الحراك الذى يشهده الشارع المصرى هذه الأيام، مؤشر جيد على تدفق الدماء فى شرايين الحياة السياسية لحمايتها من التيبس، ويؤكد هذا الحراك حرص المواطنين على حماية حقوقهم السياسية فى الاستحقاقات الانتخابية القادمة والتى ستبدأ بانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ، ويليها انتخاب أعضاء مجلس النواب، وقد تنتهى بانتخاب أعضاء المجالس المحلية، إذا تم فك عقدة قانون المجالس المحلية العالق بين أدراج الحكومة ومجلس النواب، حتى تعود الرقابة فى المحافظات، بعد توقف حوالى 14 عاما منذ قيام ثورة 25 يناير بعد أن أصبحت هناك ضرورة ملحة لوجود حوالى 60 ألف عضو مجلس محلى لمحاربة الفساد فى المراكز والنجوع والقرى على امتداد الرقعة العمرانية، وتجفيف منابعه، وتوفير الخدمات الأساسية التى يحتاجها المواطنون، ورفع الأعباء عن كاهل نواب البرلمان لتمكينهم من القيام بمهامهم الأساسية فى الرقابة على أعمال الحكومة والتشريع ومناقشة الموازنة.
هناك أكثر من دليل على وجود الحراك السياسى الذى ينبئ بإقناع حزب الكنبة عن التخلى عن سلبيته والمشاركة بإيجابية على الحياة العامة باعتبارها واجبا وطنيا نصت عليه المادة «87» من الدستور، وأتاحت لكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأى فى الاستفتاء تحت مظلة القانون الذى ينظم مباشرة هذه الحقوق. ولتيسير حصول المواطنين على حقوقهم السياسية ألزم الدستور الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب، كما تلتزم بتنقية هذه القاعدة بصورة دورية وفقا للقانون، وتضمن الدولة سلامة إجراءات الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها، ويحظر استخدام المال العام والمصالح الحكومية والمرافق العامة ودور العبادة ومؤسسات قطاع الأعمال العام والجمعيات والمؤسسات الأهلية فى الأغراض السياسية أو الدعاية الانتخابية.
والتزاما بالدستور الذى نص على المشاركة فى الحياة العامة، فإن هناك حوالى 70 مليون مواطن لهم الحق فى ممارسة الحقوق السياسية فى الانتخابات القادمة التى ستكون قبل نهاية هذا العام لانتخاب أعضاء الفصل التشريعى الجديد والمؤكد أنه سيكون عليه عبء القيام بدور أكثر أهمية للخروج من الأزمة الاقتصادية وتقوية شبكة العلاقات الدولية الخارجية التى تربط مصر بمختلف دول العالم عن طريق الدبلوماسية البرلمانية وتهيئة البيئة السياسية الخصبة فى الداخل عندما يتبارى النواب فى تبنى القضايا المختلفة التى تهم الشارع المصرى وتعمل على تعميق أواصر الوحدة الوطنية، ودفع الحكومة على القيام بدورها وتقويمها ومحاسبتها عن أى تقصير، ولن يحدث ذلك إلا من خلال نواب تفرزهم الدوائر الانتخابية، من المقبولين شعبيا والقادرين على القيام بالوظائف التى حددها الدستور لنواب البرلمان.
لا شك أن ما يحدث حولنا فى العالم وفى محيطنا يؤكد أن المرحلة القادمة تحتاج إلى نوعية خاصة من المتصدرين للعمل العام سواء على المستوى الحزبى أو الأهلى أو النيابى، فلن تكون هناك حاجة إلى أحزاب الوجاهة الاجتماعية والأحزاب العائلية ولا لنواب التشريفة الذين يسعون للحصول على لقب سيادة النائب ليكون كبير قومه، ولا لنواب الحصانة الذين يسعون للعيش من وراء ريعها، المرحلة القادمة فى حاجة إلى نواب مقاتلين يقترحون التشريعات ويمارسون آليات الرقابة من الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة، والوصول إلى هذه النوعية من النواب ليس من الصعب كما أنه ليس من السهل أيضا إذا أحسن الناخبون الاختيار، وإذا اعتبروا أن أصواتهم أمانة لا يعطونها إلا لمن يستحقها بالفعل، وأن أصواتهم لا تقدر بمال أو بأشياء عينية، وأنها ليست للبيع، ولكنها أمانة يحاسبون عليها، كما أن خروج الناخبين لأداء واجبهم الانتخابى أمانة أيضا.
الحديث عن الانتخابات التى ستتم خلال أقل من عام رغم أنه سابق لأوانه إلا أن الإرهاصات الانتخابية بدأت من الآن، هناك ملاحظة فى القرى، وبالأخص فى الصعيد فإن عدد الذين يفكرون فى الترشح لعضوية البرلمان يفوق عدد الذين يكتفون بدور النائب هناك منافسة شديدة للحصول على لقب سيادة النائب وهذا إن دل فإنه يدل على أن فكرة الوصول إلى النائب المطلوب والدور المطالب به لم تختمر فى العقول، وأن الأغلبية تسعى لاستثمار النيابة لكن مازال الوقت مبكرا والذى سيحسم هذه المسألة أن قوانين الانتخابات سوف يجرى عليها بعض التعديلات للاتفاق على الطريقة التى ستجرى بها الانتخابات فيما يعرف بالنظام الانتخابى، وهناك مؤشرات على أن الانتخابات ستكون بالقائمة المطلقة مع الفردى، والقائمة المطلقة سوف تتحكم فيها الأحزاب خاصة الأحزاب القوية، سيكون هناك تنسيق بين عدد من الأحزاب للدخول فى قوائم وتقسيم المقاعد حسب قوة كل حزب كما حدث فى الانتخابات الماضية، وسوف يختار كل حزب رجاله، ويخوض من يشاء الانتخابات كمرشح فردى.
الانتخابات بالقائمة المطلقة كما أن لها مزايا فلها عيوب، ولكن الدستور قد يكون فرضها بشكل غير مباشر رغم أنه لم يلزم المشرع بها، والفرض يأتى من ضرورة تمثيل التى ذكرها الدستور كالمرأة والشباب والأقباط والعاملين بالخارج والعمال. كما سيكون هناك تعديل للدوائر فى ظل الزيادة التى طرأت على عدد من السكان والتى بالتالى تتطلب زيادة عدد الدوائر وزيادة عدد نواب البرلمان.
حركة الشارع تطمئن على المستقبل، فى الحركة بركة بشرط أن تراعى مصلحة الوطن الذى لا يمكن أن تتحرك إلا فى ظله ولخدمته، لا حجر على رأى بشرط ألا يكون فيه مساس بالأمن القومى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن الشارع المصرى المجالس المحلية الخدمات الأساسية
إقرأ أيضاً:
لماذا ولّت الحركة الإسلامية الأدبار شرقاً؟
منذ سطو الحركة الإسلامية على السلطة، لم تواجه تمرداً أثار حفيظتها كتمرد دارفور وكردفان، فلم تحسب له الحسبان الكافي، ظناً منها أنه مجرد صداع يزول بتناول حبّة البندول، كما قال الطيب مصطفى مهندس كراهية الجنوبيين الذي فصل الجنوب أرضاً وشعباً، حينما عقد المقارنة بين تمرد قرنق وتمرد دارفور، فلم يدري استراتيجيو المركز المتجلي في الحركة الإسلامية، بأن التحدي الأكبر هو الغرب الكبير مصدر البترول والصمغ العربي، قبل أن يكون مصدراً للرجال الأشداء، فمن لا يقرأ التاريخ لا يهتدي إلى سواء السبيل، وإهمال الكيانين الغربي والجنوبي في معادلة الثروة والحكم، ينسف أي أطروحة سياسية تستهدف المحافظة على سلطة أصحاب الامتيازات التاريخية، وكثير من منظري المركز لا يعيرون بالاً للثورة الوطنية الأولى، فيركنونها في زاوية الدروشة، وفي الواقع هي غير ذلك تماماً، لقد كانت الأساس الذي أمّن الحاضر الجامع لشتاتنا، وهذه الصخرة الصماء المرتكز عليها إرث الوطن، ما تزال ترفد نار الثورة في كردفان ودارفور بالحطب والقش، وهذا الصمود هو الذي حطّم صنم المركز في الخامس عشر من أبريل قبل سنتين، لذا يكون من المستحيل استتباع هذه الكيانات الاجتماعية والاقتصادية، للمنهاج المركزي القديم الضارب بعرض الحائط قدر إنسانها وقيمة موردها الاقتصادي، والحريص على تكريسها لتكون مزرعة خلفية يرعاها المالكون – نفس منهاجية الجار الشمالي في التعامل معنا، وذات الملامح الاستعمارية التي رفضها المهمشون فثارت ثائرة المركزيين.
الشرق متنازع الأطماع والهوية بين السودان وإرتريا، وكونه محتضناً لميناء السودان يفرض عليه ذلك أن يكون منتقصاً في سيادته على أرضه، بحكم خضوع المنافذ البحرية لرادار الملاحة الدولية، لذلك حرصت الحركة الإسلامية وقائدها علي كرتي، على أن تجلي قيادة جيشها وسكرتارية إدارة شئونها إلى بورتسودان أولاً بأول، ولم يكن الإجلاء لعطبرة أو الدامر، للحسابات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية الصرفة، وشرق البلاد لم يشهد تمرداً عسكرياً عنيفاً يجبر السكان على توحيد الجبهة الداخلية، لذا استمرت به الدعاية القديمة (جيش واحد شعب واحد)، أما الشمال فيفتقر إلى الثقل السكاني والمورد الاقتصادي، وهذان عنصران لا فكاك منهما في الحرب، فعلى الرغم من تمدد الشمال كنخبة سياسية مثّلت عمق مركز السلطة لسنين، إلّا أن للحروب تدابيرها، هذا فضلاً عن ضعف الشمال وعدم جرأته على إبداء أي نوع من الامتعاض، الذي لا يسمح به الجار الشمالي، فانخفاض مستوى الديموغرافيا وانكشاف التضاريس ومجاورة دولة (لئيمة)، جميع هذه الأسباب كانت وما تزال تمثل دافعاً للغزوين الخشن والناعم لأرض النيلين، كل هذا وذاك لا يترك للشمال درباً غير دروب السير تحت ظلال الأسوار، ومن هنا وجد أنصار الحركة الإسلامية ضالتهم في الإقليمين، باعتبارهما مهيئين لممارسة نشاطها الهادف لاستعادة ملكها المنزوع، لذلك تراها الأكثر انزعاجاً من أي وقت مضى لانتقال الحرب إلى مروي.
الحركة الإسلامية من أكثر التنظيمات السياسية حظاً في السودان، كونها حصلت على امتياز حكم البلاد شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً بلا منازع، فامتلكت كل قواعد البيانات وكذا القواعد العسكرية، وعرفت كيف تؤكل الكتف، لكن خطأها الاستراتيجي القاتل، هو أنها أكلت كتف الخروف لوحدها، ولم تترك حتى العظام اليابسة لفقراء السودان، فبدلاً من أن تحافظ على كل شيء، فقدت كل شيء، وآخر مراحل التفاف ساقها بساقها ستكون على فراش الموت ببورتسودان، أو على السرير الأبيض في مروي، وسوف يتم إخراجها من هذين الإقليمين، ليس بقوة غريمها العسكرية الغاشمة، وإنّما باتفاق أصحاب المصلحة الدوليين، الناصبين لراداراتهم بميناء بورتسودان، الحاشدين لمراكز مخابراتهم على حدودنا المتاخمة، فالحركة هربت شمالاً وشرقاً لعلمها التام بأماكن الحظر، ومواضع الخطوط الحمراء المرسومة من قبل الدوليين، ومن ظن أن جغرافيا كوكب الأرض مثل الفلاة، أو كصحراء بيوضة يسدر فيها الراعي كما يشاء، فهو جاهل، فلم تكن سطوة الحركة الإسلامية على السودان إلّا بمباركة دولية، أما الآن، فقد تغيّرت الأحوال كثيراً، كالأحوال المترتبة على قرارات أجهزة المخابرات بحق العميل الذي انتهت صلاحيته، فلقد استنفذت الحركة الإسلامية غرضها في البقاء داخلياً وخارجياً، ولم يتبقى سوى تشييعها في مراسم احتفالية، يشرف عليها سكان الشمال والشرق، حينها ترحل السحابة الداكنة، وتنقشع الغشاوة من أعين الذين ضللتهم الدعاية الكذوب (جيش واحد شعب واحد).
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com