ملحمة ومشهد عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، كان أبلغ رد على دعوات التهجير التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أنها تعنى ببساطة تمسك هذا الشعب بأرضه، ولا شىء آخر غير الأرض والوطن، بعد أن فقد كل مقومات الحياة، وكل ما يملك من مسكن أو أثاث أو مرافق أو خدمات، وأبسط مقومات المعيشة، بسبب الحرب البربرية التى استمرت لأكثر من عام، وكان هدف الاحتلال الإسرائيلى من شنها القضاء تمامًا على مدينة غزة، وتحويلها إلى ركام يستحيل العيش فيها، واجبار الفلسطينيين على هجرها.
الحقيقة أن مصر قالت كلمتها بوضوح فى مخطط التهجير الفلسطينى، وسجلت موقفها التاريخى والراسخ عندما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن مصر لن تشارك فى ظلم الفلسطينيين وترفض عملية التهجير، وهو موقف نابع من خبرات مصر المتراكمة فى هذا الملف، على اعتبار أن عملية التهجير ليست حلاً للقضية التى دامت سبعين عامًا، ولن يكون سببًا فى تأمين إسرائيل والعيش بسلام فى المنطقة.. بل إن عملية التهجير ستكون سببًا فى تفجير الأوضاع وزيادة الصراع ونقله إلى مناطق أخرى، بعد أن أكدت التجربة نفسها سابقًا أن عمليات التهجير التى حدثت فى عام 1948 وما بعدها كانت سببًا فى عدة حروب بين إسرائيل والعرب، واستمرار الصراع فى الداخل الفلسطينى الإسرائيلى، حتى جاءت الخطوة الشجاعة من الرئيس الراحل أنور السادات بعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل كان أساسها الأرض مقابل السلام، وهى التجربة التى أكدت نجاحها بعد مرور أكثر من نصف قرن عليها، وهى أيضًا نفس التجربة التى فحت الباب لطرح مبادرة السلام التى أطلقها العاهل السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز فى قمة بيروت عام 2002 على أساس حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وإقامة علاقات معها مع كل الدول العربية، إلا أن الرفض الإسرائيلى والاستمرار فى استخدام القوة وضم المزيد من الأراضى كان سببًا فى استمرار هذا الصراع.
للأسف الموقف الأمريكى بات يشكل أهم معوقات حل القضية الفلسطينية، بسبب الانحياز الأعمى للجانب الإسرائيلى والدعم غير المحدود عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، ولم تكن دعوة الرئيس الأمريكى ترامب لتهجير الفلسطينيين إلا استمرارًا لهذا النهج المعكوس الذى يتسبب فى مزيد من تعقيد هذه القضية التى تشكل قنبلة موقوتة لمنطقة الشرق الأوسط، ولها مردود سلبى على الولايات المتحدة الأمريكية بسبب سياستها المتناقضة مع كل قواعد وقرارات القانون الدولى والشرعية الدولية وحقوق الإنسان، وأيضًا مع موقف الولايات المتحدة نفسها فى تعاملها مع قضية المهاجرين إليها وإعلان حالة الطوارئ للقبض على المهاجرين وإعادتهم على طائرات عسكرية إلى أوطانهم سواء فى المكسيك أو كولومبيا وغيرهما من الدول، ورفض إقامتهم على الأراضى الأمريكية.. وفى ذات الوقت يدعو الرئيس ترامب إلى تهجير شعب بأكمله من أرضه ووطنه إلى دول مجاورة، ومطالبة هذه الدول بقبول المهجرين من أجل تأمين دولة تحتل وتغتصب أرض هذا الشعب! وهو تناقض غريب وتحد سافر لكل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، ويجب على الإدارة الأمريكية أن تعود إلى الخبرات المصرية والقاعدة التى رسختها مصر - الأرض مقابل السلام - إذا أرادت أن تحل هذا النزاع وتحقق الأمن والاستقرار لإسرائيل وكل منطقة الشرق الأوسط.
حفظ الله مصر
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صواريخ تناقضات الإدارة الأمريكية سبب ا فى
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة الأزهر يشيد بجهود القيادة السياسية في رفض التهجير القسري لأهل غزة
أشاد الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، بجهود القيادة السياسية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وموقفه الثابت الرافض للتهجير القسري للأشقاء في قطاع غزة.
وثمن رئيس جامعة الأزهر، المواقف المضيئة لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، تجاه قضايا الأمة، مؤكدًا أنَّ التاريخ سوف يسطرها بحروف من نور؛ جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الثاني لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات الذي يقام تحت عنوان: «البحث العلمي في الدراسات الإسلامية والعربية بين مشكلات الواقع وآفاق التطوير».
ونقل رئيس جامعة الأزهر، للحضور تحيات فضيلة الإمام الأكبر وصادق رجائه أن ينتهي المؤتمر بتوصيات علمية قيمة نافعة، مشيدًا باختيار الكلية لعنوان المؤتمر الذي تتبارى فيه العقول والأقلام، وهو «البحث العلمي في الدراسات الإسلامية والعربية».
وقال رئيس جامعة الأزهر: حسنٌ جدًا أن نجتمع هنا لنتحدث عن البحث العلمي الذي لا سبيل لرقيه وتقدمه ونهضته إلا بإنتاج المعرفة، والإضافة إليها، وألا نعيشَ عالة على ما تُنْتِجُهُ العقولُ الأخرى، مؤكدًا أنه إذا خَرَجْنَا من هذا المؤتمر بهذه التوصيةِ المهمةِ وهي (ضرورةُ إنتاج المعرفة)؛ فقد خَرَجْنا بيدٍ ملأى بالخير كله، مستدلًّا بحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السفلى».
وأشار إلى أننا فهمنا هذا الحديث على وجهٍ تحجرنا به واسعًا، وضيقنا به عموم الحديث الشريف، وذلك حين قصرنا فهمه على أن اليد العليا هي يد الغني التي تعطي الفقير شيئًا من الصدقة، ولو حملناه على العموم لكان سر نهضة الأمة؛ فاليد العليا في العلم خير من اليد السفلى في العلم، واليد العليا في العلم هي اليد التي تنتج العلم، واليد السفلى في العلم هي اليد التي تستورد العلم، واليد العليا هي اليد التي تملك القوة في الاقتصاد والزراعة والصناعة والغذاء والدواء والسلاح وفي كل مجالات الحياة.
وأشار رئيس الجامعة أنه إذا أردنا تطوير البحث العلمي والارتقاء به فعلينا أن نبحث عن الثغور التي ليس عليها مرابط، أي: عن الموضوعات الجديدة والرياض الأنف التي لم تحم حولها عقول الباحثين، وهذه كلمة نبيلة حفظتها عن شيخنا العلامة المغفور له الدكتور محمود توفيق محمد سعد.
وطالب رئيس الجامعة بالغوص في أعماق البحوث العلمية وعدم الاكتفاء بالوقوف على القشرة السطحية؛ لافتًا إلى أن الباحث الحقيقي لا يكون واقفًا عند الزَّبَد الطافي على سطح الماء؛ بل عليه أن يغوص في القاع بحثًا عن اللؤلؤ والمرجان والصدف الكريم.
وشدد رئيس الجامعة على أهمية الالتزام بأدب العلم وأخلاق المناظرة؛ بهدف الوصول إلى الحق والصواب، البعيد عن إثارة العوام وأشباه العوام، وإشعال نار تمتد لظاها لتأكل أمن الناس وراحتهم واستقرارهم، وتمتلىء ساحاتنا ثرثرة تضيع فيها الأوقات والأعمار؛ ويأكل فيها القوي الضعيف، ويشمت الغالب بالمغلوب، وتنقلب حياة الناس بين عشية وضحاها إلى حالة من البلبلة.
وبيَّن رئيس الجامعة أن العلم لا يؤخذ بكثرة الضجيج ولا بارتفاع الصوت ولا بكثرة الظهور، وإنما يؤخذ بطول المراجعة والمفاتشة والتحري والتثبت وحسن النظر والإنصات، حتى قال القاضي الباقلاني: إن العلم يحتاج إلى سكون طائر؛ يعني أن المسألة الدقيقة لو زقزق عصفور لطارت الفكرة وشردت وضاعت؛ ولذا كان أصحاب الفكر يستعينون بالظلام على صيد الخواطر وبنات الفكر المهذب حتى قال أبو تمام بيته المشهور:
خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى والليل أسود حالك الجلباب
واستعرض رئيس الجامعة خطوات جامعة الأزهر الموفَّقَة؛ ومنها: إحياء مجالس العلم لتنشغل الأقسام العلمية في مجالسها بالعلم حتى يُسْمَعَ للعلم فيها دَوِيُّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فإن العلم يزكو بالمدارسة التي تفتح آفاقه وتَمُدُّ مَيدَانَه وتبعث في كل نفس منه خواطر صالحة لأن تستنبط من المعلوم مجهولًا، ولأن تُنْجِبَ من رَحِمِ الفكرة فكرةً جديدةً، ومن رحم المعرفة معرفة جديدة.
وقال رئيس الجامعة: إن العلماء الصادقين لا يحولهم عن العلم فقر ولا غنى ولا تقلب الدنيا بهم، ويحسن لأن نُذَكِّرَ في هذا السياق بالمناظرة التي دارت بين أبي الوليد الباجي شيخ فقهاء الأندلس وابن حزم كبير علمائها وفلاسفتها؛ فقد دامت المذاكرة بينهما ثلاثة أيام، وفي نهايتها قال أبو الوليد لابن حزم: اعذرني فقد طلبتُ العلم على مصابيح الشوارع، يريد أنه بلغ مبلغه من العلم مع فقره الشديد الذي حرمه من اتخاذ مصباح خاص به، فقال له ابن حزم: أنا أبلغ منك عذرًا؛ فقد طلبت العلم على قناديل الذهب والفضة، يريد أنه لم يصرفه ثراؤه العريض عن الإقبال على البحث والدرس حتى بلغ مبلغه من العلم.
كما ذكر رئيس الجامعة أنه كان من الخطوات الجادة في جامعة الأزهر تكوينُ مجموعاتٍ بحثية تقوم على بعض المشاريع العلمية الناهضة التي ترفع شأن الجامعة، ومما يدخل في هذه التجربة دخولًا أوَّليًّا تلك اللجنة المباركة التي تقوم على إصدار موسوعة جامعة الأزهر في الحديث النبوي الشريف، وهي لجنة من أكابر علماء الحديث ومن شباب علمائه في جامعة الأزهر، هدفها إخراج عشرة آلاف حديث صحيح متنًا وسندًا، وقد أنجزت حتى الآن ما يزيد عن سبعة آلاف حديث. وكذلك من العمل الموسوعي الذي تنهض به اللجان ولا ينهض به فرد واحد موسوعة «أسرار تنوع القراءات في القرآن الكريم» فقد نوقشت في كلية القرآن الكريم بجامعة الأزهر ما يقارب العشرين رسالة دكتوراه في هذا المشروع، والآن يجري تنقيحُ هذه الرسائلِ العشرين واختصارُها وتهذيبُها والعملُ على إخراجها؛ لتكون أول موسوعة تتناول جميع القراءات القرآنية بالتحليل الشامل.
وأكد رئيس الجامعة أن العالم الذي نعيش فيه اليوم لا مكان فيه لجاهل ولا لمتكاسل، ورحم الله أحمد شوقي أمير الشعراء حين نظر إلى أبي الهول وهو رابض في الجيزة الفيحاء فقال:
تَحَرَّكْ أبا الهول هذا الزمانُ
تَحَرَّكَ ما فيه حتى الحَجَر
ودلل رئيس الجامعة بوصف للشيخ محمد الغزالي -عليه رحمة الله- للأزهر الشريف قال فيه: «إن الأزهر الشريف مصنع الأدوية لعلل الأمة، فإذا غُشَّتِ الأدويةُ التي يُصْدِرُها المصنع، فإن العلل ستبقى مضاعفة»؛ ومن هنا فإن العناية بالأزهر الشريف تعد من باب العناية بالدِّين، وقد حَفِظْتُ عن شيخنا أبي موسى–أطال الله في العافية بقاءه– قوله لي مشافهة: «إن الإصلاح في الأزهر الشريف كالإصلاح في الحرم» هذا سمعته أذناي من شيخنا العلامة ووعاه قلبي.
وأوضح رئيس الجامعة أنه إذا أردنا أن نرتقي بالعلم فعلينا أن تقوم حياتنا العلمية على مبدأ الإنفاق من العلم وعدم كتمانه، فإن العلم يزكو بالنفقة "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
ومن أمثال العرب: «خير العلم ما حُوضِرَ به».
وختم رئيس الجامعة كلمته بتوجيه الشكر إلى كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالسادات عميدها ووكيليها وأعضاء هيئة التدريس والإخوة الموظفين والعمال على مشاركتهم المستمرة في القوافل الإغاثية التي ترسلها جامعة الأزهر لأهلنا في غزة، لافتًا أنها أكبر كلية تسهم في هذه القوافل، سائلا المولى -عز وجل- النصر لإخواننا المسلمين في غزة، وأن يشفي صدورهم بهزيمة عدوهم، مؤكدًا أن العربي الصريح لا ينام على ذل، ولا ينام على ثأر، ومن أمثال العرب: «لا ينام إلا من اثَّأَر» أي: من أدرك ثأره.