيبهم المرتجى من السلطة بعد انتهاء الحرب؛ بينما لا يشغل الكيزان إلا الاصطفاف مع القوات المسلحة السودانية كتفاً بكتف وظهراً لظهر لتحرير ما دنسته المليشيا!
حسين ملاسي
إنضم لقناة النيلين على واتساب.
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
عن رمضان البديني
يفقد رمضان بعض طعمه عند كل مسلم، إذا صام بعيدا عن موطن أهله، وعند مقدم كل شهر فضيل، يشدني حنين جارف إلى موطن أهلي، جزيرة "بدين" النهرية في شمال السودان النوبي، هذا، رغم أنني بارحتها وعمري 14 سنة، ولم أعد إليها قط، وعشت في مناطق مختلفة من السودان سنوات أطول من تلك التي عشتها هناك، ففي جميع الأرياف يكون جميع من هم حولك أهلك، ويشجع إيقاع الحياة الهادئ الناعم، على التوادد والتراحم والتكافل.
وكلما هلّ علينا رمضان، أتذكر مرحلة الصبا في بدين، وتعرضي ورفاق المرحلة العمرية للشحن العاطفي كي نصوم لنثبت أننا رجال، لم يحدثنا أحد في المدرسة أو البيت أو الحي، عن الصوم المتدرج لمن هم في مثل عمرنا، بل لم يحدثونا عن صوم رمضان على أنه فريضة على كل بالغ وعاقل ـ فقط قالوا لنا إن "الصوم يليق بالرجال"، ولم يكن منهج التربية الدينية المقرر من وزارة التربية معنيا بغير التلقين الببغاوي، ولم يحدث أن مدرس تلك المادة قام بالوضوء والصلاة معنا من باب التدريب العملي ونحن في الفئة العمرية 7 ـ 9 سنوات، بينما حرص مسلحا بعصا خيزران على أن نحفظ فرائض وسنن الوضوء غيبا، وتخيل حال صبية نوبيين ليس في لغتهم الأم حروف ث، ح، خ، ذ، ز، ص، ض، ظ، ع، غ، وهم مطالبون بحفظ مصطلحات وكلمات مثل الاستنشاق والاستنثار ومسح صماخ الأذنين، ثم يقولون لهم إن من نواقض الوضوء ما يخرج من السبيلين، والشك في الحدث.
كل هذا لتلاميذ يسمون الوضوء "ودوء" والصلاة "سلاة"، وحتى تلميذ السودان العربي المعاصر إذا حدثوه عن أن ما يخرج من السبيلين يبطل الوضوء أصيب بارتباك، لأن السبيل في السودان هو زير/ جرة الماء التي ينصبها فاعل خير على قارعة الطريق ليستسقي منه المارة، فيحسب التلميذ الصغير أن شرب الماء من "سبيل" فيه زيرين/ جرّتين يبطل الوضوء.
يفقد رمضان بعض طعمه عند كل مسلم، إذا صام بعيدا عن موطن أهله، وعند مقدم كل شهر فضيل، يشدني حنين جارف إلى موطن أهلي، جزيرة "بدين" النهرية في شمال السودان النوبي، هذا، رغم أنني بارحتها وعمري 14 سنة، ولم أعد إليها قط، وعشت في مناطق مختلفة من السودان سنوات أطول من تلك التي عشتها هناك، ففي جميع الأرياف يكون جميع من هم حولك أهلك، ويشجع إيقاع الحياة الهادئ الناعم، على التوادد والتراحم والتكافل.أذكر أنني صمت "صوم إثبات الرجولة" وأنا دون العاشرة، وكما الرجال من حولي، نزلت إلى النيل لقضاء معظم ساعات النهار سباحة، ثم غصت ونزل ماء بارد إلى جوفي ولا أجزم أن ذلك كان متعمدا أو مصادفة، ولكنني أحسست بالانتعاش، فغصت ثانية وشفطت جرعة ماء كبيرة، وأخرى وثالثة وسابعة، ثم طفوت وأنا أحس بالرهق الشديد، وجرجرني أحد الكبار إلى الشاطئ، وجلست هناك منكس الرأس فإذا بالماء ينسكب عبر فمي "عفويا"، وأحسست ببعض الراحة وتركت الماء يواصل الانسكاب، ثم انتبهت إلى أنني محاصر بطوق من أقراني يضحكون علي، لأنني صرت "أرمدان كبي"، أي فاطر رمضان، فمن عجائب اللغة النوبية أنه ليس بها كلمة واحدة تبدأ بالراء، وإذا أخذنا في الاعتبار أن محاولة نطق الضاد تصيب النوبي بفتق الحجاب الحاجز، صار شهر الصوم "أرمدان" بعد أن يحل الدال محل الضاد.
كنا كأطفال وصبية نحب رمضان لأن مائدته عامرة بالطيبات، وفي بلدتنا بدين لم نكن نعرف اللحم إلا يومي الإثنين والخميس المخصصين لـ"السوق"، حيث يفد التجار وباعة الخضروات والقصابون من كل النواحي، ولكن وفي رمضان، حتى لو غاب اللحم عن المائدة ـ كانت هناك أطباق تحوي ما لذ وطاب، وكنا في ذلك الزمان نحسب الشعيرية من طعام الملوك، لأن بيوتنا لم تكن تعرفها إلا في سحور رمضان، ولم يكن من سبيل لمشاركة الكبار طبق الشعيرية إلا بتقديم موعد السحور، فكان أن مددنا ساعات لعبنا في تل الرمل الذي يتوسط حينا، حتى يتغلب سلطان النوم على الكبار، ولم يكن وقتها هناك من يملك ساعة في بلدتنا سوى العمدة ومدير المدرسة الابتدائية، وكان الناس في رمضان وغير رمضان ينامون بعد صلاة العشاء مباشرة، وهكذا كنا نقاوم النوم حتى نحو العاشرة مساء، ثم نطوف في حواري الحي ونحن نقرع على قطع معدنية، ونهتف بلسان نوبي جهوري "اسه يا نايم وهِّد الدايم"، وترجمتها "اصح يا نائم وحِّد الدائم"، فيصحى النائمون، وتبدأ الأمهات في إعداد الشعيرية والرز بالحليب، فنعود إلى البيوت ويصبح من حقنا أن نشاركهم مائدة السحور، ولم ينكشف أمرنا إلا بعد أن أصاب الأرق أحد الكبار في الحي، لم يواصل النوم بعد السحور، وانتبه إلى أن الفاصل الزمني بين موعد السحور "المفبرك" والشروق طويل جداً.
كان مؤذن الحي، وكما أدركنا لاحقا، يلحق أذى جسيما باللغة العربية ويفرغ الآذان من بعض معناه، فقد كان يهتف: هي ألى السلاة (حي على الصلاة)، هي على الفلاه (حي على الفلاح)، فمطالبة النوبي بنطق الحاء والصاد، عسفٌ وقسوة وتعذيب بلا طائل. ولم يكن بين من هم حول المؤذن من كان مؤهلا لغويا لتصويب أخطائه، وتحضرني هنا فتوى د. سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في الأزهر، الذي قال إن كل طلاق حدث في مصر كأن لم يكن، وباطل، لأن المصري يقول لمن يريد طلاقها: أنت طالئ، وليس طالق ويقول طلأتِك بالثلاثة، وودت لو ألتقيه لأسأله: هل حج المصري مقبول وهو يعلن النية: نويت "الحق"؟ والنية ضرورية لصحة الحج.