قرار التهجير لا يخضع لأوامر ترامب ولا موافقة مصر والأردن
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
يمانيون../
عندما يطلب رئيس أكبر دولة في العالم وبشكل علني وليس من وراء الكواليس تهجير شعب، ويوجه طلبه إلى رئيس مصر وملك الاردن، فهو أمر يجب ألا يُستهان به أو وضعه في خانة جس النبض أو بالونات الاختبار أو المناورات السياسية، خاصة وأنه كرر حديثه أكثر من مرة وبعد إعلان مصر والأردن رفضهما علناً، مما يشير إلى أن هناك إصرارًا أمريكيًا وأن هناك أوراق ضغط أمريكية تجعل من الحديث الأمريكي حديثًا متعاليًا وواثقًا بهذا القدر.
ومن المعلوم أن ملف تهجير أهل غزة إلى مصر والأردن ليس وليد اللحظة، وإنما هو ملف قديم وقابع في أدراج وثائق الأمن القومي الصهيوني، ومن المعلوم أيضاً أن الشعب الفلسطيني أفشله في أكثر من محطة بسبب تمسك الشعب بأرضه، وبسبب وجود مقاومة باسلة تقاوم محاولات التهجير القسري المستمرة، مما يؤكد أن التهجير ليس قراراً أمريكيًا ولا صهيونيًا ولا يخضع لموافقة الدول العربية من عدمه، ولكن يقود الإصرار عليه إلى تداعيات خطيرة على الشعب الفلسطيني، وخاصة في ملف إعادة الإعمار، وكذلك إلى تداعيات نذر المواجهة بين الأنظمة الرافضة وأمريكا وتداعيات ذلك على المنطقة.
وهنا نحاول إلقاء الضوء على ملف التهجير وخلفيات دعوة ترامب وعوامل الرفض العربي ومدى صدقها وإمكانية صمودها وهل توجد أوراق قوة لدى هذه الأنظمة، وكذلك العامل الشعبي الذي استدعته الأنظمة للاستقواء به وأهميته، وذلك تالياً:
1- ملف التهجير القديم المتجدد:
فكرة التهجير تولَّدت مع النشأة المشؤومة للكيان الصهيوني القائم على الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وفكرة تهجير أهل غزة نوقشت في مخططات تفصيلية وبشكل جدي بعد حرب العام 1967 في حكومة “ليفي أشكول” عبر “موشي دايان” وعدة وزراء، وكانت خطة “يغال ألون” من أبرز وأشهر خططها، وكانت تحت مسميات مخففة وهي التشجيع على الهجرة الطوعية، وهو نفس المسمى الذي يستخدمه “بن غفير” و”سموتريتش” حالياً.
وكانت خطة الجنرالات التي يكمن وراءها “إيغورا آيلاند” جزءًا من هذه الخطة في شمال غزة، ويعد إيغورا أبرز الداعين إلى تهجير أهل غزة، وقد أعاد إحياء الفكرة في مطلع القرن الحالي.
ولعل إدارة ترامب التي اعلنت أن مساحة الكيان صغيرة، والتي اعترفت بضم الجولان في ولايتها الأولى وكذلك نقل السفارة للقدس هي الوجه الأمريكي الملائم لطرح الفكرة علناً وممارسة هذا الضغط غير المسبوق على النظامين المصري والأردني، وهو نوع من تحصيل الهدف عبر السياسة جراء العجز عن تحصيله بالقوة بعد عام وثلاثة أشهر من حرب الإبادة صمدت خلالها المقاومة وصمد خلالها الشعب على أرضه، وتم تكليل المشهد بعودة أهل شمال غزة باحتفالات شعبية تحتضن المقاومة.
2- الإدارة الأمريكية وتوزيع الأدوار:
بات من المعلوم بالضرورة في السياسة، أن الإدارات الأمريكية هي واجهات لنخبة إستراتيجية حاكمة عابرة للرؤساء، بدليل عقد اتفاقيات إستراتيجية كبرى عابرة للإدارات المتعاقبة، ولا يتم ترك حرية الانقلابات الإستراتيجية لأهواء الرئيس ولفترته الرئاسية المحدودة.
وقد سعت إدارة بايدن إلى تهجير الشعب الفلسطيني بطريقة خبيثة عبر دعم حرب الإبادة وتحويل غزة إلى مكان غير قابل للعيش، في الوقت الذي كانت تتظاهر فيه بدور الوساطة وتتغنى به بالمطالب الإنسانية والمساعدات وتدعي وجود خلافات وتمايزات بينها وبين حكومة نتنياهو المجرمة والمطلوبة للمحكمة الجنائية الدولية.
ومع تصدي شخص فج مثل ترامب لتمثيل “الإمبراطورية الأمريكية”، حاول ترامب ممارسة الإستراتيجية الأمريكية التي قوامها الحضور بالصورة وامتلاك مفاتيح الحل الإستراتيجي، ولكن جاء في لحظة أوشكت فيها الجبهة الصهيونية على الانهيار وأوشكت فيها أمريكا على التورط بشكل مباشر في الصراع بعد اشتباكها المباشر مع اليمن وخسائرها من الطائرات المسيرة واستهداف حاملات طائراتها بشكل مباشر.
وهنا كان قرار وقف إطلاق النار وبشكل ضاغط حقيقي لاحتواء تدهور الأوضاع مع لبنان بعد استهدافات المقاومة في لبنان للعمق الصهيوني بشكل نوعي وبعد يأس العدو من الاحتلال واختراق القرى عبر القوة العسكرية، وبعد الخسائر اليومية في غزة دون تحقيق أي هدف أو تحرير أي من الأسرى.
وبعد ما بدا أنها هزيمة صريحة للعدو باعتراف السياسيين والإستراتيجيين الصهاينة، وبعد نذر تفكك الائتلاف الحاكم وحالة الإحباط التي عمت الجبهة الداخلية للكيان، خرج ترامب بأوامر التهجير للأنظمة الرسمية كنوع من أنواع استرضاء اليمين الصهيوني وحماية حكومة نتنياهو من الانهيار وكبديل لمواجهة المقاومة بقراءة مفادها أن الضغط على الأنظمة الرسمية يمكن أن يحقق الأهداف التي فشلت بمواجهة المقاومة.
3- الموقف الحقيقي لمصر والأردن من التهجير:
لا شك أن موقف النظامين المصري والأردني من رفض التهجير هو موقف صادق، لأنه لا يتناقض مع الأمن القومي للدولة المصرية والأردنية فقط، بل يتناقض مع أمن النظامين.
ودون تفتيش في النوايا الوطنية أو تقييم لتوجهات النظامين المطبعين مع العدو، فإن في مخيلة الأنظمة وذاكرتها التاريخية، تكمن مشاهد التورط في الصراع بعد وجود جموع فلسطينية يتم تهجيرها قسرًا ولا تخلو من مقاومة ومطالب للعودة.
حيث توجد في الذاكرة الإستراتيجية للأنظمة مشاهد تواجد منظمة التحرير في الأردن ومقاومتها للعدو الإسرائيلي من داخل الأردن ثم الاشتباكات التي حدثت بينها وبين الجيش الأردني في ما عرف بأيلول الأسود بعد الضغط على الأردن لكبح جماح المقاومة، وكذلك توجه منظمة التحرير للبنان ومقاومتها للعدو من الجنوب وما تبع ذلك من تداعيات الحرب الأهلية والاجتياح الصهيوني للبنان.
وبالتالي فإن النظامين المصري والأردني على الأقل يخشيان من التورط في صراع وحرب مع الكيان إذا ما تسبب التهجير في انطلاق مقاومة من أراضي الدولتين أو احتكاك مع العدو يورط الدولتين بشكل مباشر في الصراع.
وبالتالي فإن السؤال ليس هو مصداقية الرفض للتهجير من عدمه، ولكن السؤال هو عن القدرة على التحدي والصمود والثبات على الرفض وتحمل تداعيات ذلك، خاصة وأن ترامب لوح بعصا المساعدات الأمريكية، وهي لا تقتصر على المساعدات الاقتصادية والعسكرية، بل تدخل إلى نطاق الشرعية التي تغطي هذه الأنظمة وتوفر لها شرعية دولية وأهلية للاستدانة ورفع للحصار والمضايقات التي تحاول أمريكا بها إسقاط الأنظمة الخارجة عن الطوع.
4- أوراق القوة لدى الأنظمة لمواجهة أمريكا:
لا شك أن النظامين المصري والأردني فرطا كثيرًا في أوراق القوة عبر الاعتماد على الاستدانة وعدم امتلاك اقتصاد مقاوم، كما تم تحييد القوة الشعبية في مصر والتي استدعتها مصر مؤخراً لتظاهرات بالتنسيق مع الأمن المصري لإيصال رسالة شعبية إلى ترامب، وربما لو كان النظام المصري ترك الإرادة الشعبية للتعبير عن نفسها منذ بداية الأزمة لما كنا قد وصلنا لهذه اللحظات الحرجة.
ولكن يبدو أن مصر والأردن قد اعتمدا على الدعم الخليجي سياسياً بتدشين مؤتمر سداسي تحضره مصر والأردن وقطر والإمارات والسعودية وجامعة الدول العربية، وهو أمر لا يشكل ورقة قوة لأن بياناته تشابه بيانات القمم العربية التي لم تمنع حرب الإبادة، والتي تخلو من أوراق الضغط.
ولو كان هناك دعم خليجي سياسي حقيقي، فإن الأنظار تتجه للسعودية التي وعدت ترامب باستثمارات قدرها 600 مليار دولار، ويريد ترامب زيادتها إلى تريليون دولار مقابل التوجه للسعودية كزيارة أولى بدلاً من بريطانيا، وبالتالي لا بد من جعل هذه الاستثمارات مشروطة لو أراد الخليج منع التهجير ومساندة مصر والأردن والفلسطينيين.
ولا شك أن احتضان البلدين لخيار وثقافة المقاومة والانفتاح على حركات المقاومة هو الرادع الأكبر، ولكن تاريخ الأنظمة منذ “كامب ديفيد” لا يجعل من هذا الأمر محل تفاؤل كبير.
والخلاصة أن هناك صراع إرادات بين أمريكا التي تدافع عن هيبتها بحتمية الانصياع لأوامرها من الدول التابعة وبين إرادة هذه الأنظمة للبقاء، وهو ما قد ينتج مشاهد جديدة في المنطقة، وهناك عرقلة محتملة لملف إعادة الإعمار لإجبار الفلسطينيين على الهجرة بعد ترك غزة ركامًا ورمادًا، وهناك نوايا واضحة للغدر وخرق وقف إطلاق النار وتجديد العدوان، ولكن لا خوف على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني إذا ما صمدت المقاومة وإذا ما تمسك أهل غزة والضفة بالأرض، فالتهجير ليس قراراً أمريكيًا ولا موافقة عربية ولا حرباً إجرامية للإبادة، وإنما هو رضوخ وكسر للإرادة، وهو ما لم يحدث مع المقاومة والشعب الفلسطيني ولن يحدث بعد إثبات المقاومة وجبهاتها والشعوب إصرارها على الانتصار والبقاء بعزة وكرامة مهما كانت التضحيات.
العهد الاخباري إيهاب شوقي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی مصر والأردن أهل غزة
إقرأ أيضاً:
كيف ولماذا استفزّ ترامب “الدولة العميقة” في مصر؟
سرايا - أيّدت حركة حماس باسم المقاومة الفلسطينية علنًا لا بل تقصّدت إصدار بيان تأييد علني لتوصيات ومقررات قمّة القاهرة العربية الاخيرة لعدة أسباب ومن بينها ملاحظة أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهجير أهل غزة الى مصر والأردن استفزّت الدولة العميقة في مصر بطريقة غير مسبوقة حتى أن مسؤولين في حركة حماس لاحظوا مؤخرا بأن الجانب المصري أنشأ مطبخا سياسيا متحركا يعمل بنشاط شديد ولأول مرة تجاه ما يجري في قطاع غزة.
المطبخ السياسي الأمني الذي يُدير باسم المصريين عناصر وقواعد الاشتباك تأسّس بشكل ناشط مؤخرا وفقا لما لاحظته قيادات في حركة حماس بعد تأكيد الرئيس الأمريكي أكثر من مرة أنه ينوي تهجير أهل غزة الى مصر.
وهو الموضوع الذي يُعتبر بمثابة خط أحمر للأمن القومي المصري، ولاحظ الجميع أن الدبلوماسية المصرية نشطت بشكل ملحوظ الى جانب الاردنية خلال كل تحضيرات قمّة القاهرة الأخيرة.
لكن السبب الرئيسي الذي دفع حركة حماس لإصدار بيان تعبر فيه عن تثمينها للمقررات وجود مساحة إيجابية تتّفق مع ما ناقشته الحركة سابقا مع المؤسسات المصرية والعنصر الأهم في إعلان حماس التأييد لبيان الخدمة العربية هو غياب أي عبارة تُطالب بتسليم سلاح المقاومة.
وقرّر المستوى السياسي لحماس التعامل بهدوء مع بيان القمة قبل صدوره ووضع معايير لإصدار موقف من هذا البيان واشارت تلك المعايير إلى أن تضمن أي عبارات في البيان الختامي لها علاقة بورقة سلاح المقاومة من حيث سحبها أو عدمه هو المعيار الأساسي.
ولذلك تؤكد مصادر حركة حماس على أن عدم وجود نص في البيان الختامي لقمة القاهرة يدعو لسحب سلاح المقاومة قد يكون العنصر الأكثر تأثيرا الذي دفع الحركة لإظهار تأييدها علنًا لبيان القمة ومكافأته بالرغم من وجود بعض الملاحظات.
ومن بينها غموض فكرة الاستعانة بقوات تأمين كما سماها البيان أو أمن دولية الطابع في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومثل هذا الموضوع لم يسبق أن ناقشته المقاومة الفلسطينية مع المصريين.
الانطباع أن العبارة التي تتحدّث عن قوات من خارج المنطقة لرعاية بعض مناطق التماس ونزع الاشتباك مع الإسرائيليين حتى بتصنيف حركة حماس لا تزال عبارة غامضة.
وتحتاج للكثير من التوضيح والشرح لكن حماس لا يوجد لها موقف محدد من مسألة وجود قوات دولية أو قوات مراقبة دولية وإن كانت النصوص تتحدث حسب بعض التفسيرات في بيان القمة عن قوات تأمين وليس قوات مراقبة.
وهو الأمر الذي قد يدفع باتجاه مشكلات كبيرة لكن بعد الاستفسار شرح دبلوماسيون مصريون أن القصد في الخطة المصرية هو وجود قوات دولية تُراقب ما يُتّفق عليه مثل آلية مراقبة القوات الدولية على الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة.
في مجالات أخرى وزن بيان القمة الختام السياسي بالنسبة لمقايسات ومعادلات حركة حماس كان يستوجب الإشادة خصوصا وأنه لم يتضمّن دعوات إلى سحب سلاح المقاومة كما تضمن خطة فيها قدر من التفصيل بُنيت على أساس إعادة بناء قطاع غزة بدون تهجير السكان خلافا لأن الآلية الانتقالية التي اقترحتها الرؤية المصرية لا خلاف عليها فيما يتعلق بأعاده تكليف لجنة الإسناد وهو مطلب كانت قد اقترحته أساسا حركة حماس بإدارة الأمور خلال ستّة أشهر ثم يتم تشكيل إطار بالتوافق مع السلطة لاحقا في إطار إدارة غزة وهو أيضا عنصر لا تعترض عليه حركة المقاومة الفلسطينية.
رأي اليوم
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #فلسطين#مصر#ترامب#المنطقة#لبنان#القاهرة#اليوم#الدولة#أمن#القمة#غزة#الجميع#الرئيس#القوات#موسكو
طباعة المشاهدات: 976
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 08-03-2025 10:31 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...